يوسف عزيزي
موقع الحوار المتمدن : 31/10/2003 نقلا عن مجلة الزمان الجديد الصادرة في لندن
كانت الفكرة و منذ سنوات تراودني كي اكتب عن الادب الفارسي الحديث، حيث كانت مضمرة في اللاوعي تبرز حينا الى السطح عندما اقابل اديبا أو شاعرا عريبا و أساله عن مدى اطلاعه على هذا الادب و اغلبهم – للاسف – لم يعرفوا عنه شيئا بتاتا.
و اتذكر حوارا جرى بيني و بين الشاعرة الكويتية سعاد الصباح في الكويت عام 1995 و نشر وقتها في الصحافة الايرانية و العربية. حيث سألتني قبل الحوار عن الادب الفارسي الحديث و شرحت لها ما كان يسمح به الوقت. و سعاد الصباح مولعة بالادب الفارسي القديم و هي التي طبعت في دار نشرها ملحمة ” الشاهنامه ” للشاعر الايراني أبو القاسم الفردوسي.
و قد التقيت في جولاتي العديدة في العواصم العربية – من مسقط الى القاهرة و من بغداد الى طرابلس – بكثير من المفكرين و الادباء العرب؛ و حين كنت اطرح عليهم سؤالي ” ماذا تعرفون عن الادب الايراني الحديث ” كان رد معظمهم: كل ما نعرفه عن الادب الفارسي هو سعدي الشيرازي و حافظ الشيرازي و الخيام.
و لما كنت اشاهد في هذه الرحلات، الشاهنامه تطبع في الكويت و ديوان
“حدائق الزهور” لسعدي الشيرازي يتلألأ في واجهة احدى فنادق ليبيا او رواية
“كليدر” لصديقي الروائي البارز محمود دولت آبادي على رفوف مكتبات القاهرة كنت أيقن ان الحدود السياسية الحاقدة و المصطنعة لم تستطع ان تمنع – و برغم اسياجها الشائكة و المكهربة – انتقال الفكر و الفن و الادب لانها من جنس النور و لايمكن لأية حدود و ثغور ان تغلق الطريق في وجه النور الى الابد. و ساتطرق الى سبب الانحسار في التبادل الفكري و الادبي بين الشعبين الجارين – العرب و الايرانيين – في القرن المنصرم ؛ مع انني ارى الترجمة للكتب الادبية و الفكرية من العربية الى الفارسية اكثر من العكس و لو انها أيضا ليست في المستوى المطلوب.
ازدهرت اللغة الفارسية و ترعرعت في احضان الابجدية العربية بعد الفتح الاسلامي لايران و قدمت شعراء و متصوفين و مفكرين عظاما، خلافا لما قبل الاسلام حيث لم تقدم اللغة البهلوية – و هي لغة البلاط عند الاكاسرة – أي اسم بارز في مختلف مجالات المعروفة و خاصة الشعر و الادب؛ و كل ما وصل الينا هو اشعار فولكلورية توصف بالفهلويات.و يبدو ان اللغة البهلوية كانت لغة ركيكة و ضعيفة لم تنتج ادبا أو ثقافة رفيعة و هذا ما يعترف به العديد من المؤرخين الايرانيين.
و يمكن ان نقارن تأثير اللغة العربية على اللغة الفارسية بتأثير اللغة الرومانية على اللغة اللاتينية. و الدارس للادب الفارسي يعرف مدى تأثر شعراء فرس عظام كالرومي و الخيام و سعدي و حافظ الشيرازيين و ناصر خسرو و العطار و الجامي و الآخرين بالقرآن و الشعر الجاهلي و الاموي و العباسي. اذ يذكر المؤرخون الايرانيون ان بعض قصائد سعدي هي انتحال و ترجمة حرفية لبعض قصائد ابو الطيب المتنبي. حتى فردوسي و رغم عنصريته و تجنبه استخدام المفردات العربية لم يتمكن من الاستغناء عن اللغة العربية حيث شكلت مفرداتها نحو 30 في المائة من مفردات ملحمة الشاهنامة.
و منذ القرن الثامن الهجري (14م) أي منذ عهد حافظ الشيرازي و لاسباب تاريخية شهد الادب الفارسي انحدارا – بل و انحطاطا – لم ينج منه الا في الآونة الاخيرة.
اولى ارهاصات الادب الحديث
يعتبر مؤرخو الادب الفارسي كتاب ( منشآت ) قائم مقام الفراهاني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، خطوة اولى لتحديث النثر الفارسي و الانتقال من فترة الانحطاط؛ حيث كانت لغة الشعر و النثر، مزخرفة مغلقة غامضة و محشوة بشكل ممل بالكثير من المفردات العربية. و كان قائم مقام يحتل منصب مستشار البلاد في عهد الشاه ناصر الدين القاجاري.
و قد منحت ثورة الدستور الشعبية (1906-1908 ) اندفاعا جديدا لحركة التحديث في جميع المجالات الفكرية و السياسية و الادبية في ايران.
و لم يتعد التجديد في شعر هذه الفترة، المضمون حيث ظهر شعراء يتمتعون بلغة سياسية صريحة و مثيرة تقرب اشعارهم من الشعار السياسي بسبب المناخ الثوري السائد انذاك حيث تذكرنا بقصائد محمد مهدي الجواهري. و من هولاء الشعراء ميرزاده عشقي ( الذي قتل على يد ازلام الشاه رضا البهلوي عام 1925 و لاهوتي و عارف القزويني و فرخي يزدي الذي تم تخييط فمه في سجون الشاه رضا البهلوي بسبب قصائده المحرضة ضد الشاه ). كما دمج الشاعر و الامير القاجاري ايرج ميرزا الغزل و الحب المجازي بقدح ابناء زمانه من سياسيين و غيرهم. و هناك الشاعرة بروين اعتصام و قصائدها العاطفية ذات الصبغة الانسانية و المشحونة بالنصائح و الحكايات. و لا ننسى الشاعرة و الداعية قرة العين التي قتلت باغراق جسمها في التيزاب بسبب دورها في ترويج البهائية في عهد الشاه ناصر الدين القاجاري.
التجديد في الشعر و الرواية
بدأت حركة التجديد في الشعر الفارسي بعد ان تعرف الايرانيون على الشعر الاوروبي الحديث حيث تأثر الشعراء الايرانيون بالشاعر البريطاني التحديثي تي اس اليوت و خاصة رائعته ” ارض اليباب ” و من ثم بالشعراء الفرنسيين امثال بودلير و مالارميه و رامبو.
و يعتر نيما يوشيج – وهو من شمال ايران – اول شاعر ايراني قام بكسر اوزان العروض القديمة للشعر الفارسي الكلاسيكي و القائم اساسا على اوزان الخليل بن احمد الفراهيدي. فقد نشر نيما ( المتوفي عام 1959 ) اول قصيدة له في سياق ما سمي في ما بعد بالشعر الحديث ” شعر نو ” معنونة بكلمة ” افسانه ” و هي ذات دلالة مزدوجة بالفارسية تعني ” الاسطورة ” و ايضا اسم فتاة احبها الشاعر. و يمكن ان نقارن نيما يوشيج و محاولاته الجادة للتجديد في الشعر الفارسي و الذي لقبه النقاد ب ” ابي الشعر الفارسي الحديث ” بجهود بدر شاكر السياب الذي يعتبره كثير من النقاد العرب اول شاعر قام بتحديث الشعر العربي.
و لم يخرج أي من الشعراء الفرس من هيمنة نيما يوشيج التحديثية حيث اهتدوا على خطاه مدة مديدة ما عدا الشاعر احمد شاملو (المتوفي عام 2000 في طهران).و قد اختبر احمد شاملو الشعر الحر و ايضا قصيدة النثر في مسيرته الفنية التي دامت خمسة عقود.
و قد صدر ديوان ” افسانه ” للشاعر الايراني نيما يوشيج في عام 1925 فيما صدرت باكورة اعمال الشاعر العراقي بدر شاكر السياب في الاربعينيات من القرن المنصرم؛ غير ان العرب كانوا سباقين في الرواية.
فقد نشر الكاتب المصري محمد حسنين هيكل رواية ” زينب ” كأول رواية عربية بالمفهوم الفني الحديث في عام 1913 في القاهرة فيما صدرت رواية
“البومة العمياء” للكاتب صادق هدايت كاول رواية فارسية فنية حديثة في الهند عام 1933 بسبب منع الرقابعة التابعة لحكومة الشاه رضا البهلوي من نشرها في ايران؛ غير انها طبعت مرارا بعد سقوطه و هي لا تزال تطبع حيث تعتبر اهم رواية – فنيا – كتبت حتى الان باللغة الفارسية و ذلك بالرغم من صغر حجمها و صدور روايات عدة بعدها. لذا يرى فيها العديد من النقاد حدثا ادبيا مهما في تاريخ الادب الايراني المعاصر.
و قد ترجمت البومة العمياء أي ” بوف كور ” بالفارسية الى لغات حية عدة في العالم منها اللغة العربية. و نشاهد اسمها مرارا على قائمة منشورات دور النشر العربية.
و لا يعتبر بعض النقاد، البومة العمياء – الذي أثرت على الاجيال المتعاقبة من الكتاب الايرانيين _ رواية بل يؤكدون بانها قصة طويلة اذ قورنت بروايات أخرى لروائيين ايرانيين و عالميين.
و نشر هدايت – الذي انتحر في عام 1951 في باريس – قصصا قصيرة عدة و ثمة روايات أخرى منها ” حجي آغا ” و ” و في القبر حيا ” و ” الكلب السائب ” و ” بروين بنت ساسان ” و ” مازيار ” و بحوث حول الادب و الفلكلور الفارسيين مثل ” أغاني خيام ” و ترجمات من فرانز كافكا. و كان هدايت متشائما في طبعه و قوميا فارسيا في فكره و سرياليا في أهم آثاره. فهذا الناشئ من اوساط طبقة النجباء الايرانيين، مزج تلك الخصال الثلاث في رائعته الفنية
“البومة العمياء “؛ غير ان الرواية – و برغم فنيتها – لاتتخلص نهائيا عن ايديولوجيته و نظرته القومية المتشددة. و نشاهد نظرته المعادية للسامية و خاصة العرب و الاسلام بشكلها الجلي في قصصه و بحوثه و تراجمه عن الكتاب الاوروبيين. و سوف اشح هذا الموضوع في مقال آخر مستقبلا ان شاء الله و تحت عنوان ” معاداة العرب في الادب الايراني المعاصر “.
و قد رسم هدايت في قصصه و رواياته، الطبقة الوسطى الايرانية و لاسيما في العاصمة طهران و دقق في سلوك الشريحة التقليدية من تجار البازار و البورجوازية الصغيرة الحديثة.
لايمكن ان نتطرق الى القصة الفارسية الحديثة من دون ان نذكر اسم الكاتب محمد علي جمال زاده ( المتوفي عام 1998 ) و هو اول ايراني جدد في الكتابة القصة القصيرة الفارسية و ذلك في مجال اللغة و النثر والشكل و المضمون حيث اخذت تتميز عن الحكاية و المقامة التي كانت سائدة في الادب الفارسي القديم. و كانت مجموعته القصصية ” فارسي شكر است ” أي ” الفارسية، سكر” الصادرة في مستهل القرن الماضي اول مجموعة تكتب على سياق القصة القصيرة الاوروبية و هو في ذلك – اي في كتابة القصة القصيرة – سبق صادق هدايت بسنوات.
كما نشير هنا الى الروائي بزرك علوي الذي عاصر 3 عهود ( الشاع و ابيه رضا شاه و الجمهورية و توفي عام 1996 ) حيث دشن بروايته ” 53 سجينا ” ادب السجون في تاريخ ايران المعاصر.كان علوي عضوا في اللجنة المركزية لحزب تودة الشيوعي في الفترة من 1941- 1995 ؛ و قد سجن قبل ذلك، أي في الثلاثينيات من القرن المنصرم ، هو و عدد من زعماء الحركة الشيوعية الاوائل في معتقلات رضا شاه البهلوي؛ حيث اصبحت فترة الاعتقال التي دامت 5 سنوات مادة خصبة لروايتيه ” 53 سجينا ” و ” عيونها “. و تحتوي الرواية الاخيرة على قصة حب بين كمال الملك احد الكبار الرسامين الايرانيين المعارضين لرضا شاه و امرأة ذات عيون سوداء واسعة.
الجيل الثاني من الروائيين و الشعراء
انبثق هذا الجيل من وسط دخان الدبابات و المدرعات التابعة للانقلابيين الذين اطاحوا حكومة مصدق الوطنية لصالح الشاه السابق و بدعم من القوى الاجنبية. و قد اشتهر هذا الجيل باسم ” جيل الهزيمة ” و المقصود هزيمة القوى الوطنية و الديمقراطية امام بطش قوات الشاه محمد رضا بهلوي و حلفائه الاستعماريين.
و قد مثل الشعراء احمد شاملو و مهدي اخوان ثالث ( توفي عام 1990 ) هذه الهزيمة خير تمثيل في قصائدهم حيث امتلأت دواوين اخوان ثالث بالدموع و اليأس و خيبة الامل بالنسبة لأي تغيير سياسي و اجتماعي في ايران. فيما حاول شاملو و خاصة في اشعاره السياسية ان يبقي على جذوة الامل مشتعلة في قلوب المناضلين و المثقفين. اذ كان السجناء السياسيون في عهد الشاه يترنمون باشعاره في الزنازين و في ساحات الاعدام.
و قد تطور شعر شاملو فنيا في العقدين الاخيرين حدا يمكن مقارنته بشعر الشاعر العربي ادونيس. احمد شاملو شاعرا يساريا منفتحا و متحررا من اية اعتقادات قومية شوفينية و ذلك على عكس مهدي اخوان ثالث الذي كان يحقد على العرب و يتباهى بعنتريات الماضي الايراني السحيق.
و كانت فروغ فرخ زاد اول شاعرة ايرانية تتمرد على الهيمنة الذكورية في مجتمع شرقي تقليدي كايران؛ حيث تحدثت في قصائدها و شعرها الحديث عن المحرمات بين الرجل و المرأة و هذا ما نراه في دواوينها الاولى التي صدرت في الخمسينيات.
و قد تطور خطابها الشعري في حقبة الستينيات و اتجه اتجاها فلسفيا اجتماعيا غير انها توفيت في حادث سيارة عام 1968 و عمرها 37 عاما و هي في عز عطائها الشعري. فالمدقق في قصائد الشاعرة السورية غادة السمان يرى قواسم مشتركة كبيرة بينها و بين فروغ فرخ زاد؛ و يبدو ان هذا التشابه ادى بالقارئ الايراني ان يستقبل بلهفة دواوين غادة سمان المترجمة الى الفارسية و التي صدرت خلال السنوات العشر الماضية.
لايمكن ان نتحدث عن هذا الجيل و لا نذكر اسماء اخرى كالشاعر و الناقد و الروائي رضا براهني و هو تركي ايراني ناضل ضد التمييز القومي في ادبه و نشاطه الثقافي و سجن في عهد الشاه و الجمهورية الاسلامية. و يشغل براهني حاليا رئاسة اتحاد كتاب كندا بعد ان غادر ايران عام 1996 و في ذروة قمع الكتاب و المثقفين من قبل الاجهزة الامنية في عهد الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني.
كما و هناك الشاعر و الناقد الخراساني محمد رضا شفيعي كدكني و قصائدها الثورية و الغزلية، غير ان آثار كدكني الاخيرة اخذت تبتعد عن الثورية حيث اصبحت شخصيته تشابه شخصية الناقد العربي احسان عباس الذي يكن له كدكني احتراما خاصا. و قد ترجم شفيعي كدكني الذي يتقن اللغة العربية و تربطه صداقات مع ادونيس و بلند الحيدري و البياتي – قبل وفاتهما – ترجم من البياتي الى الفارسية وكتب عن الشعر العربي الحديث كتابا و مقالات. فهو بطبعه و ثقافته محب للعرب و ادبهم. و يعتبر شفيعي كدكني حاليا اهم شاعر فارسي على الساحة الايرانية بعد ان غيب الموت شعراء كبارا كاحمد شاملو و سهراب سبهري.
يذكر ان الخطاب الشعري – الثوري و السياسي – لاحمد شاملو و شفيعي كدكني و سعيد سلطانبور احتل حيزا مهما من الخطاب الثوري الذي مهد للثورة في عام 1979 ضد نظام الشاه السابق.
المدرسة الواقعية في الادب الفارسي
مهدت الظروف الكفاحية ضد الشاه، الخلفية لادب ثوري ملتزم و متحدي للنظام و متعاطف مع الجماهير حيث كان يأخذ احيانا حالات شعبوية و شعارية بعيدة عن طبيعة الادب. و احتل الشعر الثوري – و بعضه كان ذا قيمة ادبية لأباس بها – و الرواية الواقعية النقدية حيزا مهما من الادب الفارسي خلال الحرب الباردة.
و قد ترجمت الى الفارسية روايات عدة من جنس الواقعية الاشتراكية خاصة من الكتاب الروس مثل مكسيم غوركي و ميخائيل شولوخوف و غير الروس مثل جاك لندن – الامريكي – و رومان رولان الفرنساوي. لكن و الى جانب ذلك كانت هناك ايضا ترجمات لدستوفسكي و تولستوي و الرواية الغربية الممثلة ب بلزاك و فلوبير و موباسان و مارك توين و همينجوي و سارتر و بكيت
و يونسكو و اخرين. كما ترجم الشعر الفلسطيني في هذه الفترة لاحتوائه على المضامين النضاية و الانسانية.
و أبرز الروائيين الواقعيين هم احمد محمود و هو اهوازي غير عربي ادخل بعض الشخصيات العربية الاهوازية في رواياته. وقد توفي احمد محمود في العام 2002 بطهران.
كما لعب جلال آل احمد و غلام حسين ساعدي و صمد بهرنجي في الخمسينيات و الستينيات دورا مهما في الادب القصصي الفارسي.
فجلال أل احمد و علاوة على كتاباته السياسية والفكرية نشر روايات عدة يمكن ان نعتبرها روايات واقعية نقدية مثل ” مدير المدرسة ” و ” ضغينة الارض”. و كان آل احمد مدافعا عن القضايا العربية و الاسلامية؛ لذا لم يعره القوميون الفرس الاهتمام اللازم بالرغم من نثره الفني الفاخر و الرائع و تأثيره على جيل الكتاب و الباحثين من بعده.
و كان ساعدي – و هو تركي من اذربيجان – يسبر النفس الانسانية في قصصه و مسرحياته و يصور القرويين و البسطاء من ابناء المجتمع الايراني. كما يصور الابتذال في عهد الشاه و اضطهاد اجهزته الامنية للمثقفين. و قد انشأ صمد بهرنجي و هو كاتب للاطفال بالدرجة الاولى، مدرسة خاصة به سيما و انه كان يعتني بلغة امه أي اللغة التركية الاذرية و يطالب بتعلميها للاطفال. و قد ترجمت رائعته ” السمكة الصغيرة السوداء ” الى لغات عدة. و قد كانت اثار صمد بهرنجي و الكاتب العباداني نسيم خاكسار المترجمة الى العربية تدرس في المخيمات الفلسطينية لما تحويه من روح فنية و نضالية. وقد توفي صمد بهرنجي عام 1967 و آل احمد عام 1969 و ساعدي عام 1985 .
الابتعاد عن الواقعية
قد يبدو صعبا ان نصنف الروائيين احمد محمود و هوشانج غولشيري و محمود دولت آبادي في خانة الجيل الثاني تماما حيث من الافضل ان نقول انهم همزة وصل بين الجيل الثاني و الثالث.
و قد كان للثورة الايرانية و من ثم انهيار الاتحاد السوفيتي و نهاية الحرب الباردة تأثير ملحوظ على الادب الفارسي ادى الى ابتعاده عن الواقعية رويدا رويدا. و بانهيار المعسكر الاشتراكي انهارت المدرسة الواقعية الاشتراكية و انحسرت الواقعية النقدية في ايران.
فقد ابتعد الروائي محمود دولت آبادي عن الواقعية النقدية و ولج عوالم
و مجالات اخرى متأثرا بالمدارس الغربية الحديثة مثل تيار الوعي و الواقعية السحرية و ما شابه ذلك. و قد ترجمت رائعته الروائية المطولة ” كليدر ” الى لغات عدة و منها العربية في مصر و على يد المترجم الراحل دسوقي شتا. و يعتبر دولت آبادي اخر عمالقة الجيل الثاني و اهم كاتب روائي في ايران حاليا و هو عضو مؤسس في اتحاد الكتاب الايرانيين.
و يمكن مقارنة محمود دولت آبادي و تحوله في مجال تقنية العمل الروائي بتحولات نجيب محفوظ حيث انطلق اميل زولا العرب – كما يصفه ادوارد سعيد – بثلاثيته الواقعية المطولة حتي وصل الى انماط ادبية اخرى و تقنيات و اساليب جديدة في الرواية ” ثرثرة فوق النيل ” و ” الحرافيش “. لكن و مع وجود كل وجوه الشبه القائمة يبقى فن نجيب محفوظ الروائي اعلى من نظيره الايراني محمود دولت آبادي.
و يحلو للبعض هنا في ايران ان يقارن بين صادق هدايت و نجيب محفوظ و هو عمل ليس في مكانه لانه لا يمكن ان تقارن بين تفاحة و رمانة. فالتفاح يقارن مع جنسه و الرمان ايضا مع جنسه. و لكن اذا نظرنا الى غزارة الانتاج و التجديد في الشكل و المضمون وفقا للتراث و اذا اخذنا الحكمية الادبية العالمية بعين الاعتبار و التي تتمثل هنا بجائزة نوبل لا يمكن الا ان نرى نجيب محفوظ في ذروة الابداع الروائي في الشرق الاوسط بل و في العالم الثالث.
و للاسف فان هناك ضيق افق قومي نشهده بين الفرس في ايران حيث و بدل ان يفرح ادباؤهم بفوز روائي عربي – شرقي مثل نجيب محفوظ بجائزة نوبل أبدى البعض منهم استياءه؛ حيث سمعت كلاما لا يليق بهم و باعتباري مترجما لبعض اثاره. و جرى مثل هذا الكلام على لسان الشاعر الراحل احمد شاملو و الروائي احمد محمود مقللين من شأن عميد الرواية العربية. و اللافت للنظر انهم لم يقرأوا شيئا كثيرا من نجيب محفوظ لانه لم تتم ترجمة معظم اثاره الروائية الى الفارسية و اقتصر الامر على ترجمة بعض قصصه و روايتي ” اللص و الكلاب ” و ” يوم قتل الزعيم “.
و يختلف هوشانج غولشيري – الذي توفي عام 2001 – في اسلوبه عن دولت آبادي و احمد محمود. و قد كان قاسيا في نقده لكتابات هولاء الاثنين متهما اياهما بالسرديين الواقعيين و لا يعتبر غير نفسه روائيا بالمعنى الفني للكلمة.
و بالعكس لا يرى العديد من النقاد في غولشيري روائيا بل كاتبا قصصيا له قصص جيدة فنيا و ابرز اثاره، رواية ” الاميرة احتجاب ” و هي رواية قصيرة تعتمد اسلوب تيار الوعي و تتحدث عن حياة البذخ في بلاط القاجار و الانحطاط التدريجي الهذه العائلة الذي حكمت ايران في القرن التاسع عشر و اوائل القرن العشرين.
كما ان لغولشيري تقنيات و تكتيكات سردية خاصة به و هو يتقن لغة فارسية رصينة تتطابق مع مضامين قصصه و رواياته. و تشوب افكار هوشانج غولشيري شوائب قومية متعصبة خاصة بالنسبة للعرب و هذا ما نراه في بعض مقالاته و قصصه، خاصة في قصة ” الفتح على طريقة الموغ “؛ لكنه كافح في كل لحظات حياته الرقابة الادبية في ايران و سعى من اجل ارساء اسس اتحاد الكتاب الايرانيين.
الثورة و الحرب و الادب
شهدت ايران و خلال من عامين حادثين عظيمين هزا اركان المجتمع الايراني برمته؛ و ذلك بعد فترة دامت 40 عاما لم يشهد الايرانيون خلالها اي حرب او تحول عنيف في حياتهم العادية. و حتى الحرب العالمية الثانية لم تمس حياة غالبية الناس قياسا بالحرب العراقية – الايرانية.
و فضلا عن التأثير السلبي لهذين الحادثين على الاقتصاد و الحياة المعيشية للجماهير الايرانية كان للثورة و الحرب تأثير خاص على سيكولوجية المواطن الايراني كفرد و العقلية الايرانية و كشعب و جماهير. فالثورة وقعت في مجتمع لم يتوقع احدا – حتى سنة قبل وقوعها – انها ستكون دينية و اسلامية. مع العلم بان طهران و بعض المدن الكبرى كانت تعيش حياة اشبه بحياة العواصم و المدن الغربية.
فقد اثارت الحرب العراقية – الايرانية احقادا تاريخية كانت دفينة قبل ذلك في نفوس الايرانيين و خاصة الفرس منهم، سيما و ان الخطاب الحربي للنظام العراقي كان يؤكد العنعنات القومية فيما كان الخطاب الرسمي الايراني يؤكد الاسلامية. و قد استغل القوميون الفرس من سياسيين و كتاب و مثقفين هذا الامر ليكون ذريعة للكشف عن ضغانئهم القديمة تجاه العرب. و هذا ما رأيناه في بعض البحوث التاريخية و الثقافية و القصص خاصة عند الكتاب الفرس القوميين المنفيين في الخارج. و كتاب شجاع الدين شفا – السيناتور الايراني و المستشار الثقافي للشاه قبل الثورة – الصادر في خارج ايران خير دليل على ذلك. و الكتاب يرسم صورة قاتمة للعرب و اللغة العربية و الاسلام في ايران منذ الفتح الاسلامي و حتى الان.
و هذا ما نراه في اثار العديد من الباحثين و الكتاب الايرانيين ابرزهم عبد الحسين زرين كوب و علي مير فطروس. و لكن هذا لا يعني انه لم توجد اصوات ايرانية منصفة في هذا المجال؛ و ها هو المؤرخ و الباحث الفارسي الايراني ناصر بوربيرار الذي اخذ يقلب، بدراساته العميقة، التاريخ الايراني رأسا على عقب. لكن و مع الاسف فان الاغلبية ليست لمثل هذه الاصوات و ان النظرة الاستعلائية المتجذرة تاريخيا في الوعي و اللاوعي الفارسيين تضخمت بعد الحرب العراقية – الايرانية حيث توجد حاجة ماسة لدراسات و اثار ثقافية و تاريخية و ادبية جادة لازالة اثارها و تداعياتها ليس من الايرانيين فحسب بل من العرب ايضا.
و قد صورت السينما الايرانية الحرب اكثر من الرواية. لانه و كما يعرف الباحثون لايمكن للرواية الايرانية ان تقترب من هذا الحدث الا بعد ان تمضي سنوات عدة عليه و يصبح تاريخا. كما ان هناك عاملا اخر اثر سلبا في اقبال الكتاب الايرانيين على كتابة الرواية الحربية كما كتبها مثلا تولستوي في رائعته
” الحرب والسلم” او ارنست همينغوي في رواياته التي كتبها حول الحرب الاهلية في اسبانيا.
و يرجع هذا العامل الى سوء معاملة السلطة الاسلامية للكتاب و الروائيين و معظمهم من اصحاب الرأي الاخر حيث لم تسمح لهم بالاقتراب من جبهات القتال لعدم ثقتها بهم. و بذلك حرمتهم من مادة خصبة كان يمكن ان يتم توظيفها لكتابة الرواية الحربية باللغة الفارسية.
كما ان الثورة الايرانية لم تأخذ نصيبها ايضا من الكتابة الادبية الا القليل تجسد بشكل بعض القصص القصيرة. و في مجال الشعر هناك قصيدة مشهورة لاحمد شاملو باسم ” يشمون قلبك ” ينتقد فيها و لاسلوب فني رهيف اداء حراس الثورة و مسؤوليها في معاملتهم للحريات الفردية للناس.
و في الحقيقة ان السلطة الاسلامية انشأت عند قيامها مؤسسات رسمية للكتاب الذين يتبعون ايديولوجينها مثلما فعل الاتحاد السوفيتي سابقا و قد بذلت جهودا مضنية في هذا المجال غير ان معظمها باء بالفشل. و من اهم هذه المؤسسات مؤسسة الحوزة الفنية – سازمان حوزة هنري – التي جمعت و منذ قيام الثورة السينمائيين و القصصيين و الفنانين الدينيين. فالافلام و الروايات و القصص التي كتبها هؤلاء حول الثورة و الحرب كانت تفتقد للمواصفات الفنية و تحتوي على الايديولوجية الثر من الفن. و قد استمرت العملية على هذا المنوال حتى انتهاء الحرب و من ثم مجيء خاتمي الى السلطة. فقد انضمت الحوزة الفنية – حوزة هنري – بعد ذلك الى التيار الاصلاحي و اخذت تنتج افلاما سينمائية فنية رائعة.
و قد اخذت السلطة الثورية و منظروها لفترة عقدين من الزمن تروج لنظرية
” الادب الاسلامي “غير ان النظرية لم تر النور فعلا و عملا و انتهت بالرغم من الجهود الذي بذلت في هذا المجال. و فد تخلت السلطة عن مقولة ” الادب الاسلامي ” كما تخلت عن مقولات اخرى ك ” الاقتصاد الاسلامي “.
و علاوة على الادب الرسمي ظهرت روايتان حول الحرب الايرانية – العراقية لكاتبين علمانيين هما ” ثريا في الاغما ” لاسماعيل فصيح و ” الارض المحروقة ” لاحمد محمود غير ان هذا العملين ايضا ليسا بالمستوى المطلوب كي يضيفا شيئا لادب الحرب على المستوى العالمي بل الاقليمي.كما كتب الكاتب و المترجم مهدي سحابي روايته ” ليالي طهران ” تطرق فيها الى الفترة التي كانت فيها الصواريخ العراقية تدك العاصمة الايرانية و تفتك بالمدنيين. ناهيك عن رواية لجواد مجابي في هذا الشأن و هي رواية تعبيرية و ليست واقعية.
و يبدو ان كل ما ابدع في مجال الحرب باللغة الفارسية حتي الان هو متوسط او ردئ و سننتظر ما يفاجئنا به المستقبل ان كان هناك شئ ما.
الجيل الثالث و ادب الحروب
الجيل الثالث يضم شعراء و روائيين ولدوا في خضم الثورة و مخضرمين عاصروا قسم من عهد الشاه و عهد الثورة و الجمهورية المستمرة حتى الان.
فقد تحدثنا آنفا عن زلزالين عظيمين هزا المجتمع الايراني خلال فترة قصيرة : الثورة و الحرب الايرانية – العراقية. فكانت الصدمة عنيفة جدا غيرت الكثير من العادات و النفسيات و اساليب الحياة؛ خاصة و ان الثورة جاءت بايديولوجية دينية و الحرب كانت ضروسا دامية دامت 8 سنوات. ضف الى ذلك خيبة الامل التي اصابت المثقفين الذين كانوا يعلقون امالا على ثورة التي انتظروها طويلا و ناضلوا من اجلها في سجون الشاه او في حروب الشوارع او في الجامعات.
و كانت احداث صيف 1981 لمثابة رصاصة رحمة قضت على كل الطموحات حيث وقعت صدامات مسلحة بين قسم من المعارضة السياسية و السلطة الاسلامية الوليدة اسفرت عن احتقان الاجواء السياسية و الثقافية راح ضحيتها العديد من الجانبين بينهم ثمة شعراء و كتاب معارضين ابرزهم الشاعر و المسرحي سعيد سلطانبور الذي اعدم في حزيران ( يونيو ) من ذلك العام.و ساد ايران جوا يماثل الحرب الاهلية حيث كانت الاعدامات الجماعية و الصدامت المسلحة في الشوارع جزءا من حياة الايرانيين اليومية.
و قد ظهر في اواخر الثمانينيات و اوائل التسعينيات خطاب ادبي على الساحة الايرانية تزامن مع ذروة الحرب العراقية – الايرانية و بوادر انهيار المعسكر الاشتراكي.
و قد مثل هذا التيار كتاب و شعراء من الجيل الثالث قاموا بنبذ العنف و الخطابات الايديولوجية من كل نوع اشتراكية كانت او اسلامية و اللجوء الى العرفان و التصوف و خاصة الى الديوان الشاعر الصوفي المتوفى في القرن السابع الهجري جلال الدين الرومي (المولوي ).
فقد سادت اجواء عرفانية هاربة من العنف و الثورة و الحرب و الايديولوجية و كل انواع الالتزام السياسي و الاجتماعي في الادب و الذي كان سائدا على عقول الكتاب طيلة 4 عقود من تاريخ الادب الايراني المعاصر.
و قد اصبح سهراب سبهري هو الشاعر المفضل لدى اصحاب هذه النحلة الادبية خاصة و ان سبهري – المتوفى عام 1980 – كان يركز على العرفان البوذي اكثر من العرفان الاسلامي و الايراني القديم. و قد طبعت دواوين سبهري بالاف النسخ و دخلت البيوت الايرانية من جنوبها الى شمالها و من شرقها الى غربها.
و في هذه الفترة تمت ترجمة ” الزمن الضائع ” للكاتب الفرنسي مارسيل بروست و روايات من توماس مان و جيمز جويس. و قد صدرت رواية ” الجبل السحري ” لتوماس مان بحذف نحو 40 صحفة من قبل الرقابة في عهد رفسنجاني و لم تسمح وزارة الارشاد الايرانية حتى الساعة بطبع رائة جيمز جويس ” عوليس ” و ذلك بسبب رفض الناشر لحذف اقسام منها. و قد اختفت روايات كانت توزع بالالاف كرواية ” الام ” لمكسيم غوركي و كتب اخرى تحسب على المدرسة الواقعية الاشتراكية.
و قد تخطت مبيعات دواوين سهراب سبهري حتى اثار شعراء لهم ماضيهم الادبي و النضالي العريق كاحمد شاملو و شفيعي كدكني غير ان هذه الاجواء انحسرت رويدا رويدا عقب انتهاء الحرب و بدا نقاش حاد في الاوساط الادبية و الفكرية حول الهوية و المجتمع المدني و ضرورة الاصلاح و نبذ العنف و الثورات وصل ذروته في آيار ( مايو ) 1997 عندما صرخت الجماهير الايرانية ب ” لا ” كبيرة للذين اختاروا من انفسهم اوصياء على الشعب الايراني و ثقافته و سياسته و اعني رجال الدين و الفقهاء. حيث تم انتخاب رجل الثقافة و الفكر محمد خاتمي رئيسا للجمهورية الاسلامية في الفترة الاولى و لهذا الامر – اي انتخاب رجل فكر و ثقافة – دلالته تنبع مما ذكرناه من تحولات ادبية و فكرية وقعت في ايران بعد الثورة و الحرب.
الان و بعد ان تخطينا ادب الحروب اصبحت التيارات الادبية و الفكرية الفارسية تتعايش جنبا الى الجنب، حيث تشكل حاليا الواقعية السحرية هاجسا لبعض الروائيين من الجيل الثالث و تحتل حيزا مهما من الروايات المترجمة لادب امريكا اللاتينية من امثال غارسيا ماركيز و بابلو كوئيلو و فؤينتس.و كما هناك فسحة كبيرة للشعر المترجم و سيما الغزلي منه كدواوين ناظم حكمت و لوركا و ادونيس و نزار قباني و غادة السمان.و يبدو ان الشعر العربي الحديث اكثر ترجمة للفارسية من الرواية؛ لاننا لانشاهد ترجمة فارسية لثلاثية نجيب محفوظ او سائر رواياته العديدة. بل و كما ذكرنا قد تم ترجمة بعض رواياته القصيرة كيوم قتل الزعيم و اللص و الكلاب و بعض قصصه القصيرة. كما سبق و ترجم لطه حسين و توفيق الحكيم و غسان الكنفاني و البياتي و محمود درويش و ثمة قصائد و روايات لعبد الرحمان المنيف و نازك الملائكة و الفيتوري و سميح القاسم و الاخرون.
اتحاد الكتاب الايرانيين و معاركه من اجل حرية التعبير
عقد الكتاب و الشعراء الايرانيون اول مؤتمر لهم في عام 1947 حضره كبار الروائيين و الشعراء و الكتاب انذاك منهم نيما يوشيج و صادق هدايت و ملك الشعراء بهار و برويز ناتل خانلري و عبد الحسين نوشين و احسان طبري و سعيد نفيسي.
غير ان الظروف السياسية و رحيل العديد من هؤلاء الكتاب لم تسمح باستمرار العمل الجماعي لهم؛ حتى قام الكاتب المناضل جلال آل احمد و عدد من الشعراء و الكتاب الايرانيين في عام 1967 بانشاء اتحاد الكتاب الايرانيين ( كانون نويسندكان ايران ) احتجاجا على انتهاك حقوق الانسان في عهد الشاه السابق و سياساته القمعية و الرقابة المشددة على اثار الادباء الايرانيين و من اجل حرية التعبير دون قيد او استثناء. و دخل بعضهم سجون الشاه من اجل تحقيق هذا الشعار مثل م.ا به آذين و فريدون تنكابني و بهرام بيضائي. و قد ظل هذا الشعار نبراسا و هدفا ناضل من اجله الجيل الثاني و الثالث من اعضاء اتحاد الكتاب حيث قدم في مسيرته الطويلة شهداء على قربان الحرية مثل الشاعر محمد مختاري و الكاتب و المترجم محمد جعفر بوياندة الذين اغتيلوا على يد عناصر من قوات الامن يديرها نائب وزارة الاستخبارات السابق سعيد امامي في خريف 1998 . و قد طالت الاغتيالات سياسيين معارضين حيث هزت الضمير الايراني من اقصاء الى اقصاء.
و قد فرض الاتحاد – الذي يضم الكتاب و الشعراء الايرانيين و معظمهم من العلمانيين – نفسه و استقلال عمله على الحكومة الايرانية حيث و منذ اكثر من عامين يقيم اجتماعاته بصورة علنية. فكاتب هذه السطور و عدد من كتاب و شعراء القوميات غير الفارسية ايضا ينتمون الى هذا الاتحاد و هم يطالبون بان يهتم الاتحاد بثقافة سائر الشعوب الايرانية و لا يحصرها بالفرس.
فاذا قرنا اتحاد الكتاب الايرانيين بنظائره من اتحادات الكتاب في العالم العربي لانرى مثيلا له في استقلالية الرأي و المثابرة و التضحية من اجل حرية التعبير و الاهم من ذلك عدم تبعيته للحكومات – ملكية كانت او جمهورية – بل و مكافحة الرقابة الحكومية على الابداع الادبي. فلا ارى نظيرا له في الدول العربية و جميعها مرتبطة او تابعة للانظمة ما عدى اتحاد الكتاب اللبناني و بدرجة اقل اتحاد الكتاب المغربي.
ماذا حدث للادب الفارسي في عهد خاتمي؟
و كي لا اكون متكلم وحده في الحديث حول الادب الفارسي المعاصر طرحت سؤالا ” ماذا حدث للادب الفارسي في عهد خاتمي ” على 3 من ابرز وجوه الشعر و الادب الفارسي راهنا و هم زملائي في اتحاد الكتاب الايرانيين؛ سيد علي صالحي و هو من قومية اللور البختيارية ينشد الشعر باللغة الفارسية و له عدة دواوين و ثمة روايات. صالحي و منذ انتخابات الجمعية العامة في ديسمبر الماضي اصبح عضوا في هيئة امناء اتحاد الكتاب الايرانيين.
و قال سيد علي ردا على السؤال: ” تتمتع روح الكتابة باعتبارها فنا منفردا و باطنيا جدا يمكن انتاجها في كافة الظروف، تتمتع بموقع خاص حيث تستطيع ان تواصل عملها الابداعي في المجتمع المغلق ( السجن ) و المجتمع الحر، سيما الشعر الذي لا يتقبل اية قيود او سلاسل. الحكومات يمكن ان ترشد كل شئ لكنها لايمكن ان ترشد ما يجري في اذهاننا الخفية. لا يمكن الرقابة على الرؤى و الاحلام و الشعر هو علم الذهن و علم الاحلام.
فهم يستطيعون ان يفرضوا الرقابة على الكلمة و هيئتها الصورية لكن ” المعاني ” لها حضور سحابي و سيال و قابل للتعميم و التغيير في اي حالة، حيث تهرب من اي مقص. فشعر ابي نواس الاهوازي السرمدي و المنقطع النظير في عهد العباسيين او قصائد سعاد الصباح في عصرنا و بين الامة العربية هما خير نموذج في هذا المجال. فهكذا شعر حافظ الشيرازي او قصائد احمد شاملو و جيلنا نحن في الوقت الراهن و الذي لايزال ينتفض دو خوف من البطش او القمح.
و بعد استعراضه لدور الشعر عند الفردوسي و خيام و حافظ الشيرازي يقول صالحي :” اننا نرى كل وصايا غاندي و جمال عبد الناصر كتوائم للشعر، لان منشأ الشعر هو العقل القوميو التاريخي للشعوب “.
و حول تأثير الثاني من جوزاء ( 23 مايو ) 1997 – اي انتخاب خاتمي – على الادب الايراني يقول سيد علي صالحي : ” ان 23 مايو اسس لتيار مؤثر و تاريخي فرض نفسه على زمانه بواسطة ارادة الشعب القوية و هو استفتاء تام لا يمكن انكاره حيث يشهد حاليا فترته الاولى بصعود و هبوط و ضعف و قوة، فاحيانا يسير في حلقة مغلقة و احيانا في فسحة مفتوحة و خطوة بعد خطوة و هذا مطلب شعبي جدا تسنده ارادة وطنية لها مطالبها ” الماضية ” لتسفر عن الاصلاحات في ” المستقبل “.
في الحقيقة حركة 23 مايو حدت من مقص الحكومة لكن كانت لها تداعيات مرة اسفرت عن رقابات من نوع اخر؛ فعلى سبيل المثال هناك رقابة اقتصادية و رقابة نفسية ترتبط بثقافة المطالعة. فالعوز و الفقر بشكل عام و غلاء سعر الكتاب ادى الى نوع من الرقابة الاقتصادية و الانكماش في سوق الكتب؛ كما و ان الرقابة النفسية ادت بقراء الكتاب – و لو مؤقتا – الى الابتعاد عن الكتب و كسب الاذة من الاخبار السياسية و متابعة الاحداث اليومية.
و اما الروائي علي اشرف درويشيان و هو كردي اصله من مدينة كرمانشاه له عدة روايات و مجموعات قصصية و بحوث حول الفلكلور الايراني بالفارسية طبعت عدة مرات. فاخر كتاب له في مجال الفلكلور هو ” اساطير الشعويب الايرانية ” في 10 مجلدات و التي تضم حكايات شعبية و اساطير لكل القوميات الايرانية من فرس و ترك و كرد و عرب و تركمان.
يتحدث درويشيان في مقال كتبه لنا تحت عنوان ( الادب القصصي في الفترة 1979 – 2002 ) يتحدث عن ” الانفجار الذي في النشر الصحف و الكتب الممنوعة عقب سقوط الشاه في 1979 و التي كان يصرها اصحاب الرأي الاخر و الافكار المختلفة “.
و يقول علي اشرف درويشيان : ” انه و منذ مطلع عام 1981 بدأت العناصر الرجعية هجومها على المكتبات و مكاتب الصحف و المجلات حيث داهم رجال الامن في مايو 1981 مكتب اتحاد الكتاب الايرانيين في طهران و عاثوا في وثائقة و اوراقه و ازالوها من الوجود.”
و لا يرى درويشيان في الاعوام الثلاثة الاولى للثورة ( 1979 – 1981 ) اي اثر يذكر بسبب هيمنة الاجواء السياسية الثورية؛ و في استعراضه لادب الحرب يقول : ” ان المجتمع الايراني و بفعل الحرب سار في مسار اخر لانه استوعب الحادث بكل طاقاته.
و في الفترة الثمانينات رسم الكتاب و بشكل رئيسي احداث الحرب لكن باراء موافقة و احيانا معارضة. فالكتاب الدينيون كتبوا لصالح الحرب. و قد سادت الرقابة عقب السنوات الثلاث الاولى بعد الثورة حيث لم يتنفس الادب القصصي الصعداء كما لابد ان يكون.
و يشير الروائي علي اشرف درويشيان الى ” ظهور جيل جديد في التسعينيات كان قد اختبر الثورة و الحرب و اعاد النظر في تفكيره السابق “.
و يؤكد درويشيان على دور الشباب و النساء في كتابة القصة و الرواية و سيما السينما في هذه الفترة.
و يقول :” ان الكاتبات الايرانيات رسمن صورة بسيطة و اصيلة و مرهفة و صادقة و مؤلمة لانشغالات المرأة الايرانية الموظفة حيث ادخلن هواجسهن و قلقهن و فشلهن و معاناتهن في عالم القصة و الرواية.
و قد انفتحت آفاق جديدة للقصاصين الشباب في حقبة التسعينيات حيث كتبوا عن مواضيع وتيمات خاصة و رسموا شخصيات اجتماعية كالسماسرة و اصحاب الريع الحكومي الذين تمولوا و اصبحوا اثرياء بين ليلة و ضحاها أو العملاء الذين قاموا بجرائم و خطفوا المفكرين و المناضلين في سبيل الحرية في الشوارع و خنقوهم حتى الموت. كما رسموا في قصصهم الاطفال السائبين في الشوارع او اليافعين الذين يطحنهم دولاب الراسمالية و ضغط العمل و جيش العاطلين عن العمل و المدمنين و الفتيات اللواتي ينجرفن و ينحرفن في المجتمع الايراني.
هذه هي الوف الصور الذي نشاهدها في اية لحظة من حياتنا او نقرأ اخبارها في الصحف.
و يدعي درويشيان ” ان حقبة التسعينيات هي فترة انبثقت خلالها تواجهات اجتماعية – نفسية جديدة اذ نظرنا اليها من وجهة النظر القيمة الفنية للقصص حيث ادت الى ظهور انواع فنية حديثة في الادب القصصي الايراني.
و لم يحدث 23 مايو 97 ( انتخاب خاتمي ) بفعل اوامر شخص او مجموعة خاصة بل هو نتيجة لنضال الشعب الايراني و المثقفين و مطالبهم التقدمية المتزايدة؛ حيث ازدهر على اثره الفن و الادب و بات هناك تحول ملموس في هذا المجال.
و قد ساعدت التطورات الدولية و وسائل الاعلام في هذا التحول. فالفضائيات و انترنت ترسل و بسرعة اخر المستجدات و اخر اخبار الشعوب الاخرى و انتصارتها من اجل حرية الراي و التعبير و الكتابة. كما و كان دور لتقارير المنظمات العالية لحقوق الانسان في ايجاد واقعة 23 مايو حيث اخذت تعري هذه المنظمات اضطهاد الانسان و انتهاك حقوقه و تنشط في هذه المجالات.
فتواجه الحكومة اليوم شريحة واسعة من الشباب و النساء و الاطفال لاتستطيع ان تهديها كما تشاء الى اية جهة تريد. و قد تحرر الادب و الفن الملتزمان – بعض الشئ – من عبء الرقابة التي كانت سائدة قبل ولاية خاتمي لكن هذا النحول ليس مثاليا حيث هناك حتى الان العديد من الكتب يكسوها الغبار في رفوف وزارة الارشاد.
و للروائي و الناقد الايراني محمد بهارلو راي خاص لنفسه في هذا المجال حيث يقول :” انني كنت دائما متشائما جدا ازاء علاقة الادب و السياسة و النسبة بين الاثنين؛ و لا تجذب القارئ اليوم، الاثار التي كتبت استنادا على التجربة السياسية او بتأثير مباشر من الالتهابات الاجتماعية خلال النصف قرن الماضي حتى لو كانت من كتاب ايرانيين كبار و مشهورين.غير هناك اثار ادبية تقرأ لانها تملك امتيازا ادبيا و هي كتبت دون الانتباه ل” عنصر الزمن ” او ” التوازي التاريخي ” و دون الانتماء الى فترة محددة و واقعيات سياسية و اجتماعية خاصة لتلك الفترة.
و يضيف بهارلو قائلا : ” لم يتوافق مسار تطور الادب و خاصة القصة و الرواية في ايران مع التطور العام البلاد بل و كان في معظم الاحيان متضادا له؛ لان التعامل مع الادب و سيما الرواية كان يشبه التعامل مع ظاهرة ” غير مشروعة ” حيث كانت مسيرة الادب تعرقل لحواجز القانون و العرف و التقاليد. و قد يربط دائما مجتمعنا المغلق، كل حادث او قضية فردية بالسياسة “.
و يؤكد الروائي الايراني محمد بهارلو :” انني اؤيد ادبا لايتبع المتغيرات السياسية مهما تكن تلك المتغيرات حافزا للتحول و التحرر “.
و يقول بهارلو في نهاية كلامه : ان على الكاتب ان يظهر العالم بصورة سؤال و ليس بشكل جواب واضح و حاسم. فلا يضمن اي تفكير – حتى لو كان يمثل اعلى الطموحات و الرسالات – القيمة الادبية للاثر الادبي؛ فالمهم للكاتب السؤال و القياس و الاكثر من ذلك التخيل الحر”.
ادباء المنفى لم ينتشروا
حاولت في هذه الدراسة ان اميز بين الادب الايراني بشكل عام و الذي يشمل ادب شعوب ايرانية اخرى غير الفارسية مثل ترك اذريين و الكرد و العرب و البلوش ة التركمان حيث الامر بحاجة الى بحث اخر. لا شك ان الادب الفارسي الحديث هو الادب الرئيسي و السائد رسميا في ايران حاليا و تعيش اداب القوميات الاخرى في الهامش و تعاني من تمييز على كل المستويات حيث لاتتمتع باي تشجيع حكومي خلافا للادب الفارسي، لكنها تناضل لتحتل مكانتها اللائقة في الادب الايراني المعاصر.
كما و هناك ادب ايراني – فارسي و تركي و عربي اهوازي – في المنفى ؛ كما يوجد هناك اتحاد للكتاب الايرانيين في المنفى ( كانون نويسندكان ايران در تبعيد ) غير ان الادب الايراني في المنفى و بسبب بعده عن وطن الام ليس في مستوى الداخل. و قد ظهر هذا الادب الى الوجود بعد ان هجر نحو 3 او 4 مليون ايراني وطنهم عقب قيام الثورة الايرانية في عام 1979 و خلال سنوات الحرب و ما بعدها. و هاجر معظم هؤلاء الى اوروبا و الولايات المتحدة الامريكية اما لاسباب سياسية او اقتصادية حيث يقيم نحو مليون منهم في ولاية كاليفورنيا بامريكا.
فاذا شئنا ان نقارن بين السينما الايرانية و الادب الايراني او بين الادب الايراني و العربي في الوضع الراهن يمكن ان نقول ان السينما الايرانية قامت بخطوات كبيرة و طرحت نفسها على المستوى العالمي فيما لم تخطو الرواية الايرانية مثل هذه الخطوات و انها غير معروفة ليس بين العرب بل و على المستوى العالمي. و لهذا اسباب مختلفة ساسردها في فرصة مناسبة. فالسينما الايرانية تقدمت حتى على نظيرتها العربية بخطوات.
لكن الرواية الايرانية تتخلف كثيرا عن الرواية العربية التي ولجت ساحات جديدة على يد نجيب محفوظ بل و اخذت تنظر و تؤسس ل” رواية عربية” على يد اميل حبيبي و جمال الغيطاني على غرار الرواية اليابانية او رواية امريكا اللاتينية. كما و برأيي انها – اي الرواية الايرانية – متخلفة ايضا من الرواية التركية التي شهدت نقلة نوعية على يد ياشار كمال.كل ما في الامر هناك قصص جيدة فارسية يمكن ان تطرح على المستوى العالمي اذا كان هناك احد يهتم باللغة الفارسية التي لاتعتبر لغة عالمية بل يتحدث بها عدد محدود من البشر : اقل من نصف سكان ايران و قسم من شعوب افغانستان و طاجيكستان.
و اما سبب الانحسار في التبادل الفكري و الادبي بين العرب و الايرانيين في القرن الماضي يرجع الى عوامل خارجية – غربية استعمارية – و عوامل داخلية مثل بروز العقيدة القومية – و التي تأخذ اشكالا متشددا احيانا – بين العرب و الايرانيين.
و يبدو حاليا ان كل من ايران – بعد مجئ خاتمي – و العرب يبذلون جهدا ليعيدوا النظر في هذا الامر و ذلك للتقليل من الفجوة التي لا تليق بشعبين جارين لهما تاريخ و ثقافة و دين مشترك. و اخذت الندوات الفكرية و الادبية و السياسية نعقد بين الجانبين في الاونة الاخيرة و لكن معظمها تتم بواسطة مؤسسات حكومية و رسمية مثل وزارتي الارشاد و الخارجية. فيما اعتقد ان العلاقات الثقافية و الفكرية بين العرب و الايرانيين لن تتعمق و لن تتجذر الا اذا توسعت و شملت منظمات غير حكومية مثل اتحاد الصحفيين او اتحاد الكتاب الايرانيين.
و امد من هنا – ككاتب و صحفي و كعضو عربي اهوازي في الاتحاد – يد التعارف و الصداقة لكافة اتحادات الكتاب و الادباء في العالم العربي ليتصلوا بنا عن طريق مجلة ( الزمان الجديدة ) لنتعرف على بعضنا البعض و على نتاجاتنا الادبية و الثقافية و لنسد الطريق امام اعداء الشعوب العربية و الايرانية.