يوسف عزيزي
يمكنني ان اُشير هنا الى ظاهرتين اساسيتين اتسم بهما عيد الفطر لهذا العام – 2017 – وهما ما اصفه بثورة الدشداشة اولا ومقاطعة السلع غير العربية ثانيا. اذ شهد عيد الفطر لهذا العام في إقليم عربستان اهتمام جماهيري وعائلي واسع اتسم بارتداء الزي العربي المكون من الدشداشة والكوفية والعقال للرجال والزي التقليدي للنساء حيث يمكننا ان نصفه بثورة الدشداشة التي غطت ارض الوطن بالوانها الزاهية من القصبة وعبادان مرورا بالأهواز الخفاجية والحميدية وحتى السوس والخلفية ورامز، ناهيك عن المناطق الساحلية للخليج. فهذه الظاهرة تؤكد على اتساع الوعي القومي العربي بين ابناء شعبنا للتمسك بهذا العيد وتحويله من عيد ديني الى عيد وطني للحفاظ على التراث القومي ولمواجهة خطط الانظمة الإيرانية المتتالية لفرض الاعياد غير العربية على هذا الشعب خاصة في عهد الشاه. وانا اتذكر انه وعند حلول عيد الفطر في الخفاجية في بعض السنوات، كان الامن الشاهنشاهي – السافاك – يسير جماعته في الشوارع ليستخدموا مكبرات الصوت ومن اعلى السيارات للاعلان عن قضايا اخرى لم تمت بالعيد بصلة لتخريب العيد اساسا. بل كان غير العرب ولايزال يصفونه بعيد العرب (عيد عربا). وقد اجتزنا تلك الفترة الحالكة وكذلك الفترة التي كانت تحاول مراجع دينية في الجمهورية الاسلامية الإيرانية ان تعلن عن رؤية الهلال اواسط يوم العيد، لتقتصر المعايدة الى سويعات فقط. وقد تم هذا الاجتياز بفضل نضال ابناء شعبنا، بل تمكن شعبنا من فرض ارادته على النظام بتخصيص يومين كعطلة لعيد الفطر قبل بضعة سنوات، وهو يطالب بالمزيد كي تصبح عطلة عيد الفطر عدة ايام كما هي الاعياد الإيرانية الاخرى كعيد نوروز او كنظيراتها في الدول العربية والاسلامية . فاذا كانت مدينة الحميدية الوحيدة التي تستخدم يوم عيد الفطر كمناسبة للاحتجاج والتظاهر في سنوات القمع والعجاف – خاصة في عهد احمدي نجاد – غير اننا شاهدنا في عيد هذا العام، بعض المظاهرات المنادية بالتحرر وبحقوق شعبنا القومية وارتفاع عدد المرتدون ل”الدشداشة” و”الكوفية و”العقال”، حتى في مدن لم تكن في الحسبان. وتسير الحشود المعايدة في شوارع الأهواز العاصمة والمدن الاخرى للاقليم وكأنها جيوش ترتدي الزي الوطني لتتحدى السلطات الامنية التي كانت تسرح الموظفين العرب الذين يرتدون الدشداشة في ساعات خارج الدوام. ولاننسى محاربة النظام الملكي للعقال والكوفية حيث كان شعار احدى الانتفاضات العشائرية ضد ذلك النظام البائد في الثلاثينيات من القرن المنصرم هو “يعكال انسوي لك هيبة”.
فقد امتزجت المظاهرات المناهضة للنظام الإيراني بإقامة المناسبات التي توصف بالمعايدات الكبرى في مدن وقرى الاقليم، والمعايدات الجماعية والفردية والعائلية بشكل لم يشهد لها مثيل في تاريخ شعبنا، رغم انها اتسمت بحالات عشائرية في بعض القرى والمدن الصغيرة.ويجب ان اشير هنا الى الاعتقالات التي شملت العشرات من النشطاء المدنيين العرب قبل حلول العيد وبعده، اذ يرزح البعض منهم حتى الساعة في السجون الإيرانية.
ويبدو اننا وعلاوة على اتساع الوعي القومي بين ابناء شعبنا في كل مدنه وقراه بحاجة الى تعميق هذا الوعي.
الظاهرة الثانية التي يجب التلميح اليها، هي مقاطعة الكسبة والتجار غير العرب وعدم الابتياع منهم عشية عيد الفطر. ونحن نعلم ان ابناء شعبنا في إقليم عربستان وقبل حلول العيد بشهر يبدأون بشراء مايحتاجونه للاحتفال بيوم العيد من حلويات وازياء جديدة وامور اخرى. فهم لم يكونوا يفرقوا في ابتياع هذه الاشياء بين عربي وغير عربي، غير ان السلوك العنصري للكسبة والتجار غيرالعرب – وهم اقلية في الاقليم يسيطرون على قطاعات واسعة من الاقتصاد- أدت بجماهيرنا العربية الى مقاطعة الابتياع من هؤلاء المستوطنين الذين اجمعوا الثروات الكبيرة خلال العقود الثماني الماضية على حساب عوز وفقر ابناء شعبنا العربي. وحسب الاخبار الواردة من الأهواز وسائر مدن الاقليم اصبح التجار والكسبة من غير العرب – ومعظمهم من اهالي دسبول وتستر – دون زبائن او انخفض عدد زبائنهم بشكل ملحوظ هذا العام بعد ان عم شعار المقاطعة وعنوانه ( العيد، عيدي واشتري من عضيدي). وهذا يظهر ان عملية مقاطعة السلع الاجنبية أو غير العربية كانت ناجحة هذا العام. وانا اتذكر ان بعض الاصدقاء الناشطين بالإهواز في العام 1980 اي عام بعد قيام الثورة الإيرانية اقترحوا مقاطعة ابتياع السلع من غير العرب، غير ان البعض الاخرعارض ذلك لاسباب مختلفة منها غلبة الوعي الديني على الوعي القومي وعدم نضج البورجوازية العربية انذاك، لكن حاليا وبسبب تطور البورجوازية العربية وازدياد الكسبة والباعة المتجولين من الاغلبية العربية واتساع مدى الوعي القومي العربي بين الجماهير وخاصة الشباب في الاقليم شاهدنا نجاح هذه عملية التي تضيف الى تجارب شعبنا النضالية.