جمال زاده: اول مجدد في كتابة القصة الفارسية – قصاص يعيد صياغة لغة الشارع في متن نصوصه

يوسف عزيزي

الزمان 2Jamalzadeh0/10/2003

ولد محمد علي جمال زاده عام 1895م في مدينة طهران وتوفي عام 1994 في مدينة جنيف بسويسرا. كان والده المعروف باسم جمال الدين الواعظ الاصفهاني من نشطاء الثورة الدستورية.

وقد سبق جمال زاده عدداً من الكتاب الايرانيين جربوا حظهم في مجال القصة القصيرة غير ان جميع هذه التجارب لم تنجح لاسباب مختلفة. اذ يمكن ان نعده من الكتاب الاوائل الذين جددوا في الكتابة وقام بتحديث اللغة والنثر الايرانيين مثلما فعل من قبله فتحعلي آخوندزاده وعلي اكبر دهخدا. وكان محمد علي جمال زاده اول ايراني بدأ يكتب القصة عن قصد ووعي ووفقا للاسس الفنية للقصة وليس في اطار المقال الصحفي الذي كان سائدا في اوائل القرن العشرين في ايران.

وقد كان اصدار مجموعته القصصية (كان يا ما كان) في عام 1921 تبشيرا بميلاد قصة فارسية جديدة تختلف مع القصص والحكايات القديمة؛ وهو بذلك قام بتعريف الايرانيين علي كتابة القصة وفقا للمعايير الغربية.

وقد ضمت المجموعة التي تؤرخ عادة في ايران كمنطلق للكتابة القصصية في اللغة الفارسية ضمت 6 قصص قصيرة كتبها جمال زاده خلال اعوام 1914 ــ 1921 وهي قصص واقعية تصور المجتمع الايراني في اوائل القرن المنصرم. وقد انهي جمال زاده بقصصه الواقعية هذا فترة اتسمت فيها الروايات الفارسية بالرومنطقية والعودة الي الماضي القومي الشاهنشاهي التليد. تلك الروايات التي لم يحتل فيها الرجل العادي مكانا بل يصول ويجول فيها ابطال ينتمون الي التاريخ الايراني القديم ك خسرو برويز وماني ومزدك وابومسلم الخراساني.. الخ

ويستخدم جمال زاده في قصصه لغة قريبة من لغة الشارع وهذا ما كان رائجا في ذلك العهد بسبب قيام الثورة الدستورية ومشاركة الجماهير الشعبية فيها. وقد شاهدنا مثل هذا التوجه الشعبوي في قصائد شعراء ذلك العهد مثل فرخي اليزدي وعشقي وعارف القزويني وآخرين.

لكن القصة خلافا للشعر الذي كان متجذرا في التربة الفارسية عبر تاريخه الطويل كانت فنا وافدا غير معروف يحتاج الي ناس يعرفونه للجمهور الايراني.

وقد كانت اللغة لدي جمال زاده لغة بسيطة وبدوية حيث حاول ان يكتب القصة وفقا للغة الدارجة بين الناس اي كان همه ان يقرب لغة القصة الي لغة الحكي والحوار بين الناس.

وقد رسم جمال زاده في اي من قصصه القصيرة هذه، نماذج انسانية واجتماعية مختلفة واصفا الرخوة الاجتماعية وعبادة الماضي لدي الايرانيين بنثر ساخر مشفوع بالحزن. وقد يميل نثره احيانا للثرثرة والانشائية والسبب هو ان النثر لم يتحرر نهائيا من نثر كتابة المقال.

والمعروف ان النثر الفارسي يعرف بعباراته القصيرة فيما كانت عبارات جمال زاده في كتاب (كان يا ما كان) عبارات مطولة. فافضل قصة في مجموعته الست هذه هي قصة (الفارسية، سكر) حيث تحمل المعالم الفنية للقصة القصيرة ولم تفقد فنيتها بالرغم من مرور اكثر من ثمانين عاما علي كتابتها.

فقد اتسمت قصص جمال زاده بتوضيح وتوصيف الاحداث والشخوص بل وكل الامور وذلك بدل ان يقوم بسرد بواطن هذه الاحداث والشخوص؛ وهذا يؤكد ان الفن القصصي لم يصل آنذاك حدا يتمكن من خلاله ان يجسد العوالم الباطنية للانسان الايراني وان النثر الفارسي لم يبلغ تلك الليونة ليتمكن من (اظهار) الاجواء وحالات الناس.

وقد كان يرجع الكتابة علي طريقة المونو لوغ اي من كانت القصة تسرد علي لسان الكاتب ومن نقطة نظر الشخص الاول المفرد.

ويقترب جمال زاده في قصصه الي كتابة التحقيقات اكثر من كتابة القصة بحيثياتها الفنية المعروفة.

ويكثر اول كاتب قصة ايرانية يكثر من المصطلحات والامثال الشعبية واغلبها تختص بالبيئة التي عاش فيها جمال زاده وهي العاصمة الايرانية طهران وحاراتها الشعبية. فعليه ان تلك القصص كانت ثقيلة للقارئ الذي كان يعيش آنذاك في الولايات ولم يالف اللهجة الطهرانية؛ خاصة اذا علمنا ان هذه اللهجة لم تكن دارجة انذاك في سائر الولايات والمدن الايرانية وذلك خلافا لحالنا الحاضر حيث اصبحت اللهجة الطهرانية وبفعل وسائل الاعلام المختلفة كالكتب والصحف والاذاعة والتفلزيون اصبحت اللهجة الغالبة او (اللهجة المعيار) في البلاد.

فهذه مقارنة للنثر القصصي في كتابات جمال زاده مع ما يكتب في زماننا هذا لكن اذا قارناها مع عهدها ستكون ابداعا وخرقا لاطر وانماط الكتابة في ايران والنثر الفارسي القديم وهو نثر تقليدي مطنطن وممل.

صحيح ان البساطة والعامية في الكتابة لم تعتبر حسنا للكاتب والقصصي حاليا لكن اهمية عمل جمال زاده في كتابة القصة الفارسية الحديثة تكمن في انزال الادب الفارسي من برجه العاجي ومستوي النبلاء الي مستوي الشارع والجمهور العادي.

ويبدو ان جمال زاده ابدي حماسا في قصصه الاولية لمكافحة الخرافات والجهل السائد انئذ بين الجماهير الايرانية وهذا ما ادي به عدم الاهتمام بلغة القصة وتركيبها الفني كما هو معمول في عهده في الغرب. وقد كان يشعر بان واجبه في كتابة القصة، الكشف عن الظلم والتمييز في المجتمع الايراني. لكن سرعان ما يخف هذا الحماس ويتجه جمال زاده في كتاباته الي نوع من المحافظة وتنحسر الحالة النقدية في آثاره الادبية والقصصية.

فكل ما كتبه جمال زاده بعد كتاب (كان يا ما كان) كانت كتب وقصص تتسم بكتابة السيرة الذاتية والكتابة الساخرة اكثر من ان تكون قصص او روايات فنية قوية؛ واكثر ما كان يسعي اليه هو تسلية القارئ.

جديد الموقع

الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


حول استقالة مستشار روحاني,مناظرة تلفزيونية


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور