يوسف عزيزي : 60% من اللغة الفارسية مفردات عربية

العرب سبقوا الفرس في كتابة القصة و الرواية
حوار صحيفة الكفاح العربي اليومية اللبنانية مع یوسف عزيزي في عددها الصادر بتاريخ 16/12/2003
اجرت الحوار: غادة علي كلش

In Shahrvand2يوسف عزيزي،كاتب و صحفي ايراني، من مواليد 1951، ولد في مدينة الاهواز التي تسكنها غالبية عربية،( تقع في جنوبي ايران ). و هو اليوم مقيم في طهران. امتهن الصحافة، و احترف كتابة القصة باللغة العربية، و باللغة الفارسية أيضا، وله بحوث اجتماعية و ادبية عدة حول الشأن الايراني، بالاضافة إلى كتاباته في الشأن السياسي.
ترجم لكبار الادباء العرب، مثل نجيب محفوظ ومحمود درويش و الطاهر بن جلون،
و ادونيس و حنا مينة، ناقلا نماذج عن الرواية العربية، وعن الشعر العربي الحديث ونماذج عن الفكر العربي الحديث ايضا، إلى اللغة الفارسية،عن طريق ترجمته لأعمال محمد عابد الجابري وهشام جعيط وغيرهما، بغية تعريف الكاتب العربي إلى المتلقي الايراني. كما و ترجم بالمقابل أعمالا من الادب الايراني إلى اللغة العربية، و نشرها في بعض الصحف العربية.
ابان زيارته إلى بيروت، اغتنمنا فرصة وجود يوسف عزيزي في لبنان، وأجرينا معه حواراً حول الثقافة الايرانية المعاصرة ، وحول الاشكالات التي تحول دون انفتاح الثقافتين العربية والايرانية المعاصرتين على بعضهما بعضا، بدء بالسؤال الآتي:

هل تعكس علاقتك باللغة العربية ، بيئة ايرانية معينة ، أم ان لها مصدراً واحداً متأتياً من القرآن الكريم؟

* لاشك في ان اللغة العربية هي لغتي الأم… ففي محافظة الاهواز(خوزستان) هناك حوالي ثلاثة ملايين و نصف مليون عربي يعيشون بصفة عرب ايرانيين، و أنا منهم، فلقد ترعرعت في بيئة عربية ايرانية، و أصبحت أملك الثقافتين، نهلت من الثقافة العربية بلغتها و آثارها وأحداثها. وتابعت الشأن الايراني باللغة الفارسية، على جميع الصعد الادبية و التراثية و الحضارية و السياسية.

ماذا عن التأثير الذي تركته الثقافة العربية، بالمنظور التاريخي، على الثقافة الايرانية؟

* لقد أثرت الثقافة العربية في الثقافة الفارسية، عبر العصور، وكان للادب العربي تحديداً، تأثير مهم في الادب الفارسي كما وكان للغة العربية أيضا، دور في إغناء اللغة الفارسية بالمفردات المتعددة. فهناك نحو 60% من اللغة الفارسية مفردات عربية، أو عربية الجذور. و يمكن القول أن تأثير اللغة العربية في اللغة الفارسية، يشبه تأثير اللغة الرومانية في اللغة اللاتينية.
و كوني باحثاً في الادب الفارسي، وفي الادب العربي، باستطاعتي القول ان الادب الفارسي لم يكن له وجود بارز قبل الاسلام، وقد أصبح له هذا الوجود، وهذا البروز بعد الاسلام، فنتيجة لتمازج الثقافتين الفارسية و العربية، الذي انتج عندنا شعراء و مفكرين وأدباء كباراً، مثل حافظ الشيرازي و سعدي الشيرازي و ناصر خسرو البلخي وفي مجال الفلسفة الملا صدرا وابن سينا و الفارابي و الغزالي. وكلنا يعلم ان شاعراً مثل حافظ الشيرازي وهو من اعظم شعراء الفرس والعالم، كان يعرف و يقرأ ويستوعب الشعر الجاهلي، وشعر العصر العباسي و الأموي، وكان يعرف القرآن وحافظاً لآياته. وقد كتب قصائد عربية أيضا، وحذا حذوه في ذلك سعدي وناصر خسرو والبلخي. ومن المعروف ان سعدي الشيرازي زار الدول العربية في القرن السابع الهجري، منها لبنان وسوريا والحجاز و العراق ، وله في هذه الرحلات كتابات مهمة.

جيل المثقفين العرب الجدد، قد لا يكون لديهم فكرة وافية عن الادب الايراني المعاصر، فقد توقفت معرفتهم منذ عصر الشيرازي ربما اونحو ذلك. هل لك ان تعطينا صورة مقربة عن النتاج الادبي المعاصر في ايران؟

* قبل ان ارد على هذا السؤال، أقول ان هناك ادباً ايرانياً معاصراً، يشتمل على الادب الفارسي الذي هو الادب الرسمي، وادب القومية الكبرى في ايران، ويشتمل أيضا على قوميات اخرى ايرانية، كالعرب و الاتراك الآذريين والأكراد و التركمان والبلوش، ولكن، بما ان اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية، وهي اللغة المتاحة لها كل الامكانات، فقد حدثت اولى التحولات بالادب، في اللغة الفارسية.
وعلى غرار ،اللغة العربية، والادب العربي، فقد اصاب اللغة الفارسية و الادب الفارسي، انحطاط منذ ستة قرون، ولغاية مطلع القرن العشرين.

هل ترى ان اسباب هذا الانحطاط لدى العرب و الايران ، كانت اسباباً موحدة ؟

* لاشك ان الاسباب ذاتها كانت وراء انحطاط هذين الادبين، فالانحطاط شمل العالم الاسلامي بشكل عام. والامبراطورية الفارسية و العرب ، هم جزء من العالم الاسلامي، لهذا اصابهم الانحطاط ولا ننسى آثار الحكم العثماني على المنطقة العربية التي ادخلتها في ركود حضاري بارز. وعلى الرغم من ان الايرانيين لم يستعمروا من قبل شعوب اخري، الا ان الانحطاط اصابهم طوال تلك القرون، ثم من بدايات القرن العشرين بدأوا ينشطون و ينهضون، خصوصاً مع وصول عواصف الادب الغربي إلى المنطقة، حيث نتج من ذلك تواصل وتفاعل حيوي مع الادب الغربي. وقد شعر الايرانيون بعد نكستهم جراء الحرب مع الروس في اوائل القرن التاسع عشر انهم متأخرون عن العالم، كما شعر بذلك المصريون قبلهم بعقود، عند هجوم نابليون على مصر. لذلك تشكلت نقاط انعطاف متلاحقة، لليقظة و الوعي، فبدأت بعض البلدان العربية، وأبرزها مصر، كما وبدأت ايران في اختبار يقظة سياسية واجتماعية وأدبية وثقافية، حيث تأثر الادب الايراني بالشعر الفرنسي الحديث، وبالشعر الانكليزي، خصوصاً شعر ت.س.اليوت . وشهد هذا الادب تحولاً في الشعر من خلال كسر الاوزان، ويمكن القول ان الايرانيين سبقوا بأعوام بدر شاكرالسياب في كتابة الشعرالحديث، وكسر الاوزان، عن طريق الشاعر الايراني ” نيمايوشيج ” الذي ابدع في الشعر الفارسي الحديث، وأسس لمدرسة الشعر الفارسي الحديث، وهو نظير لبدرشاكرالسياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور مثلاً في الشعر العربي الحديث.
ولكن، لاشك في ان العرب، قد سبقوا الفرس في كتابة الرواية. فأول رواية كانت رواية “زينب” لمحمد حسنين هيكل الذي كتبها في العام 1913. وكانت ذات مواصفات فنية مستوفية الاركان بصورة اشمل. علما ان ثمة تجارب او محاولات باللغة العربية، بذلها المويلحي واليازجي في مقاربة الفن الروائي. اما على صعيد الادب الايراني، فقد كتب الاديب صادق هدايت، بعد عشرين سنة من صدور رواية ” زينب ” لهيكل، اول رواية ايرانية ذات مواصفات فنية عنوانها ” البومة العمياء ” العام 1933، وذات تأثر واضح بالرواية الغربية. بعد ذلك، برزالكاتب جمال زاده في تأليف اول قصة قصيرة باللغة الفارسية، في مطلع القرن العشرين، تلاها محاولات عدة لكتاب عديدين. ولكن، يمكن القول، ان الرواية العربية اليوم، خطت خطوات اكبر من الرواية الفارسية، على يد نجيب محفوظ وجمال الغيطاني واميل حبيبي وعبدالرحمن منيف وغيرهم. ثم ان الرواية لم تنحصر في مصر ولبنان، بل باتت الان تكتب في الخليج والمغرب والسودان. فيما ظلت الرواية الفارسية محدودة الانتشار نظرا لمحدودية اللغة الفارسية، واعتبارها وقفا على ايران فقط، مع بعض القراء في افغانستان وطاجيكستان. لذلك، تقدمت الرواية العربية على صعيد الترويج اللغوي والفني والعالمي، وتميزت عن الرواية الايرانية … ولكن ، تجدر الاشارة ، إلى ان السينما الايرانية هي اكثر تقدما اليوم من السينما العربية.

وماذا عن الشعر تحديداً، هل ثمة شعراء معاصرون في ايران تقدموا على الشعراء العرب المعاصرين؟

* عندنا شعراء لا بأس بهم. مثل احمد شاملو الذي توفي منذ عامين، ومثل شفيعي كدكني الذي يتقن اللغة العربية، وغيرهما. ولكن برأيي ان شعر ادونيس مقروء اكثر على الصعيد العالمي ، من شعر احمد شاملو الذي يعتبر اعظم شاعر ايراني معاصر. ولذلك اسبابه بالطبع ،لأن العرب لديهم قنوات اتصالية اوسع في العالم، ومن بينها الانتشار المشهود للغة العربية ، مقارنة مع انحسار اللغة الفارسية في بقعة جغرافية معينة. فاللغة الفارسية كانت عالمية في عهد الشيرازي والبلخي، اما اليوم فقد اصبحت قطرية.

هل ثمة محاولات شبابية في ايران، لتأصيل انواع الادب الحديث؟

* نرى الاجيال الجديدة ، تحاول ان تؤصل في الرواية والشعر … كما فعل ذلك الروائي جمال الغيطاني على مستوى الرواية العربية الحديثة، وكما حاول ذلك اميل حبيبي ايضا. ولكن، مع الاسف، لم نشهد مثل هذه التجارب في اللغة الفارسية، ولطالما حثثت زملائي الكتاب الايرانيين متسائلا: لماذا لاتحاولون تأصيل الرواية في ايران؟ ولطالما نقدت أعمالهم، وطالبت العديد منهم ان يدخلوا في هذه التجربة، وبالاخص الروائي الكبير الموجود بيننا اليوم محمود دولت آبادي، علما ان كتاباً عرباً يكتبون بلغة المنفى ( اي بلغة اجنبية ) رواياتهم، استطاعوا ان يقدموا رواية عالمية. وان يحصدوا جوائز كبرى ، مثل الطاهر بن جلون وغيره.

ما هو المدى الانتشاري للغة العربية في فنون الكتابة، في ايران؟ هل يمكن القول انه واسع قياساً إلى العقود الاخيرة من القرن العشرين؟

* اللغة العربية لا تلعب دوراً بارزاً في ايران، ولا تجد لها مكانة في فن الكتابة، الا بين عرب الاهواز. وعرب الاهواز ولاسباب عدة، لم يعترف لغاية اليوم بلغتهم…حيث لم تكن عندهم صحافة ولا عمليات نشر…ولكن في السنين القليلة الاخيرة، وفي عهد الرئيس محمد خاتمي بالذات، جرى منح بعض الحريات لإصدار صحف باللغة العربية في الاهواز، ودواوين الشعر وحتى القصة الحديثة. الا ان هذه الاعمال الادبية تعتبر متأخرة عن الاعمال المنشورة باللغة الفارسية. وذلك بسبب الكبت الذي عانته اللغة العربية و العرب في ايران، خصوصاً في العهود السابقة، وتحديداً عهد الشاه، نظراً لسياساته المعادية للغة العربية.

ماذا عن دور الترجمة في هذا السياق، ونقل اعمال ابداعية بارزة من اللغة العربية إلى اللغة الفارسية ؟

* الترجمة في هذا الاطار، بدأت منذ زمن بعيد، في صدر الاسلام، واول مترجم في هذا المقام، كان سلمان الفارسي الذي حاول ان يترجم القرآن. اما في العصور الحديثة، فأول ترجمة كانت لكتاب ” طبائع الاستبداد ” للكواكبي. وقد أثر هذا الكتاب في المنظرين للثورة الدستورية في ايران. ثم كرت سلسلة الترجمات، فجرى نقل كتب طه حسين إلى الفارسية، ونجيب محفوظ ( وقد كان لي دور في ترجمة بعض أعماله وتعريفها إلى القارئ الايراني)، كما وجرى ترجمة الشعر الفلسطيني، وخصوصا شعر محمود درويش، وترجمة شعر ادونيس أيضا.

تقف ايران اليوم، مع الدول العربية والدول الاسلامية في موقف واحد مهدد من قبل الولايات المتحدة الاميركية، تحت ذريعة ربط المقاومة بالارهاب، وربط الارهاب بالاسلام … كيف تنظر إلى هذا الخطر الذي يحاول اختراق الهوية الاسلامية من خلال تزوير الحقائق وتحريف المفاهيم المثلى؟

* للحقيقة،أرى ان هذه التحديات الكبرى، لا تأتي كلها من الخارج، وإنما من الداخل أيضا. لاشك في أننا نواجه تحدياً حضارياً من قبل الثقافة الغربية، أو الاحرى من قبل النظام العالمي المهيمن، والذي له أطماع في المنطقة. ولكن الاستبداد المتأصل في عالمنا العربي والاسلامي لا يقل خطراً عن أطماع النظام العالمي المعاصر، من هنا فإن هذين التحديين مترابطتان نوعاً ما، وعلينا ان نحمي وجودنا منهما، وان نعمل على الخلاص من الديكتاتوريات وان نمارس الحريات. نحن في ” اتحاد الكتاب الايرانيين”، وأنا عضو فيه، نطالب بزوال الرقابة عن الكتب، وبحرية التعبير. وقد قدمنا شهداء في سبيل هذه المطالب… فقد قتل زملاء لنا منذ خمسة أعوام، وهم بالمناسبة، لم يكونوا في حالة معارضة للاسلام ، بل كانوا يعارضون الرقابة المقيدة للحرية ، ويمكن القول في هذا المجال ان ” اتحاد الكتاب الايرانيين ” هو من اكثر الاتحادات في الدول العربية والاسلامية استقلالاً. فهو لاينتمي إلى الحكومة والسلطة، ولا ينتمي إلى المعارضة، وهو مؤسسة مدنية، غير مرتهنة لأحد، وغير مرتبطة بجهة.

بالعودة إلى تعزيز التواصل الثقافي بين ايران والدول العربية، هل أنت مع تعزيز آلية الترجمة وتفعيلها للاطلاع على النتاج العربي الادبي من قبل الايرانيين، وللاطلاع على انتاج الادبي الايراني من قبل العرب؟

* مع الاسف، منذ قرن ونصف أو قرنين، يمكن القول ان العالم العربي قد انفصل عن العالم الايراني . لماذا؟ لأن ثمة حواجز بإسم الحدود نشأت بينهما…حدود سياسية وأسلاك مكهربة … وموانع كثيرة… نذكر ان سعدي الشيرازي عندما كان يسافر من شيراز الى الحجاز و الى الشام، ويكتب عن حياة هذه البلاد، لم يطلب اي بلد منه اي جواز مرور. اما اليوم، فهناك حدود حديد… ليست فقط جغرافية ومادية فقط، وإنما حدود ادبية ونفسية. فالايرانيون والعرب أصبح مرجعهم الغرب، حتى في الصحافة والادب . وهذه مشكلة عويصة يجب ان تحل يوماً ما، فإذا لم تحل، لن يكون هناك اي تقارب حقيقي على مستوى الحضارة و الفكر. لذا، فعلى الكتاب والمفكرين والمثقفين العرب والايرانيين ان يسعوا الى حل هذه الاشكالية من خلال دور الترجمة، والعمل على تنشئة اجيال من المترجمين من غير الحكوميين … بغية تشكيل همزة وصل معرفية وحضارية وتبادلية بين الثقافة العربية و الثقافة الايرانية.

جديد الموقع

الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


حول استقالة مستشار روحاني,مناظرة تلفزيونية


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور