لايختلف معظم المؤرخين العرب والفرس حول وجود العرب قبل الاسلام في ارض الاهواز او الاحواز التي عُرفت فيما بعد، اي في العهد الصفوي بمملكة عربستان. ويشير محمد بن جرير الطبري في تاريخ الطبري (المترجم والمعروف بتاريخ البلعمي في اللغة الفارسية) الى وجودهم في هذه الارض في العهد الساساني.
ويأخذنا المؤرخ العراقي الدكتور جواد علي في كتابه “المفصل في تاريخ العرب” الى ابعد من ذلك ويؤكد على وجود العرب على ارض الاهواز وكرمان وفارس والمناطق الجنوبية الاخرى لما يعرف حاليا بإيران، قبل ميلاد المسيح او بالاحرى قبل هجرة الاقوام الآرية من القوقاز الى هذه الارض وقبل ان تظهر الامبراطورية الاخمينية الى الوجود. فهؤلاء العرب لم يكونوا رُحل بل كما يقول المؤرخ الايراني باقر مؤمني ان العديد من القبائل العربية في مناطق الاهواز وكرمان كانت تزاول مهنة الزراعة. جاء هذا في كتاب “سرزمين عرب در آستانه حاكميت اسلامي” او ” ارض العرب عشية حكم الاسلام”.
ويتحدث المستشرقون عن مملكة عربية توصف ب”مملكة ميسان العربية” یعود تاریخها إلی المائة الثانیة قبل المیلاد، نشأت وتطورت في غرب الأهواز وجنوب العراق، وقد امیط اللثام عنها في مطلع القرن التاسع عشر. وكانت مدينة خاراكس عاصمتها التي كانت تقع جغرافيا في المكان التي تقع فيه حاليا مدينة المحمرة. ويقال ان اسكندر المقدوني هو الذي بنى هذه المدينة. فقد كون العرب هذه الدولة المستقلة في فترة الامبراطورية الإخمینية تحكم نفسها بنفسها. جاء هذا في كتاب “میسان، دراسه تاریخیه اولیه” تاليف شیلدن ارثر نودلمان، ترجمة فؤاد جمیل.
ويتهم مؤرخ ايراني اخر اسمه ناصر بور بيرار المهاجرين الآريين بتدمير حضارة السكان الاصليين لهذه المناطق بما فيهم العرب. لكن ورغم ذلك استمر الوجود العربي هنا على ارض الاهواز وقد قام العرب بدور اساسي في الحاق الهزيمة بالروم خلال الحروب المستمرة بين الامبراطورية الساسانية والامبراطورية البيزنطية في الفترة 338 – 363 ميلادية.
ويتحدث الطبري في تاريخه عن كثرة القبائل والعشائر العربية في مملكة الاهواز عشية الفتح الاسلامي ويؤكد على وجودهم خاصة في العاصمة التي يصُفها ب”سوق الاهواز” اي مدينة الاهواز حاليا. وكان الشاه هرمزان حاكما لهذه البلاد تابعا لل”شاهنشاه” الجالس في عاصمة الامبراطورية الساسانية.
وبعد الفتح الاسلامي اصبحت مملكة الاهواز تابعة للامبراطورية الاسلامية، وكانت تتمتع في بعض الاحيان بحكم ذاتي، اذ يشير ناصر خسرو البلخي في كتابه المعروف ب”السفرنامه” او الرحلة عن هذه المملكة و”ملك الاهواز” في القرن الخامس الهجري او الحادي عشر الميلادي. لكن اهم حدث في تاريخ الشعب العربي هو اقامة مملكة عربستان في القرن التاسع الهجري اي الخامس عشر الميلادي.
انبثاق مملكة عربستان
اسس محمد بن فلاح المشعشعي، مملكة عربستان المستقلة في العام 1424 اي في عهد حكام “الخروف الاسود” – قره قوينلو – وعاصمتها الحويزة وبلغت حدودها الى الاحساء والقطيف جنوبا، وكرمنشاه وصحنة شمالا، والبصرة والكوت غربا، وجبال زاغروس شرقا. ولم ينقض استقلالها احد، الا الشاه اسماعيل الصفوي بعد مرور ثماني الى تسعة عقود. ورغم ذلك اخذت تتمتع باستقلال داخلي في العهد الصفوي الذي اطلق عليها حكامها اسم عربستان. واستمر الوضع هكذا حتى سقوط الامبراطورية الصفوية في 1722، لكن في اواسط القرن الثامن عشر، استقلت عربستان مرة اخرى في عهد الشيخ سلمان الكعبي لمدة 35 عاما. واستمر وضع الامارة بين الاستقلال والحكم الذاتي المطلق حتى سقوط اخر حاكم عربي وهو الشيخ خزعل بن جابر في 1925 على يد الشاه رضا البهلوي. اذ كانت امارة او مملكة عربستان في الفترة 1878 – 1925 تتمتع باستقلال داخلي وحكم ذاتي واسع كما هو حاليا موجود في كردستان العراق.
وكانت مملكة عربستان تُعد واحدة من اربع “الممالك المحروسة للامبراطورية الصفوية” (1501 – 1722) التي تحولت الى ستة في العهد القاجاري (1794 – 1925). غير ان الشاه رضا بهلوي حول “الممالك المحروسة الايرانية” في العهد القاجاري الى “دولة ايران الشاهنشاهية” لاغيا اللامركزية المتمثلة بالممالك والولايات ذات الحكم الذاتي الى دولة مركزية ديكتاتورية حديدية. بل حاول ان يقضي على التنوع القومي واللغوي والإثني في ايران باعلانه ايران “دولة واحدة، شعب واحد، ولغة واحدة”. وقد استمرنجله الشاه محمد رضا بهلوي في نهجه، ولم تغير الجمهورية الاسلامية كثيرا في التراث الملكي البهلوي بشأن حقوق القوميات غير الفارسية بل ولم تنفذ في هذا المجال حتى المواد القليلة المنصوص عليها في الدستوروالخاصة بضرورة تدريس اللغات غير الفارسية ومنها العربية في المدارس الا بتدائية في اقليم عربستان.
عام 1925: سقوط السلطة الوطنية
ومنذ عام 1925 بدأ الشعب العربي الاهوازي يعاني من الاضطهاد القومي بعد ان فقد سيادته الوطنية على اقليم عربستان، الذي غير اسمه الشاه رضا بهلوي الى خوزستان، كما غيروا اسماء المدن والقرى والاحياء والشوارع والاماكن الطبيعية كالاهوار والانهر، بل واطلقوا على بعضها اسماء شخصيات معروفة بعنصريتها وعدائها للعرب. وقد بذل النظامين الملكي والجمهوري الاسلامي جهودا كبيرة لتغيير النسيج السكاني لصالح غير العرب في الاقليم.
والاضطهاد القومي الذي يعاني منه الشعب العربي في عربستان هو مجموعة من انواع التمييز العنصري والاقتصادي والسياسي والثقافي واللغوي.
لااريد ان افصل في تاريخ هذا الشعب بعد 1925 لكن اُشيرالى ان انتفاضات حدثت بعد سقوط الشيخ خزعل ضد السلطة الايرانية تتسم في معظمها بطابع عشائري حتى قامت نخبة من ابناء المدن في الخمسينات من القرن الماضي بتشكيل “جبهة تحرير عربستان” غير انها انكشفت في مهدها بسبب تغلغل عناصر السافاك (جهاز امن الشاه) فيها وتم اعدام 3 من زعمائها في عام 1963 في مدينة الاهواز.
في السبعينات من القرن المنصرم واثر اختلاط العرب مع غير العرب في عربستان وتاثير الحركات اليسارية، شطبت بعض الفصائل العربستانية موضوع الاستقلال من برنامجها واخذت تطالب بحل فدرالي لقضية الشعب العربي ضمن إطار ايران.
لم يشارك العرب في ثورة الدستور، اوائل القرن العشرين الا بشكل غير مباشر لكنهم شاركوا بجدية في الثورة ضد الشاه عام 1979 وقدموا العشرات من الشهداء. ولاننسى الدور البارز للمرجع العربي والزعيم الروحي للشعب العربي الراحل الشيخ محمد طاهر الخاقاني في تلك الثورة.
فقد ارسل وفدا الى طهران للتباحث حول حقوق الشعب العربي الاهوازي، حيث كنت كنت متحدثا باسم الوفد. اذ قدمنا للحكومة الثورية المؤقتة انذاك مطالب شعبنا في 12 مادة تؤكد في مضمونها على الاعتراف بوجود شعب عربي في اقليم عربستان ومنحه الحكم الذاتي ضمن إطار ايران. لكن وبدل ان ترد على هذه المطالب المدنية والسلمية، قامت السلطة الدينية الوليدة والنخبة الفارسية المهيمنة عليها وبعد اقل من شهر من ذهابنا الى طهران وقم، قامت باغلاق المؤسسات الثقافية والمدنية والسياسية للشعب العربي في المحمرة والاهواز وسائر المدن الاخرى وذلك بمهاجتها جموع المتظاهرين، بالنار والسلاح اعتبار من يوم 30 يونيو 1979. وادى ذلك الى قتل وجرح وسجن واعدام المئات من العرب ونفي الزعيم الروحي الشيخ الخاقاني الى قم ليموت هناك من الغصة والحزن.وكانت تلك الانطلاقة لسحق سائر الحركات القومية في ايران.
وفي 15 نيسان/ابريل 2005 شهدت مدن الاهواز والحميدية والحويزة وميناء معشور ومناطق اخرى من المحافظة، تظاهرات واحتجاجات لم تشهدها عربستان من قبل، وُصفت بالانتفاضة. والسبب هو تسرب رسالة منسوبة لمحمد علي ابطحي مدير مكتب الرئيس السابق محمد خاتمي تنص على ضرورة تغيير النسيج السكاني خلال عشر سنوات ليصبح العرب، اقلية في الاقليم. وقد قتلت قوات الامن والبسيج خلال تلك المظاهرات السلمية نحو 50 شخصا واعتقلت المئات، منهم صاحب هذا القلم. تبع ذلك موجة من العنف والاعدامات واصبح يوم 15 نيسان ذكرى يُحيها العرب في الاقليم كل عام. وقد اعطى الربيع العربي نضال الشعب العربي الاهوازي زخما جديدا خلال العامين الماضيين.
نظرة الى الثقافة العربية في عربستان
تشكل اللغة والثقافة الى جانب الجغرافيا والتاريخ المشترك، الاركان الاساسية لهوية اي شعب في العالم.
كما اشرنا هناك تاريخ مشترك وارض مشتركة يقيم فيها الشعب العربي في عربستان. وتقع البقعة الجغرافية التي تعرف باسم عربستان او خوزستان – فارسيا ورسميا – في جنوب غرب ايران. ويشارك هذا الشعب، معظم الايرانيين بالمذهب ويختلف معهم في الثقافة واللغة والتراث. فالعربية هي لغة الشعب العربي في عربستان، ولهجته بين النهرينية اي (متسوبتاميا) تختلف مع اللهجة الخليجية لعرب جزر الخليج والسواحل الجنوبية لإيران.
وقد تشوهت اللغة العربية في الاقليم بعد ان فقدت مكانتها في السلطة ونحن نعلم ان اللغة بشكل عام ليست للتفهيم والتفاهم او اداة للتفكير فقط بل هي تساعد السلطة السياسية – لقومية ما – للهيمنة الثقافية والسياسية والاقتصادية. وقد دخلت مفردات فارسية عديدة الى اللغة العربية الدارجة في عربستان خلال العقود التسعة الماضية، اخذ يهدد كيانها. ونشعر بالخطر اكثر عندما نعلم ان شعب باكمله محروم من الدراسة بلغته الام اي اللغة العربية في المدارس الابتدائية ولا يوجد لديه مجمع لغة، بل ولم يسمح له باصدار صحف باللغة العربية في الاقليم.
سنتطرق هنا بايجاز الى الثقافة أو القسم المعنوي والروحي من الحضارة العربية في عربستان.
التراث: يملك الشعب العربي الاهوازي تراث ادبي وفقهي كبير لايمكن تلخيصه بسطور، ويورد الراحل السيد هادي آل باليل الموسوي – الذي كان يدرس في حوزة قم الدينية، قائمة تضم اكثر من 200 شاعر واديب وفقيه عربي في مدينتي الحويزة والدورق فقط. وابرزهم الشاعرين خلف بن عبدالمطلب المشعشعي الحويزي، وشهاب الدين احمد بن معتوق الحويزي (القرن 11 هجري) والنحوي المعروف ابن السكيت الدورقي. وقد قامت دار صادر في بيروت باصدر ديوان ابن معتوق عدة مرات.
كما ان هذا الشعب يمتلك تراث غني في مجال الحكايات والالعاب والفنون الشعبية، اندثر الكثير منه بسبب المد التفريسي خلال العقود الثماني الماضية. اذ لاتهتم الدوائر الثقافية الحكومية بهذا الامر بل وتحاول طمسه. وقد إنقطعت الاجيال العربية في اقليم عربستان عن تراثهم وتاريخ ادبهم العربي، حيث لايُذكر شيء منه في الكتب الدراسية بل بالعكس ان مايدرس في المدارس هو التراث وتاريخ الادب الفارسيين فقط. وبهذا فصلوا 3 اجيال عربستانية عن تراثها وتاريخها الادبي. وبعض من هذا التراث هو مشترك مع سائر الشعوب العربية وخاصة مع العراق. وقد صدرت بعض الكتب القليلة جدا، تجمع الحكايات الشعبية الاهوازية بعضها بالفارسي والاخر بالعربي. وقد نشرنا – انا وزوجتي – في 1996 كتاب “الحكايات الشعبية للشعب العربي في حوزستان – عربستان”. كما نشر الباحث الاهوازي فيصل بني طي في العام 2012، كتاب “القصص والحكايات الشعبية لعرب خوزستان”.
الادب
لا اريد ان اُسهب في تاريخ الادب العربي الاهوازي وساركز هنا على المعاصر منه وبايجاز. فاذا قسمنا الادب الى شعر ونثر، سنرى ان الشعر يحتل حيزا هاما في حياة الشعب العربي في عربستان.
والشعراء العرب الاهوازيين ينشدون اشعارهم إما بالعربية الفصحى وإما باللهجة العربية الدارجة التي توصف بالشعر الشعبي او الشعر العامي.
والشعر الفصيح في عربستان شأنه شأن الشعر العربي والفارسي المعاصرين يشهد تيارين: الشعر الكلاسيكي والشعر الحديث او الشعر الحر. ويستخدم الشعراء الشعبيين من الاسلوبين الكلاسيكي والحر للتعبير عن عواطفهم وتخيلاتهم. فهناك انواع للشعر الشعبي الاهوازي، وهو الغالب حاليا على الساحة لان عوام الناس تستسيغه اكثر من غيرة. فالشعر الكلاسيكي كان ومنذ سقوط السلالة المشعشعية وحتى فترة قريبة يختص برجال الدين الاهوازيين الذين كانوا يذهبون الى النجف وقم للدراسة، ويتقنون قواعد اللغة العربية هناك. وفي هذا المجال يمكن ان نشير الى الشيخ محمد الكرمي الحويزي المتوفي 2002. اذ عارض في بعض قصائده الشاعر اللبناني ايليا ابوماضي. لكن وخلال العقود الخمس والست الماضية، كسرت الاجيال، هذا الاحتكار واصبح لدينا شعراء غير معممين ينشدون بالفصحى.
لايوجد لشعراء الشعر الكلاسيكي منهلا الا الشعر العربي القديم – الجاهلي والاسلامي -، لكن الشعراء الاهوازيين الذين ينشدون الشعر الحر تأثروا بالشعراء العرب والايرانيين في ابداعاتهم. ومن هؤلاء يمكن ان نشير الى الشاعر عباس العباسي. ويبدو ان تأثير الشعر الحر العربي اكثر من نظيره الفارسي وهذا ما نراه في شعر النثر الذي ينشده الشاعر الاهوازي الشاب حمزة كوتي المتأثر من أدونيس.
وكان جهاز الرقابة في عهد الشاه يمنع منعا باتا اصدار اي كتب عربية خاصة بالشعب العربي في عربستان، ادبية كانت او غير ادبية، الا البعض التي كانت تتضمن مدحا للشاه السابق مثل ديوان “الحياة الروحية” للشيخ محمد الكرمي. ولم ترى الكتب العربية الاهوازية النور الا بعد سقوط الشاه وقيام الثورة في 1979. وقد اخفى الشاعر الشعبي الاهوازي طعان النبهان، قصائده واشعاره التي كتبها في الخمسينات من القرن المنصرم ولم تنشر الا بعد مماته وقيام الثورة في ايران.
ظاهرة شاذة
يُعد عام 1925 ليس منعطفا سياسيا، فقد فيه العرب سيادتهم الوطنية على اقليم عربستان بل مرحلة فاصلة في الادب حيث فقد الادب العربي اي سند حكومي له بعد ان كان بلاط الحكام المشعشعيين والكعبيين وحتى عهد الشيخ خزعل، مكانا لإجتماع الشعراء والعلماء والفقهاء، بل العديد من هؤلاء الحكام كانوا شعراء وكتاب بارعين. فعلى سبيل المثال ابدع محمد بن فلاح المشعشعي الحويزي، مؤسس سلالة المشعشعين، نثرا في كتابه “كلام المهدي”. كما ان الشيخ خزعل كان شاعرا وناثرا، وهذا ما نراه في “الرياض الخزعلية”.
في هذه الفترة ولاول مرة نشاهد اتبثاق ادب فارسي في الاقليم تطور ونما بفضل الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر. وفيما انحسر دور الادب العربي، تطور الادب الفارسي بشكل لم يسبق له مثيل. وقد جاء ذلك بعد ان اصبحت الفارسية اللغة الرسمية في كل المحافظات الايرانية وتم اغلاق الكتاتيب والمدارس العربية اي اننا نشاهد ظاهرة جديدة لم توجد في تاريخ الادب العربستاني وهي القراءة والكتابة الرسمية وغير الرسمية ونشر الصحف والكتب باللغة الفارسية فقط. وقد اتجه كتاب القصة والرواية منذ العهد الملكي للكتابة باللغة الفارسية كي يتمكنوا من نشرانتاجهم وكتبهم. بل اصبح لدينا شعراء عرب ينشدون الشعر بالفارسية او باللغتين العربية والفارسية في احسن الاحوال. ومن هؤلاء القصصين العرب الذين كتبوا بالعربية، يمكن ان اشير الى عدنان غريفي من المحمرة، ومسعود ميناوي من عبادان. كما انني نشرت كتبي القصصية باللغتين الفارسية والعربية. وماعدى المحاولات الخجولة التي نشاهدها مؤخرا في كتابة القصة القصيرة العربية يمكننا القول انه لاتوجد لدينا رواية اهوازية باللغة العربية.
كما ظهر شعراء وكتاب من الاقلية الفارسية في اقليم عربستان يكتبون الشعر والقصة والرواية بلغتهم الفارسية وهي ظاهرة شاذة في تاريخ هذا الاقليم لانرى لها مثيلا في العالم العربي الا في الجزائر واسرائيل. وبعض هؤلاء اصبح على قمة الهرم الادبي الفارسي في ايران مثل الروائيين احمد محمود ونسيم خاكسار.
فيمكن القول ان الانتاج الادبي والمسرحي العربي اصبح في الظل بل انحصر دوره بالشعر الديني الذي يُنشد ويُقرأ في المناسبات الدينية وخاصة في شهر محرم.
الثورة الايرانية والتطور المبتور
منذ تأسيس الجمهورية الاسلامية في العام 1979 اخذت الاوضاع السياسية والثقافية تتأرجح بين الانفتاح والانسداد وفقا للاوضاع السياسية في البلاد. وقد اسس العرب في العام 1979 مراكزهم الثقافية في مدن المحمرة والاهواز وعبادان والخفاجية لإحياء ثقافتهم العربية المشلولة إثر القمع الشاهنشاهي لتستعيد عافيتها. لكن لم يمضي على هذه المراكز بضعة اشهر حتى وتعرضت لهجوم المليشيات التابعة للحكومة وبمساعدة عناصر من قوات البحرية والدبابات.
وقد صدرت في تلك الفترة صحف باللغتين العربية والفارسية وبشكل شبه سري، بعضها مستقل كصحيفة “الكفاح” وبعضها تابع للاحزاب اليسارية مثل صحيفة “النضال” و”طريق العامل”. كما رأت الكتب العربية النور بعد منع دام عدة عقود. في العام 1981 ساد نوع من الاستبداد على البلاد بعد قمع السلطة الثورية الوليدة للاحزاب السياسية المعارضة. لكن الحركة الثقافية في ايران بما فيها الحركة الثقافية العربية في عربستان استمرت ولو الثانية كانت ضعيفة.
في 1997 وبعد وصول خاتمي الى سدة الرئاسة شهدت البلاد انفتاحا سياسيا وثقافيا استفاد منه عرب الاهواز كثيرا. وقد شاهدنا في هذه الفترة (1997 – 2005) تأسيس 21 مؤسسة ثقافية في مدينة الاهواز فقط، يعمل البعض القليل منها حتى الساعة. كما تحولت المناسبات الدينية والوطنية الى ذرائع لإقامة الامسيات الشعرية والمعايدات الكبرى والمعارض الثقافية والفنية. وقد تشكلت فرق مسرحية وموسيقية لعبت دورا ثقافيا هاما في اقليم عربستان. لكن ومرة اخرى شهدت البلاد والاقليم تبعا لها، انحسارا في النشاط الثقافي. اذ قام النظام الاستبدادي في طهران واعتبارا من عام 2005 بمنع معظم الانشطة الثقافية في عربستان، بما فيه اغلاق الصحف العربية – الفارسية التي كانت تصدر في الاهواز وكذلك اغلاق مكتبة الاشراق الكبيرة في العام 2007 لانها كانت تبيع كتب عربية الى جانب الكتب الفارسية. ولايزال بعض القائمين على المكتبة يرزحون في السجون حتى اللحظة. ولاتوجد حاليا في مدينة الاهواز عاصمة اقليم عربستان الا بضع مكتبات تقدم او تبيع الكتب العربية فيما هناك العشرات من المكتبات التي تقدم او تبيع الكتب الفارسية، وهذا تقليد قائم منذ عشرات السنين. وبلغة الاحصاء يمكن القول ان الفرس يملكون اكثر من 95 في المئة من دور النشر والمكتبات والصحف في محافظة خوزستان (عربستان) ولم يملك السكان الاصليين اي العرب الذين يشكلون اكثر من 70 في المئة من سكان المحافظة الا اقل من 5 في المئة من هذه الامكانيات.
الموسيقى
تظهر الالات الموسيقية المنحوتة على الصخور في الاماكن الاثرية العيلامية في مدينة الشوش او السوس مدى عراقة الموسيقى في عربستان.
ويمكن ان نقسم الغِناء العربي في عربستان الى ريفي ومدني او ريفي ومقامات وهو يماثل جنوب العراق. ومقاماتنا هي ايضا كما في العراق: اصفهان ونهاوند ودشت وسيكاه وبنجكاه.. الخ. ونحن نعلم ان غناء المقامات يعود الى العصر العباسي وهو – كما الاسماء تظهر – متاثر من الموسيقى الايرانية.
وقد شهد نهاية العهد المشعشعي في عربستان نشوء مقام الحويزاوي في الحويزة عاصمة الاقليم انذاك. وفيما ترك العربستانيون مقامهم هذا فيما بعد، الا انه يتمتع بمكانة بارزة بين المقامات العراقية حاليا. كما انتعشت الموسيقى العربية في عربستان في عهد الشيخ خزعل بن جابر، حيث علاوة على الفرق الموسيقية المحلية كان بلاطه يعج بالفرق الموسيقية من العراق ولبنان ومصر.
في العهد الملكي (1925 – 1979) بلغ التفريس في هذا المجال ذروته لكن لم تمت الموسيقى العربية في الاقليم اثر وجود فرق “الخشابة” والمطربين والقليل من محلات التسجيل والتوزيع في المدن الكبرى. فخلافا للدول العربية، لم تدعم هؤلاء لا الاذاعة ولاالتلفزيون، بل كانت المؤسسات الثقافية والسياسية الحاكمة تحارب كل شي يوصف بالموسيقى العربية بل والثقافة العربية في عربستان.
في اوائل الستينات وفي خضم النضال السياسي للنخب العربية في عربستان واعدام المناضلين، ظهر فنان شعبي في الاهواز يُعرف باسم علوان الشويع ابتدع طورا حزينا اشتهر في عربستان والعراق ودول الخليج باسم “العلوانية” او العلوانية الاهوازية. وهذا الطور الريفي الحزين كان يعبر عن الآم وشجون واضطهاد الشعب العربي مما جلب له شعبية واسعة بين فئات هذا الشعب.
ويجب ان نشير الى الغجر”الكواولة” الذين كانوا يستقرون في الاهواز وعبادان وساعدوا على احياء الموسيقى العربية في الاقليم. لكن ومنذ 1979 منعتهم الجمهورية الاسلامية من القيام باي نشاط موسيقي. وفي عهدنا هذا اصبح لدينا مطربين وفرق موسيقية تقوم بحفلات غنائية وراقصة ليس في مدن الاقليم فحسب بل وفي بعض المدن الايرانية الاخرى وكل ذلك يتم دون اي دعم حكومي الذي يتوجه اساسا الى الفرق الفارسية دون غيرها. وهذا مايَصدُق على الفرق المسرحية ايضا. وقد برعت بعض من هذه الفرق في الموسيقى التي توصف بالموسيقى الدينية كالموشحات وماشابه ذلك. وقد يضطر احيانا بعض المطربين الاهوازيين من العمل في دول الخليج بسبب القيود الدينية والقومية المفروضة على الموسيقى العربية في عربستان.
المسرح والسينما
هناك 3 انواع للفن المسرحي في الاقليم: التمثيلية، المسرح الديني، والمسرح الحديث.
فالتمثيلية كانت تقام في الاعراس وجلسات الاصدقاء او تنفذ حاليا في الاذاعة والتلفزيون. وغالبا ما يكون الممثلون هواة ويغلب على معظمها طابع الفكاهة والتسلية والهجاء ونقد الاوضاع السيئة والمعاناة التي يعاني منها المجتمع.
المسرح الديني او مسرح التعزية وهو مشترك بين اقليم عربستان والعراق. وهناك نوع مماثل لهذا المسرح يتم باللغة الفارسية او التركية في سائر مناطق ايران ويختلف بعض الشيء مما يقام في عربستان. ويتم عرض هذا المسرح في ايام محرم وخاصة في العاشر منه حيث تُنفذ عروضه في المدن والارياف ومن خلال هذه العروض تُجسد واقعة الطف.
لم يسمح النظام الملكي باجراء اي مسرح حديث في الاقليم، لكن وبعد قيام الثورة في 1979 تغير المشهد نوعا ما، واصبح لدينا مسرح عربي ترعرع بعد انتهاء الحرب العراقية – الايرانية. وقد تقام سنويا بضعة مسرحيات باللغة العربية في مدن الاقليم، خاصة في الاهواز والخفاجية. وهنا ايضا حصة الاسد من الدعم الحكومي تذهب الى المسرح الفارسي. وقد تم لحد الان تنفيذ مسرحيات محلية وعربية منها بعض مسرحيات توفيق الحكيم.
ويماثل وضع السينما العربية في الاهواز، وضع القصة، اذ تأخر ظهورها الى العقود الاخيرة وبما انها الفن الذي يحتاج الى خبرة فنية وتقنية واجهزة لم يتمكن منها العربستانيين الا في العقود الاخيرة، حيث كان السينمائيون الفرس يستأثرون بها، بل وقام البعض منهم بانتاج افلام حول العرب في عربستان لم تخلوا عن التصورات العنصرية تجاههم. وهذا ما نراه بشكل اوسع جدا في الرواية الفارسية الحديثة المشفوعة بمعاداة العرب.
فلم نشاهد اي فيلم روائي سينمائي من منتجين عرب بل انحصر الامر بالافلام الوثائقية والقصيرة وذلك بسبب حدة مقص الرقابة ضد السينمائيين العرب وكذلك بُعدهم عن العاصمة التي تحتكر الادوات والوسائل الحديثة للسينما. ورغم كل القيود ظهر لدينا عدد من السينمائيين العرب تخطت انتاجاتهم السينمائية حدود الاقليم بل وايران ايضا. ويمكن ان اشير هنا الى الفيلم الوثائقي “ايران: الجنوب الغربي” للمخرج محمد رضا الفرطوسي الذي يصور الكارثة البيئية في هوري العظيم والحويزة بشكل فني رائع. وقد تم عرض الفيلم في مهرجانات سينمائية واكاديمية عديدة في اسيا واوروبا – منها في جامعة لندن – وحصد العديد من الجوائز.
استنتاج
لماذا لم تتطور الموسيقى والرواية والمسرح والثقافة بشكل عام في عربستان كما تطورت في جارتها العراق بل وفي الكويت والبحرين وسائر دول الخليج؟ هذا هو السؤال الاساسي الذي يجب ان نطرحه ونبحث عن جواب له.
قبل 1925 كان نسيج مجتمعنا العربي في عربستان، نسيجا قبليا، فيما كان المجتمع الفارسي قد تجاوز المرحلة القبلية وكون طبقة وسطى لاباس بها قامت بثورة الدستور في 1908. وقد حالت الديكتاتورية والمركزية الحديدية وهيمنة السلطة الفارسية – التي دشنها الشاه رضا البهلوي – دون تطور المجتمع العربي في ايران. اي ان التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للشعب العربي الاهوازي لم يتم بشكل طبيعي كما حصل للشعوب العربية في العراق وسائر دول الخليج بعد استقلالها من الاستعمار، بل واجه عقبة كأداء تمثلت بالهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية واللغوية للقومية الفارسية على العرب في ايران. وقد أثر ذلك سلبا على التنمية الثقافية والاقتصادية، وعلى تطور الطبقات والفئات الاجتماعية مؤديا الى تشوهات اساسية في بنية المجتمع العربي وثقافته، وهو يعاني منها حتى الساعة. فالطبقة الوسطى التي تقود عادة حركات التحرراو النضال من اجل الحصول على الحقوق القومية للشعوب اصبحت – وللاسباب التي ذكرتها – واهنة ومخترقة من قبل القومية الغالبة. فلهذا ومن اجل تصحيح المسار التاريخي الاعوج وترميم اللطمات والتلفات الثقافية واللغوية والاجتماعية التي واجهها الشعب العربي في عربستان يجب ان نبحث عن حلول مرحلية وعملية لقضايا هذا الشعب.
موقع ايلاف