يوسف عزيزي
توفي المناضل الاهوازي البارز عدنان سلمان الطرفي يوم السادس من اغسطس الماضي وهو في سن الستين، قضى معظمه في الكفاح والنشاط السياسي من اجل شعبه العربي الاهوازي وسائر الشعوب العربية المضطهدة. ويمثل عدنان سلمان فترة لنضال النخبة الأهوازية لها ميزاتها الخاصة. فهو ينتمي الى الرعيل الثاني من المناضلين بعد سقوط الحكم العربي في عربستان عام 1925. فقد قضى الشاه السابق على اول حركة قومية شبه مدنية توصف ب”اللجنة القومية العليا” قادت كفاح الشعب العربي في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات من القرن المنصرم. وتُعد تلك المجموعة، اول تنظيم سياسي شبه مدني تخطى المرحلة السابقة لكفاح الشعب العربي في عربستان الموسومة بالسمة العشائرية. وقد ضمت اللجنة القومية العليا الى جانب بعض شيوخ القبائل، شخصيات مدنية وكبار موظفي شركة النفط في عبادان والمحمرة ، كما كان لها أعضاء وانصار في مدينة الاهواز. وبعد إعدام قادة اللجنة القومية العليا، انتقل معظم النشطاء الاهوازيين الى خارج البلاد ليشكلوا “جبهة تحرير عربستان” ومن ثم “جبهة تحرير الاحواز- عربستان” في العراق استمرارا للجنة القومية العليا. وكان لهذه الحركة، بعض الخلايا في المحمرة وعبادان والأهواز تعمل في ظروف سرية صعبة بسبب تركيز البوليس السري الإيران المعروف بالسافاك على اي حركة قومية عربية في الداخل.
فبرأيي شهدت السبيعينيات من القرن الماضي، تطورين في الحركة الوطنية الأهوازية: اولا، جغرافيا أصبحت مدينة الاهواز مركزا هاما لهذه الحركة بعد ان كانت مدينتي المحمرة وعبادان تلعبان هذا الدور، والثاني اجتماعيا، حيث وصلت عناصر من الطبقات الدنيا الى قيادة الحركة الوطنية بعد ان كانت حكرا على الشيوخ والموظفين الكبار من المجتمع العربستاني. اذ نرى في أوائل السبعينيات من القرن العشرين، سيد حميد الموسوي (المعروف بسيد فهد حركيا) يقود خلية لتنظيم الشباب العربي الاهوازي في حي النهضة ( لشكرآباد ) ويقوم باستقطاب عدنان سلمان ذات السابعة عشر عاما. سيد حميد كان عاملا في احدى معامل الاهواز وعدنان ايضا ينتمي لعائلة عمالية حيث كان والده يشتغل عاملا في شركة النفط الإيرانية في عبادان.
4 مراحل نضالية في حياة عدنان سلمان
فقد صنفت حياة عدنان سلمان النضالية الى 4 فترات: 1972-1975 و 1975-1979 و 1979-2001 و 2001-2015
فترة 1972- 1975
تبدأ الفترة الاولى منذ العام 1972 عندما جند سيد فهد، عدنان سلمان (او حسن طرفي كما كان يعرف آنذاك) ابن حي رفيش بالاهواز، لكن في العام 1974 اضطر عدنان للخروج من ايران والالتحاق بالجبهة الشعبية لتحرير الاحواز- عربستان بالعراق. وقد تم ايفاده من قبل مكتب الجبهة في بغداد الى منطقة “هور العظيم” بالقرب من الحدود الايرانية حيث كان يستقر مقاتلو الجبهة الجاهزين للقيام بعمليات ضد المنشآت الايرانية. غير ان عدنان لم يدرك “حتة” البطل القومي لعرب الاهواز والعضو البارز في الجبهة الذي اُغتيل في العام 1970. وقد شهدت هذه الفترة التي تزامنت وعهد الرئيس العراقي ذات الاتجاه اليساري، حسن البكر واشتداد العداء بين العراق القومي اليساري وإيران الملكي، شهدت حضورا مكثفا للمعارضة الايرانية، من الجنرال تيمور بختيار – اول رئيس لمنظمة السافاك اختلف مع الشاه – مرورا بالقوى اليسارية والدينية الايرانية ختاما بفصائل القوميات غير الفارسية منهم العرب والبلوش. وقد كانت لهذه القوى معسكرات تدريب عسكري وإذاعات تبث من بغداد للداخل الايراني منها إذاعة “ميهن برستان” -الوطنيين – التي كانت تبث للقوى اليسارية في الداخل، واذاعة “روحانيت” التابعة لجماعة الخميني وإذاعة الاحواز التابعة لجبهة تحرير الاحواز – عربستان.
وفي 31 تموز العام 1972 تم اعدام “سيد فهد” وعدد من رفاقه بمدينة الخفاجية اثر وقوعهم في فخ لقوات الامن الايرانية. وفي العام 1975 عقد الشاه ونائب الرئيس العراقي انذاك صدام حسين اتفاقا في الجزائر انهوا بموجبها خلافاتهم حيث منح النظام العراقي نصف شط العرب الى إيران مقابل سحب إيران دعمه للمتمردين الاكراد بقيادة الملا مصطفى البارزاني. وفي البنود السرية تعهدت العراق بإغلاق مكاتب كل القوى المعارضة للنظام الملكي في إيران بمافيهم الاهوازيين، مما ادى بقسم منهم ان يهاجر الى سورية.
فترة 1975- 1979
وقد اخذ هؤلاء المهاجرون ومنهم عدنان سلمان ينشطون سياسيا وثقافيا في سورية، اذ انحصر نشاطهم العسكري بالتعاون مع الفلسطينيين وخاصة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة الدكتور جورج حبش. وقد عمل عدنان سلمان مع الدكتور وديع حداد – نائب جورج حبش – حيث سافر معه مرة الى الصومال التي كان يحكمها انذاك محمد سيادبري المعروف باتجاهاته اليسارية. كما لعب هؤلاء المناضلين الاهوازيين دورا وسيطا بين القوى الإيرانية المعارضة للشاه وبين المنظمات الفلسطينية وذلك باعتبارهم يتقنون اللغتين العربية والفارسية. وكان بين هؤلاء الايرانيين، الاسلامي واليساري والقومي، ويمكننا القول ان الثورة الايرانية مدينة نوعا ما بالمناضلين الاهوازيين الناشطين على الساحة الفلسطينية في ذلك الوقت. وقد التقى عدنان مع هؤلاء عقب عودتهم الى ايران بعد قيام ثورة فبراير 1979. وكان من المفروض ان يشارك عدنان سلمان في احدى اهم احداث القرن العشرين وهي عملية خطف وزراء دول المنتجة للنفط (الاوبك) لكن وقبل تنفيذ العملية حل مكانه اهوازي آخر. اذ في ديسمبر عام 1975 اقتحمت مجموعة “ذراع الثورة العربية” بقيادة الفنزويلي “كارلوس” اجتماع وزراء دول الاوبك في فيينا وخطفت وزير النفط الايراني جمشيد آموزغار وبعض الوزراء الاخرين الى الجزائر وجبت بذلك 20 مليون دولار واجبرت الحكومة الايرانية ان تبث بيانا من الاذاعة والتلفزيون الايرانيين للمخطفين يشر الى اسم “عربستان” وحقوق شعبها العربي المغتصب.
وقد سافر عدنان سلمان الى اسطنبول والكويت للقيام بمهمات سياسية ونضالية وبين عامي 1976 – 1978 استقر في جمهورية اليمن الديمقراطية (الجنوبية) ممثلا للجبهة الشعبية لتحرير الاهواز – عربستان، ودخل هناك معهدا للعلوم السياسية.
فترة 1979 – 2001
وصل عدنان سلمان ورفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز الى عبادان في إقليم عربستان قادمين من الكويت في مارس 1979 اي بعد قيام الثورةالايرانية بايام، معلنين بانهاء العمل العسكري والاعتقاد بالعمل السلمي. اذ قاموا بتكوين علاقات مع نشطاء الداخل والتقوا ببعض القيادات الدينية – السياسية الاهوازية انذاك واعلنوا عن تشكيل “لجنة تحضيرية لمؤتمر الشعب العربي الاهوازي” وذلك تميهدا لإنعقاد مؤتمر يضم جميع فئات شعبنا العربي في إيران. كما انهم نظموا بعض المظاهرات في الاهواز غير ان قمع الحركة القومية الاهوازية في مدينة المحمرة في حزيران 1979 والاجراءات التعسفية التي تلت ذلك، زرع اليأس في نفوس هؤلاء الذين كانوا يعلقون آمالا على ثورة الشعوب الايرانية . وكان عدنان سلمان على رأس التظاهرات التي سارت في الوسط التجاري للمدينة (شارع الخميني) احتجاجا على اغلاق المركز الثقافي العربي في الاهواز في حزيران 1979. ومن هنا بدأت القيادة الدينية الشوفينية في إيران ببطش العرب لتصل الى الاكراد والتركمان والاتراك ومن ثم القوى اليسارية والتقدمية في ايران وذلك بعد قيام الثورة بسنتين او ثلاث.
وقد ادت خيبة الامل تلك ببعض عناصر الجبهة الى مغادرة الوطن مرة اخرى، او التوظيف والعمل في القطاع الخاص، بل ونفرا منهم انتمى الى اللجان القمعية (الكميتة) التي تشكلت انذاك. وقد بقي عدنان سلمان، الوحيد الذي يتحرك سياسيا على الساحة العربستانية. اذ حاول مع عدد من رفاقه في مدن الاهواز والمحمرة والفلاحية لتشكيل “منظمة الكادحين”، غير ان وقوع الحرب الايرانية – العراقية (1980 – 1988) حال دون ذلك.
وفي مايو 1985 لعب عدنان سلمان الى جانب رفاقه عبدالرزاق النيسي وجميل وادي واخرون دورا بارزا في اندلاع مظاهرات مناوئة للنظام الايراني احتجاجا على مقال وجهت فيه صحيفة “اطلاعات” الايرانية اساءات للعرب واصفة اياهم ب”الكواولة” او الغجر. وقد هزت تلك المظاهرات النظام الذي ارسى في تلك الفترة، هدوءا مشفوع بالقمع في كل انحاء إيران حيث اضطر ان يعتذر الرئيس الايراني انذاك (المرشد الحالي) علي الخامنئي من الشعب العربي في صلاة الجمعة بطهران.
وقد تم استدعاء عدنان عدة مرات الى مراكز الاستخبارات بالاهواز بسبب نشاطاته هذه، لكنه التزم الصمت في فترة الاصلاحات (1997 – 2005) لأسباب شخصية، حتى اضطر للخروج من البلاد في العام 2001.
فترة 2001 – 2015
ساهم عدنان سلمان وبقوة في الانشطة الاجتماعية والسياسية للجالية الاهوازية في بريطانيا وشارك الى جانب منصور السيلاوي الاهوازي في تأسيس حزب التضامن الديمقراطي الاهوازي وكذلك مع سائر نشطاء الشعوب غير الفارسية في تأسيس”مؤتمر شعوب إيران الفدرالية”. وتم انتخابة امينا عاما للحزب في العام 2009، كما اصبح لفترة امينا لمنظمة مؤتمر شعوب إيران الفدرالية. كما شارك في العديد من الندوات الخاصة بحقوق الانسان ومؤتمرات المعارضة الايرانية في الخارج. وقد توفي عدنان سلمان (1955 – 2015) اثر مرض عضال بعد حياة مليئة بالاحداث والنضال والمغامرات العسكرية والسياسية. وقد اثار نشاطه غضب النظام المتشدد في ايران حيث تدل كل القرائن ان وفاته لم يكن امرا طبيعيا بل اثر عملية اغتيال مبرمجة لهذا المناضل الاهوازي، وهناك ادلة دامغة تثبت ذلك. وقد اشرت في مقال سابق بإيلاف الى سلسلة عمليات اغتيال لزعماء ونشطاء اهوازيين بما فيهم جيفارا الاهواز عدنان سلمان.
المصدر: إيلاف http://elaph.com/Web/opinion/2015/9/1038159.html