هجرة الأهوازيين، آخر الهجرات العربية

يوسف عزيزي

ايلاف الإثنين 27 فبراير 2017

لم يشهد تاريخنا المعاصر هجرة جماعية واسعة للعرب الأهوازيين من وطنهم الا بعد قيام الثورة في فبراير 1979 وبشكل خاص خلال الحرب الإيرانية – العراقية التي استمرت لمدة 8 سنوات (80-1988) ودار رحاها بشكل رئيسي في اقليم عربستان.

فاذا كان اليمنيون،هم العرب الاوئل الذين هاجروا الى بريطانيا في النصف الاول من القرن التاسع عشر فيمكننا القول ان عرب الأهواز، هم آخر العرب الذين هاجروا الى بريطانيا وسائر البلدان الغربية في التاريخ المعاصر. ليس هذا فقط، بل في إيران نفسها، سبق الفرس ايضا العرب في الهجرة الى الخارج منذ اوائل القرن العشرين وذلك بسبب هيمنتهم على الحكم السياسي والاقتصاد في إيران.

وقد اقتصرت هجرة الأهوازيين قبل الثورة الإيرانية على ايفاد بعض العوائل الميسورة لابنائها الى بيروت ولندن وباريس مثل بعض ابناء واحفاد الشيخ خزعل (آخر حاكم عربي لعربستان) وابناء واحفاد الشيخ نبهان العامري(اول مندوب للشيخ خزعل في الأهواز)؛ غير انه وخلال الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، اخذت بعض العائلات من الطبقات الوسطى من الأهواز والمحمرة ايضا ترسل ابناءها الى اوروبا والولايات المتحدة غيرانها لم تكن هجرة في ابعاد واسعة كما حدث في العقود الثلاث الاخيرة.

لقد ادت حرب الثماني سنوات الى هجرة داخلية واخرى خارجية، تجسدت الاولى في نزوح جماعي للعرب من مدن الاقليم وخاصة المدن والقرى الحدودية كالمحمرة وعبادان والخفاجية والحويزة والبسيتين والسوس الى سائر المدن الإيرانية. فقد هاجر هؤلاء الى مدينة شيرازوبوشهر وبندرعباس وكرج وطهران وخراسان وشمال إيران. ولم تسمح السلطات الإيرانية حتى الساعة بعودة الالوف من الأهوازيين الذين تركوا ديارهم بسبب الحرب في اوائل الثمانينيات من القرن الماضي. والمثال الابرز هو منع الحرس الثوري الإيراني، سكان الأقضية والقرى الحدودية التابعة لمدينة المحمرة المحاذية للعراق الذين يقطنون حاليا مدينة مشهد باقليم خراسان (شمال شرق)، من العودة الى مسقط رأسهم. ويبدو ان النازحين العرب المهاجرين من عبادان والمحمرة اثناء الحرب، عادوا بوتيرة اكبر الى عبادان والمحمرة قياسا بالمهجرين من الاقلية غير العربية.

تاريخيا لم تحدث مثل هذه الهجرة العربية بشكل عام والأهوازية بشكل خاص الى المدن الفارسية، الا اذا استثنينا ماحدث في اعقاب الفتوحات الاسلامية، حيث قطنت القبائل العربية وعلى رأسها قبيلة بني ربيعة، ربوع خراسان الكبرى (خراسان ايران الحالية واجزاء من افغانستان ومناطق اسيا الوسطى القريبة منها) والتي انصهرت في بوتقة السكان الاصليين ولم يبقى منها شيئا الا القليل.

وفي داخل إيران، استمرت هجرة العوائل العربية الأهوازية، لكن بوتيرة اقل،بعد نهاية الحرب الإيرانية – العراقية، خاصة الى مدن كرج وطهران وشيراز وكذلك الى خارج البلاد، لاسباب اقتصادية أو اثر عمليات القمع التي تتبع عادة المظاهرات والانتفاضات أو تفاقم حالات تلوث الهواء والمياه. وقد شملت الهجرة ايضا بعض العوائل من الاقلية غير الفارسية التي تقطن اقليم عربستان.

اذ اصبح لدينا حاليا جالية أهوازية لها حضوراجتماعي وظهور سياسي في الدول الاوروبية واميركا الشمالية واستراليا.

نستطيع ان نعتبر العرب، بشكل عام، ناجحين في معظم المجالات التجارية والعلمية والسياسية بالمهجر، اذ اصبح 4 منهم رؤساء للجمهورية في اميركا اللاتينية منهم الرئيس الحالي للبرازيل ميشال تامر. ونحن نعلم ان السوريين واللبنانيين هاجروا الى اميركا الجنوبية والشمالية منذ عشرينيات القرن الماضي. كما ان هناك 13000 طبيب عراقي مسجل في بريطانيا، 1600 منهم يعملون في ال ” ان اش اس” اي منظمة الصحة البريطانية الحكومية. فاذا عدنا الى المقارنة لايوجد طبيب أهوازي واحد في بريطانيا حسب علميوهي البلد الاقدم التي هاجر اليها الأهوازيون. كما لايوجد فيها الا تاجر او تاجرين أهوازيين صغيرين. لكن في مجال التعليم العالي يمكننا ان نعول على الجيل الثاني من الأهوازيين في بريطانيا وسائر بلدان المهجر، الذين بدأوا يدخلون الجامعات البريطانية ليدرسوا اختصاصات علمية وقانونية وسياسية. كما تمتلك الجالية العراقية في بريطانيا، العديد من المنتديات والمجلات الخاصة بها ويفوق نشاطها الثقافي والسياسي والاجتماعي، نشاط الجالية الإيرانية ومعظم الجاليات العربية.

لايختلط الأهوازيون مع الفرس في المنفى، الا القليل وذلك بسبب التفاوت الثقافي والخلافات السياسية وعدم الثقة المتبادلة بين الجاليتين. فاقرب الجاليات العربية للأهوازيين في المهجر هم العراقيون حيث هناك تماثل كبير في التقاليد والعادات والاعراف. غير اننا لايمكن ان نقارن عدد المثقفين والتجار والاطباء والمهندسين والخبراء العراقيين مع اقرانهم من الأهوازيين والسبب يعود اولا الى ان عدد سكان العراق اكبر من عدد سكان اقليم عربستان، وثانيا لدى العراقيين دولة اقيمت منذ اوائل القرن العشرين، خرج من احضانها الالوف من الكوادرالسياسية والعلمية والفنية، فيما ادى حذف العرب من السلطة في اقليم عربستان في نفس الفترة، الى الهيمنة الفارسية على مفاصل الدولة، مما حال دون التطور الاقتصادي والثقافي والسياسي للعرب واغلاق السبل الطبيعية لنمو البورجوازية العربية في عربستان وذلك خلافا لمثيلتها العربية في العراق بعد استقلال البلاد، اوماحدث للكرد بعد ان مسكوا بمفاتيح السلطة في اقليم كردستان بعد قيام الفدرالية في العراق.

وتعتبر الجالية الأهوازية شبه منغلقة في بريطانيا وسائر بلدان المهجر وتحاول ان تحافظ على هويتها ولغتها وتقاليدها مثل سائر الجاليات العربية، غيرانها تواجه مشكلة انصهار جيلها الثاني في ثقافة البلدان المستضيفة بنسبة 30 في المئة وللجيل الثالث بنسبة 100 في المئة. ويجب ان اذكر ان فئات واسعة من الشعب الأهوازي في اقليم عربستان تواجه نفس المشكلة، لكن الفرق بينهما، انه لايوجد فرض في المهجر الغربي، فيما هناك فرض قسري وخطط امنية وسياسية قديمة وجديدة لتفريس شعب عربي باكمله داخل إيران.

وقد اتخذت بريطانيا والدول الاوروبية الاخرى في السابق، سياسة الانصهار Assimilation القائمة على صهروذوب المهاجرين في ثقافة البلد المستضيف لكن ومنذ عقود اخذت تتبع سياسة الاندماج Identificationوهي سياسة ايجابية تقوم على حقوق المواطنة والحفاظ على الهوية واللغة الاصليتين وهي العربية في حالتنا.

ويوصي الخبراء العراقيين في بريطانيا، حسب تجربتهم الاطول، على ضرورة ارسال الاطفال الى المدارس العربية في يوم عطلة السبت والتكلم معهم باللغة العربية في البيت، بل ويؤكد الاكثر تعصبا منهم على ارشادالشباب والصبابا للزواج من اقران عرب. غيران كل هذه المحاولات ستذهب سدا اذا لم يتفاعل الشخص مع بيئته الاصلية في داخل الوطن، خاصة بعد ظهور جيلين او ثلاث، وهذا ماشاهدناه بين الجاليات العربية التي هاجرت الى الغرب قبل عقود.

– See more at: http://elaph.com/Web/Opinion/2017/2/1135662.html#sthash.0wwryhkp.ttvnph98.dpuf

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور