هذا حوار مسهب اجراه معي، الناشط الاهوازي مهدي هاشمي وتم نشره في موقع التيار الوطني العربي الديمقراطي في الاحواز. لكن قبل ذلك تم نشر ملخص لهذا الحوار في موقع ايلاف بتاريخ 2 يونيو/حزيران 2013. وقد قمت ببعض التنقيح هنا للنص الاصلي.
********************
في الذكرى السنوية للمجزرة المحمرة نجري لقاء مع الكاتب والمناضل السياسي العربي يوسف عزيزي بني طرف حول الحراك السياسي للشعب العربي بعد قيام الثورة الايرانية.
هل يمكن ان تشرح لنا حضورك ودورك في فترة انتصار الثورة وبداية الحرك السياسي والثقافي العربي أنذاك؟ هل كنت عضو في تنظيم خاص؟
ماجذبني الى المحمرة هو نحن في الاهواز سمعنا بان المظاهرات ضد الشاه في المحمرة اصبحت عربية. هذا الامر كان جديد بالنسبة لنا. ذهبنا الى المحمرة واطلعنا على المظاهرات العربية وعلى دور الشيخ محمد طاهر الشبير الخاقاني. اول مرة سمعت اسم الشيخ حوالي ثلاث اشهر قبل انتصار الثورة. بعدها كنت اذهب الى المحمرة وعبادان ولاول مرة كانت لي محاضرة باللغة الفارسية في كلية النفط بعبادان كان عناونها “درباره خلق عرب درخوزستان” (حول الشعب العربي في خوزستان). انتشرت هذه المحاضرة بعشرة الاف نسخة في فبراير 1979 في طهران وانتشرت بشكل واسع في الاقليم. في هذه المحاضرة حضر الكثير من العرب بحيث لاول مرة ارى نساء عربيات بزي عربي(العباية). ولاول مرة نرى الحضور العربي في زمن الشاه وهذه ظاهرة غيرمعهودة في زمن الشاه بسبب المقع الشديد الموجه للعرب.
انا لم اكن عضوا في تنظيم خاص. انا كنت اعمل مع عدة اشخاص ذات توجه قومي. فيما بعد شكلنا مجموعة الكفاح. نحن نشرنا اول صحيفة عربية فارسية كانت تنشر بشكل سري. أنذاك كان نشر الصحف العربية في اقليمنا ممنوعا. هذه الجريدة كانت تحمل شعار “الديمقراطية لايران والحكم الذاتي لعربستان”. نشر منها حوالي عشرة اعداد وانتشرت بشكل واسع بين الناس. كما كنا نصدر عبرها بعض البيانات. اليسار الايراني الذي كان قويا أنذاك بادر بنشر صحيفة النضال من اجل المنافسة مع الكفاح. النضال ايضا كانت صحيفة عربية فارسية و كانت تصدر في مدينة المحمرة. نحن نعرف ان منظمة فدائي الشعب هم من كانوا وراء هذه الصحيفة. اثنان من مؤيدي منظمة فدائي الشعب وهما حسين علوي وعمه على علوي كانا يصدران هذه الصحيفة. الاثنان توفيا في مابعد. انا اؤكد انهما كانا من مؤيدي منظمة فدائي الشعب، وانا اعتقد بان أي عربي لم يكن عضوا فيها وكانوا شبابنا اليساريين ينتمون الى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي كانت في الخارج. الكفاح كانت صوت مستقل للشعب العربي لكن النضال كانت تعاني من محدوديات التنظيم الذي تتبعه. انتشرت الكفاح بعد رجوع الوفد العربي من طهران في مدينة الاهواز.
اول مايو سنة 1979 نحن كنا مع الوفد في طهران. المبادرة كانت من الشيخ الخاقاني. هذه الرجل كان الاب الروحي للشعب العربي ابان الثورة وبعدها وكان له دور اساسي في المحمرة. هؤلاء المعممين الاخرين لم يكن لهم أي دور. الشيخ محمد الكرمي ايضا لم يكن له الدور النضالي الذي كان الخاقاني يتمتع به. الكرمي لم يكن معارض للشاه و كانت له قصائد في مدح الشاه ونحن نشرناهن أنذاك. اخو الكرمي، عبدالهادي الكرمي كان معارض للشاه ولكن بعد الثورة اصبح ضد العرب. لكن محمد الكرمي كان له مقلدين من بين العرب.
اواخر فبراير1979، اتصلوا بي واخبروني بان الشيخ الخاقاني ينوي ارسال وفد الى طهران. ذهبنا الى بيت الشيخ الذي يقع جنب مسجد امام الصادق. كنا نذهب اسبوعيا من الاهواز الى المحمرة وبشكل مستمر وكانت لنا اجتماعات في بيته. هو قل ما يحضر لكن الشيخ محمد كاظم واخوه الاخ مهدي الشبيري كانوا يحضرون اجتماعاتنا. بعد كل النقاشات تكون الوفد من ثلاثين شخصا وثلاث اشخاص من قبل الشيخ لادارة امور السفر. في البداية كان العدد حوالي عشرة اشخاص لكن بعد النقاشات توصلنا الى ان يكون الوفد ثلاثين شخصا. هذا الوفد كان يضم اشخاص من شرائح مختلفة من المثقفين ورجال الاعمال و شيوخ القبائل وفئات مختلفة. الوفد لم يكن يمثل تنظيمات بل كان يمثل الشرائح المختلفة لمجتمعنا العربي. اذ حاولنا اين يشمل الوفد كل مدن المنطقة وبالضبط صار هكذا.
ماهي التوجهات المختلفة في مناقشة الرسالة والمطالب التي قدمت للحكومة المؤقتة الايرانية؟
نحن نقاشنا الاراء كلها، في المحمرة أنذاك. في هذه النقاشات شاركت المنظمة السياسية و العديد من العائدين من سوريا وكان يمثلهم في الاجتماعات سعيد عباسي وجابر الاحمد وهما كانا يعتقدان بالفدرالية وكانا قد وصلا الى هذه النتيجة، وهم في المهجر كانوا قد تجاوزوا موقف الاستقلال الذي كانت تطرحه جبهة تحرير عربستان وتبنوا الحل الفدرالي. المنظمة السياسية ايضا بسبب قربها من الشيخ الخاقاني كانت مع الحكم الذاتي. الحركة الجماهيرية لم تشارك في النقاش ولم تكن معروفة أنذاك وفي مابعد ظهرت عبر بياناتها. لم يطالب احد بالاستقلال وكما لم تطالب المنظمة السياسية بالاستقلال. والمركز الثقافي كان عمله ثقافي والناشطين به كانوا يصرون على العمل الثقافي بسبب الجفاف الفكري والسياسي والمنع الحاد والقمع الدموي الذي كان يمارسه الشاه ضدنا و هذا الاخير – اي المركز الثقافي – لم يكن سياسيا. طبعا أنذاك كان كل شي مسيس. والنشاط كان يدور حول الثقافة والموسيقى ونقاشات وحوارات سياسية وثقافية في المركز الثقافي في المحمرة وباقي المدن مثل الاهواز والفلاحية وعبادان والخفاجية. المركز لم يشارك بشخصيته التنظيمية في الوفد. هؤلاء في المركز الثقافي كانوا على علاقات مع التنظيمات اليسارية الايرانية، بحيث عندما تمت مهاجمة المركز الثقافي من قبل المركز العسكري الثقافي (كانون فرهنكي نظامي ) والقوات التابعة للاميرال مدني، معظم اليسار الايراني دفاع عن العرب ووقف الى جانبهم، منهم منظمة فدائي الشعب ومنظمات راديكالية يسارية اخرى ماعدى الجبهة الوطنية(جبهه ملي) التي ينتمي لها الجزار مدني و حزب الشعب (حزب تودة) وشخصيات مثل الطالقاني الذين ايدوا مدني مع الاسف. أنذاك كانت جبهة اخرى في طهران وهي الجبهة الديمقراطية الوطنية(جبهه دموكراتيك ملي) وكان امين عامها هدايت الله متين دفتري وكان فيها شكرالله باك نجاد. كان لهذه الجبهة دور ايجابي في مساندة العرب.
وفد الشعب العربي في طهران
ذهبنا الى طهران اوائل ارديبهشت 58 شمسي(اوايل مايو 1979) ونزلنا في فندق انقلاب ( كان اسمه رويال غاردن في عهد الشاه). بقينا حوالي عشرة ايام في طهران. ذهبنا من المحمرة الى طهران بالقطار والبعض التحقوا بنا في طهران. هناك قسمنا الوفد الى لجان مختلفة. انا صرت المتحدث باسم الوفد العربي. هذه اللجان المختلفة توجب عليها ان تتصل بالقوى السياسية الايرانية المختلفة. أنذاك كانت القوى السياسية المختلفة والمقموعة في زمن الشاه قد ظهرت على الساحة. بعض الاخوة ذهبوا والتقوا بمجاهدي خلق وحزب تودة. قضيتنا لم تكن معروفة لدى الاخرين ونحن اردنا ان نشرح لهم اوضاع شعبنا. كما التقت عناصر من الوفد بمنظمة فدائي الشعب وطريق العمال. انا عملت مقابلات مع بي بي سي فارسي واذاعات اخرى مثل مونت كارلو عربي وانعسكت هذه المقابلات في صحيفة كيهان اليومية انذاك.
اهم لقاءنا كان مع مهدي بازرغان رئيس الوزراء الايراني لكن بسبب انشغاله لم نتمكن من التحدث اليه فتكلمنا مع نائبه امير انتظام. في حوارنا مع انتظام لمدة حوالي عشرين دقيقة كنا نناقشه حول لفظ “عرب زبان”(هذه مفردة تعني عرب اللسان، ويطلقها البعض على العرب في ايران من اجل انكار اصولهم العربية). كنا نقول له باننا شعب لكنه كان يؤكد على اننا “عرب اللسان”. في النهاية اعطيناه المطالب وشرحنا له مطالبنا. طال لقاءنا معه حوالي ساعة. تقيمنا لموقف امير انتظام كان سلبي. انتظام كان يواجهنا بعقلية القوميين الفرس في الجبهة الوطنية (جبهه ملي). في اليوم التالي ذهبنا الى بيت اية الله محمود الطالقاني. انا بدأت الكلام معه بالعربي لكن عربيته لم تسعفه واضطررنا ان نتكلم معه بالفارسية. الطالقاني كان موقفه افضل من امير انتظام وكان يؤيدنا بشكل عام وتمنى ان يزول الاضطهاد عن العرب.
بعدها زار الوفد، الخميني ومنتظري وگلبابگانی فی قم. انا لم اذهب الى قم مع الوفد. لم اسمع شي خاص عن موقف الخميني. لكن كم سنة بعد عندما زرت الشيخ محمد الكرمي في مدرسته في شارع نادري في الاهواز قال لي بانه لديه رسالة من الخميني يؤكد له بانه سيعطي حكم ذاتي للعرب. كما الخميني اعطى نفس الوعود للشيخ الخاقاني. انا لم ارى الرساله بنفسي لكن سمعت عنها. على اي حال عملنا علاقات مع كافة التنظيمات الايرانية ماعدى الجبهه الوطنية التي كنا نعرف عداءها للعرب. انا اعتقد ان ايفاد الوفد الى طهران كان اهم حدث سياسي لشعبنا بعد سقوط الشيخ خزعل. فلاول مرة كان شعبنا يشكل وفد ويطرح مطلب الحكم الذاتي. نحن استخدمنا مسمى “عربستان” للاقليم بدل “خوزستان” الفارسية وذلك رغم علمنا بالحرج الذي كان يواجهنا بسبب هذه التسمية . الرسالة كانت تحمل اثناء عشر بندا وتطالب بالحكم الذاتي للشعب العربي وكافة الحقوق المترتبة عليه.
الانقسام في الحراك السياسي للشعب العربي
الشيخ محمد الكرمي كان يشعر بنفسه منافسا للشيخ الخاقاني. هذا الامر تسبب في انقسام الحركة السياسية للشعب العربي في اقليمنا. مع ذلك كان العديد من المثقفين والنشطاء في الاهواز مع الشيخ محمد طاهر الشبير الخاقاني ويؤيدون مواقفه السليمة. خاصة عندما كان الوفد في طهران وكنا منشغلين بالمفاوضات مع القوى الايرانية، الحكومية وغير الحكومية، قام محمد الكرمي بتسيير مظاهرة لصالح الجنرال احمد مدني وضد الوفد العربي ومطالب الشعب العربي لسبب ان الوفد كان موفد من قبل الشيخ الخاقاني. لكن في نفس مدينة الاهواز شاركت حشود الرجال والنساء بمظاهرات واسعة تأييدا للوفد العربي وللمطالب التي يرفعها وحضرت الحشود العربية امام مبنى ادارة المحافظة (كاخ استانداري). تكررت هذه المسيرات المؤيدة للوفد في مدينة الاهواز عدة مرات، وكانت اكثر من المظاهرات المعارضة للوفد والمؤيدة للكرمي. كان التوجه السياسي للشيخ محمد الكرمي لصالح السلطة وليس لصالح الشعب العربي في حين الشيخ الخاقاني كان معارضا منذ زمن الشاه وساند مطالب الشعب العربي في الجمهورية الاسلامية وقد دعم ايضا الحركات العمالية فی عبادان ومعشور واعطاهم المال وساند تحركاتهم. انا شاهد على هذا الامر. ناصر خاكسار كان احد قادة نقابة العمال العاطلين عن العمل في عبادان “سنديكا كارگران پروژه ای” شاهد على ذلك وكان هؤلاء يدافعون عن حقوقهم ومعظمهم كانوا من العرب. الشيخ محمد طاهر الخاقاني كان انسان ذات توجه ليبرالي ولم يعتقد بدمج الدين مع السياسة، اذ كان يعتقد بفصلهما ويدافع عن حقوق الشعب العربي وكان يرعى معنويا مؤسسات الشعب العربي في المحمرة.
قمع الحراك السياسي والثقافي العربي في ايران
بلغ القمع الشاهنشاهي الى درجة حيث استأصل كل التنظيمات والمجموعات السياسية العربية عبرالقتل والاعدام مثل مجموعة الشهيد سيد فهد او زج المناضلين بالسجون. كما ان الحكم الاسلامي الجديد ايضا لم يكن حكما ديمقراطيا، ولهذا لم تتمكن التنظيمات العربية من الظهور علنا ولم يتركوا لنا المجال بالظهور على الساحة. مثلا في طهران حزب توده وفدائي الشعب ومجاهدي خلق ظهروا على الساحة وعملوا لعدة اشهر لكن التنظيمات العربية لم يمهلوها الا شهرين او ثلاث. الوحيد الذي تمكن من الظهور على الساحة الاهوازية، هو المنظمة السياسية للشعب العربي بحيث تم حلها بعد ثلاث اشهر كما تم القضاء بعدنا على تنظيمات الشعب التوركماني مثل المركز السياسي – الثقافي للشعب التركماني”كانون فرهنكي سياسي خلق تركمن” في اواخر 1979 . اول ضربة وجهها النظام للشعوب، استهدفت العرب حيث انهى بذلك اي حراك سياسي في المدن العربية. بعدها توجهوا الى كوردستان في اغسطس 1979 والى الشعوب الاخرى في العام التالي. طبعا الحركة الكوردية كانت منظمة وقوية وقاوموا كثيرا بحيث بوكان كانت اخر مدينة كوردية تسقط بيد النظام، اي بعد حوالي ثلاث سنوات وبالضبط في العام 1983. من هنا نرى مدى عداءهم للعرب بحيث اول من تم قمعه من قبل السلطة هم العرب.
في هذا المجال يمكن ان اذكر المناضل سيد محمد العبودي ومسيرته النضاليه. هذا المناضل تم اعدامه عام 1986 فوق حافلة صغيرة في مدينة الفلاحية. الشهيد محمد العبودي كان سجين لمدة 15 سنة في سجن نظام الشاه البائد في مدينة الاهواز. اذ تأثر هو وبعض المناضلين العرب في السجون بالسجناء اليساريين واثروا عليهم. في نوامبر 1978 وعندما اضطر الشاه وتحت ضغط الشارع ان يفرج عن السجناء، حضرت مع اصدقائي امام سجن كارون في الاهواز وشاهدنا خروج السجناء. عند خروج السجناء في مساء ذلك اليوم، طلبت حشود المجتمعين من الكاتب العباداني نسيم خاكسار ان يتكلم بالنيابة عن السجناء. وقد رفض نسيم خاكسار التحدث وطلب من السيد محمد العبودي ان يتكلم. تحدث هذا المناضل العربي وكانت فارسيته ركيكة وبعدها تكلم بالعربي وتم ترجمة كلامه. هكذا كانت الحركة العربية القومية قوية واحتكت مع اليسار الايراني وسجناءهم.
اجهاض مؤتمر مهاباد للشعوب غيرالفارسية
مع هذا نحن في مجموعة الكفاح استمرينا بعملنا في طهران وكانت لنا صلات مع الجبهة الوطنية الديمقراطية (جبهه ملي دموكراتيك). وقد بعثت هذه الجبهة، المرحومين الدكتور غلامحسين ساعدي وشكرالله باك نجاد الى المحمرة وكتبوا تقرير كامل عن احداث 30 مايو 79 في المحمرة وماشاهدوه هناك. كما كتبت ايضا صحيفة آيندكان ومجلة طهران مصور عن الاحداث وكذلك الصحافة اليسارية مثل “كار” الناطقة باسم منظمة فدائيي الشعب و “راه كاركر” الناطقة باسم منظمة “طريق العامل”. هذه الصحف غطت احداث المحمرة. “الجبهة الوطنية الديمقراطية” ونتيجة لتعاطينا معها، قررت ان يكون مؤتمرا للشعوب الايرانية في اواخر اغسطس 1979 في مهاباد. هذا المؤتمر دعى له عزالدين الحسيني الاب الروحي للشعب الكوردي الذي توفي فی فبرایر 2011 فی منفاه بالسوید. نحن ايضا كعرب اعلنا استعىاىنا للمشاركة كمجموعات سياسية واخبرنا النشطاء في الاهواز وساير المدن ان تشارك وعلى اساس ان يأتون على متن حافلات من الاهواز الى مهاباد للمشاركة في هذا المؤتمر. لكن السلطة الايرانية بقيادة الخميني خططت للهجوم على كوردستان لتمنع الشعوب من اظهار وحدتها وقدرتها في مهاباد ولتقمع الحركة الوطنية الكوردية في ايران وقد تم بالفعل الهجوم على الاكراد في نهاية اغسطس 1979 وحالت دون اقامة مؤتمر مهاباد للشعوب غير الفارسية.
مبدأ “ولاية الفقية” يشطب حقوق الشعوب
بعد هذه الاحداث، انا وشخص اخر شاركنا في ندوة حول الدستور الايراني في طهران وقد اقيمت هذه الندوة بجهود بواسطة عبدالكريم لاهيجي وحسام الدين صادق وزيري وهما محاميين معروفين كانا على اتصال مع الدكتور حسن حبيبي مساعد رفسجاني وخاتمي فيما بعد. حبيبي كتب مسودة الدستور الايراني بعد قيام الثورة في فبراير 1979 وعرضه على هذه الندوة التي اقيمت في حزيران/يونيو من نفس العام في جامعة طهران( نادي الاساتذة ). من الاكراد كان الدكتور عبدالرحمان قاسملو امين عام الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني ومن حزب الكومله صديق كمانكر ومن الاتراك الأذريين، مجيد امين مؤيد ومحمد بيفون (من المركز الثقافي الأذربيجاني) والدكتور حميد نطقي والدكتور جواد هيأت. ويُعد حميد نطقي، الاب المؤسس لدوائر” العلاقات العامة” في ايران و الدكتور جواد هيأت كان اول من قام باجراء عملية جراحية مفتوحة للقلب في ايران. ومن التركمان،كان طواق واحدي وجرجانی وهما من المركز الثقافي للشعب التركماني( كانون فرهنكي خلق تركمن) حیث قتلا مع اثنين اخرین على يد الحرس الثوري بعد فترة. نحن عرضنا مطالبنا ضمن 12 مادة على هذه الندوة وطالبنا بالحكم الذاتي لاقليم عربستان والاكراد والاتراك ايضا طرحوا نفس المطالب لتدرج في الدستور الايراني. تم ارسال المسودة والاقتراحات الى الخميني ومجلس قيادة الثورة(شوراي انقلاب) وكانوا فيه رفسنجاني، بهشتي، سحابي، دكتور بيمان، وطالقاني. بالنهاية كان من الضروري ان يصادق اية الله الخميني على الدستور المقترح. دخل شخص باسم الدكتور احمد أيت على الخط واقترح على الخميني ادخال مبدأ “ولاية الفقيه” وهذا ماتم. فلذا شطبوا مطلب الحكم الذاتي وسائر مطالب الشعوب غير الفارسية ولم يبق من مبادرتنا سوى مواد 15و19و 48.
جرائم الأدميرال مدني بحق العرب
بعد مجزرة المحمرة في صيف 1979 فال مدني في مقابلة مع صحيفة “آيندكان”: “انا فارسي اصيل” ( من يك فارس ناب هستم). في هذه الفترة إختلف معه الشيخ عبدالهادي الكرمي وذهب الى طهران واشتكى ضده. تصرف عبدالهادي الكرمي هذا لم يكن حبا للعرب بل خوفا من انتفاضتهم ودفاعا عن النظام.
كما ادعى مدني ان الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين انذاك، ان امين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الدكتور جورج حبش زار الفلاحية. وقد ادلى بهذه التصريحات لتحريض السلطة الاسلامية الوليدة ضد العرب. انا التقيت بجورج حبش في اواسط التسعينات عندما زرت الشام وسألته عن هذا الموضوع، اذ نفى جورج حبش هذا الادعاء. كما قام الجنرال مدني بمجزرة المحمرة ليصور نفسه بطلا قوميا لدى الايرانيين وليكسب اصواتهم في الانتخابات الرئاسية الاولى التي كان من المقرر ان تتم في يناير 1979، في حال لم يطالب احد من العرب انذاك بالاستقلال والجميع كانت تطالب بالحكم الذاتي. فقد صعد الجنرال مدني على اجساد شهداء العرب واصبح الرجل الثاني بعد بني صدر في الانتخابات الرئاسية الايرانية. مع الاسف لاتزال تقدس الجبهة الوطنية (جبهه ملي) هذا الجزار وتضع صورته الى جانب مصدق في موقعها على الانترنت في داخل ايران. هذه الجبهة ورغم علمها بتصريحات مدني بانه اخذ مليون دولار من السي أي أي من اجل العمل ضد نظام الجمهورية الاسلامية، وبالرغم من انها تعتبر مثل هذه الامور بالخيانة لكنها تقدس مدني لانه ضرب العرب وارتكب مجزرة المحمرة وسير الدبابات في شوارع الاهواز. انا رأيت الدبابات بام عيني عندما حاصرت المركز الثقافي العربي في منطقة الشكارة (باداد) في الاهواز.
دعني احكي لك عن موضوع يرتبط بما نحن فيه. في زيارتي للسويد في اوائل ايار/مايو 2013 التقيت بشخص في السويد من عرب المحمرة. كان هذا الشخص الذي يعرف بالبغلاني جندي احتياط في القوات البحرية التي كان معسكرها في حي كوت الشيخ بالمحمرة. روى لي هذا الشخص بان هو وبعض الجنود العرب كانوا يأدون الخدمة العسكرية عند وقوع مذبحة المحمرة في الاربعاء السوداء. فقال لي: نحن رأينا كيف قتلوا الابرياء، فحتى المواطنين الابرياء الذين كانوا يعبرون النهر بالزوارق تم قتلهم من قبل القوات البحرية التابعة للجنرال مدني. كما شرح لي شخص اخر يساري فارسي في فرانكفورت نفس الحادث. هذا الجندي العربي اكد لي بانهم – اي الجنود العرب – حاولوا ان يقوموا بعصيان ضد القادة العسكريين في البحرية، لكن في النهاية انتبهوا ان مفاتيح مستودع السلاح كان بيد غير العرب، وبعدها انكشف مخططهم و اضطر ان يغادر ايران واللجوء للسويد. هذه الشهادة تؤكد ان القوات البحرية الايرانية كانت تقتل الابرياء العرب. مع الاسف هذه جرائم حرب لم يوثقها احد ويستوجب علينا ان نوثقها.
هنالك تفاصيل حول انعقاد مؤتمر من قبل القوميين الفرس وانصار الخميني تحت عنوان امن المحافظات الايرانية، عقد في بداية سنة 58 الشمسية أي مارس 1979. يقال بانهم خططوا لضرب الحركات القومية في حال حصولها في المحافظات العربية والكوردية والتوركية و غيرها. هل لديك فكرة حول هذا المؤتمر؟
كان في حكومة مهدي بازرغان – وهي اول حكومة مؤقتة تشكلت بعد قيام الثوره – العديد من القوميين من الجبهة الوطنية (جبهه ملي) و حركة حرية ايران (نهضت أزادي)، اذ كان داريوش فروهر وزيرا للعمل وكريم سنجاني زعيم الجبهة الوطنية (جبهه ملي) انذاك وزيرا للخارجية اي اول وزير خارجية في ايران بعد قيام الثورة الاسلامية. اذن القوميين الفرس كانوا متواجدين في الحكومة وليس من المستعبد ان يقام هكذا مؤتمر.
برأيك استمرار القمع في المحمرة وبعدها قمع مظاهرات عام 1985 ومن ثم انتفاضة 2005 ماذا يمكن ان يكون له من تأثير على شعبنا العربي؟
حركة الشعوب غيرالفارسية حركة متنامية وذات جذور تاريخية وهذا القمع يزيد هذه الحركات قوة. نحن لانرحب بالقمع وسفك الدماء ونتمنى ان يكون انتقال سلمي للديمقراطية و الاهم من ذلك ان يكون حلا عادلا لمسألة الشعوب في ايران. الديمقراطية لوحدها لا يمكن ان تحل قضية الشعوب المضطهدة في ايران، لكن اذا تعمقت وتطورت يمكن ان تحل مسألة الشعوب. هذا القمع لايمكن ان يلغي هوية ونضال الشعوب غيرالفارسية. ومهما حاول رضاخان البلطجي (الشاه رضا) وابنه والسلطات الاستبدادية والعنصرية في الجمهورية الاسلامية ان تقضي نهائيا على نضال هذه الشعوب من اجل التحرر ومن اجل الوصول الى حقوقها التاريخية والسياسية والاقتصادية والثقافية، لم تتمكن. صحيح انها وخلال هذه الثمانين او التسعين سنة اثرت سلبا على هوية وثقافة هذه الشعوب لكن لم تتمكن من امحاء وجود هذه الشعوب بل لم تتمكن من الحد من نضال هذه الشعوب لنيل الحرية وحقوقها اتاريخية والسياسية. هذه الشعوب كسائر الشعوب المضطهدة في العالم بما فيها الشرق الاوسط، عاجلا ام أجلا سوف تصل الى حقوقها بسبب نضالها والضحايا التي قدمتها خاصة قي 35 سنة الاخيرة. فكل انتفاضة وكل حركة اعتبارا من سنة 1979 ومرورا باحتجاجات 1985
و الحراك العربي في فترة خاتمي وانتفاضة 2005 والاحتجاجات التي تلتها هذه كلها لبنات اساسية لبناء عمارة حقوق الشعب العربي في عربستان. هذه اللبنات مع الاسف مبنية بالدماء، لكن هذه اللبنات ستكمل هذه العمارة يوما ما ونحن نتمنى ان ينتهى نزيف الدم العربي في وطننا بما فيها الاعدامات والموت تحت التعذيب. لكن ليس كل ما نتمناه يتحقق و مع الاسف السلطة مستمرة بالقمع ليس فقط ضد الشعوب غيرالفارسية بل حتى ضد الشعب الفارسي نفسه وهذا مارأيناه بعد الاحتجاجات التي تلت الانتخابات الرئاسية في ايران عام 2009 وتؤكد استبداد السلطة الايرانية اكثر فاكثر.