مجلة “المجلة”
7/21/ 2017
يوسف عزيزي
بين إصلاح النظام أو تغييره أو إسقاطه
قبل كل شيء يجب أن نعرف السلطة والمعارضة في إيران كي نستطيع أن ندخل إلى صلب الموضوع، وأعني بذلك الخيارات المطروحة راهناً أمام المعارضة الإيرانية وهي: إصلاح النظام، تغيير النظام، أو إسقاطه…
يمكن أن نصف النظام الإيراني بالنظام الشمولي – الانتخابي، غير أنه في كليته نظام ديني غير ديمقراطي يتكون من أجنحة وكتل تتصارع فيما بينها على السلطة والثروة، أهمها جناح يوصف بالمتشدد والآخر بالمعتدل والإصلاحي. ونرى حاليا الثنائي «المرشد – قادة الحرس الثوري» على رأس الطيف المتشدد الذي يهيمن على معظم المؤسسات الاقتصادية والقضائية والقمعية وهو يواجه الطيف المعتدل – الإصلاحي الذي يقوده الرئيس الإيراني حسن روحاني وهو بدوره يسيطر على المؤسسات الحكومية الاقتصادية والسياسية والثقافية. وفيما يتم انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان من قبل الشعب (ولو في إطار ليس ديمقراطي)، فمعظم الشخصيات والمؤسسات التابعة للمحافظين والمتشددين بما فيهم رئيس السلطة القضائية ورئيس وأعضاء مجلس صيانة الدستور وقادة الحرس الثوري لا يستمدون شرعيتهم من الشعب بل من المرشد الذي يستند هو في شرعيته – بالدرجة الأولى – إلى الله، حسب المنظرين المتشددين.
تتألف المعارضة الإيرانية من منظمات وأحزاب ومجموعات مختلفة، وهي كتلة غير متجانسة، تتخاصم وتتعارض فيما بينها. فيمكن تقسيم هذه المعارضة، وفقاً لنظرتها لتطوير نظام الحكم في إيران إلى 3 معارضات:
- المعارضة المطالبة بإسقاط النظام (سرنكوني طلبان).
- المعارضة التي تطالب بتغيير النظام (تحول طلبان).
- المعارضة التي تسعى لإصلاح النظام (إصلاح طلبان).
فصائل المعارضة الإيرانية
1.المعارضة المطالبة بإسقاط النظام
أ: المجلس الوطني للمقاومة
تنتمي منظمة «مجاهدين خلق» إلى تحالف يوصف بالمجلس الوطني للمقاومة (شوراي ملي مقاومت) الذي يضم بين دفتيه شخصيات ومجموعات صغيرة، فيما تمتلك منظمة «مجاهدين خلق»، حصة الأسد فيه، وفي الواقع إن «المجلس الوطني للمقاومة» هو اسم مستعار للمنظمة.
وتُعد منظمة «مجاهدين خلق»، فصيلاً منظماً تاريخياً، يتبع انضباطاً حزبياً صارماً ويحتفظ بآلية خاصة لتنظيم وتجميع كوادره وأعضائه في الخارج وهي الأشد عداءً للنظام السياسي الحاكم في إيران. وقد شاركت منظمة «مجاهدين خلق» في النضال ضد الشاه محمد رضا بهلوي، وبعد قيام الثورة تماشت لفترة مع النظام الإسلامي الوليد بقيادة آية الله الخميني، غير أنها سرعان ما اختلفت معه وأصبحت الفصيل المعارض الأقوى في البلاد آنذاك.
ومنذ أواسط عام 1981 خاضت كفاحاً مسلحاً ضد النظام الديني في إيران، أوصل البلاد إلى شفا حرب أهلية، غير أن معظم كوادرها وقادتها إما قتلوا وإما هاجروا إلى الخارج، حتى إنهم اصطفوا في عام 1986 إلى جانب القوات العراقية في حربها ضد إيران. وهو ما عرض المنظمة في العراق لعدد من الضربات بعد سقوط صدام حسين غير انها استطاعت أن تنقل في عام 2016 نحو 2700 شخص من أعضائها إلى ألبانيا، ناهيك بالكثير من الذين هاجروا إلى أوروبا والولايات المتحدة خلال العقود الأربعة المنصرمة. كما أن لديها اللوبي الأقوى الذي يعمل مع أصحاب القرار في الولايات المتحدة والدول الغربية والعربية. وخلافاً للأعوام السابقة كان لمؤتمرها المنعقد في باريس في يونيو (حزيران) 2017 بريق وانعكاس خاص بين الأوساط الإيرانية المعارضة والحكومة الإيرانية على حدد سواء، وذلك بسبب انعقاده في أول عام لإدارة دونالد ترمب المعروفة بعدائها للنظام الإيراني، ولأنه جاء بعد تصریحات وزیر خارجیة الولايات المتحدة ريكس تیلرسون المؤكدة على ضرورة دعم «عناصر من المعارضة في الداخل التي تسعى من أجل الانتقال السلمي للسلطة في إيران».
وخلال العقدين الماضيين، نقل عناصر من المنظمة تغلغلوا إلى داخل المؤسسات الحكومية والنووية، معلومات هامة حول المشروع النووي الإيراني إلى الخارج. كما استغلت خلايا نائمة تابعة لمنظمة «مجاهدين خلق»، الاضطرابات التي اعقبت الانتخابات الرئاسية في عام 2009 محاولين تغيير الشعارات التي كانت تحتج على التزوير في الانتخابات إلى شعارات وهتافات راديكالية تطالب بإسقاط رأس النظام وأعني بذلك ولي الفقيه علي خامنئي. لكن بما أن قادة الحركة الخضراء، مير حسين موسوي ومهدي كروبي، لم ينويا إسقاط النظام الإيراني وولاية الفقيه، فلم تنجح تلك الشعارات، ودليلنا على ذلك هو أن الجماهير الإيرانية لم تستجب لنداء وجهه مسعود رجوي قائد منظمة «مجاهدين خلق» في فبراير (شباط) 2010 عبر وسائل التواصل الاجتماعي يطالب فيه إلى استمرار المظاهرات والاحتجاجات لإسقاط النظام.
فلم تُعرف مدى شعبية منظمة «مجاهدين خلق» في داخل إيران بسبب عدم وجود وسائل لاستطلاع الرأي العام هناك، غير أن ماذكرتها من قضايا تؤكد أنه لا يزال للمنظمة مؤيدون يمكن أن يلعبوا دوراً في مستقبل إيران. غير أن منظمة «مجاهدين خلق» لا يمكن أن تحقق طموحها الذي طالما سعت إليه وهو إسقاط النظام الإيراني إلا إثر هجوم قوة خارجية عظمى أو جيش قوي لدولة إقليمية. ولا ننسى أن أي هجوم جوي أميركي لم تلازمه قوات برية على الأرض سيبوء بالفشل. فنحن نعلم أن إيران تملك جيشاً قوامه 400 ألف شخص، وقوات الحرس الثوري قوامها 250 ألف شخص، وقوات التعبئة (الباسيج) يتأرجح عددها بين 3 – 4 ملايين، إذ يمكن تطوير كل هذه العساكر إلى 5 – 6 مليون شخص. لذا يبدو أن موضوع إسقاط النظام الإسلامي في إيران أمر بعيد المنال بالطرق التي جربتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق. لكن يمكن أن تعود إدارة ترامب إلى استخدام العقوبات الحادة بدل الهجوم العسكري لزعزعة النظام الإيراني وهذا أمر محتمل ونشاهد مقدماته في العقوبات التي أخذت تفرضها على القائمين على تطوير الصواريخ البالستية في إيران.
ب: المجلس الوطني الإيراني (جماعة ابن الشاه السابق)
تنتظم الجماعة الموالية لابن الشاه المخلوع رضا بهلوي في تنظيم يسمى «المجلس الوطني الإيراني». كما أن هناك مجموعات صغيرة أخرى تصف نفسها بالدستوريين (مشروطه طلبان) تطالب بإعادة الملكية لإيران غير أنها تختلف مع رضا بهلوي. ويتمتع المجلس الوطني الإيراني الذي يطالب بإسقاط نظام ولي الفقيه، بلوبي في الكونغرس الأميركي ويحاول التقرب من إدارة ترمب غير أنه ليس في حجم وقوة «مجاهدين خلق»، لا في الخارج ولا في الداخل. كما أن دائرة مؤيديه في الداخل تنحصر بين الموالين للملكية ولا يتمتع بأي شعبية بين الشعوب غير الفارسية. وفي الآونة الأخيرة أخذت أصوات إيرانية تطالب بضرورة التحالف بين الفصائل المطالبة بإسقاط النظام لكن الهوة واسعة بين هاتين المجموعتين ولم تقبل منظمة «مجاهدين خلق» بذلك، إلا إذا انتقد رضا بهلوي ماضي والده ودوره في قمع القوى المعارضة بما فيهم منظمة «مجاهدين خلق» آنذاك.
ج: مؤتمر الشعوب في إيران الفيدرالية
رغم عدم انضمام كثير من الشخصيات والمجموعات السياسية المنتمية للشعوب غير الفارسية إلى هذه المنظمة غير أنها الوحيدة التي تجمع بين دفتيها عدداً من الأحزاب والمجموعات السياسية التابعة للشعوب غير الفارسية. وللأحزاب الكردية ثقل خاص في هذا التنظيم، وذلك بسبب تنظيماتهم المنسجمة وتاريخهم التنظيمي والنضالي القديم والمعروف لدى الأحزاب الإيرانية الأخرى. ويطالب المؤتمر كالمجموعتين المذكورتين آنفاً بضرورة إسقاط النظام القائم حالياً في إيران ويحاول التقرب من منظمة «مجاهدين خلق» الإيرانية، غير أن هذه المنظمة لا تعترف في أدبياتها السياسية إلا بمنح الحكم الذاتي للشعب الكردي في إيران وكل ما يحكى أخيراً عن تأكيد قيادة المنظمة بتعميم هذا الأمر على سائر الشعوب غير الفارسية يبقى في إطار التصريحات ولا يمكن التعويل عليه إلا إذا تم إدراجه في الوثائق السياسية والرسمية لمنظمة «مجاهدين خلق». ولم ننس تصريحات الخميني قبل أن يهيمن على السلطة والتي كان يؤكد فيها على أمور كثيرة – من حرية التعبير والتنظيم إلى مجانية خدمات الكهرباء والماء… إلخ – لم ينفذ منها أي شيء.
د: المجموعات اليسارية الراديكالية
هذه المجموعات الصغيرة المختلفة فيما بينها تطالب أيضاً بإسقاط النظام لكن دون الاعتماد على الولايات المتحدة الأميركية بسبب معاداتها لما تصفه بالإمبريالية الأميركية، غير أن هذه المجموعات تختلف في رؤيتها لإسقاط النظام بواسطة العمل المسلح من جهة والنشاط السلمي والسياسي – العمالي بشكل رئيسي – من جهة أخرى، لكنها لا تشكل حالياً ثقلاً بين المعارضة الإيرانية بسبب تشتتها وعدم انسجامها في جبهة متحالفة.
2.المعارضة المطالبة بتغيير النظام
تضم هذه المعارضة شخصيات ومنظمات سياسية يسارية معتدلة وكذلك قوى قومية ووطنية فارسية وغير فارسية وتطالب بجمهورية إيرانية علمانية – ديمقراطية دون ولاية الفقيه. إذ ترفض هذه المعارضة إسقاط النظام بالقوة، أو بالأحرى لا ترى ذلك ممكناً، بل يرحب البعض منها بتصريحات تيلرسون بدعم الولايات المتحدة الأميركية للتغيير السلمي للحكم في إيران. وقد خاب أمل هذه المعارضة من الانتقال إلى ما تصفه بالديمقراطية بخطوات إصلاحية بعد كل الجهود التي بُذلت من أجل إصلاح نظام الحكم، ابتداءً بعهد خاتمي وانتهاءً بعهد روحاني. وتؤكد هذه القوى على ضرورة النضال السلمي والمدني في إيران ليبلغ مرحلة العصيان المدني لإيجاد تغييرات أساسية في الدستور الإيراني، وهي لا تعول على أي تدخل عسكري أميركي بل تعقد الأمل على ما تصفه بالمجتمع الدولي لدعم الديمقراطية في إيران. وبما أن هذه المعارضة مبعثرة وغير منتظمة لا يمكن تقدير قوتها. لكن يمكن أن نسمع صوتها في الداخل والخارج وهي الأقرب إلى الحركة الخضراء في إيران.
3.المعارضة الإصلاحية
رغم بعض الفروق القائمة بين أطياف المعارضة الإصلاحية والمعتدلة وخصوصاً بينها وبين الحركة الخضراء، فإننا يمكن أن نصف كل هذه المعارضة بالإصلاحية لأنها لا تطالب بإسقاط النظام ولا بتغييره، بل تريد إصلاحه فقط مع الحفاظ على وجود ولي الفقيه. أي أنها تطالب بحرية الحركة والنشاط لأحزابها وشخصياتها وبحصة لها ضمن النظام الراهن في إيران. فلم تفقد هذه المعارضة حتى الساعة أملها بإصلاح النظام السياسي في إيران.
وتضم هذه المعارضة شخصيات ومجموعات سياسية، معظمها ممنوع من العمل السياسي في الداخل بل وهاجر البعض منها إلى الخارج بعد قمع الحركة الخضراء في عام 2009. ويمكن أن نشير إلى رموز هذه المعارضة؛ ومنهم مير حسين موسوي وزوجته زهرة رهنورد ومهدي كروبي، الذين يرزحون تحت الإقامة الجبرية منذ 6 سنوات، والرئيس الأسبق محمد خاتمي. ويبدو أن حسن روحاني وبسبب صراعه المستمر مع المتشددين في السلطة سيصبح رمزاً معارضاً آجلاً أو عاجلاً. ويمكن أن نعتبر هذه المعارضة الأكثر نشاطاً والأكثر مقبولية في الداخل حتى اللحظة وذلك بسبب تحملها من قبل النظام وقمعه لأي بديل آخر أيا كان توجهه السياسي والآيديولوجي. ويطمح مؤيدو حسن روحاني لإقامة نظام سياسي يماثل النظام السياسي في الصين، فيما تسعى مجموعة خامنئي – قادة الحرس الثوري – لتأسيس نظام يشبه النظام السياسي في كوريا الشمالية.
وستستمر اللعبة السياسية في الداخل بين المتشددين والإصلاحيين حتى تؤثر المعارضات الأخرى على تغيير ميزان القوى في الداخل.
كما يجب أن أشير هنا إلى شخصيات تنتمي إلى اليسار التقليدي في الداخل عبرت أخيراً وضمن بيان سياسي عن امتعاضها لتصريحات وزير الخارجية الأميركي الأخيرة حول تغيير النظام السياسي في إيران. ويستشف من مواقف هذه الشخصيات اصطفافها إلى جانب النظام الاستبدادي التي طالما عانت من بطشه وقمعه وسجونه.
ويبدو أن النظام الإيراني وبسبب سياساته القمعية تجاه الأحزاب السياسية التي تختلف معه سياسياً وعقائدياً، وبسبب انتهاكه لحقوق الإنسان وتدخلاته في شؤون الدول المجاورة وتطويره للصواريخ العابرة للقارات سيواجه ضغوطاً إضافية من قبل واشنطن والمعارضة بكل ألوانها وأطيافها حيث ستستغل هذه المجموعة، الصراع الدائر بين روحاني وخامنئي وستعمل على تعميقه لإحداث ثغرات أكبر في جسم النظام الحاكم.