يوسف عزيزي
اصبحت حسينية الاعظم في مدينة الاهواز، مركزا للقوى الدينية المعارضة للنظام الشاهنشاهي بعد صعود نجم روح الله الخميني في خريف عام 1978 او بالتحديد بعد ان واجهت قوات الجيش الملكي، مظاهرات الجماهير في ميدان “جالة” بالعاصمة طهران، التي صار اسمها ساحة الشهداء بعد قيام الثورة في فبراير 1979. فمن الذين كانوا يخطبون في الحسينية بين الحين والاخر يمكن ان أُشير الىجال الدين التابعين للخميني: رضا كلسرخي وابوالقاسم الخزعلي وموسوي الجزائري. وبما اني لم احضر هذه الخطب ولم ادخل هذه الحسينية الا مرة او مرتين، لم اتذكر اسماء خطباء آخرين. وبعد الثورة انتمى رضا كلسرخي – وهو تركي من أذربيجان – الى معسكر اية الله محمد كاظم شريعتمداري وشارك في تشكيل حزب “خلق مسلمان” اي حزب الشعب المسلم في تبريز في مايو/ايار 1979 حيث خاض الحزب، مظاهرات واعتصامات واسعة في إقليم أذربيجان ضد معسكر الخميني بعيد الثورة.
وقبل قيام الثورة الاسلامية باشهر كان بامكان الشخص ان يجد على اللوحة الكبيرة في بوابة الحسينية، مختصات وذبذبات كافة الاذاعات التي كانت تبث اخبار الثورة، من راديو بي بي سي وصوت اميركا الى إذاعة مونت كارلو وإذاعة موسكو وفرنسا واغلبها بالفارسية. كما كانت اجتماعات وخطب حسينية الاعظم – وهي الاكبر في الاهواز انذاك – الواقعة في وسط المدينة (شارع الطالقاني حاليا) تجذب الشباب من الاحياء والمدن الاخرى، اذ لم تتضح بعد طبيعة الثورة الاسلامية ومعظم الناس – من عرب وفرس – كانوا يعلقون آمالا عليها. وفي اعقاب اضراب عمال وموظفي شركة النفط في عبادان والاهواز في اواسط خريف 1978 اخذت الاضرابات والاعتصامات في إيران تدخل مرحلة جديدة واصبحت الساحة الواقعة امام مبنى شركة النفط المعروفة ب”مين آفيس” في حي “نيوسايد” بالاهواز، مكانا للقوى العلمانية واليسارية التي لاتنسجم كاملا مع الخطاب الديني الذي كان يروج له رجال الدين وعلى رأسهم اية الله الخميني. وكنا نشاهد هناك مهندسين وموظفين وعمال شركة النفط وكذلك عناصر من طلبة الجامعات. وقد سمعت لاول مرة هناك باسم جواد خاتمي الذين كان من المنظمين لإضراب شركة النفط في الاهواز انذاك وقد انتسب الى منظمة فدائيي الشعب عقب قيام الثورة واصبح واسطا ورابطا بين فرع المنظمة في الاهواز والسلطة الاسلامية حتى ان قامت الاخيرة بحملة اعتقال ضد اليسار وبما فيهم الفدائيين وهرب جواد خاتمي الى الاتحاد السوفيتي سابقا، وكما سمعت من رفاقه في السنوات الاخيرة انه سكن تاشكند عاصمة اوزبكستان وولج التجارة من اوسع ابوابها وترك السياسة.
ونحو ثلاثة اشهر قبل قيام الثورة الاسلامية في ايران، اقترح علي احد المشاركين في اجتماع “مين آفيس” ان القي كلمة عن العرب في إقليم عربستان (خوزستان). فقد كتبت شيئا وتحدثت بعدايام عن هذا الموضوع لاول مرة بعد اكثر من اربعة عقود من المنع الرسمي والعلني عن التحدث عن الشعب العربي الاهوازي داخل ايران. وهذه الكلمة الموجزة باتت اساس لمحاضرة مسهبة القيتها بعد ذلك بشهر في كلية النفط بمدينة عبادان حول هذا الموضوع والذي حضرها المئات من الطلبة والعمال بما فيهم نساء عربيات. وقد صدرت المحاضرة بشكل كتاب بعد قيام الثورة الاسلامية بشهرين.
وقد واجهت كلمتي حول شعبنا امام مبنى شركة النفط بالاهواز، ترحيب بعض العناصر اليسارية والحاضرين العرب حيث تعرفت منذ ذلك الحين على اشخاص ونشطاء جدد.
وفي يوم من الايام – ونحن لانزال قبل قيام الثورة – قرر اليسار ان يقوم بمظاهرة في حي حصيرآباد بالاهواز باعتباره حيا عماليا. وقد اجتمع نحو 50 – 60 شخصا، نصفهم تقريبا نساء – في الشارع الرئيسي للحي. وقد ذكرت لي زوجتي فيما بعد انها ايضا كانت في تلك المظاهرة. وقد انتبه المجتمعون ان علما احمرا ينقصهم، فلذا ذهب البعض الى دكان اقمشة لشراء قطعة قماش حمراء، غير ان المظاهرات لم تتمكن ان تسير الا بعض الامتار بسبب هجوم عناصر كانت توصف ب”حزب الله”، بالعصي والسكاكين على المتظاهرين مما ادى الى تشتتها. ولو لم يفتح بعض الناس ابواب وكان رجال الدين – حتى قبل قيام الثورة – من هذه العصابات لقمع اي صوت آخر معارض للشاه ماعدى صوت رجال الدين التابعين للخميني.
فاتذكر آخر وقفة لنا امام مبنى شركة النفط – مين آفيس – بالاهواز كانت يوم 10 فبراير1979 (21 /11/1357 ايراني) ولايزال كان وضع الثورة غامضا رغم اخبار التمرد التي كانت تصلنا من طهران. اذ تجمع بعض المتحمسين – ومعظمهم من اليسار – لنبحث كيفية المشاركة في الثورة وكان الجميع يفكر بالتمرد المسلح. اذ صعد الاخ كريم الخلف على المنصة معلنا ان هناك منطقة في الهور يمكن الحصول على السلاح منها. وقد احاط العديد من هؤلاء المتحمسين بنا – انا وكريم – لنرشدهم الى هذا المكان للحصول على السلاح والمساهمة في اسقاط نظام الشاه. وبالفعل نحن – انا و كريم وشقيقي عزيز – ذهبنا يومها بسيارة الاخير الى قرية “المچریة” لهذا الغرض. غيراننا لم نعثر على السلاح هناك. وقد فاجئنا خبر الاذاعة الايرانية صباح اليوم التالي عن السقوط الكامل للنظام المليك ونحن في عمق الهور نبحث عن السلاح لإسقاطه وكان ذلك يوم 11 فبراير 1979 (22/11/1357). فقد فاجئنا سقوط النظام نحن البعيدين عن مركز الاحداث اي طهران.
ومن اليوم الاول لسقوط النظام طلع علينا الشيخ محمد الكرمي وهو يطالب من إذاعة الاهواز وبالعربية والفارسية، بعدم شرعية مداهمة المعسكرات والثكنات العسكرية “لان النظام الجديد هو اسلامي”. فرغم ذلك كانت فكرة مداهمة هذه الامكنة العسكرية تساورنا نحن القلة العربية – القومية واليسارية – المعدودة لكن دون جدوى حيث لم يكن اي تنظيم – لاقومي عربي ولايساري ايراني – يقوم بذلك الواجب. صحيح ان مسلحي فدائيي الشعب شاركوا في مداهمة الثكنات العسكرية في طهران لكنهم لم تشاركوا في المدن الاخرى في مثل هكذا عمليات بسبب ضعفهم من جهة، وقوة التيار الديني التنظيمية. كما ان الاكراد وبواسطة منظماتهم كالحزب الديمقراطي الكردستاني وكوملة استطاعوا ان يعوضوا عن ذلك ولو بتأخير اي انهم داهموا واحتلوا ثكنة سنندج في مارس 1979 (نوروز 1358 ايراني) ومن ثم ثكنة مهاباد. وهذا ما منحهم القوة كي يسيطروا على بعض مدن كردستان الايرانية حتى العام 1984 اي خمس سنوات بعد قيام الثورة.
02/07/2015