الرواية الفارسية: الولادة والنشأة

يوسف عزيزي

“العرب” القطرية 2008-03-0Jami_Rose_Garden2

اقتبس الإيرانيون – شأنهم شأن سائر الشعوب – الرواية الحديثة من الأوروبيين، لكنهم لم يكونوا غريبين بالكامل عن هذا الجنس الأدبي. وبما أن الشعر كان الفن الرائج بين الفرس – كالعرب – عبر التاريخ، فقد تبلور نوع من السرد القصصي والروائي في هذا الشعر.

وقد نشاهد ذلك بشكل خاص في آثار الشاعر الكلاسيكي الشهير أبو محمد إلياس بن يوسف النظامي الغنجوي الذي عاش في القرن 13الميلادي. حيث تحمل دواوينه المعروفة بـ «الخمسة « و»الديوان» هذا الجنس الأدبي وأبرزها القصتين الشعريتين المطولتين:»شيرين و فرهاد» و «ليلى ومجنون».

في الحقيقة هناك تماثل تاريخي بين انبثاق الرواية الفارسية في إيران وبين نظيراتها العربية والتركية والبنجابية. وقد أخذ هذا الجنس الأدبي الأوروبي يفتح طريقه إلى منطقتنا في أواخر القرن 19 وأوائل القرن العشرين.

وقد حاول كتاب عرب كالمويلحي و اليازجي وبعد تعرفهم على هذا الفن الساحر الآتي من الغرب، أن يدمجوه مع التراث القصصي القديم، كالحكايات والمقامات وما شابه ذلك من أجناس أدبية عربية كلاسيكية. فقد شاهدنا محاولات مماثلة في اللغة الفارسية في إيران، لكن بوتيرةأقل مما شهدته اللغة العربية في هذا المجال وفي مصر بالتحديد.

ويعتقد البعض أن المفكر الإيراني فتحعلي آخوندزادة الذي عاش في أواسط القرن 19 هو أول من كتب الرواية الإيرانية وهي «النجوم المخدوعة» حيث كتبها آخوندزادة باللغة التركية – لأنه كان من أتراك إقليم أذربيجان الإيراني – وترجمها شخص اسمه قراجه داغي إلى الفارسية. لكن باعتقاد كاتب هذه السطور أن «النجوم المخدوعة» لم تكن رواية بمفهومها الحديث بل محاولة أولية لكتابة الرواية في إيران. وقد زاد اهتمام الإيرانيون بهذا الجنس الأدبي عقب قيام ثورة الدستور (1906- 1908)، وهذا ما نشاهده لدى كتاب مثل مشفق كاظمي ومحمد حجازي وجهانجبر جبلي ومحمد مسعود.

فيمكننا القول بأن أولى نماذج الرواية الفارسية التي ذكرناها آنفا كانت: أولا، تحاكي الحكايات والقصص الفارسية الكلاسيكية وتستخدم تقنياتها، وثانيا تتأثر بالروايات الأوروبية أي إنها كانت نصوص تقع بين الأشكال التقليدية للتراث القصصي الفارسي وبين الرواية الحديثة.

وقد اجتازت الروايتين الفارسية والعربية هذه المرحلة الانتقالية فيما بعد، حيث ظهرت رواية «زينب» للصحفي والسياسي المصري محمد حسين هيكل كأول رواية عربية، بمواصفات فنية روائية حديثة في العام 1913، لتبشر بانبثاق جيل جديد من الروائيين العرب، توجت فيما بعد بما كتبه الروائي البارز نجيب محفوظ من روايات طرح على إثرها اسم الرواية العربية على المستوى العالمي.

وقد تأخرت الرواية الفارسية عشرين عاما عن نظيرتها العربية لتظهر في العام 1933 رواية «البومة العمياء»، (بوف كور بالفارسية) لتعلن عن ميلاد الرواية الفارسية بمفهومها الحداثي.

وقد واجه كاتب الرواية صادق هدايت مشاكل في نشرها في إيران آنذاك، بسبب تخلف المجتمع الإيراني، حيث اضطر أن ينشرها في 50 نسخة في الهند. لكن أعيدت طباعة الرواية فيما بعد، حيث بلغت نحو خمسين طبعة حتى الآن، و ترجمت إلى عدة لغات منها العربية، وتظهر كل عام على قائمة منشورات دار الساقي اللندنية.

يعد صادق هدايت (1903- 1951) من مؤسسي الرواية الفارسية، حيث ظهرت من بعده أجيال من الروائيين أكملوا مشواره الأدبي. وقد انتحر هذا الكاتب المتشائم في عام 1951 بعد نشره لعدة روايات، كانت جميعها – بما فيها رائعته البومة العمياء – روايات قصيرة.

ومن الجيل الأول للروائيين الذين كتبوا الرواية الحديثة يمكن أن نشير إلى بزرك علوي ورائعته «عيونها» وصادق تشوبك ورائعته «الصخرة الصابرة». ولكل من هؤلاء المؤسسين أسلوبه في كتابة الرواية، حيث تتسم روايات صادق هدايت بالنظرة التشاؤمية إلى الكون والإنسان، وذلك بسبب تأثره بأفكار الكاتب التشيكي فرانتس كافكا .

وتصنف روايات هدايت بأنها روايات مأساوية. كما أن نصوصه الأدبية مشفوعة بالنزعة القومية الفارسية المتشددة المعادية للعرب واليهود. ويمكن أن نعتبر روايات بزرك علوي ( 1902- 1996) بأنها روايات ملحمية، حيث يمتلك الكاتب نظرة تفاؤلية إزاء العالم بسبب إيديولوجيته الشيوعية، لكنه رغم ذلك لم يتخلص من أفكاره الشوفينية إزاء العرب.

ويضع الناقدون روايات صادق تشوبك (1907 – 1998) في سياق المدرسة الطبيعية التي أسسها الروائي الفرنسي إميل زولا. والملفت في الأمر أن أي من هؤلاء المؤسسين الثلاث لم يموتوا في وطنهم إيران، حيث انتحر صادق هدايت في باريس، ومات بزرك علوي في برلين حيث كان يقيم منذ 1953، وتوفي صادق تشوبك في الولايات المتحدة الأمريكية.

 

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور