لماذا الرواية الايرانية تراوح مكانها؟

يوسف عزيزي

الزمان 20/10/2003

بعد الانحطاط الذي أصاب أدب الشعر في القرن الخامس عشر الميلادي لم تشهد الساحة الأدبية الإيرانية ظهور نجوم أدبية كالتي ظهرت في القرون الوسطى. وقد استمر الوضع في العهد الحديث كما كان في عهد الانحطاط مع بعض الفروق الطفيفة. ويمكننا أن نقول إن الأدب الفارسي بلغ ذروته في العصر الوسيط وتدهور في عصر الانحطاط وبعث من جديد في العهد الحديث لكنه لم يعد إلى مكانته السابقة.

وبما أن الأدب الفارسي يماثل الأدب العربي في تاريخه وتطوره، لم يعرف الإيرانيون -كالعرب- في تاريخهم الأدبي، لا الرواية ولا القصة القصيرة بمفهومهما الحديث بل أقصى ما كان يعرفه الإيرانيون هو الحكايات والمقامات والقصص الشعبية وأشياء من هذه القبيل.

وبعد أن تعرف الكتاب الإيرانيون على القصة القصيرة والرواية -اثر احتكاكهم بالثقافة الغربية- أخذوا هذا الجنس الأدبي كما هو ولم يطوروه محلياً.

وقد حاول الجيل الأول للكتاب المصريين كاليازجي شدياق والمويلحي أن يزاوجوا بين شكل المقامات – وهو أساساً جنس أدبي عربي إسلامي- وبين القصة الحديثة الوافدة من الغرب. إلا أن التجربة لم تنجح حتى أن قام الكاتب والصحفي محمد حسين هيكل بكتابة رواية (زينب) وهي أول رواية بالمفهوم الفني للكلمة.

لكننا لم نر مثل هذه المحاولات في الأدب الفارسي الحديث. أي أن جمال زاده وهو أب  الرواية لا تصبح إيرانية أو عربية بتغيير أسماء أبطال الرواية أو شخصياتها القصة القصيرة الفارسية أخذ شكل القصة ومضمونها من الغرب دون أي إبداع قائم على الأدب الفارسي الذاخر بالأجناس الأدبية القديمة.

فقد برع الكاتب الإيراني صادق هدايت في كتابة الرواية الواقعية والسريالية كرائعته (البومة العمياء) غير أنه لم يقم بأي محاولة تجديد محلية كالتي قام بها اميل حبيبي وجمال الغيطاني. ويبدو أن المحاولات الإبداعية للكتاب العرب تتعلق بفترة ما بعد نجيب محفوظ الذي ساهم هو بنفسه لإرساء (رواية عربية) على غرار (الرواية اليابانية) و(الرواية الافريقية) و(رواية أمريكا اللاتينية).

فقد أكد روائيون إيرانيون بارزون خلال أحاديثهم المختلفة أو سجالاتي معهم أكدوا بأنهم لا يؤمنون بشيء اسمه رواية إيرانية وهم ينفون بذلك أي خصيصة محلية للرواية.

وها هو الروائي البارز محمود دولت آبادي يقول حول (القصة الإيرانية) في مقابلة مع إحدى الصحف: (إن القصة بمعناها الإيراني المحض والقح هي القصة التي توجد في أدبنا الفارسي بصورة النقل والحكاية.

لكن في الحقيقة أن أدبنا القصصي اليوم هو ما تعلمناه من الأدب الأوروبي والذي أصبح خلال هذه الأعوام المائة الأخيرة جزءاً منا. حيث وبسبب العولمة وتقارب القارات والشعوب والثقافات إلى بعضها البعض لا نصر بعد الآن على القول بأن أي قسم من هذا الأدب لنا وأي قسم يتعلق للآخرين).

وقد سألت دولت آبادي -وهو حالياً شيخ الروائيين الإيرانيين- في مقال نشرته في الصحافة الإيرانية سألته لماذا كان للإيرانيين والعرب في الماضي أجناس قصصية خاصة بهم ولا يوجد مثل هذا الشيء حالياً؟ فلماذا أبدعنا خلال تاريخنا الأدبي التليد، أجناساً أدبية كالمقامات والحكايات وألف ليلة وليلة والأدب الصوفي -وهو خاص بهذه المنطقة من العالم- لكننا الآن لم نستطع حتى عن إيجاد مكتب أو جنس أدبي خاص بنا؟ فبرأيي أن الروائيين الإيرانيين يهربون من مواجهة الحقيقة ويعترفون نوعاً ما بضعفهم في عملية الإبداع. فالرواية لا يمكن أن تصبح إيرانية أو عربية بتغيير أسماء أبطال الرواية أو شخصياتها حيث لا يعير الناقد الغربي لمثل هذه الأعمال وزنا إذا لم يستشم فيها رائحة الإبداع الشرقي. ويبدو أن الروائيين الإيرانيين يفضلون السير في طريق جاهز ومبلط من قبل الآخرين كي لا يبذلوا أي جهد إضافي لخلق أو إيجاد (رواية إيرانية) فجل جهدهم هو التقليد وكتابة الرواية كما يكتبها الروائيون الغربيون ومنها مثلاً تغيير أسماء (جورج) و(جريجوري) و(جاكلين) إلى حسين وشهرام وفاطمة. أو في أفضل الحالات استخدام التكنيكات الروائية الخاصة بالغربيين وهم يتصورون بأنهم سيتمكنون بذلك من نيل الشهرة والعالمية. فإذا استثنينا الروائي الإيراني صادق هدايت الذي ترجمت روايته (البومة العمياء) إلى عدة لغات بعد ترجمتها إلى الفرنسية لا يوجد أي روائي آخر نال مثل هذه الشهرة. فهذه هي الرواية الوحيدة -ذات المعايير الفنية- التي طرحت اسمه على المستوى العالمي ولا توجد لديه أي رواية أخرى في هذا المستوى. ونحن نعلم أن العديد من روايات هدايت وآثاره الأخرى يشوبها نوع من العنصرية ومعاداة السامية وخاصة معاداة العرب وهذا ما نراه بصورة فجة وجنونية.

لكن في المقابل حاولت السينما الإيرانية وبفعل إبداعها وتأكيدها على نوع من العرفان الإيراني وبعدها عن الشوائب العنصرية أن تفتح مكاناً لها في الساحة العالمية ونجحت نوعاً ما في ذلك؛ الأمر الذي لم تتمكن الرواية الإيرانية أن تبلغه بالرغم من أنها أطول عمراً وأكثر تجربة من السينما الإيرانية.Dolatabadi

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور