مجلة “المجلة”
7/7/ 2017
يوسف عزيزي
قررت أن أعنون هذا المقال بـ«الحرب الكلامية بين روحاني وخامنئي إلى أين؟» لكني غيرت ذلك واخترت هذا العنوان، لأن الأمر أكبر من الحرب الكلامية التي هي تعبير فقط عن الصراع الدائر بين الرئيس الإيراني حسن روحاني ومرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي وأتباعه في الحرس الثوري والسلطة القضائية والمؤسسات الأخرى التابعة للمتشددين.
يعود هذا الصراع إلى العامين الأخيرين من فترة رئاسة روحاني الأولى، غير أنه بلغ حدته خلال حملات الانتخابات الرئاسية في مايو (أيار) الماضي، حيث هاجم روحاني المتشددين وعلى رأسهم منافسه إبراهيم رئيسي متهماً إياهم بأنهم لم يعرفوا شيئاً غير «الإعدامات والسجون» في إدارة البلاد واصفاً حكومته بـ«حكومة ارتباط إيران مع العالم».
وكما توقعت في مقالي السابق المنشور في «المجلة»، استمر الصراع بين روحاني من جهة وخامنئي وقادة الحرس الثوري من جهة أخرى بعد الانتخابات. إذ أكد روحاني أن على ولي الفقيه (مرشد الجمهورية الإسلامية) أن يتمتع بدعم شعبي بواسطة الانتخابات وأن تبوُّؤه سدة الحكم، ليس أمراً إلهياً كما يدعي المتشددون، كما انتقد هيمنة قوات الحرس الثوري على الاقتصاد الإيراني، قائلا إنها قامت بتهميش القطاع الخاص في إيران.
خامنئي يقارن روحاني بالرئيس المخلوع بني صدر
انتقد خامنئي قبل أسبوعين وفي إحدى خطبه أداء الرئيس روحاني في المجالات السياسية والثقافية، مؤكداً على «حرية إطلاق النار» لأتباعه «الثوريين» ضد حكومة روحاني. وقد وظف هذا المصطلح العسكري ليعبر عن مدى امتعاضه لسياسات روحاني. فأهم مؤشر على تعميق الخلافات بين الجناحين الحاكمين في إيران هو ما أدلى به المرشد الأعلى علي خامنئي، محذراً الرئيس روحاني من مغبة ما وصفه بـ«تقسيم المجتمع الإيراني إلى معارض وموافق للنظام» مطالباً بعدم تكرار تجربة عام 1980. وقد تم هذا التحذير خلال حفل للإفطار حضره كبار قادة النظام، منهم روحاني نفسه. تبع ذلك هتافات معادية لروحاني رددها بعض المتظاهرين خلال مظاهرات يوم القدس بطهران في آخر جمعة من شهر رمضان تصفه بالمنافق ورجل الدين الأميركي والمتماهي مع بني صدر.
لكن ماذا يعني خامنئي بتجربة العام 1980؟ في الواقع يقصد المرشد بذلك ماجرى لأبو الحسن بني صدر أول رئيس إيراني منتخب بعد قيام الثورة في العام 1979. إذ في يونيو (حزيران) من العام 1981، قام آية الله الخميني، المرشد الأعلى آنذاك، بإقالة أبو الحسن بني صدر من منصبه بعد استجوابه من قبل البرلمان الإيراني. وقد فاز بني صدر كمرشح ليبرالي ديني على المرشح المدعوم من قبل رجال الدين المتشددين ومنهم علي خامنئي الذي كان يشغل منصب مساعد وزير الدفاع في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد شهدت فترة رئاسة بني صدر التي دامت نحو عام ونصف العام (فبراير/ شباط 79 – يونيو 81) مشاحنات ومظاهرات موالية ومضادة لبني صدر، وتحولت شوارع العاصمة الإيرانية خلال هذه الفترة إلى ساحة للصراع بين المعسكرين؛ الموالي لبني صدر – ومنهم منظمة مجاهدين خلق – من جهة، ومعارضيه التابعين لحزب رجال الدين ورجال الأمن والشرطة من جهة أخرى، سقط خلالها الكثير من الأشخاص.
فهل تتشابه الظروف السياسية اليوم في إيران مع ما كانت عليه في عام 1980 كما يدعي خامنئي؟ وهل يستطيع أن يفعل مع روحاني ما فعله الخميني مع بني صدر قبل نحو 37 عاماً؟
في الواقع تغيرت أمور كثيرة يصعب على خامنئي أن يحل من خلالها خصومته مع روحاني بذلك الشكل الذي حل به الخميني خلافاته مع بني صدر، لا الوضع السياسي والاجتماعي في إيران آنئذ يماثل عهدنا اليوم ولا الوضع الإقليمي والدولي. لقد كان الخميني كمرشد أعلى ومؤسس للجمهورية الإسلامية يتمتع بشخصية كاريزمية، فيما لا يتمتع خامنئي بمثل هذه الشخصية. كما كان الخميني يحظى بدعم معظم الجماهير الإيرانية وكل الأطياف المشاركة في الحكم فيما تقلصت قاعدة المؤيدين لخامنئي تدريجياً منذ خلافته للخميني في عام 1989 وبلغت أدنى مستوى لها بعد قمعه لحركة الجماهير الإيرانية التي انتفضت ضده بسبب اتهامه بتزوير الانتخابات الرئاسية في عام 2009 لصالح أحمدي نجاد وكذلك الأوضاع الاقتصادية المتردية والاضطهاد القومي والمذهبي والاستياء المتفشي بين قطاعات واسعة من الشعوب الإيرانية، ناهيك بالخلافات المتزايدة بين الاجنحة الحاكمة.
ظروف إقليمية ودولية غير مواتية
لقد حاول رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، منذ ريغان وحتى أوباما كسب ود إيران، بل إن رئيساً متشدداً مثل جورج بوش الابن لم يتخذ قراراً بالهجوم على إيران رغم تصنيفه لها في عداد دول محور الشر، واكتفى بالهجوم على دولتين مجاورتين لها هما أفغانستان والعراق. غير أنه وبعد انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية في يناير (كانون الثاني) 2017 بلغ العداء الأميركي – الإيراني حداً لم يصله من قبل. أضف إلى ذلك السياسات التوسعية للنظام الإيراني في الدول العربية المجاورة التي أخذت أبعاداً واسعة بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق. وقد أدى ذلك إلى توتر العلاقات بين إيران ومعظم الدول العربية، بل وقطع العلاقات بينها وبين المملكة العربية السعودية وبعض الدول العربية والإسلامية الأخرى.
فرغم هذا التوسع الذي يوحي بقوة النظام الإيراني في الخارج، فإن النظام في الحقيقة ليس قوياً في الداخل ولم تكن تدخلاته في شؤون الدول الأخرى إلا غطاء لضعفه أمام الاستياء الشعبي من جهة وللتناقض القائم بين الأجنحة المتصارعة في أعلى هرم السلطة من جهة أخرى. إذ يحاول النظام الإسلامي الذي طالما حارب الاتجاهات القومية الفارسية في إيران أن يستخدم هذه الاتجاهات ضمن آيديولوجيته المذهبية لتبرئة تدخلاته وتوسعه في الدول العربية ويوظف في هذا المجال شخصيات عسكرية كقاسم سليماني ليخلع عليها لباساً تاريخياً ويقارنها في إعلامه بشخصيات فارسية تاريخية مثل «آريو برزن» القائد العسكري الإخميني الذي قاد الجيوش الفارسية ضد الهجوم العسكري للقائد المقدوني الإسكندر الأكبر.
خلافة خامنئي أساس التخاصم
علاوة على خلافات روحاني مع خامنئي وقادة الحرس الثوري حول الدور المتعاظم للحرس في الاقتصاد الإيراني ومشاريعه الصاروخية ومحاولات روحاني للانفتاح على الولايات المتحدة الأميركية، فإن أهم عامل لعداء خامنئي لروحاني هو موضوع خلافته التي سيلعب روحاني فيها دوراً مهماً إذا رحل خامنئي خلال الأعوام الأربعة المقبلة. إذ يحاول خامنئي أن يعين ولو بشكل غير مباشر، خليفة يماثله في السلوك والتفكير، فيما يريد روحاني أن يخلف خامنئي هو أو أي شخص آخر على شاكلته، أو يكون هناك مجلس قيادة يحكم إيران بدل قائد واحد تتمركز الأمور كلها بيده. فلذا السؤال المطروح هو: ماذا يفعل علي خامنئي مع حسن روحاني في ظروف إيران الراهنة التي تختلف وظروف عام 1980؟ يبدو أن خامنئي لن يُقدم على إقالة روحاني كما فعل الخميني للأسباب التي ذكرناها آنفاً، لكنه سيعمل وبواسطة جماعات الضغط في الاعلام والشارع على إضعافه قدر المستطاع ليصبح دمية بيده. لكن روحاني الذي يعرف تفاصيل أجهزة النظام لن يذعن بسهولة وهو يشعر بأنه يتمتع بدعم شعبي إثر تصويت معظم الإيرانيين له وأن هذا سيساعده في أية مواجهة نهائية مع المتشددين.