هذا الشعب لم يمت

يوسف عزيزي
ايلاف 10 ديسمبر 2016
عندما الحق رضا شاه، إمارة عربستان الى الامبراطوريته البهلوية وجلب اليها المهاجرين الفرس من كل صوب وحدب، وعندما أكمل نجله المهمة بتهجير المعلمين والموظفين العرب من المدن العربية الى المدن الفارسية، وقمع وإعدم وقتل المناضلين والمنتقدين، لم يتصوروا ان يبقى اثرا للعرب في هذه الإمارة التي اصبحت محافظة في عهدهما. كما لم يتصور الزعماء ومخازن الفكر المعادية للعرب في الجمهورية الاسلامية الإيرانية وبعد كل مخططاتهم الشيطانية لتغيير التركيبة السكانية وإجتثاث العرب ان يبقى اثرا للكوفية والعقال في جنوب إيران.
وانا اتذكر قبل قيام الثورة الإيرانية عندما كنت اعيش بالأهواز بالقرب من بيت جار اصبح مربي حمام بعد ان كان مناضلا في سبيل تحريرها. ذات مرة جاءني صديق شاعر وعندما رأى جارنا هذا قال لي:” خاب املي بهذا الشعب المثلج”. غير ان هذا الشعب نفض الثلج والبرد والخوف من جسده وشارك الى جانب سائر الشعوب الإيرانية في اعظم ثورة في القرن العشرين، ليسقط ديكتاتور شوفيني حتى النخاع. فلااريد ان اذكر المآسي التي عاشها الشعب العربي الأهوازي في ظل ما تسمى بالدولة الاسلامية في إيران؛ من حربها مع العراق وتدمير معظم المدن والقرى والمنشآت التحتية الى قمعها لكل حركة تطالب بادنى حقوق انسانية وقومية للعرب في عربستان.
وعايشت كل اللحظات الحلوة والمرة لهذا الشعب منذ قيام ثورة فبراير 79 مرورا بفترة الاصلاحات الخاتمية الى فترة احمدي نجاد؛ وانا اتابع منذ سبع سنوات من منفاي مايجري لشعبنا، لابل قبل ذلك اي عندما كنت يافعا وكنت اسمع الكلام المصحوب بالهمس عن حركات قومية تحررية تباد على يد النظام البهلوي اثر بطشه وخيانات محلية.
تصور الحكم الديني الشوفيني في إيران بعد الثورة وباستخدامه الاساليب الجديدة والاضافية لتدمير هوية الشعب العربي الأهوازي وقمعه لحركاته وانتفاضاته وإخماد صوته، ان الامر قد انتهي وان العرب في اقليم عربستان اصبحوا اقلية يمكن ترويضها بل والقضاء عليها في طويل الامد لكن رغم ذلك بقى الشعب العربي كنخيل عبادان باسقا صامدا. وفي كل مرة يخطيء الحاكم القابع في قصور طهران في حساباته. صحيح ان الالوف من ابناء شعبنا فقدوا لسانهم العربي اثر موجات التفريس المتتالية منذ تسعين عاما غيران معظم هؤلاء لم ينسوا تعلقهم بلغتهم وهويتهم واني متأكد بانهم سيصطفوا الى جانب ابناء شعبهم في ساعة الصفر.
في الحقيقة ثورة فبراير 79 ازاحت حاجزا عظيما من امام شعبنا الذي لم يغادر ساحة النضال ضد الحكم الشاهنشاهي رغم الظروف الصعبة جدا في تلك المرحلة وقد انفتحت الاجواء السياسية لفترة قصيرة بعد قيام الثورة حاول ان يستغلها ابناء شعبنا خير استغلال لصالح الكفاح المستمر منذ عقود. فلم تنطفي شرارة النضال العربي في جنوب إيران رغم الردة وسلطة الثورة المضادة لرجال الدين والقوى الشوفينية المساندة لهم. وقد ظهر جيل جديد في عهد الاصلاحات (1997 – 2005) قام بتنظيم نفسه في إطار احزاب ومؤسسات ثقافية ومدنية غير ان القوى المعادية للديمقراطية والحرية لم تتحمل كل ذلك المد التنويري والتوعوي ليس في عربستان فحسب وفي كل الاقاليم والمحافظات الإيرانية وقضت على معظم مكاسب الشعب العربي الأهوازي بقمعها الدامي لإنتفاضة نيسان 2005. وقد نصبوا بعد ذلك المشانق واعدموا الشعراء وقتلوا وسجنوا الناشطين واوسدوا ابواب الحرية بوجه الناس. لكنهم لم يتمكنوا من تعطيل احتفالات الاعراس ومجالس العزاء التي تحولت الى منابر يبث منها الشعراء والخطباء، خطاب القومية والحرية، حتى وصلنا الى الاعوام الاخيرة حيث تحدى الجيل الصاعد، النظام الامني المشدد، في مناسبات مختلفة وفي الملاعب وعلى ضفاف الانهر وفي الشوارع، صادحا بحنجرته الفتية بالحق مؤكدا على عروبة ارضه وشعبه.
واخيرا وليس آخرا، كانت وقفتي ابناء شعبنا العربي الأهوازي – من اطفال ونساء ورجال – على ضفاف نهر كارون في الأهواز والمحمرة يومي 8 و 9 ديسمبر الحالي، حاملين شعارات تندد بالمسؤولين والحكام في طهران وتتهمهم بسرقة مياه انهرهم وتلويث بيئتهم واستغلال ثرواتهم النفطية وغير النفطية.
في الواقع ان هذه الوقفات جاءت بعد تسريب رسالة سرية تحمل توقيع الرئيس الإيراني حسن روحاني يأمر من خلالها بمد مياه اضافية من مصادر نهر كارون الى مدينة اصفهان وسائر المدن الفارسية في وسط إيران. ويرى الأهوازيون في ذلك، مخطط جديد قديم يهدف الى تجفيف نهر كارون واهوارعربستان (خوزستان) وتدمير البئية وتصحر الاراضي الزراعية وازدياد الاعاصير الرملية في الاقليم والتي تؤدي بدورها الى صعوبة العيش و تجبر السكان الاصليين اي العرب ان يتركوا قراهم ومدنهم ويهاجروا الى المدن الفارسية في وسط إيران.
لاشك ان هذه الوقفات وسائر المظاهر الاحتجاجية، تُعد بمثابة صفوف تمهيدية لتربية الجماهير الشعبية لتخلع ثوب الخوف وتخرج الى الشوارع للاعتراض على اوضاعهم المأساوية ويمكن ان تتطور وتصبح اكثر صراحة سياسية وربما تتحول الى مسيرات جماهيرية واسعة في المستقبل عندما يتطور النضال، في إيران عامة و في عربستان خاصة، الى مراحل ارقى، وهذا ماتبشر به الحركات المتنامية للطلاب والعمال والفئات الكادحة الاخرى؛ والاهم من كل ذلك، حركات الشعوب غير الفارسية التي ستلعب دورا اساسيا في تغيير الاجواء السياسية في إيران.
– See more at: http://elaph.com/Web/Opinion/2016/12/1123671.html#sthash.D6i0dZnl.LKslUcse.dpuf

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور