يوسف عزيزي
الزمان – 20/10/2003
يعتز الفرس بشاعرهم المفضل الخواجة شمس الدين محمد حافظ الشيرازي وهو الذي فاقت شهرته وشعبيته، حدود لغته حيث اصبح شاعرا محببا لدي الايرانيين كافة، بل وشاعرا عالميا اهدى له الشاعر الالماني الكبير جوته أهم دواوينه الشعرية اي الديوان الغربي الشرقي.
يوجد في بيت كل ايراني تقريبا ديوان حافظ الشيرازي الي جانب القران الكريم ويسهب الدارسون والمثقفون في معاني شعره ويتفأل بها عوام الناس. فاذا اعتبرنا الشاعر الايراني ابوالقاسم الفردوسي، شاعر الملحمة الفارسية القديمة والعطار النيسابوري شاعر التصوف وسعدي الشيرازي شاعر الموعظة فان حافظ الشيرازي هو شاعر الغزليات بلامنازع.
ولد حافظ في اوائل القرن الثامن في مدينة شيراز عاصمة ولاية فارس ــ جنوب ايران ــ وتوفي عام 792 ه ق؛ وتتلمذ علي يد علماء عصره وتعلم العلوم والتفسير والحكمة والادب العربي حيث كان يحتفظ عن ظهر قلبه، المصحف مع 14 رواية خاصة بسوره وآياته؛ ولذا اختار الخواجة شمس الدين، لقب (حافظ) اي حافظ القرآن.
كما وانه تأثر كثيرا بالشعرالعربي الجاهلي والاموي والعباسي وخاصة شعر ابي طيب المتنبي. بل ونري في شعره تاثيرا لغزليات الخليفة الاموي يزيد بن معاوية وذلك بالرغم من كراهية الشيعة لهذا الخليفة بسبب مقتل الحسين بن علي على يد جنوده. ويقول حافظ:
الايا ايها الساقي ادر كاسا وناولها كه عشق آسان نمود اول ولي افتاد مشكلها
والمصرع الاول الذي جاء بلغته الاصلية العربية في ديوان حافظ هو ليزيد بن معاوية والمصرع الثاني لحافظ الشيرازي نفسه.
وكانت ايران في عهده منقسمة الي عدة ملوك طوائف حيث عاصر امراء سلالة الاينجو وسلاطين آل مظفر الذين حكموا ولاية فارس والملوك الايلخانيين الذين حكموا اذربيجان وبغداد والامير تيمور التتري.
وقد عكس حافظ الشيرازي في شعره تطورات عهده السياسية والفكرية دون ان ينشد شعرا سياسيا بل تخصص في الغزليات العرفانية حيث لم يبلغ منزلته في هذا المضمار اي شاعر فارسي حتي لان. وله ايضا بعض القصائد والرباعيات والقطعات والمثنويات، كما وله بعض الاشعار باللغة العربية.
وكان شعر حافظ الشيرازي ذروة الشعر الفارسي الذي اخذ يزدهر في اوائل القرن الرابع الهجري علي يد الشاعر ابوعبدالله جعفر بن محمد الرودكي حيث استمر هذا الازدهار لمدة 5 قرون، أفل بعدها واصاب بالانحطاط حتي ان احتك بالادب الغربي في القرن الثالث عشر الهجري القمري (التاسع عشر الميلادي).
فالشاعر حافظ الشيرازي يملك قريحة مدهشة وذوق رفيع وخيال جامح استطاع من خلاله ان يصنع صورا شعرية بديعة قلما نشاهدها في ديوان اي شاعر ايراني آخر مما ادي بتقليد الاخرين لشعره واجترارهم لصوره في فترة الانحطاط الادبي للشعر الفارسي والتي دامت 5 قرون.
وشعر حافظ هو شعرا عذبا، سلسا، فلسفيا وسرمديا يسمو الي نصوص الكتب المقدسة حيث يصفه الايرانيون ب ــ (لسان الغيب) ويتفألون باشعار ديوانه ليخبرهم عن مصيرهم ومستقبلهم. كما وانه نص شعري تتعدد قراءاته، وقد كتبت حوله مئات الكتب خلال القرون المنصرمة ولاتزال تكتب وذلك لتفسير اشعار ديوانه بل ولتفسير بيت او ابيات من غزلياته.
ويستخدم حافظ الشيرازي مفردات اللغة الفارسية كالشمع في يده حيث يأطرها وينحتها كيفما شاء لتصبح مادة فنية شعرية تنفذ الي القلوب. وهذا التلاعب بالمفردات ليست مجرد زخرفة شعرية كما نراه في المقامات او في قصائد عهد الانحطاط بل انه ينتقي اجمل المفردات المتجانسة والمتناسقة حرفا وايقاعا ليخلق شعرا ونصا يحمل في طياته معاني عرفانية وفلسفية عميقة وسامية.
ويزور الايرانيون ضريح الخواجة شمس الدين محمد حافظ في مدينة شيراز( جنوب ايران) كما يزورون اضرحة الاولياء و الائمة. و مدينة شيراز التي لم يغادرها شاعرنا طوال حياته، كانت و لاتزال تشتهر بجمال نساءها و طبيعتها و زهورها و نبيذها، حيث نشاهد ذلك كله في ديوان حافظ الشيرازي. وهذه الميزات هي التي أدت بالشاعر العربي الكبير ابوالطيب المتنبي أن يختار شيراز للاقامة عندما زار بلاد الفرس في القرن الرابع الهجري.
من المعروف ان شهرة حافظ الشيرازي في العالم العربي وكل العالم اقل من عمر الخيام بالرغم من الترجمات العديدة التي تمت لديوانه.
ويعزو النقاد السبب الي ان شعر حافظ عسير الترجمة بسبب صعوبة ترجمة المفردات الفارسية التي يستخدمها فيما لاتوجد مثل هذه الصعوبة في رباعيات الخيام بسبب تركيز الاخير علي الفكرة والفلسفة والمضمون في شعره دون الاهتمام كثيرا بجماليات الشكل، فيما لا يمكن فصل مضمون الشعر لدى حافظ الشيرازي عن شكله الفني الرائع. فعليه يعتبره بعض النقاد بانه اشعر الشعراء لان شعره عصي على الترجمة.
وقد اثار الشاعر المعاصر احمد شاملو (المتوفي عام 2000)، قبل اعوام ضجة في اوساط القوميين الفرس عندما اعلن ان حافظ الشيرازي هو الشاعر الحقيقي للغة الفارسية وان الفردوسي ليس شاعرا اذا قورن بحافظ بل انه (ناظما) فقط.
كما ان حافظ الشيرازي وخلافا للفردوسي وشعراء الشعوبية الفارسية، القدماء والجدد، لم يكن اي عداءا للعرب بل نشاهد في شعره نوع من الانسانية ــ العرفانية المتخطية للحدود العنصرية والقومية الضيقة. وهو كالعديد من الشعراء الفرس القدامى يشعر بعرفان الجميل للقرآن واللغة والادب العربيين التي نهل منها وتأثر بها.
ويختلف النقاد والشعراء في عقيدة حافظ الشيرازي ونظرته للحياة وفيما يعتبره الداعية الاسلامي اية الله مرتضي المطهري بانه موحدا ينحو في شعره الي العرفان والتصوف الالهي وان المصطلحات المستخدمة في شعره كالحب والخمر والخمارة و الكأس والساقي والمحبوب هي مصطلحات عرفانية، يعتقد الشاعر العلماني احمد شاملو ان حافظ الشيرازي كان شاعرا ملحدا متلذذا بملذات الحياة وناقدا لظلم الحكام والرياء عند رجال الدين.
ونذكر هنا نماذج من غزلياته التي ترجمها الشاعر العربي البارز محمد مهدي الجواهري الي العربية.
ويقول حافظ الشيرازي حول الرياء:
عقدة عندي سل عن حلها هذا الاديبا
لم لا تابت شيوخ وعظتنا ان نتوبا
جلوةٌ للشيخ ان قام علي الناس خطيبا
وهو في خلوته يرتكب الامر المريبا
او هذا:
وعظ الشيخ ولكن
اذني فيها انصمام
كل شغلي يوم عيـ
د الفطر كأس ومُدام
لتنال الخمرُ مني
ثأر ايام الصيام
مدة غِبتُ بها عن
وجه خمار وجام
وبحسبي بعض ما فـ
رطتُ في ذين أثام!!
وفي الكأس يقول:
زف لي الخمار كأسا هي مرآة الزمان
دلني فيها علي ما فيك من لُطف المعاني
وفي علو شأن الانسان يقول:
ملكا كنت وفي الفردوس لي كان صحاب
آدم اخرجني منه الي هذا الخراب
ظِلُ (طُوبى) وصفاء (الحور) غيدا والشراب
كله مذ هِمْتُ في حبك عن ذهني غاب
وفي ادب الساقي يقول:
خذ الكأس بتوقير
وقبّلْها باذعان
فقد رُكِّب من قح
فة جبار وسلطان
بقايا رأس (جمش
يد( و(بهرام) وبهمان
وفي ختم الشفتين يقول:
مثل دن الخمر نفسي
أبدا في غليان
وأنا آكل من قلبي
ولا يدري اللسان
كيف بعد (الختم) تقوي
ان تبوحَ الشفتان؟
وهذه فتوي في الخمر لشاعرنا حافظ الشيرازي:
من شيخ دَيري فتوى عندي وعهد قديم
أن لا تحل مُدام
حتي يحل النديم!