تضييق ممنهج ضدّ عرب إيران للسيطرة على ثرواتهم
بواسطة فايزة دياب15 أغسطس , 2021
(يشمل تقرير مجلة المجلة هذا، حوار مع يوسف عزيزي)
بيروت: لم تكن الاحتجاجات التي خرجت من محافظة خوزستان في يوليو (تموز) الماضي هي الأولى التي تشهدها المحافظة ذات الغالبية العربية، ولكن هذه المرّة كان منسوب الغضب الشعبي أكبر بكثير، ومناشدات المحتجين وصلت مسامعها إلى العالم وهم يطلبون النجاة من «ظمأ» فرضه عليهم النظام القمعي.
«ثورة العطش» دفعت عشرات الآلاف للخروج في مسيرات منددة بنقص مياه الشرب في المحافظة، وانقطاع التيار الكهربائي لأسابيع بسبب الجفاف الذي أدّى إلى خفض المياه المستخدمة في الطاقة الكهرومائية في السدود الإيرانية بسبب سوء إدارة الحكومات المتعاقبة في إيران، إضافة إلى بناء سدود وتحويل المياه من الأنهار والأراضي الرطبة في خوزستان إلى الأراضي الصناعية في المناطق المجاورة.
وبحسب وسائل إعلام إيرانية أدّى انقطاع المياه في المحافظة إلى عدم قدرة أفران المدن في المحافظة «على توفير الخبز لأيام، بسبب انقطاع المياه».
بدوره كشف مجتبى يوسفي، عضو البرلمان الإيراني عن مدينة الأحواز، أن هناك 800 قرية في المحافظة لا تحصل على المياه الصالحة للشرب بشكل مستدام.
أبعاد قومية ووطنية
تسكن الأحواز قبائل عربية متنوعة وعاصمتها هي المحمرة وتسمى الأحواز اليوم محافظة خوزستان وهو اسم فارسي، تقع في الجنوب الغربي من إيران ويخترق المدينة نهر قارون الشهير، وخوزستان هو الاسم الذي أطلقه الفرس على جزء من الإقليم وهو يعني بلاد القلاع والحصون، وعند الفتح الإسلامي لفارس أطلق العرب على الإقليم كله لفظة الأحواز.
ويبلغ سكان محافظة خوزستان ذات الغالبية العربية نحو 5 ملايين نسمة، بينهم مليونا شخص يعيشون في الأحواز التي تضم مراكز للطاقة والنفط وتشتهر بالزراعة وتربية الماشية.
ومنذ إسقاط آخر حكام العرب في عام 1925 وهو خزعل جابر الكعبي على أيدي القوات الإيرانية، يعيش الأحواز تحت حكم إيران التي سعت إلى احتلال إقليم عربستان كونه غني بالموارد الطبيعية من النفط والغاز وتوجد فيه الأراضي الزراعية الخصبة، إلاّ أنّ شعب الأحواز الذي يعيش في أغنى مناطق العالم بالثروات الطبيعية هو من أفقر الشعوب بسبب السياسات التي ينتهجها النظام الإيراني تجاه الإقليم الذي يعتبر شريان الحياة لإيران بأكملها، وهذا ما برز في قول للرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي يقول فيه «إيران با خوزستان زنده است» ومعناه (إيران تحيا بخوزستان).
ومع كلّ ما يتعرض له الإقليم من تفقير وتهميش وتعطيش ممنهج هل يطالب الأحوازيون بانفصالهم عن الجمهورية الإسلامية؟
يؤكد أمين مركز مناهضة العنصرية في إيران يوسف عزيزي، في حديثه لـ«المجلة» أنّ «المطالبة بالاستقلال قضية غير مطروحة حاليا، ولم تطرح في المسيرات الاحتجاجية الأخيرة، لأنها ستعود بالضرر على الشعب الأحوازي، خصوصا أن الأحواز كسبوا تأييدا من شخصيات فارسية ومن الشعوب الإيرانية والقوميات المختلفة».
وتابع عزيزي: «أبرز الهتافات التي سمعناها في الاحتجاجات الأخيرة كانت: كلا كلا للتهجير. وهذا نفس قوي ووطني وقومي يؤكد تشبث الأحواز بأرضهم، وأيضا كان لافتا شعار: بالروح بالدم نفيديك يا أحواز. وهذا الشعار كخيط السبحة يربط كل المدن والقرى في كل أنحاء إقليم عربستان سابقا أو الأحواز حاليا.
* رفع شعارات مناهضة لخامنئي تأكيد من الأحواز بأنّهم مؤمنون أنّ الولي الفقيه هو رأس الفتنة لكل المخططات التي تدمر الإقليم
والأكيد أنّ هذه الاحتجاجات التي طغى عليها النفس القومي والوطني، لم يشهدها الإقليم خلال عهود عدة، فالعرب الذين يشكلون الأغلبية في إقليم الأحواز، تحاول السلطات الإيرانية تقليص عددهم لتجعلهم أقلية في أرضهم، لأنهم ما داموا أكثرية وهم يشكلون 74 في المائة من نسبة السكان في الإقليم، نهب الثروات يبقى صعبا على النظام، العرب هم حجر عثرة أمام النظام الإيراني لأنهم يطالبون بحقوقهم ولم يصمتوا أمام قمع النظام وهم طالبوا بحق تقرير المصير وحكم ذاتي خلال السنوات الماضية أي بعد سقوط آخر حاكم عربي في عام 1925، فنضالات واحتجاجات هذا الشعب لم تتوقف يوما وهذا ما أدى إلى ارتكاب العديد من المجازر بحقه».
ويشير عزيزي إلى أنّ الثروات المائية والنفطية هما الحافز الرئيسي وراء الممارسات القمعية تجاه الأحواز، وأيضا هناك سبب رئيسي هو العنصرية تجاه العرب عند الحكام في إيران إن كانوا دينيين أو علمانيين، أي إن الممارسات التهجيرية شهدها العرب منذ حكم الشاه ولو بوتيرة أقل، وهو الذي بدأ ببناء السدود لحرف مسار الأنهر إلى المناطق الصحراوية وسط إيران لتغذي الزراعة والصناعة في أصفهان وغيرها من المدن الفارسية من دون النظر إلى الآثار التخريبية والظالمة تجاه المنطقة العربية لصالح المناطق المركزية الفارسية.
دعوات لإسقاط المرشد
«ثورة العطش» التي عمّت محافظة خوزستان الغنية بالنفط على طول الحدود مع العراق لأكثر من أسبوعين، لم تبق في بعدها المطلبي، بل تحوّلت التظاهرات إلى مطالب إسقاط النظام ورفعت شعارات «الموت لخامنئي»، حيث ظهرت مقاطع الفيديو التي انتشرت بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، عشرات الآلاف من الأشخاص يسيرون في الأحواز عاصمة المقاطعة ومدن أخرى، رافعين شعارات مثل «الموت لخامنئي» و«لا نريد جمهورية إسلامية».
وفي هذا السياق يؤكد عزيزي أنّ «انتفاضة العطش هي انتفاضة عفوية، انبثقت من رحم الشعب العربي بدأت في العاصمة أهواز ومن ثم امتدت إلى العديد من المدن والأقضية، هدفها الأول تحقيق عدد من المطالب المحقة بالنسبة لأبناء الإقليم، أولاً إطلاق سراح المساجين السياسيين، وفتح السدود لري المناطق التي تمّ تجفيفها، ووقف نهب الثروات النفطية».
* خلافاً لما يتصوره النظام فإن الاحتجاجات لم تنته وهي كالنار تحت الرماد ويمكن أن تشتعل بين لحظة وأخرى
أما شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» والشعارات التي أطلقت ضد ولي الفقيه، فهي لم تكن المرة الأولى التي تسمع في أرجاء البلاد، ولكن صداها هذه المرّة كان أقوى خصوصا أنّ أعداد الناس الذين هتفوا بـ«الموت لخامنئي وإسقاط النظام» بصوت واحد كان أعلى لأنّ عددهم كان أكبر بكثير من المرات السابقة، وسبب تبنيهم هذه الشعارات في احتجاجاتهم المطلبية «هو تأكيد أنّهم مؤمنون بأنّ الولي الفقيه هو رأس الأفعى لكل المخططات التي تدمر الإقليم، ونداء لسائر الشعوب الإيرانية ومنهم الفرس بأن العرب يشتركون معكم في هذا المطلب أي إسقاط ولي الفقيه والنظام الإيراني المبني على التمييز العنصري والتفاوت الاقتصادي والطبقي.
المطالب وصلت إلى مسامع خامنئي
محاولات جاهدة من قوات مكافحة الشغب استُخدم خلالها الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين بحسب فيديوهات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، بحسب منظمة العفو الدولية التي أكّدت إن ثمانية أشخاص على الأقل قتلوا خلال الحملة المستمرة من قبل النظام لقمع المحتجين، وإن القرائن على أن «قوات الأمن استعملت أسلحة أوتوماتيكية فتاكة ومسدسات.. والغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين» موجودة.
وأكّدت منظمات حقوقية دولية الجمعة أن قوات حفظ النظام استخدمت «القوة المفرطة» ضد المحتجين، وأن حصيلة الضحايا أعلى من الأرقام المعلنة رسميا.
* على الناشطين والسياسيين المستقلين أن يستغلوا سياسيا الدعم الدولي من أجل الارتقاء بمستوى النضال ضد الطغمة الحاكمة
مطالب الأحواز وصلت مسامعها الى المرشد الذي خرج عن صمته بعد أن استمرت الاحتجاجات لأيام، وأبدى خامنئي تفهمه لمطالب الناس وسعى للتهدئة بعد أن أحس بالخطر من أن تتحول الاحتجاجات إلى ثورة واسعة لاسيما بعد فشل عنف القوات الأمنية في تفريق التظاهرات في المدن وإثناء المحتجين عن رفع شعارات راديكالية ضد النظام ورموزه.
وفي السياق، أكّد عزيزي أنّ «إرسال خامنئي لقائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي هدفه قمع الثورة والانتفاضة الأهوازية، حيث التقى سلامي بالمسؤولين الأمنيين والعسكريين وأعلن عن أحكام عرفية، وتم تنحية حاكم المحافظة ووضعه جانبا، وبدأ سلامي بتسيير الأمور، وتمت بأوامره محاصرة مدينة الخفاجية بجدران إسمنتية للفصل بينها وبين مدينة الأهواز وأمر بقطع الإنترنت وباعتقالات واسعة، كل هذه الممارسات تؤكد أنّ خامنئي لم يستمع إلى مطالب المحتجين، بل حاول جاهدا إحباط ثورتهم عبر مسكنات ووعود لا تغني عن تدفق الأنهر وفتح السدود، لأنهم لم يحلوا المشكلة البنيوية فالمياه لم تصل إلى المناطق النائية، ولدينا معلومات تؤكد أنّ مناطق الرفيع والبساتين لم تصل المياه إليها، ما فعلوه هو تطويق مشكلة العطش من خلال نقل المياه بالصهاريج، لكنّ المتظاهرين اعتبروا هذه الخطوة ظرفية لن تفعل شيئا لمعالجة المشكلة الأساسية».
هل نجحت هذه المسكنات بإخماد «ثورة العطش»؟
يقول عزيزي: «خلافا لما يتصوره النظام، فإن الاحتجاجات لم تنته وهي كالنار تحت الرماد ويمكن أن تشتعل بين لحظة وأخرى، فالمشكلة مستمرة وباقية، فهم جففوا الهور العظيم لصالح الشركات النفطية الصينية ومقاولين من الحرس الثوري مثل شركة خاتم الأنبياء وشركات تابعة لفيلق القدس هم في الواقع ينظرون إلى إقليم الأهواز كغنيمة يجب أن ينهبوها بأقصى سرعة، لذلك فإن المشكلة باقية وأيضا التمييز والاضطهاد العنصري مستمر وقلة المياه وشح المياه في جميع الأنهر، والفقر والبطالة المرتفعة، فيما يسمى خوزستان هي الثانية في نسبة البطالة في إيران بعد أن كانت أكبر معمل ومكان للشغل قبل عهود من الزمن».
* الثروات المائية والنفطية هما الحافز الرئيسي وراء الممارسات القمعية تجاه الأحواز
وتابع: «ما يفعله النظام الإيراني اليوم ورثه من نظام الشاه، وهم يحاولون تغيير النسيج السكاني لصالح غير العرب ونهب الثروات لصالح المناطق المركزية الإيرانية، ومع استمرار الخطاب المعادي للعرب في عهد الجمهورية كما كان في العهد الملكي التفاوت الاجتماعي والنهب والتمييز مستمران… ولكن شعبنا أدرك كيدهم وفهم مخططاتهم الشيطانية، لذلك هو يقاوم ويضحي ويقدم قرابين من أجل أن يسد كل الطرق التي تستهدف وجوده في إقليم الأهواز، إن كان عبر التهجير أو التعطيش أو التمييز العنصري والسياسي واللغوي منذ أن فقدنا سلطتنا القومية قبل نحو تسعين عاما».
تعاطف داخلي ودعم دولي
نجحت احتجاجات الأحواز في أن تجلب التعاطف الداخلي والدولي عبر إظهار الوضع الصعب التي تعيشه الشعوب الإيرانية داخل إيران، وأن النظام لم يعد يمتلك شرعية كافية، خصوصا بعد الشعارات التي نادت بالموت لخامنئي.
فالقوميات المختلفة التي تعيش في إيران تخضع للاضطهاد وتعاني من التمييز السياسي والثقافي واللغوي والاقتصادي، غالبا بسبب عرقهم أو دينهم أو مذهبهم. لذلك يرى مطلعون أن السبيل الوحيد لإنهاء هذا التمييز هو اتحاد الشعوب غير الفارسية ومساندة المجتمع الدولي لكفاحهم من أجل نيل حقوقهم.
وهذا الاتحاد تكرّس خلال الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها الأحواز إذ يؤكد عزيزي أنّ جيران الأحواز من القومية البختيارية وهي إحدى القبائل الكردية العريقة في إيران، خرجوا في تظاهرات متضامنة مع ما يتعرض له الأحواز ورفعوا شعارات تؤكد الاتحاد مع العرب، ويقول عزيزي: «هذا ما كنا نتمناه، وحصل أخيرا، فالسلطة كانت تحاول دائما أن تفرق بين العرب وجيرانهم من غير العرب، ولكن المفاجأة كانت أن البختياريين هتفوا بالفارسية (بختيارية والعرب اتحاد اتحاد) أي متحدين، كذلك الأكراد في محافظة كرمانشاه نزلوا إلـى الشوارع تضامنا معنا ولكن تعرضوا للقمع من السلطة، وأيضا كان لحركة الأكراد الأذريين في أذربيجان إيران في شمال غربي إيران مسيرات بالآلاف، وهتفوا خلالها (آذربيجان والأهواز اتحاد اتحاد)، على الرغم من أن أذربيجان تبعد جغرافيا عن الأحواز حوالي 1000 كلم وأكثر… ولكن بما أنّهم يتعرضون أيضا إلى تمييز عنصري من قبل الحكام، لهذا تعاطفوا معنا، ونحن منذ عهود ننسق معهم، وهذا يعتبر منعطفا تاريخيا مهما بالنسبة للعرب، لأن الأتراك في إيران يشكلون نسبة كبيرة ولهم نفوذهم، فعددهم يساوي عدد الفرس، ولعبوا دورا تاريخيا في تغيير الأنظمة في إيران منذ ثورة الدستور إلى الآن، لذلك فإن تحالفهم مع العرب يشكل نقطة تحول في النضال من أجل الحرية وحقوق الشعوب الإيرانية المقهورة… أما على المستوى الدولي، فيؤكد عزيزي أنّ الانتفاضة الأخيرة لاقت تعاطفا كبيرا من المفوضية العليا لحقوق الإنسان، والخارجية الأميركية التي نددت أكثر من مرة ضد القمع الذي تعرض له الشعب الأهوازي، وأيضا كانت هناك تغطية إعلامية للانتفاضة في الصحف الأميركية والأوروبية، لذلك يجب على الناشطين والسياسيين المستقلين أن يستغلوا سياسيا هذا الدعم الدولي من أجل ارتقاء مستوى النضال ضد الطغمة الحاكمة والشوفينية الشمولية للحكام في إيران ومن أجل نيل حقوقنا التاريخية المشروعة في أرض الأحواز».
إذن النظام الإيراني الذي يملك سجلا حافلا بالإرهاب والانتهاكات ودعم الميليشيات التي دمرّت سوريا ولبنان والعراق واليمن وساهمت في قتل وتهجير آلاف المواطنين العرب، تمارس السياسات نفسها على الشعوب الإيرانية التي تعيش تحت كنف النظام الذي يحاول جاهدا إخفاء ممارساته تجاه شعبه الذي يعيش 80 في المائة منه تحت خط الفقر، بحسب نائب إيراني. فممارسات النظام الإيراني لا تقتصر على التمييز العنصري لصالح الفرس، بل تعاني القوميات المختلفة التي تعيش في إيران من انتهاكات واعتقالات وإعدامات بحق السجناء السياسيين إضافة إلى نهب ثرواتهم وارتفاع نسب البطالة بينهم بسبب عدم توظيفهم لصالح الفرس، عدا عن الاضطهاد والقمع والعنف.