النخلة

قصة قصيرة

يوسف عزيزي

Palm Tree3

اصبت بالدوران و شعرت بالغثيان و كذرات الرمل التي توضع في ” الجبالة ” اخذت ارتمي في هذه الجهة تارة و في الجهة الثانية تارة اخرى. كنت عائما داخل كرة سوداء قاتمة و لم استطع السيطرة على نفسي. حقيقة هذا لم يكن بارادة مني فهناك قوة خفية اوقعتني في تلك الحفرة النتتة و المظلمة دون رغبة مني كانت تلفني و تدورني. جدرانها حمراء و ربما لم يلامسها الماء لساعات او لايام الا ان هناك سائل لزج يتدفق من النبع الموجود في اعلى المغارة مما يجعل جدرانها مبتلة و رطبة.

بعد ان امتصتني جيدا و بقيت هيكلا عظيما جافا و يابسا و في الرمق الاخير وضعتني بين شفرتين حادتين تشبهان الكماشة ثم ضغطت علي بقوة كبيرة و قذفت بي للخارج او بعبارة اخرى بصقتني و كانما تريد ان تهدي غضبها فداء للارض. و بعد ان لفحتني اشعة الشمس هدا روعي و خرجت من تلك الحالة اللزجة الرطبة التي كنت فيها. كان الطقس حارا بل و حارقا. و حين وقعت على الارض شعرت بالحرارة اكثر فاكثر. لم تكن ارضا بل بحرا واسعا لا حدود له و لكي اتاكد فركت عيناي. نعم انه بحر واسع يثير الدهشة و العجب. اخذت اسأل نفسي لماذا لون البحر هكذا و هل من الممكن ان يكون البحر احمرا بهذا الشكل؟ امواجه المتلاطمة تشبه اسنان القرش و هي على اهبة الاستعداد للنهش.

انا لم اتي من العدم كما انني شاهدت هذا الكون من قبل. و كما اتذكر كان بحار هذا العالم كلها زرقاء و احيانا تتبدل الى لازوردية. غير ان هناك كان للبحر لونا اخر.و بالرغم من نحول جسدي و هزالته عندما كنت محلقا في الفضاء لم تسعنا الدنيا من الفرحة لتوقعي انني ساشرب بعد هنيهة ماءا عذبا و ساسلم جسدي لرطوبة هذا البحر و سوف اريح نفسي من عناء هذا الطقس الجاف المحرق. الا انه ما ان لامس جسدي مياه هذا البحر الاحمر الواسع حتى اشتعلت النار فيه. حرقة مؤلمة سرت في جميع انحاء جسمي الناحل. فمن تلك الحفرة النتتة الرطبة, قذفت الى هذا البحر الجاف, بدأ جسمي يسخن شيئا فشيئا و مع مرور الوقت اعتاد على هذه الحالة و بينما كنت ضائعا و حائرا غمرتني موجة عظيمة كالجبل و غطت جسدي باكمله.

مرة اخرى اسودت عيناي و لم تعد ترى اي شئ و بقيت مدفونا تحت اكوام من الرمل و الحصى. نعم ما كدت اعتاد على النور و الضياء حتى اخذتني الظلمة مرة اخرى الى احضانها, مدفونا تحت تلك الكثبان الرميلة. لكن حسن هذا الموقع هو انه اكثر برودة من تلك الصحراء المحرقة الخالية من اي نبات. لم يكن لي مونسا سوى ذلك اللحن السمفوني الجميل الذي وصل الى مسامعي من بعيد في احدى الليالي. استمعت الى ذلك الصوت العذب الدافئ بكل رغبة, ثم اصبح انيس وحدتي في الليالي.

و عندما كان يظهر القمر و يصبح بدرا و يضئ بين غيوم السماء كوجه عروس جميلة, كانت تعطيني تلك السمفونية المقمرة و بايقاعاتها الموزونة و لحنها العذب لحنا و قوة. و عندما كان القمر يغيب و يختفي كان ذلك الصوت بدوره يبتعد عني. لذلك كنت ابقى حزينا حتى تعود الليلة الرابعة عشرة و ما ان اسمع ثانية ذلك الصوت الحالم البهيج و استمتع به حتى اشعر و بالتدريج ان عالما اخضر و شفاف قد استولى على كل وجودي.

كنت قد تغيرت و قلبي كبر و كاد ان يخرج من مكانه. ترى ما هو سحر تلك السمفونية المنعشة المنفوس حيث بدت لي ظلمة الاقبية جميلة و رائعة؟ و من شدة الحماس و الشوق و الوله كنت امزق ثيابي و اقطع قلبي اوصالا لاهديه لصاحب تلك السمفونية الصاخبة. الان اصبحت لدي ايادي و ارجل عديدة, اخذت تمد جذورها الى اعماق التربة.

و في ليلة مقمرة عندما وصلت الى سمعي تلك النغمة العذبة, مددت يداي لاحتضن امواجها الزرقاء, احنيت رأسي و قلت :

– اني مدين لك في وسط هذه الرمال و الحصى الصلدة.

– و بقدرتك و طاقتك.

– لو لم تكن سمفونيتك المقمرة, لكنت اليوم مدفونا في اعماق التربة. ففي هذه الحياة الموحشة كانت تلك الموسقى البحرية الصاخبة طعامي و شرابي, املي اللازوردي الذي كنت احيا به. فعندما اقترب ذلك الصوت الازرق اكثر قال لي :

– لا يزال امامك عدة سنين لكي تطور نفسك تحت اشعة الشمس الساطعة و ان تغسل رجليك في بحر الحصى و الحجارة و ان تسرح شعرك الاخضر و تمشطها بعواصف الرمال.

– لا حزن ينتابني طالما ان موسيقاك السماوية موجودة و هي تطرب بمدها و جذرها روحي الولهانة.

عندما كان ذلك الصوت الازرق السحري يبتعد عني و يجر جر فستانه المائي ناديته و قلت مرة اخرى:

– اعترف, اعترف اني قد بعثت من جديد من سحر تلك السمفونية المقمرة . ان موسيقاك السماوية كانت السبب كي اترعرع و ارفع هامتي الى عنان السماء.

سألتني معاتبة و بنبرة تبدو و كانها تجني في داخلها احزان الاف السنين :

– تكلم عن البدايات, عن ذلك الذي له حق عليك.

عندما هدات الامواج جلست بدوري و استعدت بذاكرتي تلك الايام التي كان يشتد فيها عودي و اترعرع و اطول. و بينما كنت على هذه الحالة رايت رجلا مسنا محني الظهر يعتمر كوفيه بيضاء جاء من بين تلك الرمال. نثر على وجهي و جسمي مسحوقا معطرا ذو رائحة زكية و مضى. لقد عادت الي روحي و نشاطي, كنت ابن تسع سنين حينما سقطت اسناني البنية و حلت محلها اسنان جديدة ناصعة البياض, اسنان تلمع كلمعان النجوم في السماء و تبشر بالامل.

ففي تلك السنة اخذ الرجل المسن يربت على كتفي و يقول :

– في السنة القادمة ستبلغ العاشرة و عليك ان تطعمنا الحلوى.

في الربيع العاشر تمنطق ” الفروند ” و تسلق, اخذ شفتاي البنيتان بيده الخشنة ثم طبع قبلة قوية على اسناني الفضية و على وجهي, ثم نثر رحيق الحياة و ذهب.

عندما مضت عدة شهور و حل موسم نضوج التمر لم يأت الرجل المسن كعادته بل جاءت هذه المرة امرأة عجوز حزينة ترتدي عباءة سوداء لم تنطق ببنت شفة, ملأت سلتها بثمار التمر و ذهبت. و خلالها وضعت حبة من التمر في فمها فحصلت على الطاقة و مشت و قطعت المسافات. فرحت العجوز لانني كنت حلوة المذاق, حلوة جدا احلى من السكر.

فجأة اصبت بالدوار و شعرت بالغثيان و اخذت ادور في فناء اسود و خال و بعد ان امتصتني حتى اخر قطرة و بقيت هيكلا جافا و في رمقي الاخير قذفت في الصحراء…

الفروند : الة تقليدية يستعملها الفلاحون الاهوازيون لتسلق شجرة النخيل.

————————————————————————————————————————
طهران 1988

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور