ثورة الدستور: انطلاقة الصحافة والأدب المعاصرين في إيران

 

يوسف عزيزي

العرب القطرية 2008- 01-27

تُعد ثورة الدستور (1906 – 1908) منعطفا تاريخيا مهما في حياة الشعوب الإيرانية، فقد أحدثت هذه الثورة أو ثورة المشروطة كما يصفها الإيرانيون تحولا عظيما في حياتهم بعد قرون من استبداد الأكاسرة والأباطرة، حيث يعود مصطلح (المشروطة) إلى الاشتراط أو تقييد سلطات الملك الذي كان يحكم وحتى ذلك العهد باستبداد مطلق.

وقد صدرت في طهران أول صحيفة فارسية توصف بـ ( كاغذ اخبار) أي ورقة الأخبار، وهي ترجمة حرفية لـ (نيوز بيبر) وذلك عام 1834 م، تبعتها صحيفة (وقائع اتفاقية) عام 1849 م، وهما طليعة الصحافة الفارسية التي كانت حكومية تابعة للبلاط الملكي القاجاري. بينما كانت هناك صحافة موازية تصدر في الهند والقاهرة وإسطنبول ولندن من قبل الإيرانيين المعارضين للحكم الاستبدادي القاجاري.

ويؤكد المؤرخون على دور صحف ( قانون، أختر، حبل المتين، ثريا، برورش،عروة الوثقى) في إيقاظ الإيرانيين، حيث كانت تصدر في النصف الثاني من القرن 19 بالخارج، وقد ألغت ثورة الدستور(وزارة الانطباعات) (التي تعادلها اليوم وزارة الإرشاد والثقافة الإسلامية) ورقابتها على الصحف، ودشنت عهداً جديداً ظهرت خلاله صحافة مهنية وحرة.

ويشير المستشرق البريطاني إدوارد براون إلى صدور 371 صحيفة ومجلة خلال 23 شهراً، أي في الفترة بين قيام الثورة والانقلاب المضاد للثورة الذي قاده الشاه محمد علي القاجاري ( 1906 – 1908). وهذا يعني إصدار صحيفة أو مجلة واحدة كل 3 أيام.

فلم يسلم لا البلاط القاجاري ولا أي مسؤول في البلاد من النقد اللاذع لصحافة ثورة المشروطة، حيث بلغت الحريات أعلى مستوياتها، كما أن الثورة أدت إلى تعديل وتحسين اللغة الصحفية التي كانت لغة ثقيلة ومطنطنة لا يفهمها إلا المثقفون، لتصبح لغة شعبية قريبة من لغة عامة الناس، وفي الحقيقة: إن اللغة الفارسية الرائجة الآن في الصحافة الإيرانية هي مدينة لتلك اللغة التي انبثقت مع قيام الثورة الدستورية.

وقد أسفر الانقلاب المضاد للثورة الدستورية، عن موجة اغتيالات وإعدامات شملت الثوريين والمناضلين كالخطيب والصحفي البارز ميرزا نصر الله خان الأصفهاني المعروف بملك المتكلمين، ومدير صحيفة صور إسرافيل، جهانغير خان، ومدير صحيفة (روح القدس) سلطان العلماء. كما تم إغلاق 4 صحف مهمة في طهران وهي: (مساوات، حبل المتين، روح القدس، صور إسرافيل).

غير أن التضحيات لم تذهب سدى، فقد تمكنت الثورة المعروفة باتجاهاتها الوطنية والديمقراطية من تخطي الانقلاب الدموي، واستمرت الحريات السياسية والصحافية حتى وصول الشاه رضا البهلوي إلى سدة الحكم عام 1925م، حيث أرسى مرة أخرى حكماً ديكتاتورياً على رقاب الشعب الإيراني. لكن وبعد سقوطه في 1941 عادت روح الثورة الدستورية إلى البلاد مرة أخرى، وشهدنا فترة ذهبية للحريات الصحافية قضى عليها نجله الشاه محمد رضا البهلوي بعد انقلابه على رئيس وزرائه، الزعيم الراحل محمد مصدق (50 – 1953).

وقد أحدثت الثورة الدستورية تطورات أساسية في الأدب الفارسي، الذي يحفل بتراث عريق يمتد إلى آلاف السنين، وفي الحقيقة أنهت الثورة فترة مظلمة من تاريخ الأدب الفارسي، عرفت بفترة الانحطاط، وقد شمل التغيير في الأدب الفارسي، الشكل والمضمون معا، أي أننا شهدنا ظهور شعراء ابتعدوا عن التراث الشعري القديم، وأدخلوا مضامين جديدة في أشعارهم وقصائدهم، إذ نرى في أشعار إيرج ميرزا وعارف القزويني وميرزادة عشقي وفرخي يزدي والعلامة دهخدا، ولأول مرة في تاريخ الأدب الفارسي، تظهر مضامين مثل الوطنية والقومية والديمقراطية ومفردات كالوطن والشعب والجماهير والحرية و الثورية .. الخ.

ويمكن أن نقارن بعض هؤلاء الشعراء الثوريين، كعارف القزويني وميرزادة عشقي بالشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري، غير أن الأجل لم يمهل الاثنين كي يطورا شعرهما كما طوره الجواهري.

ومن الملفت أن شاعرنا العراقي قام بأول زيارة لإيران في العام 1925، حيث كان هؤلاء الشعراء أحياء، ولم نعرف هل التقى بأحد منهم أم لا؟ ومن المعروف أن الشاه رضا البهلوي أمر باغتيال عشقي وتخييط فم فرخي يزدي في سجن مدينة يزد.

وفي مجال الأدب الحديث، يمكن أن نشير إلى انبثاق القصة والرواية والشعر الفارسي الحديث، على يد ثلاثة من الرواد هم: محمد علي جمال زادة (1891 – 1997)، وصادق هدايت (1903 – 1951)، ونيما يوشيج (1897- 1960)، ولم يكتف نيما يوشيج بما فعله زملائه الشعراء، بل قام بتحديث الشعر الفارسي شكلا ومضمونا، متأثرا بالشعراء المحدثين في فرنسا.

ويعتبر محمد علي جمال زادة أول من قام بكتابة القصة القصيرة الفارسية على نمط القصة الغربية الحديثة، حيث كانت قصة ( فارسي شكر است) أي (الفارسية سُكر) باكورة أعماله، وقد نشر صادق هدايت رواية (البومة العمياء) كأول رواية فارسية تتمتع بميزات الرواية الفنية الحديثة.

وقد سارت الكتابة القصصية والشعرية على خطى هؤلاء الرواد حتى يومنا هذا، مع فارق، هو قيام بعض الشعراء كأحمد شاملو بكسر الأوزان النيمائية (المتعلقة بنيما يوشيج) والتأسيس لنوع من الشعر المنثور وهو ما نراه أيضا عند أدونيس وبعض الشعراء العرب المعاصرين.

Mashroteh

جديد الموقع

الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


حول استقالة مستشار روحاني,مناظرة تلفزيونية


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور