يوسف عزيزي : 60% من اللغة الفارسية مفردات عربية

العرب سبقوا الفرس في كتابة القصة و الرواية
حوار صحيفة الكفاح العربي اليومية اللبنانية مع یوسف عزيزي في عددها الصادر بتاريخ 16/12/2003
اجرت الحوار: غادة علي كلش

In Shahrvand2يوسف عزيزي،كاتب و صحفي ايراني، من مواليد 1951، ولد في مدينة الاهواز التي تسكنها غالبية عربية،( تقع في جنوبي ايران ). و هو اليوم مقيم في طهران. امتهن الصحافة، و احترف كتابة القصة باللغة العربية، و باللغة الفارسية أيضا، وله بحوث اجتماعية و ادبية عدة حول الشأن الايراني، بالاضافة إلى كتاباته في الشأن السياسي.
ترجم لكبار الادباء العرب، مثل نجيب محفوظ ومحمود درويش و الطاهر بن جلون،
و ادونيس و حنا مينة، ناقلا نماذج عن الرواية العربية، وعن الشعر العربي الحديث ونماذج عن الفكر العربي الحديث ايضا، إلى اللغة الفارسية،عن طريق ترجمته لأعمال محمد عابد الجابري وهشام جعيط وغيرهما، بغية تعريف الكاتب العربي إلى المتلقي الايراني. كما و ترجم بالمقابل أعمالا من الادب الايراني إلى اللغة العربية، و نشرها في بعض الصحف العربية.
ابان زيارته إلى بيروت، اغتنمنا فرصة وجود يوسف عزيزي في لبنان، وأجرينا معه حواراً حول الثقافة الايرانية المعاصرة ، وحول الاشكالات التي تحول دون انفتاح الثقافتين العربية والايرانية المعاصرتين على بعضهما بعضا، بدء بالسؤال الآتي:

هل تعكس علاقتك باللغة العربية ، بيئة ايرانية معينة ، أم ان لها مصدراً واحداً متأتياً من القرآن الكريم؟

* لاشك في ان اللغة العربية هي لغتي الأم… ففي محافظة الاهواز(خوزستان) هناك حوالي ثلاثة ملايين و نصف مليون عربي يعيشون بصفة عرب ايرانيين، و أنا منهم، فلقد ترعرعت في بيئة عربية ايرانية، و أصبحت أملك الثقافتين، نهلت من الثقافة العربية بلغتها و آثارها وأحداثها. وتابعت الشأن الايراني باللغة الفارسية، على جميع الصعد الادبية و التراثية و الحضارية و السياسية.

ماذا عن التأثير الذي تركته الثقافة العربية، بالمنظور التاريخي، على الثقافة الايرانية؟

* لقد أثرت الثقافة العربية في الثقافة الفارسية، عبر العصور، وكان للادب العربي تحديداً، تأثير مهم في الادب الفارسي كما وكان للغة العربية أيضا، دور في إغناء اللغة الفارسية بالمفردات المتعددة. فهناك نحو 60% من اللغة الفارسية مفردات عربية، أو عربية الجذور. و يمكن القول أن تأثير اللغة العربية في اللغة الفارسية، يشبه تأثير اللغة الرومانية في اللغة اللاتينية.
و كوني باحثاً في الادب الفارسي، وفي الادب العربي، باستطاعتي القول ان الادب الفارسي لم يكن له وجود بارز قبل الاسلام، وقد أصبح له هذا الوجود، وهذا البروز بعد الاسلام، فنتيجة لتمازج الثقافتين الفارسية و العربية، الذي انتج عندنا شعراء و مفكرين وأدباء كباراً، مثل حافظ الشيرازي و سعدي الشيرازي و ناصر خسرو البلخي وفي مجال الفلسفة الملا صدرا وابن سينا و الفارابي و الغزالي. وكلنا يعلم ان شاعراً مثل حافظ الشيرازي وهو من اعظم شعراء الفرس والعالم، كان يعرف و يقرأ ويستوعب الشعر الجاهلي، وشعر العصر العباسي و الأموي، وكان يعرف القرآن وحافظاً لآياته. وقد كتب قصائد عربية أيضا، وحذا حذوه في ذلك سعدي وناصر خسرو والبلخي. ومن المعروف ان سعدي الشيرازي زار الدول العربية في القرن السابع الهجري، منها لبنان وسوريا والحجاز و العراق ، وله في هذه الرحلات كتابات مهمة.

جيل المثقفين العرب الجدد، قد لا يكون لديهم فكرة وافية عن الادب الايراني المعاصر، فقد توقفت معرفتهم منذ عصر الشيرازي ربما اونحو ذلك. هل لك ان تعطينا صورة مقربة عن النتاج الادبي المعاصر في ايران؟

* قبل ان ارد على هذا السؤال، أقول ان هناك ادباً ايرانياً معاصراً، يشتمل على الادب الفارسي الذي هو الادب الرسمي، وادب القومية الكبرى في ايران، ويشتمل أيضا على قوميات اخرى ايرانية، كالعرب و الاتراك الآذريين والأكراد و التركمان والبلوش، ولكن، بما ان اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية، وهي اللغة المتاحة لها كل الامكانات، فقد حدثت اولى التحولات بالادب، في اللغة الفارسية.
وعلى غرار ،اللغة العربية، والادب العربي، فقد اصاب اللغة الفارسية و الادب الفارسي، انحطاط منذ ستة قرون، ولغاية مطلع القرن العشرين.

هل ترى ان اسباب هذا الانحطاط لدى العرب و الايران ، كانت اسباباً موحدة ؟

* لاشك ان الاسباب ذاتها كانت وراء انحطاط هذين الادبين، فالانحطاط شمل العالم الاسلامي بشكل عام. والامبراطورية الفارسية و العرب ، هم جزء من العالم الاسلامي، لهذا اصابهم الانحطاط ولا ننسى آثار الحكم العثماني على المنطقة العربية التي ادخلتها في ركود حضاري بارز. وعلى الرغم من ان الايرانيين لم يستعمروا من قبل شعوب اخري، الا ان الانحطاط اصابهم طوال تلك القرون، ثم من بدايات القرن العشرين بدأوا ينشطون و ينهضون، خصوصاً مع وصول عواصف الادب الغربي إلى المنطقة، حيث نتج من ذلك تواصل وتفاعل حيوي مع الادب الغربي. وقد شعر الايرانيون بعد نكستهم جراء الحرب مع الروس في اوائل القرن التاسع عشر انهم متأخرون عن العالم، كما شعر بذلك المصريون قبلهم بعقود، عند هجوم نابليون على مصر. لذلك تشكلت نقاط انعطاف متلاحقة، لليقظة و الوعي، فبدأت بعض البلدان العربية، وأبرزها مصر، كما وبدأت ايران في اختبار يقظة سياسية واجتماعية وأدبية وثقافية، حيث تأثر الادب الايراني بالشعر الفرنسي الحديث، وبالشعر الانكليزي، خصوصاً شعر ت.س.اليوت . وشهد هذا الادب تحولاً في الشعر من خلال كسر الاوزان، ويمكن القول ان الايرانيين سبقوا بأعوام بدر شاكرالسياب في كتابة الشعرالحديث، وكسر الاوزان، عن طريق الشاعر الايراني ” نيمايوشيج ” الذي ابدع في الشعر الفارسي الحديث، وأسس لمدرسة الشعر الفارسي الحديث، وهو نظير لبدرشاكرالسياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور مثلاً في الشعر العربي الحديث.
ولكن، لاشك في ان العرب، قد سبقوا الفرس في كتابة الرواية. فأول رواية كانت رواية “زينب” لمحمد حسنين هيكل الذي كتبها في العام 1913. وكانت ذات مواصفات فنية مستوفية الاركان بصورة اشمل. علما ان ثمة تجارب او محاولات باللغة العربية، بذلها المويلحي واليازجي في مقاربة الفن الروائي. اما على صعيد الادب الايراني، فقد كتب الاديب صادق هدايت، بعد عشرين سنة من صدور رواية ” زينب ” لهيكل، اول رواية ايرانية ذات مواصفات فنية عنوانها ” البومة العمياء ” العام 1933، وذات تأثر واضح بالرواية الغربية. بعد ذلك، برزالكاتب جمال زاده في تأليف اول قصة قصيرة باللغة الفارسية، في مطلع القرن العشرين، تلاها محاولات عدة لكتاب عديدين. ولكن، يمكن القول، ان الرواية العربية اليوم، خطت خطوات اكبر من الرواية الفارسية، على يد نجيب محفوظ وجمال الغيطاني واميل حبيبي وعبدالرحمن منيف وغيرهم. ثم ان الرواية لم تنحصر في مصر ولبنان، بل باتت الان تكتب في الخليج والمغرب والسودان. فيما ظلت الرواية الفارسية محدودة الانتشار نظرا لمحدودية اللغة الفارسية، واعتبارها وقفا على ايران فقط، مع بعض القراء في افغانستان وطاجيكستان. لذلك، تقدمت الرواية العربية على صعيد الترويج اللغوي والفني والعالمي، وتميزت عن الرواية الايرانية … ولكن ، تجدر الاشارة ، إلى ان السينما الايرانية هي اكثر تقدما اليوم من السينما العربية.

وماذا عن الشعر تحديداً، هل ثمة شعراء معاصرون في ايران تقدموا على الشعراء العرب المعاصرين؟

* عندنا شعراء لا بأس بهم. مثل احمد شاملو الذي توفي منذ عامين، ومثل شفيعي كدكني الذي يتقن اللغة العربية، وغيرهما. ولكن برأيي ان شعر ادونيس مقروء اكثر على الصعيد العالمي ، من شعر احمد شاملو الذي يعتبر اعظم شاعر ايراني معاصر. ولذلك اسبابه بالطبع ،لأن العرب لديهم قنوات اتصالية اوسع في العالم، ومن بينها الانتشار المشهود للغة العربية ، مقارنة مع انحسار اللغة الفارسية في بقعة جغرافية معينة. فاللغة الفارسية كانت عالمية في عهد الشيرازي والبلخي، اما اليوم فقد اصبحت قطرية.

هل ثمة محاولات شبابية في ايران، لتأصيل انواع الادب الحديث؟

* نرى الاجيال الجديدة ، تحاول ان تؤصل في الرواية والشعر … كما فعل ذلك الروائي جمال الغيطاني على مستوى الرواية العربية الحديثة، وكما حاول ذلك اميل حبيبي ايضا. ولكن، مع الاسف، لم نشهد مثل هذه التجارب في اللغة الفارسية، ولطالما حثثت زملائي الكتاب الايرانيين متسائلا: لماذا لاتحاولون تأصيل الرواية في ايران؟ ولطالما نقدت أعمالهم، وطالبت العديد منهم ان يدخلوا في هذه التجربة، وبالاخص الروائي الكبير الموجود بيننا اليوم محمود دولت آبادي، علما ان كتاباً عرباً يكتبون بلغة المنفى ( اي بلغة اجنبية ) رواياتهم، استطاعوا ان يقدموا رواية عالمية. وان يحصدوا جوائز كبرى ، مثل الطاهر بن جلون وغيره.

ما هو المدى الانتشاري للغة العربية في فنون الكتابة، في ايران؟ هل يمكن القول انه واسع قياساً إلى العقود الاخيرة من القرن العشرين؟

* اللغة العربية لا تلعب دوراً بارزاً في ايران، ولا تجد لها مكانة في فن الكتابة، الا بين عرب الاهواز. وعرب الاهواز ولاسباب عدة، لم يعترف لغاية اليوم بلغتهم…حيث لم تكن عندهم صحافة ولا عمليات نشر…ولكن في السنين القليلة الاخيرة، وفي عهد الرئيس محمد خاتمي بالذات، جرى منح بعض الحريات لإصدار صحف باللغة العربية في الاهواز، ودواوين الشعر وحتى القصة الحديثة. الا ان هذه الاعمال الادبية تعتبر متأخرة عن الاعمال المنشورة باللغة الفارسية. وذلك بسبب الكبت الذي عانته اللغة العربية و العرب في ايران، خصوصاً في العهود السابقة، وتحديداً عهد الشاه، نظراً لسياساته المعادية للغة العربية.

ماذا عن دور الترجمة في هذا السياق، ونقل اعمال ابداعية بارزة من اللغة العربية إلى اللغة الفارسية ؟

* الترجمة في هذا الاطار، بدأت منذ زمن بعيد، في صدر الاسلام، واول مترجم في هذا المقام، كان سلمان الفارسي الذي حاول ان يترجم القرآن. اما في العصور الحديثة، فأول ترجمة كانت لكتاب ” طبائع الاستبداد ” للكواكبي. وقد أثر هذا الكتاب في المنظرين للثورة الدستورية في ايران. ثم كرت سلسلة الترجمات، فجرى نقل كتب طه حسين إلى الفارسية، ونجيب محفوظ ( وقد كان لي دور في ترجمة بعض أعماله وتعريفها إلى القارئ الايراني)، كما وجرى ترجمة الشعر الفلسطيني، وخصوصا شعر محمود درويش، وترجمة شعر ادونيس أيضا.

تقف ايران اليوم، مع الدول العربية والدول الاسلامية في موقف واحد مهدد من قبل الولايات المتحدة الاميركية، تحت ذريعة ربط المقاومة بالارهاب، وربط الارهاب بالاسلام … كيف تنظر إلى هذا الخطر الذي يحاول اختراق الهوية الاسلامية من خلال تزوير الحقائق وتحريف المفاهيم المثلى؟

* للحقيقة،أرى ان هذه التحديات الكبرى، لا تأتي كلها من الخارج، وإنما من الداخل أيضا. لاشك في أننا نواجه تحدياً حضارياً من قبل الثقافة الغربية، أو الاحرى من قبل النظام العالمي المهيمن، والذي له أطماع في المنطقة. ولكن الاستبداد المتأصل في عالمنا العربي والاسلامي لا يقل خطراً عن أطماع النظام العالمي المعاصر، من هنا فإن هذين التحديين مترابطتان نوعاً ما، وعلينا ان نحمي وجودنا منهما، وان نعمل على الخلاص من الديكتاتوريات وان نمارس الحريات. نحن في ” اتحاد الكتاب الايرانيين”، وأنا عضو فيه، نطالب بزوال الرقابة عن الكتب، وبحرية التعبير. وقد قدمنا شهداء في سبيل هذه المطالب… فقد قتل زملاء لنا منذ خمسة أعوام، وهم بالمناسبة، لم يكونوا في حالة معارضة للاسلام ، بل كانوا يعارضون الرقابة المقيدة للحرية ، ويمكن القول في هذا المجال ان ” اتحاد الكتاب الايرانيين ” هو من اكثر الاتحادات في الدول العربية والاسلامية استقلالاً. فهو لاينتمي إلى الحكومة والسلطة، ولا ينتمي إلى المعارضة، وهو مؤسسة مدنية، غير مرتهنة لأحد، وغير مرتبطة بجهة.

بالعودة إلى تعزيز التواصل الثقافي بين ايران والدول العربية، هل أنت مع تعزيز آلية الترجمة وتفعيلها للاطلاع على النتاج العربي الادبي من قبل الايرانيين، وللاطلاع على انتاج الادبي الايراني من قبل العرب؟

* مع الاسف، منذ قرن ونصف أو قرنين، يمكن القول ان العالم العربي قد انفصل عن العالم الايراني . لماذا؟ لأن ثمة حواجز بإسم الحدود نشأت بينهما…حدود سياسية وأسلاك مكهربة … وموانع كثيرة… نذكر ان سعدي الشيرازي عندما كان يسافر من شيراز الى الحجاز و الى الشام، ويكتب عن حياة هذه البلاد، لم يطلب اي بلد منه اي جواز مرور. اما اليوم، فهناك حدود حديد… ليست فقط جغرافية ومادية فقط، وإنما حدود ادبية ونفسية. فالايرانيون والعرب أصبح مرجعهم الغرب، حتى في الصحافة والادب . وهذه مشكلة عويصة يجب ان تحل يوماً ما، فإذا لم تحل، لن يكون هناك اي تقارب حقيقي على مستوى الحضارة و الفكر. لذا، فعلى الكتاب والمفكرين والمثقفين العرب والايرانيين ان يسعوا الى حل هذه الاشكالية من خلال دور الترجمة، والعمل على تنشئة اجيال من المترجمين من غير الحكوميين … بغية تشكيل همزة وصل معرفية وحضارية وتبادلية بين الثقافة العربية و الثقافة الايرانية.

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور