• تضم إيران نحو 80 مليون نسمة منها 39 مليون امرأة و9 ملايين سني…
ويمنع الدستور الإيراني هؤلاء الـ48 مليونا من الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية
• يضيّق دائرة المرشحين في الانتخابات لتضم فقط المؤمنين بنظام الجمهورية الإسلامية ومبدأ ولاية الفقيه
• عدم تنفيذ روحاني وعوده الخاصة بالقوميات في حملته عام 2013 أدت إلى خيبة أمل للأحزاب والشخصيات السياسية المنتسبة إلى القوميات غير الفارسية
• 6 أحزاب كردية إيرانية ومجموعات سياسية اهوازية وبلوشية تقيم في الخارج قاطعت المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبلدية فيما تتفق معظم النخب الأذرية على ضرورة المشاركة ولكن بشروط
لندن: يوسف عزيزي
ستشهد إيران، انتخابات رئاسية وأخرى بلدية يوم 19 مايو (أيار)، وقد بدأ بالفعل المرشحون منذ 28 أبريل (نيسان) حملاتهم الانتخابية.
وفقا للإحصاءات الرسمية الصادرة في عام 2016، تضم إيران نحو 80 مليون نسمة، منها 39 مليون امرأة و9 ملايين سني؛ يمنع الدستور الإيراني هؤلاء الـ48 مليونا من الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية. كما تشكل القوميات غير الفارسية نحو 60 في المائة من سكان إيران، غير أنها تتعرض لتمييز ممنهج، ولم تتمتع بالحقوق الكاملة للمواطنة، إما بسبب إثنيتها غير الفارسية وإما بسبب دينها ومذهبها المختلف عن الدين والمذهب الرسمي. وعادة يرفض مجلس صيانة الدستور، أهلية هؤلاء للترشح لرئاسة الجمهورية رغم انتماء البعض منهم إلى المذهب الشيعي، بل ويضيّق دائرة المرشحين لتضم فقط المؤمنين بنظام الجمهورية الإسلامية ومبدأ ولاية الفقيه. وما نراه من منافسات في الانتخابات الرئاسية في إيران تتم في هذه الدائرة الضيقة التي مر مرشحوها عبر مصافٍ (فلترات) مختلفة.
فحتى عام 1997، أي الدورة السابعة للانتخابات الرئاسية التي فاز فيها المرشح الإصلاحي محمد خاتمي على المرشح المحافظ علي أكبر ناطق نوري، كانت الانتخابات شكلية دون أي منافسة مثيرة؛ غير أنه، ومنذ ذلك عام ولأسباب سياسية واجتماعية، وللحيلولة دون وقوع انفجار سياسي، اضطر النظام الإيراني إلى أن يفتح المجال للتنافس بين الجناحين المشاركين والمتصارعين على السلطة، أي المحافظين والإصلاحيين. ويمنح هذا الصراع الجلي، فرصة ولو قصيرة، للناشطين والقوى السياسية المختلفة بما فيهم المنتسبون إلى الشعوب غير الفارسية كي يطرحوا مطالبهم الاجتماعية والثقافية.
القوميات في صلب الحملات الانتخابية
فمنذ ذلك التاريخ، أصبحت قضية القوميات غير الفارسية في صلب الحملات الانتخابية للمرشحين من الجناحين، حيث يحاول المرشحون استمالة هذه القوميات من خلال التقرب إليها بعد أن أنكرها الخطاب الرسمي لمدة عقدين من الزمن. وقد طالبت هذه الشعوب بحقوقها القومية بعد سقوط الشاه في عام 1979، غير أنها تعرضت لعمليات قمع ممنهجة شملت العرب والكرد والتركمان، والبلوش والترك الأذريين.
لكن، لماذا هذا التوجه بعد القمع الدامي الذي تعرضت له الشعوب غير الفارسية في الأعوام الأولى بعد قيام الثورة؟
للرد على هذا السؤال يجب أن نلقي نظرة على وضعها خلال العقدين الماضيين. في الواقع أدى الاضطهاد القومي والعنصري إلى هذه الشعوب إلى ردود فعل خاصة لكل منها؛ وقد ساعدت ثورة المعلومات في تطوير وعيها القومي وأسلوبها النضالي.
فقد اتسم النضال في إقليم بلوشستان الذي تقطنه أغلبية بلوشية سنية، وكذلك إقليم كردستان ذو الأغلبية الكردية السنية بالعنف، في حين يشهد إقليم أذربيجان نضالا مدنيا سلميا، ويقع إقليم عربستان بين الاثنين، أي أن هناك نضالا سلميا يتسم أحيانا بعمليات عنف تستهدف أنابيب النفط أو مؤسسات حكومية أخرى. يضم إقليم أذربيجان الذي تقطنه أغلبية تركية أذرية، محافظات زنجان وأردبيل وأذربيجان الشرقية وأذربيجان الغربية، وتُعد القومية التركية الأذرية ثاني أكبر قومية بعد الفرس، ويشكل الأتراك نحو ثلث نسمة إيران.
وقد كان لتصويت الشعب الكردي لصالح أحمد توكلي ضد منافسه – الرجل القوي آنذاك – هاشمي رافسنجاني في الانتخابات الرئاسية عام 1993، وكذلك تصويت أغلبية الشعب التركي في إقليم أذربيجان لصالح ابن جلدتهم، محسن مهر علي زاده، في انتخابات عام 2005، إنذار للنظام الإيراني ومؤشر علني على تنامي الأحاسيس القومية بين الشعوب غير الفارسية. إذ تخلف المرشحون الفرس من التيارين الإصلاحي والمتشدد وبينهم هاشمي رافسنجاني ومصطفى معين ومهدي كروبي ومحمود أحمدي نجاد (الذي فاز في 2005) عن المرشح التركي، مهر علي زاده في تلك الانتخابات.
كما لم يفز حسن روحاني على غرمائه المتشددين في عام 2013، لو لم يتمتع بدعم القوميات غير الفارسية، بعد أن وعدهم بتفعيل المادة 15 من الدستور الإيراني القاضية بتعليم اللغات غير الفارسية في المدارس والجامعات وإقامة مجامع للغتين الكردية والتركية في كردستان وأذربيجان، ورفع التمييز القومي والعنصري والمذهبي، ومنح مناصب مفصلية لغير الفرس وأهل السنة، وتغيير النظرة الأمنية للقوميات غير الفارسية، وفقا لبيانه السياسي الصادر آنذاك. ولم يفِ روحاني بمعظم وعوده تلك، بل اختزلها بتدريس مادة اللغة الكردية في جامعة سنندج، عاصمة إقليم كردستان، ومادة اللغة التركية الأذرية في جامعة تبريز، عاصمة إقليم أذربيجان. وعين علي يونسي وزير الاستخبارات في عهد خاتمي مستشارا له لشؤون القوميات والأقليات الدينية في إيران. وقد كشر يونسي عن أنيابه الأمنية والقومية، مؤكدا على أفكار شوفينية فارسية توسعية في المنطقة.
القوميات وانتخابات 2017
حاول مرشحو التيارين المحافظ والإصلاحي كسب أصوات القوميات غير الفارسية بشتى الطرق، منها شكلية، كارتداء أحمدي نجاد، الزي العربي في إقليم عربستان (الأحواز)، والزي الكردي في إقليم كردستان خلال حملته الانتخابية في عام 2009، ومنها بشكل برامج انتخابية كالبيان رقم 3 لحسن روحاني في عام 2013، الذي يحتوي على 10 بنود خاصة بالقوميات والأقليات، أشرنا إليها آنفا.
لا يملك التيار المتشدد أي برنامج سياسي لحل معضلة القوميات في إيران، بل يركز على قضايا عامة، ويطرح شعارات لحل مشكلة الفقر والبطالة في البلاد، وتوزيع قسم من إيرادات النفط على السكان، وهي شعارات شعبوية ليست إلا. وهذا يفسح المجال لمرشح التيارين الإصلاحي والمعتدل حسن روحاني للعب على ورقة القوميات. غير أن عدم تنفيذ روحاني معظم البرامج الخاصة بالقوميات التي طرحها في حملته عام 2013 أدت إلى خيبة أمل بعض الأحزاب والشخصيات السياسية المنتسبة إلى القوميات غير الفارسية. أضف إلى ذلك تصاعد وتيرة الإعدامات من النشطاء الكرد والعرب خلال فترة رئاسته، التي يدعي أنها تتم بواسطة السلطة القضائية التي يرأسها غريمه المتشدد صادق لاريجاني المعيّن من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي. وقد شاهدنا أولى ردود فعل القوميات غير الفارسية عندما خاطب حسن روحاني يوم الأحد الماضي، الجماهير الأذرية في مدينة أورمية بإقليم أذربيجان، حيث ردد البعض شعارات مناهضة له، واصفينه بالمخادع والكذاب.
موقف الأحزاب من الانتخابات
وقد أصدرت 6 أحزاب كردية إيرانية تقيم في الخارج، بيانا مشتركا قاطعت فيه المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبلدية في إيران. كما قاطعت مجموعات سياسية اهوازية وبلوشية في الخارج، هذه الانتخابات، فيما تتفق معظم النخب الأذرية على ضرورة المشاركة في الانتخابات، لكن بشروط. ويبدو أن ما يجري على الأرض في الداخل يختلف نوعا ما. في حين يشهد إقليم بلوشستان، عمليات مسلحة، كان آخرها مقتل 10 عسكريين إيرانيين يوم 26 أبريل الماضي، تشهد أقاليم كردستان وعربستان وأذربيجان، نشاطا لاكتساح مقاعد المجالس البلدية من قِبل القوى القومية في هذه الأقاليم. وتشتد المنافسة والمشاركة في انتخابات البلدية في بعض المدن المختلطة إثنياً. فعلى سبيل المثال، ستشهد مدينة الأحواز تنافسا محموما بين الأغلبية العربية والأقلية الفارسية التي تتمتع بدعم السلطة المركزية وكذلك مدينة أورمية، التي تضم أغلبية تركية أذرية وأقلية كردية. وهذا يعني أننا سنشهد مشاركة واسعة في الانتخابات البلدية تتأرجح بين 60 و75 في المائة. وفيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية ورغم مقاطعة الأحزاب المذكورة آنفا، فإن العامل الذي يحسم المشاركة أو المقاطعة في الانتخابات الرئاسية هما الشعبان الفارسي والتركي الأذري. وبما أن الطبقات الوسطى لهذين الشعبين، إضافة فئات من الشعوب الأخرى تخشى صعود مرشح متشدد من نوع إبراهيم رئيسي أو محمد باقر قاليباف، ستهرع إلى صناديق الاقتراع وستصوت لصالح روحاني بسبب حشرها في الانتخاب بين السيئ (روحاني) والأسوأ (رئيسي أو قاليباف)، وعدم وجود خيار مناسب آخر. لكن إذا حاول الحرس الثوري وبيت المرشد الأعلى القيام بالتزوير والتلاعب بالأصوات كما حدث في عام 2009، ستتغير اللعبة لصالح إبراهيم رئيسي الذي يتمتع بدعم مباشر من المؤسسات الدينية في قم وطهران ودعم غير مباشر من المرشد الأعلى علي خامنئي.
صناديق الاقتراع
وينشطر المجتمع الإيراني حاليا على نفسه في اختيار طريقه لتجاوز نظام ولاية الفقيه والانتقال إلى نظام ديمقراطي، تعددي ولامركزي. قسم من الإيرانيين يرجحون أن يتم هذا الانتقال عبر صناديق الاقتراع والتصويت لصالح الإصلاحيين والمعتدلين وهزيمة المتشددين، ويعتقدون أن هذا الأمر سيؤدي إلى تعزيز جبهة قوى الإصلاح والتغيير ليس على مستوى الحكومة فحسب، بل على مستوى السلطة أيضا، أي أنه يؤدي – حسب رأيهم – إلى تغيير موازين القوى في أعلى هرم السلطة ويزعزع المتشددين، ويضعف مواقعهم هناك؛ وهي عملية تتطلب وقتا ليس بالقصير. لكن هناك قسما آخر من الإيرانيين الذين ينادون بمقاطعة الانتخابات، فبعضهم يؤمن بضرورة القيام بثورة جديدة واستخدام الوسائل كافة، بما فيها العمل المسلح والبعض الآخر، إضافة على ما ذكرته، يعول أيضا على الدعم الخارجي لحدوث مثل هذا التغيير المنشود. ونشاهد مثل هذا التوجه بين مؤسسات متنافرة فيما بينها، كالأحزاب الكردية والأحزاب الانفصالية للقوميات ومنظمة مجاهدي خلق ومؤيدي إعادة الملكية لإيران، غير أن الانتخابات الرئاسية المتعاقبة في إيران تحبط، أو لنقل تؤخر النهج الثاني بسبب المشاركة المرتفعة فيها، والتي لم تصل إلى أقل من 50 في المائة من المؤهلين للتصويت في البلاد.
فعلاوة على تقربه للقوميات وإثارته لهذه القضية الحساسة، هاجم حسن روحاني خلال الأيام القليلة الماضية، المتشددين، وعلى رأسهم إبراهيم رئيسي، متهما إياه بالمشاركة في تنفيذ مذبحة السجون الإيرانية في عام 1988، التي راح ضحيتها أكثر من 5000 سجين سياسي.
وأخذ روحاني يلعب على حبل القوميات ونقد ماضي إبراهيم رئيسي وقضايا حساسة كمشروع الصواريخ الباليستية المدعومة من قبل الحرس الثوري، ويبدو أنه ينوي التوغل أكثر فأكثر في هذه الأمور وتخطي الخطوط الحمراء؛ وهو السياسي الأمني السابق الذي يعرف خبايا النظام، مستغلا بذلك الوضع الدولي والإقليمي المعادي لصلب النظام الإيراني المتشدد. والسؤال هو: إلى أي مدى يمكن أن يتحمل النظام مثل هذه الهجمات التي تضعفه؟ فهل يقوم غرمائه السياسيون في السلطة بحذفه كي يحولوا دون دفع ثمن ما يقوم به هذه الأيام، كما فعلوا في الانتخابات الرئاسية عام 2009 عندما حذفوا ميرحسين موسوي ومهدي كروبي ووضعوهم تحت الإقامة الجبرية؟ أم أن المتشددين ينوون الاستمرار باللعبة حتى يوم 19 مايو بكل تبعاتها؟
نقلا عن مجلة “المجلة” الصادرة في لندن 10/05/2017