يوسف عزيزي
اقتبس الإيرانيون – شأنهم شأن سائر الشعوب – الرواية الحديثة من الأوروبيين، لكنهم لم يكونوا غريبين بالكامل عن هذا الجنس الأدبي. وبما أن الشعر كان الفن الرائج بين الفرس – كالعرب – عبر التاريخ، فقد تبلور نوع من السرد القصصي والروائي في هذا الشعر.
وقد نشاهد ذلك بشكل خاص في آثار الشاعر الكلاسيكي الشهير أبو محمد إلياس بن يوسف النظامي الغنجوي الذي عاش في القرن 13الميلادي. حيث تحمل دواوينه المعروفة بـ «الخمسة « و»الديوان» هذا الجنس الأدبي وأبرزها القصتين الشعريتين المطولتين:»شيرين و فرهاد» و «ليلى ومجنون».
في الحقيقة هناك تماثل تاريخي بين انبثاق الرواية الفارسية في إيران وبين نظيراتها العربية والتركية والبنجابية. وقد أخذ هذا الجنس الأدبي الأوروبي يفتح طريقه إلى منطقتنا في أواخر القرن 19 وأوائل القرن العشرين.
وقد حاول كتاب عرب كالمويلحي و اليازجي وبعد تعرفهم على هذا الفن الساحر الآتي من الغرب، أن يدمجوه مع التراث القصصي القديم، كالحكايات والمقامات وما شابه ذلك من أجناس أدبية عربية كلاسيكية. فقد شاهدنا محاولات مماثلة في اللغة الفارسية في إيران، لكن بوتيرةأقل مما شهدته اللغة العربية في هذا المجال وفي مصر بالتحديد.
ويعتقد البعض أن المفكر الإيراني فتحعلي آخوندزادة الذي عاش في أواسط القرن 19 هو أول من كتب الرواية الإيرانية وهي «النجوم المخدوعة» حيث كتبها آخوندزادة باللغة التركية – لأنه كان من أتراك إقليم أذربيجان الإيراني – وترجمها شخص اسمه قراجه داغي إلى الفارسية. لكن باعتقاد كاتب هذه السطور أن «النجوم المخدوعة» لم تكن رواية بمفهومها الحديث بل محاولة أولية لكتابة الرواية في إيران. وقد زاد اهتمام الإيرانيون بهذا الجنس الأدبي عقب قيام ثورة الدستور (1906- 1908)، وهذا ما نشاهده لدى كتاب مثل مشفق كاظمي ومحمد حجازي وجهانجبر جبلي ومحمد مسعود.
فيمكننا القول بأن أولى نماذج الرواية الفارسية التي ذكرناها آنفا كانت: أولا، تحاكي الحكايات والقصص الفارسية الكلاسيكية وتستخدم تقنياتها، وثانيا تتأثر بالروايات الأوروبية أي إنها كانت نصوص تقع بين الأشكال التقليدية للتراث القصصي الفارسي وبين الرواية الحديثة.
وقد اجتازت الروايتين الفارسية والعربية هذه المرحلة الانتقالية فيما بعد، حيث ظهرت رواية «زينب» للصحفي والسياسي المصري محمد حسين هيكل كأول رواية عربية، بمواصفات فنية روائية حديثة في العام 1913، لتبشر بانبثاق جيل جديد من الروائيين العرب، توجت فيما بعد بما كتبه الروائي البارز نجيب محفوظ من روايات طرح على إثرها اسم الرواية العربية على المستوى العالمي.
وقد تأخرت الرواية الفارسية عشرين عاما عن نظيرتها العربية لتظهر في العام 1933 رواية «البومة العمياء»، (بوف كور بالفارسية) لتعلن عن ميلاد الرواية الفارسية بمفهومها الحداثي.
وقد واجه كاتب الرواية صادق هدايت مشاكل في نشرها في إيران آنذاك، بسبب تخلف المجتمع الإيراني، حيث اضطر أن ينشرها في 50 نسخة في الهند. لكن أعيدت طباعة الرواية فيما بعد، حيث بلغت نحو خمسين طبعة حتى الآن، و ترجمت إلى عدة لغات منها العربية، وتظهر كل عام على قائمة منشورات دار الساقي اللندنية.
يعد صادق هدايت (1903- 1951) من مؤسسي الرواية الفارسية، حيث ظهرت من بعده أجيال من الروائيين أكملوا مشواره الأدبي. وقد انتحر هذا الكاتب المتشائم في عام 1951 بعد نشره لعدة روايات، كانت جميعها – بما فيها رائعته البومة العمياء – روايات قصيرة.
ومن الجيل الأول للروائيين الذين كتبوا الرواية الحديثة يمكن أن نشير إلى بزرك علوي ورائعته «عيونها» وصادق تشوبك ورائعته «الصخرة الصابرة». ولكل من هؤلاء المؤسسين أسلوبه في كتابة الرواية، حيث تتسم روايات صادق هدايت بالنظرة التشاؤمية إلى الكون والإنسان، وذلك بسبب تأثره بأفكار الكاتب التشيكي فرانتس كافكا .
وتصنف روايات هدايت بأنها روايات مأساوية. كما أن نصوصه الأدبية مشفوعة بالنزعة القومية الفارسية المتشددة المعادية للعرب واليهود. ويمكن أن نعتبر روايات بزرك علوي ( 1902- 1996) بأنها روايات ملحمية، حيث يمتلك الكاتب نظرة تفاؤلية إزاء العالم بسبب إيديولوجيته الشيوعية، لكنه رغم ذلك لم يتخلص من أفكاره الشوفينية إزاء العرب.
ويضع الناقدون روايات صادق تشوبك (1907 – 1998) في سياق المدرسة الطبيعية التي أسسها الروائي الفرنسي إميل زولا. والملفت في الأمر أن أي من هؤلاء المؤسسين الثلاث لم يموتوا في وطنهم إيران، حيث انتحر صادق هدايت في باريس، ومات بزرك علوي في برلين حيث كان يقيم منذ 1953، وتوفي صادق تشوبك في الولايات المتحدة الأمريكية.