يوسف عزيزي
ايلاف – الخميس 20 سبتمبر2007
طهران: كان موعدنا مع “سيدة الغزل” الايرانية، زميلتي في اتحاد الكتاب الايرانيين سيمين بهبهاني في بيتها بشارع زردُشت في شمال طهران. سيمين بهبهاني شاعرة و ناشطة من اجل حقوق المرأة و عضو مؤسس لاتحاد الكتاب الايرانيين (كانون نويسندكان ايران)؛ ولدت في طهران عام 1927 حيث دخلت قبل شهرين، عامها الواحد والثمانين.
ف”سيمين خانم” ورغم كبر سنها لاتزال تنشد الشعر و تنشط من اجل احقاق حقوق المرأة و تساند كل من يرفع صوته و يحتج و يسجن. شاعرة مخضرمة تنتمي الى عائلة طهرانية عريقة تتذكر عهد الشاه كما عهد الجمهورية؛ والاكثر من ذلك تتذكر عهد ابوالشاه حيث كانت يافعة انذاك.
نشرت حتى الان 9 دواوين شعر و هناك ديوان آخر ينتظر الترخيص من وزارة الارشاد. كما نشرت كتابا نقديا و مجموعة حواراتها الصحفية. و قامت سيمين بهبهاني بترجمة منتخبات لعدد من الشعراء الفرنسيين المعاصرين الى الفارسية. وقد تُرجمت بعض آثارها الى الانكليزية و الالمانية والعربية و الروسية و السويدية و الفرنسية
والاُردية.
فقد دار حديثي مع سيمين بهبهاني حول الشعر الفارسي القديم و الحديث ورواده وكذلك القضايا الساخنة في ايران كقضة المرأة والقوميات و العرب.. الخ.
الشعر الفارسي الحديث و القديم
* يصفونك بسيدة الشعر الغزلي في ايران؛ لماذا؟
– لااعرف. ربما هناك اسباب لدى الذين منحوني هذا العنوان، وربما انهم يحبون شعري الغزلي. فقد تلقيت عدة عناوين او القاب طول عمري. فاول مرة وعندما كنت 13- 14 عاما، وجدت والدتي اشعاري المخبؤة تحت السجادة و وصفتني باسم ” هزار الشعر الفارسي”.
يقولون انه طلبوا من الغراب ان يجلب اجمل فرخ للطيور؛ اذ جاء بفرخه – وهو اقبح انواع الطيور – بعد النظر في كل انواع الطيور قائلا بانني لم ارى اجمل من هذا!
بعد ذلك و عندما طُرحت في الاوساط الادبية كشاعرة، جاءتني القاب اخرى: ” شاعرة الشعب” و” مها الشعر الغزلي” و” سيدة الشعر الفارسي” و في النهاية ” سيدة الغزل الفارسي”.
فيبدوأن نقاد الشعر الفارسي قرروا ان يمنحوا هذه “السيدة” ساحة
“الغزل” فقط، و هذه هي – ربما – ادق المجاملات. على كل، انني اشكرهم واتذكر الشاعر الفكهي هادي خرسندي حيث انشد لي بيتا من الشعر بعد ترشيحي لجائزة نوبل للاداب و عدم حيازت عليها قائلا:
ايها السيدة التي لم تحوزي على جائزة نوبل فانت و دون الجائزة ايضا ثمينة لنا وانني اقول حاليا:
ان الطموح الذي كان في رؤوسنا لم يتيسر لنا حتى بالالقاب
فاذا وضعنا المزاح جانبا يجب ان اقول انني لم انشد شعرا من اجل أن احوز على لقب او جائزة نوبل او ثروة و شهرة. فالشعر، ملجأء روحي. فعندما كنت اشعر بصفعة داء على جسدي او جسد غيري كنت الجأ الى خلوتي لأصرخ. اذ رقصت مع بهجتي في خلوتي هذا. الشعر هو حياتي و سأموت دونه.
* كيف ترين الشعر الفارسي حاليا؟
– نحو عامين و عيوني لم تسعفني في مجال القرأة؛ فانني لم اعرف ماذا جرى لي او ماذا اوقعوا بي. فقبل ذلك كنت اقرأ – تقريبا – كل شيء يصل لي. لكنني حاليا لم استطع ذلك.
ففي المجموع أن مردود الشعر في ايران بعد قيام الثورة اقل بكثير مما كان عليه قبل الثورة. على سبيل المثال اذكر هنا اسماء للشعراء ارجو الاتخونني الذاكرة: سيد علي صالحي يعد مكسب للادب الفارسي في اعقاب الثورة وكذلك هناك وجهان بارزان هما: شمس لنكرودي وحافظ موسوي. ولاننسى ان لهؤلاء جذور في ادب قبل الثورة الايرانية. فمن الشاعرات يمكن أن اشير الى خاطرة حجازي و بنفشه حجازي و فرشته ساري و غراناز موسوي و اخريات. لكن لدينا عدد كبير من الشعراء و الشاعرات اللائي لم ينضجن بعد حد الكمال.
في الواقع ان ما ترك مهمولا و مطرودا في ايران بعد الثورة هو الشعر و الادب. فالشعور بفقدان الامن، والاضطرابات المادية
والمعنوية في بيئتنا، و الرقابة المفروضة على المقالات والكتب،
و انتشار المخدرات و الكحول، تعد من الافات التي تهدد الحياة الثقافية في بلادنا.
فالشعراء البارزون الذين ترعروا قبل الثورة و مات معظمهم بعد الثورة، الفوا آثار جديرة بالاهتمام يتعلق نصفها بعهدنا هذا. فهؤلاء هم: احمد شاملو، و مهدي اخوان ثالث، و حميد مصدق، و فريدون مشيري، و م. آزاد، و منوشهر آتشي. كما يقيم حاليا البعض منهم بعيدا عن ايران و في منفاهم الاختياري بالخارج.فمن هؤلاء اشير الى اسماعيل خوئي، و نعمت آزرم، و يدالله رويائي.. الخ
قلمي المكسور يكتب بمرارة و منهل غزلياتي هي مياه العلقم في الصحاري الايرانية. فأدعوا لطول عمر الشباب الذين لازلنا نعلق الامال عليهم لربما تفور غدا هذه الآبار الارتوازية.
* ماهو رأيك حول ادباء بارزين عاصروك لكنهم قضوا نحبهم الان: جلال آل احمد، نيما يوشيج، احمد شاملو، فروغ فروخ زاد و..؟
– هذا السؤال يستلزم تحرير كتاب كامل؛ لكنني و بصورة موجزة اقول: جلال آل احمد، كاتب له اسلوبه الخاص، كان انسانا جريئا، جاهدا، طموحا للكمال، وقلقا لاحوال الكتاب الشباب و له ميزات المعلم الجيد. نيما يوشيج، يعد منعطفا في تاريخ الادب الايراني؛ فهو شاعر مفكر
و ملم بالادب العالمي و الفارسي القديم؛ يعرف التجديد التي حدث في الادب الاوروبي حيث استطاع و بجرأته المذهلة ان يقوم بتحول اساسي و مقبول في بنيان الشعر الفارسي المستمر منذ الف عام.
احمد شاملو، من الاوائل الذين قلدوا نيما يوشيج لكنه سرعان ما اوجد سياقا و اسلوبا خاصا لنفسه. اذ ترك الاوزان و العروض النيمائية
( المنسوبة لنيما يوشيج او شعر التفعلية) واسس لاوزان طبيعية عرفت بقصيدة النثر مستفيدا من النصوص الادبية الفارسية القديمة لكنه استخدم ايضا المفاهيم الحديثة و الصور الجديدة في خطابه الشعري و كان ناجحا في ذلك بشكل ملحوظ. فالشاعرة فروغ فروخزاد شهدت مرحلتين متمايزتين في حياتها الادبية: في المرحلة الاولى كانت تنشد القصائد من النوع
” الدوبيت” العادية القائمة على الوزن الحديث لتبدي عواطفها الصارخة بلغة بسيطة يفهمها الجميع. لكنها و في المرحلة الاخيرة اتجهت الى الاوزان الحرة النيمائية لتعدل في هذه الاوزان لتتميز عن الاخرين. وقد بدلت العواطف الجامحة و الصريحة بالصور
و الافكار، لكنها وفي عز عطاءها رحلت وادمت قلوب الادباء الايرانيين.
* ماذا تقولين لنا عن اعظم شاعرين في الادب الفارسي: عمر الخيام و حافظ الشيرازي؟
– اذا تقصد المقارنة بين العظيمين الخيام وحافظ الشيرازي فلايمكن لنا ان نقارن بين الاثنين. كان حافظ الشيرازي و عمر الخيام – كليهما- يركزان في شعرهما على انقضاء العمر و قصر الحياة؛ مع الفارق بان الشيرازي كان يعتقد بان موت الجسد لايمنع ديمومة الحياة و يعتبرها فاعلة في زمن بعد الموت حيث يقول:
لن يموت الذي عاش قلبه بالحب – و قد تم تسجيل ديمومتنا على صحيفة العالم.
لكن الخيام لم يؤمن بالحياة بعد الموت و جل افكاره تؤكد على الفرص القائمة في زمن الحياة المعاش حيث يقول:
كن سعيدا اذا كنت من شاربي الخمر
وكن سعيدا اذا عاشرت جميلة شقراء
وبما ان الفناء هو مصير العالم
فتصور بانك فاني، فكن سعيدا بما انك موجود
ويقدر حافظ الشيرازي، اغتنام الفرص لصالح المستقبل و ابناء المستقبل، و لايهتم الخيام باي مستقبل و يتسلى بسعادة مؤقتة
وعبثية؛ لكن فلسفته وفي هذه الفرصة القصيرة للحياة لم تخلوا عن الاعتناء بالانسانية و الشأن المتعالي للانسان و لهذا فان فلسفته تعلو على فلسفة ابيكور اليوناني.
اتحاد الكتاب و الرقابة
* نسمع اصوات لشعراء و كتاب ايرانيين يشكون هذه الايام عن الرقابة المشددة على الكتب في وزارة الارشاد؛ ما رأيك في ذلك؟
– كما ارى و اسمع فان الرقابة لاتزال مستمرة حيث يعتقد البعض بانها اصبحت اشد وطأة. برأيي ان الشعب الذي يضطر لقبول الرقابة في حياته الثقافية مثله كمثل الانسان الذي يعصبون عينيه و يغلقون اذنيه و يقولون له عليك ان تسير في طريق وعر ومجهول! فويل له!
* تعتبرين من المؤسسين لاتحاد الكتاب الايرانيين (كانون نويسندكان ايران)؛ كيف ترين هذه المؤسسة المدنية المستقلة التي لم تخضع للسلطات الرسمية لا في عهد الشاه و لا في عهد الجمهورية الاسلامية؟
– فقد تم انتخابي عضوا في الامانة العامة للاتحاد في العام 2002 بغالبية الاصوات لمدة عام لكننا – انا وسائر الزملاء في الامانة العامة – استمرينا في وظيفتنا لان الحكومة لم تسمح لنا بانعقاد الجمعية العامة للاتحاد خلال الاعوام الخمسة الماضية.
فاتحاد الكتاب الايرانيين، مؤسسة مستقلة حيث اعتبرها ملجأً لي واظن انها كذلك ملجأ لسائر الكتاب الايرانيين. وقد صمدت هذه المؤسسة لمدة 40 عاما امام التحديات و التعديات على الكتّاب. فالصوت الوحيد الداعم للكاتب هو صوت مجموعة اعضاء الاتحاد الذي يظهر بشكل بيانات يصدرها و تنعكس في كل انحاء العالم وذلك خلال الاغتيالات ( التي تعرض لها بعض اعضاء الاتحاد) و المشاكل و الاذى و التحقير الذي يتعرض له الكتاب الايرانيين. فقد رفضت المؤسسات الرسمية في العهدين الملكي و الجمهوري بعد الثورة الاعتراف بالاتحاد؛ فعليه لم يتمكن حتى الان من تسجيل نفسه في اي مرجع رسمي؛ لكنه لايزال يعد كمؤسسة مقبولة في كل انحاء العالم. فلم نتمكن حتى الان ان نملك مكانا للاتحاد لاننا ومن وجهة نظر الحكومة لا نملك الشخصية القانونية. غيران مكاننا هو قلوب الاعضاء الفسيحة التي تفتح بيوتها دائما لاجتماعات هذا الاتحاد.
هناك مبدئين يرتكز عليهما ميثاق اتحاد الكتاب الايرانيين: دعم حرية الرأي والتعبير و الضمير و معارضة الرقابة. فابواب الاتحاد مفتوحة لاي كاتب او شاعر ايا كانت عقيدته او مذهبه، شريطة ان يوافق على هاتين المبدئين حيث يحترم الجميع،المعتقدات الشخصية للاعضا؛ وانني اتمنى له الاستمرارية في العمل و النجاح.
* مدى معرفتك باللغة العربية؛ وهل تعرفين شيئا عن الادب العربي الحديث؟
– اللغة العربية مندمجة في اللغة الفارسية بشكل لايمكن الانفصام عنها. فعليه ان معرفة اللغة العربية ضرورية – على الاقل – للوسط الادبي في ايران.
انني اعرف الصرف و النحو العربيين و اقرأ العربية و الترجمة منها الى حد ما، لكنني لم افهم اللهجة العامية عندما يتحدث الاهوازيون باللغة العربية.
قرأت اشعار لغادة السمان مترجمة من العربية الى الفارسية، حيث لاشعارها ميزة خاصة. وقد التقيت بادونيس في جمعية الصداقة الايرانية الفرنسية في طهران العام الماضي. كما قرأت قصائد
واشعار لنزار قباني و محمود درويش. وقد التقيت قبل سنوات بالراحل ادوارد سعيد في رابطة القلم الامريكية ( بن). وقد رافقت الشاعرة الفرنسية اللبنانية فينوس خوري، ادونيس في زيارته لطهران وهما يماثلان العشيقان ” زهره و منوشهر” في الادب الفارسي.
نظرة الادباء المعاصرون للعرب
* نشاهد في الادب الفارسي الحديث، علائم واضحة تدل على معاداة العرب، خاصة في ما كتبه الروائي صادق هدايت و المؤرخ عبدالحسين زرين كوب و الباحث ذبيح الله بهروز و اخرون. بماذا تعللين هذا العداء الذي يصل حد المرض؟
– صحيح، اننا نجد في الادب القديم ايضا هذه الرؤية المعادية للاجانب. فمفردة ” الاعرابي” تحمل معها تخفيف مؤذي للاخرين. فالقاء نظرة الى آثار سعدي الشيرازي تظهر قصده من استخدام كلمة “الاعرابي”. فهو يقول: ( ترسم نرسي به كعبه اي اعرابي كاين ره كه مي روي به تركستان است).
أي أخشى بالا تصل الكعبة يا اعرابي فالطريق الذي تسلكه يأخذك الى تُركستان.
أو هذا البيت من الشاعر خاقاني: (اعرابيم كه در پي احراميان روم حج از پي ربودن كالا بر آورم) انني اعرابي اتبع خطى الحجاج وحجي هو من اجل سرقة البضائع.
وإما المرحوم زرين كوب لايمكنني ان احكم على معاداته للعرب (كما تدعي) لان حديثه في هذا المجال مرفق بالوثائق حيث يجب على معارضيه ان يتحدثوا بالوثائق وانني لست فارسة في هذا الميدان.
* ففي القران ايضا تحمل مفردة “الأعراب” و “الأعرابي” صفة سلبية بشكل عام. فانني اقول انه اذا استثنينا الحركة الشعوبية في القرن الثالث و الرابع الهجري والفردوسي بالخصوص، فان ما يليه من ادب فارسي ليس معاديا للعرب حيث نرى حبا جما للعرب و الادب العربي في شعر عمالقة الادب الفارسي ك ناصر خسرو البلخي و حافظ الشيرازي و محمد المولوي.
فالعهد الحديث الذي يبدأ من اواخرالقرن التاسع عشر هو بداية للمد الشعوبي الجديد المعادي للعرب في الادب الفارسي. وإما عن عبدالحسين زرين كوب يكفي ان نلقي نظرة على كتابه ” قرنين من الصمت” لنرى مدى حقده و عداءه لكل ماهو عربي حيث ابدى ذلك باشكال مختلفة من السب و التحقير و الاساءات البذيئة ضد العرب. فهل هذه وثائق؟
– وإما نظرتي لصادق هدايت اوسع. لاشك انه كان نابغة تهيمن عليه روح التشائم، و المعارضة لمظاهر الحياة الى حد النهاية. فقد كان يكره اللقمة التي يأكلها او المخدة التي ينام عليها. فلربما إنه خلق هذه الاثار الادبية الثمينة بسبب تلك الضغوط النفسية الحادة. كما انني لااتوقع من الكاتب ان يكون استاذا للمنطق او معلما للاخلاق. فيمكن ان تظهر افضل الاثار الادبية إثر معارضة الكاتب لهذه المبادئ. فلذا انني أعتقد أن معاداته للعرب كانت في مستوى معاداته لايران او بالاحري خليني اقول ان معاداته لنفسه كانت غيرارادية و لامنطقية.
فالامر لايثير الاستغراب. اذ كان تعامل العرب مع الايرانيين عنيفا في مطلع الفتوحات الاسلامية، حيث قاموا باضطهادهم رغم الوصايا الدينية؛ وهذا ما نراه خاصة في عدائهم للديانة الزرادشتية و ترويج الدين الاسلامي حيث اوجعوا الروح الايرانية و اثاروا الشعور بالحقد والكراهية ضدهم.
فنرى هذه النظرة الحاقدة للعرب بين المعاصرين ايضا و في آثار صادق هدايت اكثر من الاخرين. اذ يرى كل انواع الدناءة و الحقارة والبؤس الرائج بين الايرانيين بانه ناجم عن هيمنة العرب عليهم. غيران زرين كوب يسرد لنا التاريخ بوثائق و يعبر عن معتقداته حول العرب بكلام مستدل. فذبيح بهروز يستخدم العرب كمواضيع للفكاهة والمطايبة حيث لاتسمح له فكاهته ان يكون جديا في عداءه للعرب.
على كل حال اذا كان هناك في الحقيقة حقد و بغض في الكتب الفارسية تجاه العرب فانه رد فعل طبيعي على مظالم حكومات الامويين و العباسيين و امتدادتهم.
وإما انا ارفض اي نوع من التفاخر و التعصب القومي و الوطني. فانني ارى البشر مخلوقين من دم و لحم و احساس حيث يوجد فيهم الاحساس بالحزن و السرور بشكل سوي تقريبا. العالم و إثر تطوره الحضاري يجب ان يحترم حقوق الانسان اكثر فاكثر.
في هذه الايام يتم استخدام الدين و المذهب كذرائع لاثارة الاحقاد والحروب و النكبات. فانني ارى ان الابيض و الاسود و اليهودي والمسلم و الشيعة و السنة و في النهاية الغربي و الشرقي هي بطاقات مصمغة تثير الانسان الجاهل و الضال كي يسعى لمص دماء الاخرين ليحرق المرأة و الرجل و الكبير و الصغير و المذنب و البريء في جهنمه التي خلقها بيده.
فانني العن كل يوم و كل لحظة العقائد الشخصية و الاجتماعية والدينية و الطائفية التي تستخدم كذرائع لاثارة الحروب و الجنون.
انني ام لابناء يعتنق كل منهم عقيدة و مذهب؛ انني ام العالم، فقولوا لابنائي ان يكونوا لطفاء مع بعضهم.
* انا ايضا لااتوقع ان يكون الروائي معلما للاخلاق او المنطق لكنني اتوقع الا يكون استاذا للعنصرية خاصة ضد احدى القوميات القاطنة في هذا البلد وهم العرب الذين يتأثرون بهذا الخطاب العنصري. كما انني لاارى اي عداء من قبل صادق هدايت للحضارة الايرانية بل هو يمجد و يقدس بشكل غيرمنطقي هذه الحضارة خاصة ما يتعلق منها بقبل الاسلام. فمن حق الفرس ان ينقدوا الفتح الاسلامي لبلادهم كما يحق للمصريين والبابليين ان ينقدوا هجمات الاباطرة الاخمينيين على بلادهم و كذلك يحق للعرب ان ينقدوا عملية تمزيق اكتافهم من قبل الكسرى سابور الثاني الساساني، و للهنود ان ينقدوا الهجمات العسكرية الدامية لسلطان محمود الغزنوي و نادرشاه الافشاري على بلادهم ونهب ثرواتهم. لكن لايحق لكاتب او مؤرخ او روائي ان يواجه الشعوب الاخرى بعنصرية مقيتة كما يفعل محمود افشار و زرين كوب و صادق هدايت و بورداود و اخوان ثالث والعشرات الاخرين من زملائهم.
سيمين تتذكر الشيخ خزعل و نجله
* لنذهب الى سؤال آخر. كان لاحد اقربائك علاقات مع الشيخ خزعل (آخر حاكم عربي في الاهواز) ماذا تقولين لنا حول ذلك؟
– تتحدث عن فترة لم اكن متولدة فيها قط. غيرانني و في طفولتي كنت اسمع كثيرا عن الشيخ خزعل و نجله السردار اجل (الشيخ عبدالحميد) حيث كانا يعيشان انذاك في طهران. فقد سمعت دايتي (المربية) من حماتها التي كانت تعمل كداية في بيت الشيخ خزعل بان 4 اشخاص مجهلون دهموا بيت السردار اجل ( الشيخ عبدالحميد) ليلا، و ولوجوا غرفة نومه ونحروه، حيث شاهد اهل البيت جسده ورأسه المذبوح صباح تلك الليلة.
* يقول د. ويليام تيودور سترانك في كتابه “حكومة الشيخ خزعل بن جابر” المترجم الى الفارسية و المنشور مؤخرا في طهران بان السردار اجل هو لقب الشيخ عبدالحميد – الابن الثاني للشيخ خزعل – ويؤكد ب” انه قُتل بصورة مريبة في العام 1938 وعمره 38 عاما”. لكنك تكشفين في هذه المقابلة النقاب عن مقتل الشيخ عبدالحميد بصورة اكثر دقيقة و هذا امر تاريخي مهم.
– على كل حال، فان الشيخ خزعل – كما سمعت – كان حاكما لخوزستان ( الاهواز) حيث كان خالي العقيد رضاقلي ارغون قائدا للقوات العسكرية في تلك المنطقة و بالطبع كانت بينهم علاقات. فيبدو ان خالي الذي كان شجاعا و مطلعا كان يخطط للعصيان ضد الشاه رضا البهلوي في مطلع حكم هذاالاخير( 20 – 1925). وقد بعث ببرقية الى مجلس الشورى القومي (البرلمان) اعرب فيها عن معارضته لحكم الشاه رضا البهلوي؛ لكنه بعد ذلك تسلم فورا حكم اعدامه حيث اجتاز – هو و جواده – شط العرب ليلا و دخل العراق ومنها ذهب الى مصر و من هناك الى فرنسا وقد استقر في النهاية بتركيا. وبعد سقوط الشاه رضا البهلوي في العام 1941 اصدر الشاه الجديد محمدرضا البهلوي عفوا عاما، عاد خالي على اثره الى ايران.
القوميات الايرانية
* السؤال الاخير حول مشكلة القوميات غيرالفارسية و حقوقها الثقافية و الانسانية في ايران؟
– تتميز ايران و منذ القدم بانها مكان للتعايش السلمي بين مختلف القوميات حيث لم تعتبر اي من هذه القوميات نفسها منفصلة عن الاخرى. اليوم ايضا يعيش العربي و الكردي و اللوري و الاذري
و التركماني و البلوشي و القشقائي و البختياري في ايران كالخاتم، و الفص هو المناطق المركزية لايران حيث لافائدة للخاتم دون الفص و لاللفص دون الخاتم.
انني اؤمن بحق هذه القوميات للمحافظة على لغتها و ثقافتها وميزاتها القومية لكن لايجب ان نتغاضى عن القواسم المشتركة لكل الايرانيين اي يجب ان يتعلم ابناء هذه القوميات على الثقافتين. كما على السلطة المركزية في طهران ان تعتني بمشاكل القوميات وان تسعى لتأمين رفاه هذه القوميات التي تشكل اعضاء الجسد الايراني وان تسعى لترويج ثقافتها بين ابناء المركز حيث يعد ذلك ضروريا للتضامن بين القوميات و المركز. فمن المطلوب ان يتعرف اهالي طهران و اصفهان و شيراز على اللغة الاذرية و الكردية و ان يستفيدوا عن تقاليدهم و سننهم، حيث الامر كان رائجا بهذا المنوال بين الايرانيين. فالجيل السابق كان اكثر احتكاكا وتعرفا على ثقافة القوميات؛ ومن الافضل ان تدرس لغات وثقافات هذه الشعوب في مدارس المركز (طهران و المناطق الفارسية في وسط ايران) كما تدرس حاليا اللغة و الثقافة الفارسيتين في مناطقهم.
فلااتصور ان تقوم حكومة عالمية واحدة في المستقبل القريب لكنني اتصور ان على الدول التي تضم قوميات مختلفة ان تتجنب الفرقة والتشتت كي تمنع الدول الكبرى من القيام باي عدوان ضدها.
وضع المرأة الايرانية
* كيف ترين وضع المرأة الايرانية اليوم؟
– المراة الايرانية الغاضبة و المناضلة تطالب بحقوقها وسوف تنتصر. فقد ولجت المرأة الايرانية معترك النشاط المهني منذ اكثر من 80 عاما لنيل حقوقها المتكافئة مع الرجل. كما انها ناضلت قبل ذلك و الى جانب الرجل من اجل اقامة الحكم الدستوري في ايران. وفي المجموع ناضلت المرأة الايرانية من اجل الحرية و المساواة مع الرجل و تحقيق حقوقها الانسانية وذلك قبل العديد من زميلاتها في الدول الشرقية، بل و بعض الدول الاوروبية. ففي العام 1925 تم تشكيل رابطة النساء الوطنيات ( جمعيت نسوان وطنخواه) في طهران على يد عدد من النساء، منهن امي السيدة فخر عظمى ارغون. وقد انشأت الرابطة انذاك مدرسة لتعليم النساء من كبار السن حيث كان يدرس فيها اللغة الفرنسية و العربية و التاريخ و الجغرافية و حتى الموسيقى. ضف الى ذلك تدريس فن الخياطة والطباخة والتطريز وماشابه ذلك. اذ كان يحاضر فيها اساتذة ذلك العصر ك سعيد نفيسي و ملك الشعراء بهار و رشيد ياسمي و اخرين. اتذكر في طفولتي سيديتين عربيتين جاءتا من الدول العربية الى ايران بدعوة من رابطة النساء الوطنيات وهما حُنينه الخوري التي لم ترتدي الحجاب انذاك و السيدة نورالحمادة التي كانت تستخدم شالا على شعرها. فقد زارت السيدتان بيتنا في طهران وانا في السابعة او الثامنة من عمري حيث كانتا تتكلمان بالفرنسية او العربية مع والدتي. فقد كنت انظر اليهما باعجاب و اشادة لكنني لم افهم كلامهما. فقد استمرت الرابطة حتى العام 1935 ومن ثم تم انحلالها حيث التحقت بعض النساء الى جمعية المرأة الايرانية بقيادة السيدة صديقة دولت آبادي. وقد واصلت الجمعية عملها حتى العام 1941 حيث تحولت الى “منظمة النساء الايرانيات” المدعومة حكوميا.
اثمرت المساعي التي بذلتها المرأة الايرانية لنيل حقوقها في العام 1962 حيث حصلت على حق التصويت و المشاركة في الانتخابات وبات الطلاق من صلاحيات المحاكم حيث منعت الرجال من الطلاق من طرف واحد. و اصبحت السيدة فروخ رو بارسا وزيرة للتعليم و التربية و احتلت العديد من النساء مناصب هامة و رسمية. ( فقد تم اعدام السيدة فروخ رو بارسا في صيف عام 1979 بعيد قيام الثورة الاسلامية وذلك بتهمة الفساد والمشاركة في حكومة الشاه السابق).
و قد منعت السلطات الايرانية في العام 1935 (عهد الشاه رضا البهلوي ابو الشاه السابق) رسميا ارتداء الحجاب في ايران غيران معظم النساء الايرانيات لم يكن يتقبلن الامر حيث عادت فئات من النساء الى ارتداء الحجاب كالعباءة و المقنعة.
ودخلت المرأة الى الجامعة منذ العام 1935 ومن ثم اصبح عندنا عدد كبير من النساء الطبيبات و المهندسات و الدارسات الجامعيات.
وكانت د. مهرانكيز منوشهريان من اولى الفتيات اللواتي دخلن الجامعة و اصبحت اول خريجة جامعية من النساء حيث بذلت و لسنوات عديدة جهودا لتحقيق حقوق النساء في ايران.
فقد اصبح الحجاب امرا اجباريا للنساء بعد قيام الثورة الاسلامية ويتم فرضه حاليا على معظم النساء.
وقد واصلت المرأة الايرانية خلال الثورة وبعدها، جهودها لنيل الحقوق المتكافئة مع الرجل. ولدينا حاليا نساء في البرلمان و العديد منهن يشتغلن في المؤسسات الحكومية و الاهلية و في الجامعات و المستشفيات. فلم تذخر المرأة الايرانية جهدا لنيل حقوقها الانسانية حيث تضرب و تسجن و تحقر لكنها واقفة مغرورة و مصممة لتحقيق طموحاتها.
وتضم “الرابطة الثقافية للمرأة” حاليا، النساء المثقفات حيث تقوم بانشطة ملحوظة؛ واذكر منهن السيدة نوشين احمدي خراساني والسيدة بروين اردلان. كما تنشط جمعية اخرى للنساء وهي تضم النساء المحسوبات على التيار القومي – الديني ( التيار الاسلامي الليبرالي المعروف في ايران ب ملي – مذهبي).
وانا اتمنى ان يتركز نشاط النساء كله في الرابطة الثقافية الاقدم نسبيا حيث على النساء الايرانيات، الاتحاد والاتفاق للوصول قريبا الى المستقبل المشرق.