يوسف عزيزي
الحوار المتمدن-العدد: 2721 – 2009 / 7 / 28 – 09:17
يشمون قلبك خشية ان تتفوه بـ” اني احبك”
يشمون قلبك
زمن غريب يا حبيبتي!
يجلدون الحب جنب عمود “السيطرة”
ينبغي ان نخبئ الحب في المختلى
وأنا أبقي على النار مشتعلة بوقود الشعر و النشيد
في هذا الطريق المغلق الملتوي
لاتجازف بخطر” التفكير”
زمن غريب يا حبيبتي!
الذي يطرق الباب ليلا جاء ليقتل النبراس
ينبغي ان نخبئ الضوء في المختلى
الجزارون يجوبون المفارق بالسواطير و زند الخشب الدامية
زمن غريب يا حبيبتي!
يبترون – بالجراحة – الابتسامة عن الشفاه والأغنية عن الأفواه
ينبغي ان نخبئ الأشواق في المختلى
والكناري يشوى على نيران السوسن و الياسمين
زمن غريب يا حبيبتي!
يجلس إبليس المنتصر على طاولة احتفال تأبيننا
ينبغي ان نخبئ الله في المختلى
*******
هذه قصيدة انشدها الشاعر الإيراني احمد شاملو احد عباقرة الشعر الفارسي الحديث في صيف عام 1980 أي في الأشهر الاولى عقب قيام الثورة الإسلامية في إيران، وقد وافته المنية يوم الاثنين الرابع و العشرين من يوليو 2000 عن عمر يناهز الخامسة و السبعين وقد سار في جنازته في طهران أكثر من عشرين ألف شخص.
وللتحدث عن احمد شاملو ينبغي ان نشير الى “نيما يوشيج” المجدد الأول في الشعر الفارسي الحديث حيث كسر أوزان الشعر الفارسي القديم والمعروفة باسم أوزان الفراهيدي و قام بنشر أول قصيدة له على وزن التفعلية.
ويمكن مقارنة بدر شاكر السياب الذي قام بنفس الدور في عام 1945 ب”نيما يوشيج”. وقد تأثر احمد شاملو أكثر ما تأثر بهذا الشاعر الطلائعي غير انه طور أساليبه الشعرية فيما بعد و أرسى ما وصف بالشعر الحر والشعر المنثور. إذ يمكن ان نقارن احمد شاملو في هذا المجال بالشاعر العربي علي احمد سعيد (أدونيس).
ولد الشاعر و الباحث في التراث و المترجم الشهير احمد شاملو عام 1925 في مدينة طهران، وقد ترك الدراسة في السنة الاولى للثانوية و اشتهر كشاعر في الأوساط الأدبية منذ سن السابعة عشر.
فعلاوة على دواوينه الشعرية قام شاملو بترجمة قصائد وأشعار من أعظم الشعراء الأوروبيين منهم سان جان بروس و لوركا و ألبرتي وآخرون؛ كما ترجم بعض الروايات وقام بابحاث في مجال التراث الشعبي الإيراني.
كما نشط شاعرنا ايضا في مجال الصحافة وقام بإصدار أو ترأس عدة صحف؛ وكان دوره في تطوير الشعر الفارسي الحديث أكثر من آي شاعر إيراني آخر حيث يتمتع شعره الجميل بلغة بليغة و عمق في المفاهيم
و المضامين.
ويمكن للمتلقي أن يلمس في قصائد شاملو، الملحمة منسجمة مع الغزل ويرى الإنسان المعاصر حاضرا في معظم قصائده.
كما ويمكن ان نشاهد في أشعاره لغة أدونيس الفاخرة و ملحمة محمود درويش وتحدي الجواهري للأنظمة.
فقد سيطر احمد شاملو ولخمسة عقود على النشاط الشعري في إيران و أصبح مركزا مشعا للثقافة و الأدب في البلاد.
يمجد شاملو في شعره الإنسان و شأنه و يعارض التحقير و الوهن الذي يتعرض له هذا الإنسان المقهور من قبل الأنظمة الاستبدادية التي لاتعترف بشأن له.
وقد نهل الشاعر من الأدب الفارسي القديم و اللغة الفارسية القديمة حيث مزج هذا التراث مع الحداثة بإدخاله عنصر الإنسان المعاصر و معاناته في قصائده.
سجن شاملو لفترة قصيرة إبان الحرب العالمية الثانية بتهمة مناصرة الألمان في حربهم ضد الحلفاء غير انه سرعان ما قد تغيرت عقيدته وأصبح يساريا ديمقراطيا وحتى آخر لحظات حياته.
كما عارض احمد شاملو بأشعاره نظام الشاه و أهدى أجمل قصائده للمناضلين اليساريين الذين كافحوا أو استشهدوا في السجون و الزنازين أو في حروب الشوارع ولم تخل أشعاره بعد الثورة الإسلامية وكما رأينا في مطلع هذا المقال من انتقادات لاذعة لما شهدته إيران من أحداث في المجتمع الإيراني بعد قيام الثورة في إيران.
بعد ديوانه “القصائد المنسية” التي صدر في الأربعينات من القرن المنصرم وهو ديوان لأشعار حب سطحية، نشر شاملو ديوان “الهواء النقي” في الخمسينات، وطرح نفسه كشاعر له وزنه و دوره في ساحة الشعر والأدب؛ وتلا ذلك بدواوين أهمها “بستان المرائي” و” أيدا في المرآة” و “أيدا والشجر والخنجر والذكريات” و” مراثي التراب” و” التفتح في الضباب” و”إبراهيم في النار” و” خنجر في الصحن”.
و”أيدا” هذه هي المرأة الارمنية التي أحبها احمد شاملو في الستينات بعد ان طلق زوجته الاولى حيث استقرت أيدا و حبها المتوهج في نفس شاملو ملهما شعريا له.
وكان احمد شاملو باحثا دؤوبا في مختلف مناحي الحياة الأدبية و الثقافية، لايكل ولا يتعب حيث أغنى المكتبة الفارسية بدواوينه و ترجماته وبحوثه الفلكلورية.
ويعتبر الناقدون احمد شاملو محطما للأصنام في إيران حيث لم يسلم حتى الشعراء الفرس العظام من انتقاداته؛ إذ انتقد سعدي الشيرازي لمواقفه المحقرة للمرأة و الفردوسي لمغالطته التاريخية في قصة “كاوة الحداد والضحاك”. وقد جلبت هذه الانتقادات و خاصة الموجهة للفردوسي الذي يعتبره القوميون الفرس محيي اللغة الفارسية بعد الفتح العربي الاسلامي لإيران ونبيا لهم، جلبت لشاملو المزيد من الشتائم و الهجمات المتعصبة من هؤلاء القوميين.
وكان احمد شاملو طموحا في القضايا السياسية مؤمنا بالديمقراطية و حقوق الشعوب الإيرانية غير الفارسية حيث خصص في أوائل الثمانينات المزيد من صفحات مجلته الأسبوعية ” كتاب جمعة” لثقافة و أدب هذه الشعوب حيث كان يعتبر النظام الفيدرالي إطارا مناسبا لإيران.
و لم تسمح وزارة الإرشاد بطبع دواوينه وسائر آثاره الا عقب مجيء خاتمي حيث تم الحظر على كتبه لمدة 16 عاما ( 1981- 1997).
وقد تعرض احمد شاملو ورفاقه في اتحاد الكتاب الإيرانيين لهجمات شرسة من قبل المتشددين المتمترسين في بعض الصحف، تارة بحجة العلمانية و تارة بحجة العمالة للغرب. وكان احمد شاملو في معارضته للمثالب الاجتماعية والثقافية وهفوات الحكومات والسلطات شجاعا وصريحا حيث نرى توقيعه
– قبل و بعد الثورة- في أي عريضة أو رسالة تحتج على انتهاك حقوق الكتاب أو الممارسات التي تستهدف حرية التعبير في إيران.
ويعد احمد شاملو أعظم شعراء الرعيل الأول في إيران؛ أبرزهم نيما يوشيج ومهدي أخوان ثالث و حميد مصدق الذين رحلوا قبله ببضعة أعوام.
وأشعار شاملو بالفارسية كأغنيات فيروز بالعربية لاتحدها حدود طبقية أو مذهبية أو دينية؛ حيث و كما كان يتغنى المناضلون الوطنيون واليساريون من جهة و الكتائبيون و اليمينيون من جهة أخرى في لبنان بأغنيات فيروز فقد كانت قصائد شاملو ايضا تطرب قلوب المعتقلين في السجون و المناضلين ضد حكم الشاه من جهة و الملكة فرح بهلوي – ملكة إيران السابقة – من جهة أخرى.
هذا هو معنى الفن الحقيقي المتخطي لكل حدود طبقية و دينية حيث يصل الى المشترك الانساني بين أبناء البشر.
* عن كتاب ” إيران الحائرة بين الشمولية و الديمقراطية” ليوسف عزيزي الصادر عن دار الكنوز الأدبية في بيروت.