يوسف عزيزي
موقع ايلاف 9 يوليو 2015
طارد شبح المعدومين الاهوازيين، سلاطين النفط وشركائهم الايرانيين بعد ان بلغ مقر شركة النفط الوطنية الايرانية (NIOC) في لندن حاملا معه آلام ومعاناة الملايين من الاهوازيين. اذ اقتحمت يوم الثالث من هذا الشهر مجموعة “هاشم شعباني” الاهوازية مع نشطاء حقوقيين بريطانيين، مبنى هذه الشركة في لندن احتجاجا على اجتماع سري بين برلمانيين ورأسماليين بريطانيين كبار من جهة ومسؤولين عن غرفة التجارة البريطانية – الايرانية من جهة اخرى لنهب ثرواتهم النفطية المنهوبة اصلا. وهاشم شعباني هو شاعر وناشط اهوازي، أثار إعدامه من قبل السلطات الايرانية قبل عام ونصف، ضجة واسعة في الاوساط السياسية والادبية في العالم.
اذ وبعد ان استشم هؤلاء مايمكن ان تؤدي اليه المحادثات النووية بين ايران ودول 5+1 من انفتاح في العلاقات الاقتصادية، نظموا هذا الاجتماع السري الذي لم يختفي عين اعين النشطاء الاهوازيين الساهرة. ويؤمن نفط اقليم عربستان (خوزستان) نحو 90 في المئة من إيرادات ايران فيما يعيش الشعب العربي الاهوازي في عوز وحرمان وسوء تغذية ويعاني من تمييز عنصري متمثل بعدم توظيف ابناء هذا الشعب في الشركات التابعة لشركة النفط الوطنية الايرانية، بل وطرد العمال العرب منها. كما ان هذه الشركة اللاوطنية مسؤولة بشكل مباشر عن الاعاصير الرملية وتلوث البيئة الناتج عن تجفيفها لمياه هور الحويزة لستخرج وتنهب النفط الاهوازي بمساعدة الشركات الصينية ولتنافس العراق في استخراجه للنفط في حقول “مجنون” ويتم كل ذلك على حساب شعبنا العربي الاهوازي.
وخلافا لإسمها، لم تكن هذه الشركة، وطنية لتشمل كل الشعوب الايرانية وخاصة الشعب العربي الاهوازي الذي تقع معظم حقول النفط في إقليمه، بل وحتى في عهد محمد مصدق الذي أمم النفط الايراني لم يتغير كثيرا وضع شعبنا لا الاقتصاديا ولاسياسيا. اذ يمكننا القول ان خلافات مصدق مع الشاه محمدرضا البهلوي لم تكن الا خلافات بين شريحتين للبورجوازية الحاكمة في ايران
الخمسينيات: البورجوازية الوطنية بقيادة مصدق والبورجوازية التابعة (الكمبرادور) بقيادة الشاه السابق. حاليا وبعد ان اخذت الطبقات الحاكمة في ايران تشعر بالاختناق اثر العقوبات الاقتصادية بدأت تتقرب للغرب للحفاظ على هيمنتها السياسية والاقتصادية. وكانت غرفة التجارة البريطانية – الايرانية (BICC) الجهة المنظمة لهذا الاجتماع السري الذي ضم عدة شخصيات بريطانية وايرانية، ابرزهم: مدير الغرفة، الملياردير الهندي – البريطاني”غوبيجاند هندوجا”، ورئيسها اللورد “لامونت” من جهة، والبرلماني ريشارد بيكون رئيس المجموعة البرلمانية لحزب المحافظين المختصة بالشأن الايراني من جهة اخرى. وتضم غرفة التجارة البريطانية – الايرانية، كبار التجار والرأسماليين البريطانيين العاملين في مجال النفط وكذلك مسؤولين من شركة النفط الوطنية الايرانية وتجار وراسماليين ايرانيين كبار ينتمي معظمهم الى القومية الفارسية قوميا، والى البورجوازية الدينية والبيروقراطية اجتماعيا. وقد اشتبك هؤلاء مع النشطاء البريطانيين وابناء الشعب العربي الذين صرخوا في وجوههم معبرين عن آلام شعبهم المنهك تحت التمييز العنصري وانتهاكات حقوق الانسان الفاضحة وهذا ما حاول ان ينقله نشطاء حقوق الانسان البريطانيين الى المفاوضين من ابناء جلدتهم.
ويبدو ان الذين كانوا يحضرون للطبخة “النفطية” لم يكن يهمهم مايجري من انتهاك واسع لحقوق الانسان في ايران وخاصة في إقليم عربستان (خوزستان)، بل مايهمهم التوقيع على صفقات نفطية كبرى لصالح ملوك النفط في بريطانيا والقطط السمان (رجال الدين وحلفائهم من قادة الحرس الثوري والرأسماليين الكبار) في ايران. ويتم ذلك فيما يرزح المئات من السجناء السياسيين العرب في ظروف غير انسانية في سجون ايران، وعمليات الاعدام مستمرة في إقليم عربستان (خوزستان) الذي يحتل المرتبة الثانية في نسبة البطالة بين الاقاليم والمحافظات الايرانية وذلك بعد اقليم بلوشستان ذات الاغلبية البلوشية.هذا ما اعلنه “اوميد حاجتي” رئيس منظمة الميزانية والتخطيط في الاهواز قبل ايام.
وقد اثلجت عملية اقتحام مبنى شركة النفط الوطنية في لندن، التي تعتبر عملية نوعية ضمن انشطة الاهوازيين السلمية بالخارج، اثلجت قلوب الاهوازيين في الخارج والداخل. كما اكدت الامور التالية: اولا السلطة الايرانية وعناصرها في بريطانيا قرروا ان يجتمعوا سريا مع ممثلي اصحاب المصالح والشركات النفطية
الكبرى في لندن وذلك خشية فضح شعاراتهم الرنانة في معاداة الغرب والرأسمالية وماشابه ذلك. ثانيا تظهرالعملية ان رأس السلطة الدينية في ايران والتي تمثل عادة البورجوازية التجارية والبيروقراطية (عسكرية وغير عسكرية ) ترى مصالحها في الارتباط المباشر مع الاقتصاد الغربي بعد ان اخفقت فيما كانت تصفه ب”اقتصاد الصمود” لانها لايمكن ان تصمد والشعوب والطبقات الدنية في ايران ترزح تحت كاهل العقوبات المنهكة ولاتتمتع بنظام ديمقراطي يعترف بحقوقها القومية والفردية. ثالثا، تفاجأ الاهوازيون ونحن في شهر رمضان، بوجود مأكولات ومشروبات على طاولة المتفاوضين، وكذلك الايرانيون الذين يرتدون ربطات العنق. فمن وجهة نظري لامانع من الامرين، اذا كانت السلطة الايرانية وموظفيها في شركة النفط الايرانية يلتزمون بما يدعون. لكنهم يعملون هكذا في مبنى شركة النفط الايرانية في لندن، فيما يسجنون ويجلدون الناس العاديين في ايران بسبب شربهم لجرعة ماء او تدخينهم لسيغارة ما في الشارع. كما تمنع الحكومة الايرانية ارتداء الربطة اثر فتوى صادرة من المرشد علي خامنئي تحرم ذلك. اي ان السلطة الدينية المنافقة في طهران تعمل شيء في الخارج وتطبق شيء اخر في الداخل.
رابعا، تشهد ايران من الان وصاعدا نشوء طبقات طفيلية واخرى تابعة للرأسمالية الغربية ينتمي معظمها للقومية الفارسية تحاول ان ترشي الغرب مقابل قمعها للحريات السياسية واهمالها للحقوق القومية للشعوب غير الفارسية. لكن اذا كانت الاجواء مغلقة امام النشطاء السياسيين وخاصة الاهوازيين للاحتجاج على نهب ثرواتهم النفطية، فان الاجواء الديمقراطية في الغرب تمكنهم من ايصال صوتهم الى العالم بشتى الطرق. كما ان التنسيق مع النشطاء الغربيين من حقوقيين وبرلمانيين ومدنيين سيعطي حركة ابناء شعبنا في الخارج اندفاعا اقوى في هذا المجال.
– See more at: http://elaph.com/Web/opinion/2015/7/1022554.html#sthash.VHTrYOze.zrMCg1OZ.dpuf