لاحظت امس الأول وانا اتصفح الصحف الايرانية الاهتمام الذي ابدته هذه الصحف تجاه الكاتب العربي العالمي نجيب محفوظ.
فقد احتل خبر وفاة نجيب محفوظ عناوين الصفحة الاولى لثلاثة من اهم الصحف الرئيسية في ايران وهي بالمناسبة صحف اصلاحية: ‘شرق’ و’اعتماد ملي’ و’آينده نو’. اذ تحدثت هذه الصحف عن دور نجيب محفوظ في الادب العربي والعالمي، واشادت بما كتبه طوال حياته من روايات وقصص ومسرحيات. لكن الصحف المحافظة اهملت الخبر اونشرته كنبأ صغير في زاوية من صفحاتها الداخلية. وسنقرأ هنا ما يكنه المتشددون لهذا الروائي البارز الذي حصل على جائزة نوبل للاداب كاول كاتب عربي ومسلم في العالم. اذ كتبت صحيفة جمهوري اسلامي: ‘توفي امس الكاتب المصري نجيب محفوظ عن عمر يناهز 94 عاما. وقد حاز على جائزة نوبل للاداب اثر معارضته للحكم التاريخي الذي اصدره الامام الخميني بشأن ارتداد سلمان رشدي مؤلف كتاب الايات الشيطانية، ومساعي الولايات المتحدة الاميركية والاوساط المناوئة للاسلام. ومع الأسف اشادت بعض وكالات الانباء المحلية هنا بنجيب محفوظ، عوض ان تقوم بالكشف عن وجهه الحقيقي!’.
بعد هذه المقدمة يجب ان اقول ان الساحة الثقافية الايرانية لم تخل من الترجمة للادب العربي الى الفارسية عبر التاريخ. وفي القرن التاسع عشر كان لترجمة ‘طبائع الاستبداد’ للكواكبي تأثير ملموس على النخب الفكرية واندلاع الثورة الدستورية في ايران. وقد استمرت ترجمة الكتب الادبية والفكرية من العربية الى الفارسية في القرن المنصرم حيث كان لنجيب محفوظ قسطا لابأس به. اذ ظهرت اول ترجمة لكتبه في اوائل الثمانينات حيث صدرت رواية ‘اللص والكلاب’ بترجمة بهمن رازاني. لكن القارئ الايراني لم يتعرف عليه جيدا الا بعد فوزه بجائزة نوبل في العام 1988 حيث صدرت رواية ‘يوم قتل الزعيم’ بترجمة يوسف عزيزي. فالكتاب الذي حمل اسم هذه الرواية ضم ايضا 13 قصة قصيرة لنجيب محفوظ ومقدمة في 30 صفحة تعرف القارئ الايراني على اساليبه الادبية والروائية. وقد جرى طبع 5500 نسخة وتوزيعها من هذا الكتاب حيث وزعت على مستوى ايران كلها.
وقد استمر كاتب هذه السطور بتعريف ادب محفوظ وترجمة قصصه وحواراته الى الفارسية ودافع عنه امام الاصوليين الذين اخذوا يعارضون ترجمة آثاره الى الفارسية. اذ صادرت وزارة الارشاد الايرانية في العام 1993 كتاب ‘الشيطان يعظ’ ومنعته عن التوزيع وهومجموعة قصصية ترجمتها الى الفارسية.
كما وصدرت في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي روايات ‘زقاق المدق’ بترجمة محمدرضا مرعشي و’ليالي الف ليلة’ بترجمة جواد سيد اشرف و’معبر القصر’ بترجمة م. مرنديان ومجموعته القصصية ‘الشيطان يعظ’ بترجمة محمد جواهر كلام. كما تنوي احدى دور النشر اصدار رواية ‘ميرامار’ بترجمة رضا عامري.
غير ان اي مترجم ايراني لم يقترب حتى الان الى رائعته التي جلبت له جائزة نوبل واعني الثلاثية ‘بين القصرين – قصر العيني – السكرية’، كما لم تترجم الى الفارسية روايته المهمة ‘ثرثرة فوق النيل’. فعلى كل حال ان ترجمة كتب وروايات نجيب محفوظ لم تكن في المستوى المطلوب اذا تصورنا بانه نشر اكثر من 50 رواية ومجموعة قصصية.
ويبقى نجيب محفوظ هو الاشهر في ايران قياسا بالعديد من الادباء والمفكرين المصريين والعرب، من قاسم امين وطه حسين الى ادونيس والطاهر بن جلون. اللهم يمكن ان نستثني في ذلك الشاعر الفلسطيني محمود درويش.