القطار

               قصة قصيرة                                                                                                      يوسف عزيزي   

Train

 

 

 

 

 

 القطار يدق ويسحق الطريق ؛ دق الحديد على الحديد . والعربة كالمهد تهزك في نفق الزمن الضيق ؛ الأصوات تزعج أعصابك لكنك تتعود على صوت التهويدة الحديدية . تستطيع أن تنام لتهرب من ثرثرة الطالبين الجامعيين الجالسين أمامك في العربة . ياله من نفق طويل جدا لم ينته . يعلن الليل عن وجوده القاتم من وراء الزجاج وتمسي الدنيا ظلمات ؛ لا أرى بعد الآن شيئا . القطار يدق ويسحق الطريق .

أجد نفسي جنب النافذة ، يظهر نهر عظيم أمام عيني ، أمواجه الهادرة تتخطى الشاطئ وتبلل عجلات القطار ، لكن القطار لايتوقف ؛ ويسير بسرعة جنونية . أشعر بأنني انترعت من الزمان والمكان ؛ يالها من طاقة عظيمة ، لم ار في حياتي قطارا كهذا .

في نقطة ما شعرت بأنه قد توقف وذلك أثر سرعته الفائقة جدا . أستطيع الآن أن أرى الناس بشكل أفضل . جموع غفيرة من الناس تقف على الشاطئ محدقة في مياه النهر .

نظرت إليهم باستغراب ؛ كان البعض يبحث في الشاطئ عن حصاة أو حجر ليرجم شيئا ما في النهر . لون الماء لم يكن أزرق ولا بني ؛ كان ذا لون آخر ، يبدو وكأنه نيلي دون أن يكون نهر النيل .

هل كان نهر دجلة أم نهر كارون ؟ لا أدري ، لم استطع أن أعرف النهر . أسمع صوتا قريبا جدا يقول :

– قاموا بتعصيب عينيه وكانت تبدو على جسده آثار الضرب والركل.

كانت عيون الناس تتألق فرحا ، كأنما يشاهدون شريطا سينمائيا ممتعا . لم أستطع أن أسأل أحدا عما يجري حيث شعرت بتعقد لساني ، كما أني لم أعرف أحدا من هؤلاء الناس ولا الأمكنة . الماء يزداد احمرارا مع الوقت وترقص الأسماك و أسماك القرش في المياه القرمزية.

رأيت العس وهم راكبون الخيول يلوحون بالأسواط ويحثون الناس ليرجموا النهر و ما فيه .

أسمع الصوت مرة أخرى :

– بعد الإعدام قذفوه في النهر حتى لا يبقى منه أثر .

بعد لحظات تزداد الجموع عددا ، وتنهال الأحجار بكثافة على النهر، حيث يعلو الضجيج باصطدامها بسطح الماء . يبدو لي أن غشاوة من الجليد والزجاج كانت تغطي المياه التي أخذت تنقشع أثر اصطدام الأحجار بها من كل حدب وصوب . الطقس لم يكن باردا والناس تتفوه بكلام لم أفهمه ؛ أشعر وكأنني غريب بينهم أو كأنني جئت من كرة أخرى .

ومن غرائب الأمور ، إنني كنت أرى الجميع ولم يرني أحد . تابعت مسيرة نظراتهم ؛ فرحون لا مبالون ، واقفون على ضفتي النهر ، محدقون في المياه .

تغير الطقس فجأة ، هبت زوبعة وملأ الدخان الأسود المكان . شعرت لهنيئة أنني سأختنق ، لكن الزوبعة لم تستمر وانكشف الهواء بعد قليل . لم أكن أتصور أن جثة إنسان ما تطفو على المياه ولا تغرق .

الجثة لم تكن سليمة وكانت تنقصها الرجلان واليدان ، غير أن الشيء الذي أدهشني كثيرا أنها كانت لا تزال تتنفس وفيها نوع من الحياة .

أسمع الصوت مرة ثالثة :

– خنقوه بسبب أفكاره .

حدقت بعناية ، فرأيت يد الغريق ورجله اليمنى في صوب ويده ورجله اليسرى في صوب آخر ، عائمات على سطح المياه .

كانت الجثة تقاوم الموت رغم تقطعها . هل كان الغريق حيا ؟ لم أستطع التفكير بهذا الأمر حيث لم يكن أي معنى للتفكير ؛ إذ كنت أرى في وجوه الناس السرور والغبطة المقززة .

يعم الضجيج و يضطرب الناس على حين غرة ؛ وتتجه النظرات إلى مكان ما في وسط النهر حيث الصدر والرأس عائمين . رأيت شفتيه الداكنتين تتحركان، كأنهما تترنمان بالدعاء . اندهشت والناس جميعا ؛ يا له من أمر غريب . . استغفرالله .. هرب البعض وبقي البعض الآخر وذلك ربما بسبب الفضول كي يتعرفوا على حقيقة الأمور .

أخذ صوت الغريق يرتفع رويدا رويدا ، غير أن كلامه لم يزل مبهما ولم أفهم منه شيئا .

سيطر صمت رهيب على ضفتي النهر ؛ لم يتفوه أحد ببنت شفة ، حتى العس أصبحوا مثل الخرسان وبدت الجموع الغفيرة كأنها أموات لا روح لها بينما تحول الغريق شبه الميت إلى حي يرزق .

أخذ الصوت يتضح رويدا رويدا حتى سمعته يقول :

– أنا الحق ، أنا الحق .

كنت تواقا لأعرف الحقيقة و أنه كيف تنطق هذه الجثة المتقطعة الأوصال بلفظة “أنا الحق”.

كنت مستغرقا في تلك الحالة حتى اصطدم حجر كبير بسطح الماء الزجاجي .

فتحت عيني وقفزت عن الكرسي ؛ رأيت بعض الشقوق على زجاج نافذة العربة .

والطالبان لايزالان يثرثران والقطار يدق ويسحق الطريق .

جديد الموقع

الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


حول استقالة مستشار روحاني,مناظرة تلفزيونية


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور