يوسف عزيزي
في مثل هذه الايام من فبراير 1979 شهدت الشرق الاوسط، بل والعالم اجمع زلزال سقوط النظام الشاهنشاهي الاستبدادي اثر قيام الشعوب الايرانية بثورة جماهيرية واسعة استمرت بضعة اشهر وذلك من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. غير ان النظام الذي اقتنص الحكم، صبغ الثورة بلون ديني ووصفها بالاسلامية بعد ان تمكن بعد عامين ونيف من تصفية القوى السياسية الاخرى التابعة للحركات اليسارية والليبرالية والشعوب غير الفارسية.
هناك تفاعل تاريخي بين التحولات والحركات الثورية والسياسية في المجتمعين الايراني والعربي منذ ان ترجم الايرانيون “طبائع الاستبداد” للكواكبي الى الفارسية واصبح كتابا نظريا يُهتدى به عشية ثورة الدستور في اوائل القرن المنصرم. وتجلى هذا التفاعل ايضا في عهدي مصدق وعبدالناصر وبين الثورةالفلسطينية والمعارضة الايرانية ضد الشاه المخلوع.
وقد اطلق الزلزال هذا، العنان للاسلام السياسي ولحركات دينية ومذهبية راديكالية ليس بين الشيعة فحسب بل والسنة ايضا، بعد تشبث النظام الوليد في ايران بمفاهيم مذهبية بعيدة كل البعد عن المطالب التاريخية للقوى السياسية الايرانية وشعوبها المختلفة. ودون ادنى شك ان القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية والحركات المتطرفة الاخرى في العالم الاسلامي تُعتبر ردة فعل على تداعيات هذا الزلزال الشيعي السياسي من جهة، وتقليد سني سياسي لهذا النموذج من جهة اخرى.
يجب ان اشير هنا الى نقطة هامة وهي ان الثورة الايرانية انتهت بعد ان قضت السلطة الثيوقراطية بعنف واثر تصفيات دامية ضد جميع القوى الليبرالية والديمقراطية واليسارية وحركات الشعوب غير الفارسية، وتبنت سياسات القمع والكبت في الداخل وسياسات امبريالية توسعية في المنطقة وفي العالم العربي بشكل خاص. وقد بدأت – برأيي – عملية الاستحالة من الدولة الثورية الى الدولة التوسعية بانتهاء الحرب العراقية – الايرانية وفشل ايران من تحقق اهدافها في تلك الحرب التي استمرت ثماني سنوات (80 – 1988). اذ بذل المرشد الحالي على الخامنئي جهدا حثيثا لتثبيت الدولة الامبريالية متشبثا بمبدأ تصدير الثورة الذي اكد عليه مؤسس الجمهورية الاسلامية روح الله الخميني. لكن الحنين والتوجه الى الاصلاح والتغيير لايزال يشغل بال الشعوب الايرانية لتحقق احلامها في الديمقراطية والحرية واللامركزية. وانصع دليل على ذلك الانتفاضة الخضراء التي اعقبت الانتخابات الرئاسية في العام 2009 والتي استمرت لبضعة اشهر ولايزال زعمائها الاصلاحيين كميرحسين الموسوي و مهدي كروبي واخرون يرزحون في السجون. اذ نزل في احد الايام من صيف ذلك العام نحو 3 ملايين شخص الى شوارع طهران محتجين على تزوير نتائج الانتخابات لصالح المرشح المتشدد محمود احمدي نجاد. وتظهر هذه الاحداث والاخرى التي تلتها في طهران وفي المناطق التي تقطنها قوميات غير فارسية انه وفيما تتمدد السلطة الاستبدادية الدينية في اتجاهها التوسعي في افغانستان والعراق وسورية ولبنان واليمن فان القوى السياسية المعارضة من اصلاحية وليبرالية ويسارية تسعى لتحقيق اهداف الثورة الديمقراطية في ايران.
ويعتقد البعض ان الجماهير العربية وبدءا من تونس تفاعلت مع هذه الانتفاضة وتأثرت بها ، كما تأثرت بالثورات الملونة في جورجيا واوكرانيا.
وتحبذ النخبة الايرانية وخاصة القوميين الفرس منهم ان يقارنوا ايران بمصر فقط لتماثل البلدين التاريخي والسياسي، وينظرون بعين الازدراء الى دول اخرى كالعراق وسورية والاردن ويعتبرونها دول مصطنعة حديثا بسبب فقدانها لكيان تاريخي للدولة، كمصر وايران كما يزعمون. هناك تشابه بين المجتمع المدني في مصر وايران، لكن المؤسسات المدنية في تونس تُعد اقوى من مثيلاتها في تلك البلدين. فعلى سبيل المثال اننا لانجد مثيلا للاتحاد العام التونسي للشغل، لا في ايران ولا في مصروالذي لعب دورا بارزا في اسقاط نظام بن علي وتسهيل الانتقال الى الديمقراطية بعد قيام الثورة التونسية. كما لعبت مؤسستي رجال الدين في ايران والجيش في مصر بتسهيل اسقاط الانظمة القديمة (الشاه وحسني مبارك) غير انهما تحولا الى مانع لإرساء الديمقراطية بعد قيام الثورتين. حاليا وبعد ان اصبح الحرس الثوري الايراني اداة بيد مؤسسة رجال الدين بشكل عام وعلي الخامنئي بشكل خاص، يمكننا القول ان العسكر في كلا البلدين تحول الى حجر عثرة على طريق الديمقراطية في مصر وايران. بل والاكثر من ذلك اصبح الحرس الثوري في ايران اداة توسعية بيد الامبريالية الايرانية ليس في العالم العربي فحسب بل في افغانستان وبعض الدول الافريقية ايضا. العرب يعرفون مدى القمع الذي يواجهه الربيع العربي لكنهم لايعرفون الكثير عن القمع والتنكيل والمجازر التي ارتكبها النظام الثيوقراطي خلال العقود الاربع الماضية في السجون الايرانية وخلال مواجهاته للمظاهرات السلمية للاحزاب والنخب الفارسية في المركز ومثيلاتها الكوردية والعربية والاذرية والبلوشية في المحيط.
لكن ايران تختلف عن مصر من حيث نسيجها الاجتماعي والاثني والذي يُعتبر عاملا هاما في الثورات العربية في دول كسورية والعراق وليبيا واليمن. بل تُعد ايران اكثر تنوعا في مجال الاقليات الدينية والمذهبية والاثنية حيث توجد فيها شعوب وليس شعب واحد. وهذا مايؤدي الى تشابه بين العملية الثورية والديمقراطية في ايران والدول المذكورة انفا. وكما في سورية والعراق واليمن وليبيا، تطمح معظم القوى الثورية والديمقراطية في ايران الى إرساء نظام فدرالي ديمقراطي يحد من السلطة المركزية الحديدية.
وقد فرضت نضالات الشعوب غير الفارسية في ايران والتي لايزال نسمع باخبارها المشفوعة بالعنف احيانا وبالسلمية احيانا اخرى في كردستان وبلوشستان وعربستان وإذربيجان، فرضت بعض من مطالبها حتى على مرشحي الرئاسة الايرانية خلال الاعوام الخمسة والثلاثين الماضية.ونشهد ذلك في البرنامج الانتخابي لمسعود رجوي عند ترشحه لرئاسة الجمهورية عام 1979 وحتى خاتمي وكروبي ومير حسين الموسوي وروحاني في العقود الاخيرة. كما لم تهدأ الشخصيات والاحزاب الايرانية المعارضة – وكل واحد حسب رؤيته – عن المطالبة بحرية التعبير والاحزاب والانتخابات في ايران وهي مطالب ديمقراطية اساسية لايزال يناضل من اجلها الاحزاب الوطنية والديمقراطية في البلدان العرية التي شهدت ثورات، تحولت بعضها الى حروب اهلية دامية. ولااستبعد ان تتحول ايران الى مثل هذه الوضع اذا لم تُحل القضايا الديمقراطية الملحة فيها وعلى رأسها قضية حقوق الشعوب غير الفارسية. وانا اجزم ان دمقرطة الحكم في ايران سيخفف بل ممكن ان ينهي التطرف الديني المنتشر في الدول المجاورة، وكما كانت الثورة الدينية الراديكالية في ايران حافزا لبروز الحركات الاسلامية المتشددة سيكون التحول الديمقراطي فيها حافزا لمناخ ديمقراطي جديد في المنطقة.