القبس – 2008/01/04
يوسف عزيزي
يعود تاريخ الترجمة بين العربية والفارسية الى الاف السنين وهذا ينم عن التفاعل الثقافي والاجتماعي بين الشعبين الجارين منذ القدم. اذ يحدثنا المؤرخون عن وجود مترجمين من العربية الى الفارسية القديمة في بلاط الاكاسرة الساسانيين (224 – 652 م).
وفي خطوة ثقافية هامة وبتشجيع من الخليفة العباسي المنصور قام ابن المقفع بترجمة عدة كتب من اللغة البهلوية (الفارسية القديمة) الى العربية اهمها كتاب كليلة ودمنة.
وقد نقل المؤرخ والمترجم الفتح بن علي الاصفهاني البنداري (1190 – 1245 م) أحد اهم الملاحم الشعرية الفارسية وهي ‘شاهنامة’ الفردوسي الى العربية. وقد ترجم البنداري’الشاهنامة’ اي رسالة الملوك، نثرا الى العربية.
كما يجب ان نشيرالى ترجمة تحفة ادبية بارزة على المستوى العالمي وهي الف ليلة وليلة الى العربية. وتعد الف ليلة وليلة انتاجا ادبيا مشتركا لثلاثة شعوب متجاورة – الهنود والفرس والعرب – حيث لم يكتف العرب بترجمتها بل قاموا بصياغتها وفقا لسليقتهم ومنحوها نكهة عربية فريدة.
طبائع الاستبداد والثورة
ويعزو بعض المؤرخين وقوع ثورة الدستور في ايران (1906 – 1908) الى تنظيرات العالم الديني ومرجع التقليد الشيعي ميرزا حسين النائيني وخاصة كتابه ‘تنبيه الامة وتنزيه الملة في لزوم مشروطية الدولة المنتخبة لتقليل الظلم على افراد الامة’ المنتشر في عام 1908 .
ووفقا للمؤرخين الايرانيين فقد تأثر النائيني بكتاب ‘طبائع الاستبداد’ لعبدالرحمن الكواكبي تأثرا بالغا. وهم يعترفون بدور الترجمة الفارسية لهذا الكتاب في تحفيز تلك الثورة التي غيرت وجه المجتمع الايراني. وقد تلت ذلك ترجمات لكتب منوري عهد النهضة كجمال الدين الافغاني ومحمد عبده وعبدالرزاق وطه حسين. وقد انحسرت وتيرة الترجمة بين العربية والفارسية في عهد الشاه رضا البهلوي (1925 – 1941) بسبب رواج النهج العنصري المعادي للعرب. غير ان الامر تغير في عهد الشاه محمدرضا البهلوي وعاد الايرانيون يترجمون من العربية الى الفارسية. اذ وصل الامر حدا ببعض المترجمين الايرانيين أن يقوموا بترجمة روايات روسية وفرنسية من العربية الى الفارسية. ومن هؤلاء المترجمين يمكن ان نشير الى اسحق لاله زاري الذي ترجم عددا من روايات الكاتب الروسي فيودور داستايفسكي من العربية الى الفارسية.
وتنقسم الترجمة من العربية الى الفارسية الى قسمين: الاول الكتب والاثار الحديثة – من ادبية وسياسية وفكرية واجتماعية – والثاني الكتب التقليدية أو الكلاسيكية. وفي الشق الثاني تتميز ترجمة المصحف الى اللغة الفارسية عن ترجمة الكتب الاخرى.
وقد تمت ترجمة العديد من الكتب السياسية والادبية والفكرية خلال العقود الخمسة الماضية من العربية الى الفارسية. فيمكننا ان نشير هنا الى ترجمة مرشد الثورة الايرانية اية الله علي الخامنئي لكتاب طريقنا للداعية الاسلامي المصري سيد قطب او ترجمة محمد آيتي للمعلقات السبع.
القرآن أولا
وبعد قيام الثورة الاسلامية في ايران كان نصيب الاسد لترجمة المصحف الى الفارسية حيث نشرت ترجمات منه تعادل – من حيث الكم – كل الترجمات الفارسية له عبر التاريخ. وتتصدر آثار جبران خليل جبران التي تترجم عادة من الانكليزية والعربية، قائمة الكتب المترجمة الى اللغة الفارسية. كما شاهدنا خلال العقود الماضية ترجمات لاثار طه حسين وحنا الفاخوري ونجيب محفوظ وغسان كنفاني ونزار قباني ومحمود درويش وغادة السمان وادونيس.. الخ.
غير انه وفي الوقت الراهن، هناك اقبال خاص على المدارس الفكرية العربية الحديثة وخاصة كتب نصر حامد ابوزيد ومحمد عابد الجابري وفاطمة المرنيسي وعبدالله العروي ومحمد اركون.
وتشمل الترجمة من الفارسية الى العربية، الادب الكلاسيكي الفارسي والحديث. وقد تتركز الترجمة من الفارسية الى العربية في مصر اكثر من اي بلد عربي آخر، حيث توجد منذ عقود مؤسسات خاصة بالدراسات الايرانية وفروع لتدريس اللغة الفارسية في بعض الجامعات المصرية.
ترجمات فردية
وقد قام المترجمون المصريون بترجمة امهات الادب الفارسي الحديث بما فيها كتب للروائيين صادق هدايت وصمد بهرنجي وغلام حسين ساعدي ومحمود دولت آبادي والشاعرة فروغ فروخ زاد. كما شاهدنا في لبنان ترجمات لكتب مفكرين وسياسيين كعلي شريعتي واية الله مطهري واية الله الخميني واخيرا محمد خاتمي.
فلايمكن مقارنة الترجمة من اللغة العربية بالترجمة من اللغات الغربية الى الفارسية حيث نجد عددا كبيرا من المترجمين البارعين من هذه اللغات. كما وتبقى الترجمة من العربية الى الفارسية اكثر من الفارسية الى العربية.
فالجامعات التي تحوي على فروع للغة العربية، والمدارس الدينية في ايران التي تدرس فيها الدروس باللغة العربية، لم تقدم مترجمين بارعين لاسباب لا مجال لذكرها هنا. فعملية الترجمة تتم عادة بصورة فردية وحسب الهواية ومزاج المترجم. كما ان الرقابة تلعب دورا سلبيا في هذا المجال. فلهذا لم تترجم حتى الان امهات الرواية العربية الى الفارسية منها معظم روايات نجيب محفوظ – وعلى رأسها الثلاثية – وروايات الغيطاني والطاهر بن جلون ومحمد شكري.
وقد قامت دائرة الرقابة في وزارة الارشاد الايرانية مؤخرا بتجميع كتاب لفاطمة المرنيسي من الاسواق لنقده الحاد لتعامل المجتمع الديني الذكوري مع المرأة.
وفي النهاية تعد الترجمة بين العربية والفارسية أداة ثقافية هامة لتقريب الشعبين اللذين تفرق بينهما السياسة في الكثير من الاحيان.