حوار مع يوسف عزيزي
موقع “شفاف الشرق الاوسط”
الخميس 12 شباط (فبراير) 2009
يوسف عزيزي عضوا مؤسس في اتحاد الادباء الايرانيين وعضو فخري في اتحاد الكتاب العرب. تعرض مراراُ للاعتقال، آخرها اثناء انتفاضة الشعب العربي الاهوازي 15 نيسان عام 2003 ضد سياسة تغيير النسيج السكاني، حيث قضى ما يقارب الثلاث شهور في سجون النظام الايراني، وخرج بكفالة مالية ضخمة تمهيدا لمحاكمته. وفي اواخر عام 2008، اصدرت محكمة الثورة الاسلامية في طهران حكما بسجنه خمس سنوات بتهمة التحريض على المظاهرات المناوئة للحكومة. اجرى موقع “روز” الايراني حوارا معه حول الانتخابات الرئاسية المقبلة في ايران. الترجمة العربية الكاملة لهذا الحوار:
كيف تقيمون ظروف مشاركة القوميات الايرانية غير الفارسية في الانتخابات المقبلة؟
شهدنا خلال الاعوام الماضية ونتيجة للصعوبات الاقتصادية والقمع المتواصل والاعمال التي تقيد نشاط الاحزاب والمؤسسات السياسية والثقاقية والمدنية، بروز العديد من الفجوات في المجتمع الايراني من شانها ان تلعب دورا سلبيا في مشاركة مختلف شرائح المجتمع في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقد تعمقت الهوة القائمة بين القوميات، والنساء، والعمال، والمثقفين، من جهة والحكومة القائمة من جهة اخرى. وفي بعض الانتخابات السابقة وخاصة في انتخابات عام 2005 حيث تم انتخاب احمدي نجاد رئيسا، امتنع الملايين عن المشاركة فيها، مما اثار المخاوف لدى بعض المسؤولين الكبار. و من هنا تغيرت الظروف الموضوعية المتعلقة بالمشاركة في الانتخابات في الاقاليم التي يقطنها العرب والبلوش والاكراد والاتراك بسبب اعمال العنف التي شهدتها هذه الاقاليم خلال السنوات الخمس الماضية حيث تحولت الصورة الزرقاء التي كانت سائدة خلال الانتخابات الرئاسية السابعة (التي انتخب خلالها محمد خاتمي رئيسا للبلاد) الى صورة قانية. وقد استمرت الضغوطات وعمليات الاعدام والاعتقالات في اقاليم سيستان و بلوجستان، وكردستان وعربستان (خوزستان). واذا كان اقليم اذربيجان مستثنى من اعمال العنف الا اننا شاهدنا اعتقالات بالجملة والمفرق طالت النشطاء القوميين من ابناء هذا الشعب. وعليه، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية العاشرة، نشاهد امامنا هذه اللوحة القانية لظروف القوميات في ايران.
تحت اي ظروف يشارك سكان هذه الاقاليم في الانتخابات الرئاسية القادمة؟
ظروف مشاركة القوميات غير الفارسية التي تشكّل اكثر من نصف سكان ايران لا تنفصل عن ظروف بقية المواطنين الايرانيين. إذا جرت الانتخابات طبق المعايير الدولية، اي انتخابات حرة و نزيهة و تنافسية، فمن المحتمل ان تزداد نسبة المشاركة فيها، والا سوف تتكرر مقاطعة الناس لها، مثلما حصل في الدورة السابقة للانتخابات الرئاسية. على سبيل المثال، في الانتخابات الرئاسية السابعة (عام 1997) كنا قد شهدنا مشاركة جماهيرية واسعة من ابناء الشعب العربي الاهوازي والبلوش والاكراد والاتراك والتركمان. لأنه كان هناك نوع من المنافسة بين مرشحي الاصلاحيين (خاتمي) والمحافظين (ناطق نوري)، حبث صوت – على اقل تقدير- نحو95 % من العرب الاهوازيين لصالح خاتمي. وان كان قد توفر للقوميات في عهد خاتمي جو من الانفراج للنشاطات الثقافية – والسياسية الى حد ما – الاأنها كانت مرحلة عابرة ومؤقتة. ومع مجيء اليمينيين المتتشددين ذهب كل شيء ادراج الرياح. فلم ينفذ خاتمي والاصلاحيون الوعود التي قطعوها لتنفيذ المادة الخامسة عشر من الدستور الايراني، ولم تنفذ هذه المادة قط حتى الان. ومن هنا فان ابناء القوميات غيرالفارسية لا يزالون يصرون على تنفيذ هذه المادة واتاحة الظروف لاطفالهم للتعلم باللغة الام في المرحلة الابتدائية.
ما هي الشعارت التي يستطيع المرشحون من خلالها تشجيع القوميات للمشاركة في الانتخابات؟ بعبارة اخرى، ما هي مطالب المواطنين القاطنين في مناطق القوميات غيرالفارسية؟
المطالب التاريخية للشعوب الايرانية ابعد مما تشير اليه المادة 15 من الدستور الايراني. وهي حقوق تبدأ من الحقوق القومية الاولية وتنتهي بحق تقرير المصير. ومن هنا، على القوى السياسية الناشطة على الساحة السياسية ان تطرح على اقل تقدير برنامج الحد الادنى في هذا المجال – واعني حقوق القوميات غيرالفارسية – حيث كلما اتخذت هذه الحقوق شكلا قانونيا وتوسعت، عندها تضيق الهوة بين القوميات والاحزاب السياسية. وفي ظل الظروف الراهنة، فان جميع الشعوب الايرانية من كرد وآذريين و عرب وبلوش و تركمان يريدون تنفيذ المواد 15 و16 من الدستور وفي مقدمتها التعلم باللغة الام في المرحلة الابتدائية وما بعدها وذلك الى جانب اللغة الفارسية. و يقبع اليوم الالوف من الاكراد ، والبلوش، والاتراك، والعرب والتركمان في السجون ويبدو انهم يشكلون اعلى نسبة من عدد السجناء في السجون الايرانية. وعلى القوى السياسية الناشطة على الساحة الايرانية ان تجعل شعار اطلاق سراح السجناء السياسيين على سلم اولوياتها حتى تستطيع ان تحظى بدعم وتأييد القوميات غير الفارسية.
بما ان الغالبية العظمى من القوميات الايرانية غيرالفارسية تقيم بالاطراف، فما اهمية حضورها على ساحة الانتخابات الرئاسية؟
هذا ليس صحيحا، فهي لا تعيش في اطراف البلد بل في كل انحاء ايران. فاذا دققنا جيدا نرى ان الاتراك الاذريين لا يعيشون في اقاليم اذربايجان الشرقية والغربية واردبيل وزنجان وحدها، وانما يتواجدون في المقاطعات الايرانية الاخرى مثل قم وهمدان و اصفهان وفارس “كالاتراك القشقائيين”. كما ان العرب والاكراد، اضافة الى تواجدهم في مناطقهم الاصلية، فان قسماً منهم يعيش في مقاطعة خراسان. قسم من البلوش يقيم في مقاطعتي خراسان وجرجان، هذا عدا اصحاب اللهجات والغات الاخرى مثل اللور والبختيارية والكيلك والمازندرانية. واذا اخذنا بعين الاعتبار ثقل هذا العدد من الشعوب الايرانية غيرالفارسية فان مشاركتها في الانتخابات الرئاسية تكتسب اهمية كبيرة؛ الامر الذي اصبح صعب بسبب القمع ونقض العهود السابقة.
في حال عدم مشاركة القوميات في الانتخابات الرئاسية وتجاهل مطالبها القومية، ما هي المشاكل التي من الممكن ان تواجهها ايران؟
الانتخابات الحرة والنزيهة والتنافسية مهمّة للديمقراطية في اي بلد. واذا لم يتسنَّ للقوميات غير الفارسية، وتحت اي ذريعة، الاشتراك في الانتخابات، فان ضربة كبرى سوف توجه للعملية الديمقراطية في ايران. واذا لم تلبّ مطالب القوميات، سوف نشاهد موجة من التطرف من قبل المجموعات القومية المتشددة، وسبق لنا وان شاهدنا مثل هذه الظاهرة. وفي الحقيقة ان سيطرة المتشددين الاسلاميين على السلطتين التشريعية والتنفيذية، البرلمان والرئاسة، خلال الدورتين السابقتين وخلط الاوراق تسبب بانجرار بعض الفصائل القومية غير الفارسية الى التطرف. وانا هنا لا اقصد الاضرابات والمظاهرات السلمية للشعب العربي الاهوازي او الاكراد في كردستان او الاتراك في أذربايجان. في الواقع ان عدم تشجيع الشعوب الايرانية من اجل المشاركة في الانتخابات الرئاسية ورفض مطالبها من شأنه وعلى المدى المتوسط والبعيد ان يهدد السلم الوطني في ايران.
اي من المرشحين قادر على تشجيع القوميات للاشتراك في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟
بات واضحا خلال السنوات الاربع او الخمس الماضية ان المتشددين ليس لهم اي اهتمام بمطالب القوميات غير الفارسية، وان توجهاتهم السياسية العامة تتمثل بقمع هذه القوميات. وقد عملوا خلال السنوات الماضية على منع الاحزاب السياسية و المؤسسات المدنية و الثقافية، واغلقوا الغالبية العظمى من الصحف غيرالفارسية واغلقوا جميع النوافذ بوجه الاطروحات السلمية والدستورية لمطالب هذه القوميات. واليوم فانهم يطاردون حتى اولئك النشطاء الذين يطالبون بهويتهم القومية ضمن اطار الدستور ويصدرون بحقهم احكام جائرة ويرسلون بهم الى غياهب السجون. والحقيقة ان الحديث حول هذه الممارسات لا ينتهي وان التاريخ في نهاية المطاف سيصدر حكمه بحق هؤلاء المتشددين اليمينيين.
اذ لا يمكن خداع الشعوب الايرانية من خلال لبس الدشداشة من قبل احمدي نجاد خلال زيارته للاهواز والزي التركمني او الكردي. فالعمل الذي قام به نجاد يمكن ان يتكرر مستقبلا وهذا نوع من الديماغوجية؛ اما الاصلاحيون وان كانوا في بداية عهدهم رفعوا شعارات في هذا المجال وهيأوا الاجواء من اجل النشاط الثقافي والمدني للقوميات غير الفارسية الا انه نتيجة لفقدانهم برنامج الحد الادنى والحد الاعلى حول حقوق هذه القوميات وعدم الاهتمام بمطالبهم القانونية واذعانهم للمتشددين من الاسلامويين والقوميين الفرس، لم يستطعيوا عمل اي شيء. حتى انهم لم يبذلوا اقل جهد لتنفيذ المواد المنصوص عليها في الدستور الايراني. حيث اننا نشاهد أنه بعد مرور اكثر من 30 عاما على اعتماد الدستور لم تنفذ المواد 15 و19 من الدستور وهي لاتزال حبيسة الادراج الحكومية. ولا اكتمتك سرا انه في تلك المرحلة اثار المتشددون الفرس خوف الاصلاحيين (وكل السلطة) من التحركات السلمية للقوميات.
و نشاهد اليوم في ايران اتساع المشاعر القومية المتناقضة؛ فمن جهة تنمو المشاعر القومية بين الفرس انفسهم حيث يتجلى ذلك من خلال العودة الى الادب و التاريخ القديم (الماقبل الاسلامي). ومن جهة اخرى نشاهد نموا في المشاعر الوعي القوميين بين الشعوب غير الفارسية. وفي معمعة هذا التوجه، فان رئيس الجمهورية الاسبق خاتمي هو في الغالب الى جانب المشاعر القومية الفارسية، حيث انه كان يسعى الى كسب دعمها. وقد طرح في هذا المجال شعارات والقى خطباً لا تحظى برضى العرب والاكراد و الاذريين. في حين كان من الاجدر به ان يراعي مشاعر المجموعتين. واذا اراد خاتمي ان يسير على نفس منوال السياسة السابقة فمن المستبعد ان يحظى بتأييد القوميات، في حين ان الوعي القومي اليوم في تزايد بين اوساط النخب وجماهير الشعوب غير الفارسية ومن شانه ان يلعب دورا مصيريا في الانتخابات الرئاسية المقبلة. و لايفوتني القول انه بالرغم من وجود مرشحين اصلاحيين بارزين – معين وكروبي – في الانتخابات الرئاسية السابقة (عام 2005) غير ان المرشح الاصلاحي غير المعروف، السيد مهر على زادة، استطاع فقط ان يستحوذ على اصوات المقاطعات الاذرية التركية في شمال غرب ايران. وكان السبب أنه رفع شعار “تنفيذ المادة 15” من الدستور. ويصدق ذلك في اقليم عربستان (خوزستان). فبالرغم من ان علي شمخاني عرب،ي الا انه لم يستطع ان ينافس خاتمي عام 2001 في كسب اصوات الناخبين العرب الاهوازيين لانه امتنع حتى رفع شعار “تنفيذ المادة 15” من الدستور الايراني في حين ألمح خاتمي لذلك. وهذا ما حدث في كردستان ايران ايضا. فبسبب نفوذ الاحزاب الكردية، فاننا شاهدنا مقاطعة واسعة من قبل الاكراد لبعض الانتخابات الرئاسية، وهذا ملموس في مقاطعة الاكراد اكثر من غيره في المقاطعات الاخرى، وذلك بسبب تجاوب الجماهير مع نداءات النخب والاحزاب السياسية وليس من المستبعد ان يتكرر ذلك.
وعليه يجب على الاصلاحيين – حكوميين كانوا او غير حكوميين – ان يبذلوا كل جهودهم للتعاطي مع المشاعر والاتجاهات القومية بين اوساط الشعوب الايرانية غيرالفارسية وان يأخذوا ذلك بعين الاعتبار في حساباتهم الانتخابية. وينبغي ان يكون لديهم برنامج لحل المسألة القومية في ايران.
عرض وترجمة من الفارسية : جابر احمد