يوسف عزيزي
يمكن طرح هذا السؤال ايضا بالشكل العام التالي: “حقوق الشعوب الإيرانية بين الفدرالية أو الاستقلال؟” وهو عنوان لندوة اهوازية شاركت فيها قبل ايام. لايمكن ان نحسم هذه الاشكالية او السؤال العويص هنا، لكن نستطيع فقط ان نبدي آرائنا فيه. نبدأ من المفاهيم. الحقوق Rights تعني “مبادئ قانونية واجتماعية او اخلاقية للحرية او الاستحقاق”. كما يجب الاشارة الى ان ايران تضم شعوب وليست “اقوام” كما يحلو للبعض هناك ان يسميها. ولدحض ما اقوله يدعي البعض ان الشعب – “مِلّت” بالفارسية – يجب ان تكون له دولة والا فهو “قوم” ولايجب وصف المكونات القومية المختلفة في إيران بالشعوب اي “ملل” بالفارسية. وانا اقول حتى لوقبلنا بهذا المنطق المعيوب، هناك شعوب في العالم توصف بشعوب بلادول Stateless Nations وهو مصطلح سياسي – حقوقي راج في العقود الاخيرة.
وتقول موسوعة ويكيبديا: “شعب بلادولة هو مجموعة إثنية، أو مجموعة دينية، أو مجموعة لغوية، أو أي مجموعة متماسكة اخرى لم تشكل الاغلبية السكانية في اي “دولة – أُمة” Nation “. والمصطلح يفيد ان هذه المجموعة (أو المجموعات) يجب Should have ان تكون لها دولة لتعبر بها عن مصالحها. هذا نظريا، وإما عمليا، هناك شعوب بلادول معترف بها دوليا مثل الشعب العربي الفلسطيني والشعب الكردي. وهذا هو ردي على الذين ينفون وجودنا كشعوب وما اكثرهم في إيران.
لاشك ان اي شعب في العالم يطمح الى بناء دولته الوطنية والبعض يناضل فعلا من اجلها، لكن لم يتحقق كل ماتريده الشعوب اي تقرير مصيرها بيدها رغم كل التطورات التي شهدها عالمنا، بل نحن في ايران وفي هذا المجال نقع في انتهاء القائمة ليس في العالم فحسب بل في المنطقة ايضا. وبرأيي يمكن التاكيد على “حق تقرير المصير” في كلا الحالتين: الفدرالية والاستقلال، اي حق تقرير المصير في إطار إيران الجغرافية أو بالانفصال عنها. فمن حق اي شخص أو مجموعة اهوازية ان تطالب بالاستقلال حتى لو لم يكن إقليمنا مستقلا وهو كان كذلك بالفعل في فترات من تاريخه. لكن من اجل ان نختار بين الخيارين – الاستقلال أو الفدرالية – يجب ان نقرأ الوضع الدولي والاقليمي والداخلي (الايراني والاهوازي) ولانكتفي بالشعارات والعواطف المحضة.
• الوضع الدولي: لاتقبل الدول الكبرى المؤثرة على الساحة الدولية كالولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي وروسيا والصين بتفتيت إيران. ضف الى ذلك الدول الاسلامية التي تعارض حتى اصدار بيانات تندد بانتهاك حقوق الانسان في ايران.
• الدول الاقليمية: لاتحبذ تركيا، والعراق، والعربية السعودية، وباكستان تقسيم ايران لأسباب تتعلق بتركيبتها الاثنية والقومية.
• الوضع الداخلي: وهو الاهم. اولا الدولة المشعشعية: ساشير هنا الى الفترات والظروف التي ادت الى استقلال عربستان في القرون الحديثة. اصبحت عربستان، دولة مستقلة في 1436 م على يد محمد بن فلاح المشعشعي واستمرت على ذلك الحال حتى عهد الشاه اسماعيل الصفوي حيث احتلها وحولها الى دولة تابعة الى حكمه واصبحت بذلك دولة تابعة اي ذات حكم ذاتي كامل (اذا تحدثنا بلغة اليوم) لها لغتها وثقافتها العربية بل وحدودها ايضا لكنها اخذت تدفع الضرائب لعاصمة الامبراطورية الصفوية. اي انها كانت اسما فقط جزو الامبراطورية الصفوية. لكن كيف تمكن العرب من بناء مملكة عربستان المشعشعية وعاصمتها الحويزة وحدودها تمتد من الاحساء والقطيف جنوبا الى صحنة وكرمنشاه شمالا ومن جبال زاغروس شرقا الى الكوت والحلة والبصرة غربا. السبب الرئيسي لتأسيس هذه الدولة العربية في عربستان يعود الى ضعف الدولة المركزية في إيران ووجود ملوك الطوائف يحكم بعض مناطقها، سلالة الخروف الاسود ومن ثم سلالة الخروف الابيض (قره قوينلو وآق قوينلو).
ثانيا، الدولة الكعبية الاولى: في العام 1730 استفاد الشيخ سلمان بن ناصر (شيخ قبيلة البوناصر) من الفوضى التي عمت الامبراطورية الفارسية بعد وفاة حاكمها نادرشاه الافشاري. اذ اقام الشيخ سلمان في الفترة 1730 – 1767 دولته المستقلة في عربستان وعاصمتها الفلاحية، بعد ان وهنت السلالة المشعشعية في الحويزة. وقد حاول باشا بغداد إركاعه ولم يستطع، كما فشل كريم خان الزند – حاكم الامبراطورية الفارسية – عدة مرات في محاولاته للقضاء على الحكم المستقل للشيخ سلمان.وقد حاول الانجليز باسطولهم البحري لكنه تمكن من دحرهم والانتصار عليهم بقوته البحرية وبرجال جيشه المخلصين. استغل الشيخ سلمان بن ناصر التناقضات والصراعات التي كانت تدور بين القوى العظمى انذاك (العثمانيون والفرس والانجليز) وهم كانوا يحيطون بإمارته دون ان يخضع لهم ودون ان يفقد استقلال امارته. وقد ازدهرت عربستان في زمانه، ازدهارا لم تبلغ مثله من قبل.
الدولة الكعبية الثانية شبه المستقلة. اذ اقامها الشيخ خزعل بن جابر في الفترة 1897-1925 لكن بعد 1920 واثر الثورة البلشفية في روسيا اتفقت بريطانيا مع الشاه رضا البهلوي على اقصاء امير عربستان. ويعود عدم استقلالها برأيي الى تزامن نشوئها مع ترعرع المد القومي الفارسي متمثلا بالمستشار الايراني “اميركبير” الذي عقد معاهدة ارض روم الثانية عام 1847 ومن ثم نشوء المد المعادي للعرب في الخطاب الفكري والادبي والسياسي الفارسي، بلغ ذروته في عهد الشاه رضا البهلوي (1925-1941). اذ كانت عربستان في عهد الشيخ خزعل، اسما جزو ايران لكنها امارة مستقلة في حقيقة الامر.
سائر الشعوب الايرانية الطامحة للانعطاق: اولا، الشعب الكردي: اقام الحزب الديمقراطي الكردي الإيراني بزعامة القاضي محمد في 1946 “جمهورية مهاباد” كجمهورية مستقلة لكردستان ايران لكن الحزب وفي مؤتمراته اللاحقة ابتعد عن موضوع الاستقلال بسبب استحالة تحقيقه، واخذ يطرح شعار “الديمقراطية لإيران والحكم الذاتي لكردستان” والذي تحول منذ سنوات الى شعار “الديمقراطية لإيران والفدرالية لكردستان”. وتشاطر احزاب كردية اخرى كحركة “كوملة” الحزب هذا الرأي. فحتى حزب “بيجاك” الذي يخوض حرب مسلحة ضد السلطة الايرانية من جبال قنديل العراقية لم يطرح شعار الاستقلال بل يطالب بتأسيس “كنفدراسيون” للشعوب الايرانية.
ثانيا الشعب البلوشي: تطالب معظم الشخصيات والاحزاب البلوشية بما فيها “جيش العدل” وهي حركة راديكالية مسلحة بحكم فدرالي لإيران. يذكر ان السعب البلوشي ايضا كان مستقلا في فترات من تاريخه الحديث.
ثالثا، الشعب الآذري: توجد هناك اتجاهات فدرالية وانفصالية حيث تتزايد الاخيرة بوما بعد يوم لاسيما في الخارج. غير ان ما نسمعه من داخل أذربيجان الايرانية هو المطالبة بالحقوق اللغوية والثقافية وتأسيس مجمع لغة تركي أذري في الاقليم. فئات واسعة من هذا الشعب لاترغب بالاستقلال عن ايران حاليا بسبب اندماج مصالح البورجوزية التركية مع الفارسية في ايران، اذ نشاهد حضور البرجوازية التركية الأذرية في العاصمة طهران وهي مصدر الاقتصاد الايراني. اذ لها حضور اقتصادي قوي في “البازار” والمعامل والمصانع والمتاجر وحتى المحلات.
كما توجد في جوارنا انظمة فدرالية في روسيا والامارات العربية المتحدة والعراق وباكستان نوعا ما. كما تطمح الشعوب في اليمن وسورية وليبيا الى اقامة انظمة اتحادية في بلادها. ولاننسى الانظمة الفدرالية التي تأسست خلال العقدين الماضيين في اسبانيا وافريقيا الجنوبية والبرازيل والارجنتين واندونيسيا وماليزيا وعدة دول اخرى سبقتها مثل سويسرا والصين والهند وبلجيكا وكندا والمانيا والولايات المتحدة الاميركية وعشرات الدول الاخرى في العالم.
لاننسى ان الشعوب التي نالت استقلالها في العقود الاخيرة، بدءا من بنغلادش وتيمور الشرقية ومرورا بجنوب السودان وختاما بجمهوريات دول الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا السابقة، كانت تتمتع بنظام فدرالي قبل ان تستقل نهائيا. كما ورغم تصاعد نضال الشعوب غير الفارسية في ايران والتجاوب الطفيف المشفوع بالمخادعة من قبل الاصلاحيين والمعتدلين، تعارض المؤسسات الرسمية وغير الرسمية الداعمة للغة الفارسية حتى تنفذ المادة 15 من الدستور الايراني الذي ينص على تعليم اللغات غير الفارسية في المدارس في مناطق هذه الشعوب.
السؤال حاليا وقياسا للمراحل التاريخية التي شهدها إقليم عربستان وكذلك الظروف الدولية والاقليمية والداخلية الآنفة الذكر، هل الظروف مؤاتية لإستقلال الشعوب غير الفارسية في ايران؟ انا اشكك في ذلك. فلامناص من نضال هذه الشعوب الى جانب القوى والحركات التقدمية الفارسية من اجل حقوقها القومية بشكل خاص والديمقراطية لكل إيران بشكل عام.
بما ان النظام يقمع بسهولة حراك كل شعب غير فارسي يتحرك لوحده وهذا مانشاهده في قمعه لحراك الجماهير العربية في الاهواز حاليا يجب على القوى الفاعلة من هذه الشعوب ان تكون لجنة تنسيقية بينها تقوم بمهمة التكاتف والتعاضد مع اي شعب يتعرض للقمع والتنكيل.
موقع “ايلاف”: 28 مارس 2015