يوسف عزيزي
جريدة (الزمان) العدد 1598 التاريخ 2003 – 8 – 1
ولد علي اسفندياري المعروف باسمه الأدبي (نيما يوشيج) ولد عام 1895 في قرية يوش بمنطقة طبرستان في محافظة مازندران (شمال إيران) وتوفي عام 1959 في العاصمة الإيرانية طهران. ونيما يوشيج يعني نيما اليوشي لان حرف (الجيم) في اللهجة الطبرية تماثل حرف (ياء) النسبة في الفارسية والعربية.
فقد درس نيما يوشيج بمدرسة (سن لوئي) الفرنسية في طهران وأتقن اللغة الفرنسية ومارس الشعر بتشجيع من أستاذه آنذاك الشاعر الايراني نظام وفا. كما أتقن اللغة العربية حيث ساعدته في استيعاب الأدب الفارسي القديم المشفوع بالكثير من المفردات العربية.
وقد بدأ نيما يوشيج نشاطه الأدبي بإنشاد الشعر الكلاسيكي الفارسي وانحشر مع شعراء كلاسيكيين معاصرين ك ملك الشعراء بهار وعلي كمالي وعلي اصغر حكمت.
وقد نشر اول منظومة شعرية له في عام 1921 عنوانها (القصة المشحوبة) كانت تضم 500 بيت مثنوي ابدي فيها الكثير من الإبداع والقليل من التقليد.
ويعتقد العديد من الناقدين ان التحديث في الشعر الفارسي لم ينحصر علي نيما يوشيج وعصر الثورة الدستورية بل سبقهم في ذلك، في القرن السادس الهجري، شعراء مثل الخاقاني والنظامي ومن لف لفهم (من مدرسة آذربيجان الشعرية) حيث قاموا بتجديد الأسلوب الشعري وفقا للظروف التاريخية. ضف الى ذلك شعراء الصوفية الذين قاموا بخطوات هامة في تجديد الشعر الفارسي.
وقد سعي شعراء معاصرون ل نيما يوشيج في الفترة 1925ــ1941 وهي فترة حكم الشاه رضا البهلوي، سعوا للقيام بتحديث الشعر الفارسي وذلك بالتأكيد علي اللغة او الشكل او التخيل، منهم ايرج ميرزا وبهار ورشيد ياسمي وبروين اعتصامي وفرخي اليزدي.
وقد شعر نيما بان التحديث الذي قام به كلا من زملائه الشعراء هو تحديث محدود وذات بعد واحد، فعليه بذل جهودا مضنية لينشد شعرا ذي تركيبة معتدلة تحوي علي كل العناصر البنيوية للشعر، يتحدث عن عواطف الانسان في العهد الحديث ليعرضها بشكل غير مكرر في تاريخ الشعر الفارسي. فقد كان هذا الهدف يتطلب وقتا كافيا؛ حيث شعر نيما يوشيج بان الأوزان القديمة للشعر الفارسي ــ وهي أوزان عربية ــ لا تسع لهذا الهدف. فلذا قام في عام 1939 بنشر قصيدة (الغراب) وهي في الحقيقة اول نموذج بارز للشعر الحر في تاريخ الأدب الفارسي حيث اشتهر هذا النوع فيما بعد بالشعر الحر (النيموي) نسبة الي نيما يوشيج. وتماثل محاولات هذا الشاعر الايراني ما قام به مجددون عراقيون في الشعر العربي كبدر شاكر السياب ونازك الملائكة.
وهناك رأي آخر لبعض نقاد الأدب الفارسي حيث يعتبرون قصيدة /افسانه/ لنيما يوشيج والتي نشرت عام 1921 اول قصيدة فارسية تمت صياغتها وفقا لأسلوب الشعر الحر. وكانت القصيدة صوتا جديدا في فضاء الشعر الفارسي آنذاك شكلا وعاطفة وموسيقي.
ورغم ان قصيدة /افسانه/ المطولة هي قصيدة غزلية غير انها تختلف كل الاختلاف مع كل النماذج الغزلية في الشعر الفارسي القديم وهي تجسد وبأسلوب رومانطيقي عواطف إنسان قروي في المدينة.
ويبدو ان /افسانه/ والتي تعني الأسطورة او السمر بالعربية وأيضا اسما يستخدمه الإيرانيون لتسمية فتياتهم يبدو انها مرحلة فاصلة بين الشعر الفارسي القديم والشعر الفارسي الحديث حيث يعتبر نيما يوشيج أبيه الروحي بحق.
وفي الواقع ان نيما يوشيج اكتشف شكلا جديدا للشعر الفارسي بلغة ومضمون شاعريين ثوريين. وقد ساعد إتقانه للغة الفرنسية ان يتعرف علي المدرسة الرومانطيقية والرمزية وخاصة علي شعر الشعراء الفرنسيين أمثال رامبو وفرلين واستيفان مالارمة.
وقدم نيما يوشيج آراءه حول الشعر في بعض الكتب التي نشرها في هذا المجال حيث كان يعتقد بضرورة تغيير الشعر الفارسي علي ثلاثة مستويات: المضمون والشكل والذهنية الشعرية.
فلايمكن ان نعد الشعر الحر نهاية للشعر الكلاسيكي الفارسي لان العديد من مواضيعه تم طرحها في الشعر الحديث لكن بنظرة مختلفة.
وقد دشن انبثاق الشعر الحر عهدا جديدا في تاريخ الأدب الفارسي الذي استمر لمدة 11 قرنا وأصبح منافسا للشعر التقليدي الفارسي.
فقد تحدي الشعر الحديث، الشعر الكلاسيكي مما اضطره ان يسعد لمواصلة الحياة. وادي هذا السعي والتحدي الي تطور الاثنين معا حيث طرح وجودهما جنبا الي جنب عدة قضايا أمام الأدب الفارسي منها علاقة التراث والحداثة في العمل الأدبي.
هناك في تاريخ الأدب الغربي ظاهرة بارزة وهي ان انبثاق أي ظاهرة حديثة يؤدي عادة وبالتدريج الي نزع السيطرة من الظاهرة التقليدية؛ لكن إذا قارننا الأمر بإيران نري ان ذلك لم يحدث هنا. ويبدو ان إقبال الناس علي الشعر الحديث وبعد 70 عاما من انبثاقه لم يكن كما هو في الدول الغربية. فعليه ان العديد من متابعي الأدب ــ وحتى منهم الجامعيين وأصحاب الرأي ــ ينظروا اليه كظاهرة غريبة ومزورة نوعا ما. إذ لم يتمكن الشعر الحر الفارسي ان يكسب جميع المثقفين ومحبي الأدب ولذلك نري تأثيرا محدودا له.
صحيح ان الشعر الكلاسيكي ترك المجال للشعر الحر لأنه لم يستطع ان يعبر عن الحياة الجديدة للإيرانيين بكل تعقيداتها وتناقضاتها والتي تختلف عن حياتهم التقليدية، لكن هذا الشعر ــ أي الشعر الحر ــ لم يتمكن ان يبلغ ذلك التطور الذي كان يتوقع منه.
وقد احتل الشعر الحديث في العقود الست الأخيرة مكانا لا باس به بين الفئات المثقفة وثبت إقدامه بين هذه الأوساط غير انه لم يتمكن من الحصول علي المنزلة التي حصل عليها الشعر الفارسي الكلاسيكي في عهوده المزدهرة.
ولهذا الأمر أسباب أهمها الحضور العميق للشعر الكلاسيكي الفارسي في الوجدان الفردي والقومي والوطني للإيرانيين.