يوسف عزيزي
جريدة (الزمان) — العدد 1520 — التاريخ 2003- 6 – 2
لماذا نقول الادب الفارسي ولا نقول الادب الايراني؟ هذا سؤال يمكن ان يخطر علي بال العديد من الذين لايعرفون التركيبة القومية في ايران. يشمل الادب الايراني وعلاوة علي الادب الفارسي،ادب القوميات الايرانية الاخري غير الفارسية منها الاتراك والاكراد والعرب الاهوازيين والتركمان والبلوش. واما الادب الفارسي الذي يشكل الفرع المهم والرئيس من الادب الايراني والمدعوم رسميا وحكوميا اكثر من الآداب القوميات الايرانية الاخري له تاريخ خاص لنفسه.
û هل كان هناك ادب فارسي قبل الاسلام؟
ــ تظهر الدراسات والبحوث التي قام بها الاوروبيون والايرانيون انفسهم، خاصة بعد قيام الثورة تظهر ان الفرس وقبل الفتح الاسلامي لبلادهم لم يعرفوا الادب الرفيع، خاصة الشعر حيث لم يتجاوز ادبهم الشعري بعض الاشعار الفولكلورية البسيطة والمعروفة باسم (الفهلويات). ولهذا الامر اسباب بنيوية سنؤشر اليها هنا.
يعتقد بعض الباحثين في التاريخ الايراني القديم انه وقبل قدوم القبائل الآرية من القوقاز ــ وهم اجداد الفرس الحاليين ــ كانت عدة شعوب مسالمة من السكان الاصليين تقطن نجد ايران وتتحالف في ما بينها باتحاد فيدرالي. ومن تلك الشعوب يمكن ان نذكر العيلاميين والكاسيين والماديين والعرب والمارليك.. الخ. وقد وصل الاخمينيون ومؤسس سلالتهم غوورش (سيروس) الي الحكم بعد ابادة السكان الاصليين وذلك بمساعدة اليهود الذين استنجدوا به ليحرر سباياهم من الملك نبوخذ نصر في بابل حيث قام غوورش بتدمير بابل وتحرير اليهود واعادتهم الي اورشليم.
وقد حكم الاباطرة والاكاسرة من السلالات الثلاث أي (الاخمينيين) و(الاشكانيين) و(الساسانيين (بلاد فارس قبل الاسلام لمدة 11 قرنا بقوة العسكر أو ما اشتهر بـ(الرمح الفارسي) وكانت حضارتهم حضارة عسكرية بحته لم تقترن بأي ثقافة مزدهرة خلافا للاغريق المعاصرين لهم انذاك. وحتي في مجال الشعر لم يكن لهم الشعر يذكر كما كان للعرب الجاهليين. كما كانت لغتهم المعروفة بالبهلوية لغة ركيكة لم تتسع لا للمفاهيم الثقافية ولا الادبية ولم يملكوا أبجديه خاصة بهم حيث كانوا يستخدمون الابجديه الارامية قبل الاسلام ؛ حتي جاء المسلمون العرب الفاتحون ومعهم الابجدية العربية، استخدمها الفرس بدل الارامية لسهولتها وغنائها البلاغي والادبي.
ازدهار الادب الفارسي بعد الاسلام
وقد كانت الفترة بين القرن السابع والتاسع الميلادي للفرس بمثابة فترة حاسمة حيث عرفت عند الايرانيين بـ(دو قرن سكوت) أي قرنين من الصمت فقدوا خلالها لغتهم البهلوية التي كانت متداولة في عهد الساسانيين، غير انهم لم يتبنوا لغة الدين الجديد أي اللغة العربية كما حدث انذاك مع المصريين والعراقيين والشاميين والبربر.
وقد ظهرت لغة مختلطة من المفردات العربية وبعض الكلمات البهلوية القديمة وصفت بالفارسية (فارسي دري) حيث تضم ولايزال نحو 60 في المائة من المفردات العربية علي الرغم من محاولات حثيثة تمت في المائة سنة الاخيرة من قبل القوميين الفرس لتنقيتها من المفردات العربية واحلال مكانها كلمات ذات ارومة بهلوية قديمة.
ونفخت الابجدية العربية والعقيدة الاسلامية، الروح في جسم الامة الفارسية حيث ظهر وخلال 4 قرون ــ من القرن العاشر وحتي القرن الرابع عشر ــ شعراء وكتاب وعرفاء ومتصوفون ومتكلمون وفلاسفة ونحويون لم يشهد التاريخ الايراني نظيرا لهم ابدا. فقد طل علينا في مجال الشعر عمالقة تخطت شهرتهم حدود ايران الجغرافية واصبحوا ارثا اديبا عالميا كالفردوسي وملحمته الشاهنامة، وعمر الخيام وهو شاعر وفيلسوف، وناصر خسرو البلخي وهو شاعر وصاحب (الرحلة) المعروفة بالفارسية والمترجمة للعربية، والمولانا محمد الرومي وسعدي الشيرازي وحافظ الشيرازي والنظامي الكنجوي والجامي. وفي العرفان والتصوف: عطار النيسابوري وابو سعيد ابي الخير وعين القضات الهمداني وفي مجال الفلسفة: شيخ الاشراق السهروردي وصدر المتألهين الشيرازي وميرداماد وفي مجال النحو العربي سيبويه واخرون. وهذا غيض من فيض لم نريد ان نفصل فيه.
عنصر الانحطاط
شهد الأدب الفارسي وكما الأدب العربي فترة ركود وجمود عرفت باسم عصر الانحطاط حيث تمتد من القرن الـ14 وحتي القرن التاسع عشر الميلادي. وفي الحقيقة كان الشاعر الغزلي حافظ الشيرازي اخر العمالقة في الابداع الشعري الفارسي وهو يعتبر ــ في نظر العديد من الشعراء والنقاد ــ قمة الشعر الفارسي واحد اعظم شعراء العالم، مما حدا بالشاعر الالماني الكبير (غوته(كي يقدم ديوانه الشرقي الغربي الي هذا الشاعر الايراني العظيم.
وخلا عصر النهضة من اي صوت شعري بارز ومبدع حيث اتجه الشعر الي الغموض والتعقيد والشعراء الي التقليد واجترار الماضي التليد.
وقد كان لهزيمة الايرانيين امام الروس في اوائل القرن التاسع عشر وفي عهد الشاه فتحعلي القاجاري دور مهم في ايقاظ الحاكم والنخبة الذين شعروا بمدي تخلفهم الحضاري عن الاوروبيين.
وقد اوفد الشاه عددا من النخبة الي اوروبا للتعرف علي التطور الهائل الذي حصل في المجالات الاقتصادية والثقافية والعسكرية.
النهضة الأدبية الحديثة
أول ما جدد في الأدب الفارسي الحديث هو قائم مقام الفراهاني الذي كان مستشارا للبلاد في عهد الشاه محمد القاجاري في اواسط القرن التاسع عشر الميلادي، اذ حاول في كتابه المعروف بـ(منشآت قائم مقام) ان يقرب لغة النثر الكلاسيكي الفارسي من لغة الشعب ويقلل من الاطناب في الكلام الذي كان سائدا انذاك.
لكن التطور حدث بعد ان تعرف الشعراء الايرانيون علي الشعر الفرنسي الحديث وشعراء من امثال بودلير ورامبو واندره برتون وآخرين. والاهم من ذلك تأثرهم بالشاعر البريطاني تي اس اليوت. وهذا ما شاهدناه ايضا لدي الشعراء العرب المجددين كبدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور.
وكان نيما يوشيج اول شاعر فارسي كتب الشعر الحر او الشعر الحديث ــ شعر نو ــ كما يحلو للايرانيين ان يسموه وذلك عندما كتب قصيده (افسانه) في عام 1925 وهي تعني الاسطورة اولا واسم يستخدمه الايرانيون لتسمية الفتيات ومنهن عشيقة شاعرنا المجدد. واول ما كتب الرواية الحديثة بمفهومها الفني والادبي هو صادق هدايت وذلك عندما نشر ولاول مرة روايته (البومة العمياء) في الهند عام 1934 وفي 50 نسخة فقط.
وقد اعيد طبع الرواية لعدة مرات خلال الاعوام التي تلت طبعتها الاولي وفي ايران بالضبط وترجمت الي عدة لغات منها العربية.
ويمكن ان نقارن ما قام به صادق هدايت في مجال الرواية بما انجزه الكاتب المصري محمد حسين هيكل الذي نشر رواية (زينب) وهي اول رواية فنية عربية. لكن مستوي صادق هدايت الفني اعلي من هيكل حيث يمكن ان نقارنه مع نجيب محفوظ او يوسف ادريس مثلا.
لكن وقبل هدايت بسنوات ــ أي في العشرينيات من القرن الماضي ــ اصدر محمد علي جمال زاده اول مجموعة قصصية باسم (فارسي شكر است) او (الفارسية، سكر) وهي اول محاولة لكتابة القصة القصيرة الفارسية وفقا للمواصفات الفنية الحديثة.
مقارنة بين الأدب الفارسي القديم والحديث
ان نظرة فاحصة الي تطور الأدب الفارسي منذ نشأته في القرن الرابع الهجري ــ العاشر الميلادي ــ وحتي الان تظهر انه وعلي الرغم من المحاولات التي يبذلها الجيل الجديد من الكتاب والشعراء الايرانيين الا انهم لم يتمكنوا من بلوغ المستوي الذي وصل اليه الأدب الفارسي الكلاسيكي. فقد أصبح عمر الخيام وحافظ الشيرازي والمولانا الرومي وسعدي الشيرازي شعراء عالميين بفضل ادبهم وشعرهم الانساني الرفيع حيث نري ترجمة ديوان الرومي الي الانكليزية وحتي ايامنا هذه في صدر المبيعات من الكتب في الولايات المتحدة الامريكية.
او للنظر الي الخيام والترجمة الرائعة التي انجزها الشاعر الامريكي فيتز جرالد والتي لا تقل اهمية عن رباعيات خيام نفسه. او الترجمة العربية لهذه الرباعيات والتي تمت علي يد احمد رامي وغنتها كوكب الشرق أم كلثوم.
لكن لم نر مثل هذه الشهرة العالمية لأي من الشعراء ولا الروائيين في عصرنا هذا ولهذا أسباب سندرسها قادما إن شاء الله.