المجتمع القبلي والمجتمع المدني ودور المثقف الاهوازي

ahwazian arabs - aljihad region 2

يوسف عزيزي

موقع “ايلاف” 04/01/2015

شهد اقليم عربستان خلال الاسبوعين الماضيين، احداث يمكن للمثقفين والنشطاء الاهوازيين التدقيق فيها واخذ العبر منها. اولها إضراب العمال العرب العاملين في احدى الشركات التابعة لشركة تنقيب النفط (آزادغان الشمالي) في منطقة الحويزة، جنوب غرب الاقليم. ويعتبر هذا الاضراب نادر من نوعه، يتم لاسباب عنصرية – مهنية ويظهر مدى تاثير الخطاب المعادي والفاضح للعنصرية الذي يقوم به عدد من النشطاء في الخارج ووصوله الى مناطق  نائية جدا في الاقليم .

 ثانيا وفاة الكاهن الاعظم للطائفة المندائية الكنزابارا “جبار طاووس الكحيلي” حيث شارك في تشييع جثمانه وتأبينه العشرات من النشطاء الاهوازيين، وهو ايضا حراك نادر، اذ كانت تعتبر عامة الناس الصابئة المندائيين بالطائفة النجسة والاسوأ من ذلك عدم اعتراف مؤسس الجمهورية الاسلامية اية الله الخميني برسمية هذه الطائفة في ايران رغم انها طائفة موحدة ومذكورة في القران واعترافه رسميا وشرعيا بالطائفة الزرادشتية الثنوية العقيدة. ولم يثمر الاعتراف اللفظي للمرشد  الحالي السيد علي الخامنئي بوحدانية هذه الطائفة في العام 1989 بعد كل المصائب التي تحملها ابناء هذه الطائفة المسالمة، بمافيها حرمانهم في الثمانينات من القرن المنصرم من بيع وشراء العقارات والعقود التجارية الا بواسطة طرف مسلم ثالث. هذه الامور وضغوط ومضايقات دينية اخرى ادت بهجرة العديد من ابناء هذه الطائفة الى الدول الغربية ، اذ لاتزال النظرة الدونية للصابئة المندائيين سائدة بين رجال الدين والمسؤولين الحكوميين وقد تجلت بعدم حضور اي مسؤول حكومي – رجل دين كان او غيره – في جنازة وتأبين الكنزابرا جبار طاووس الكحيلي وهو الزعيم  الروحي لجميع الصائبة في العالم. بل ولم تسمح السلطات المحلية في الاهواز حتى بارسال سيارة اسعاف لنقل الراحل الى مثواه الاخير مما اضطر باهله ان يستخدموا سيارة “وانيت” غير صالحة لذلك.

ثالثا ماجرى خلال تشييع جنازة الشيخ خالد الطعيمة شيخ عشيرة خزرج في اقليم عربستان. اذ شارك فيها الالوف من الناس بما فيهم بعض المسؤولين مثل ممثل المرشد الاعلى في الاهواز وامامها موسوي الجزائري . وفي ختام التأبين اثار عرض بعض الشيوخ، فتاتين كهدية للزواج مع الذكور من ابناء المتوفي والتي توصف ب””الزيان” في المجتمع الاهوازي، اثار غضب النشطاء في الداخل والخارج، تجلى على شبكات التواصل الاجتماعي، مماحدى بابن المتوفي ان يستنكر الامر ويرفض الهدية المنافية لحقوق الانسان الاهوازي. ومثل ردالفعل هذا امر نادر – ان لم نقل غائب – في المجتمع الاهوازي مما يظهر مدى حيوية وحراك المجتمع المدني وتأثيره في العمق الاجتماعي والجغرافي للشعب العربي الاهوازي.

رابعا ماتفوه به كريم الطائي احد شيوخ قبيلة بني طرف في تأبين احد كبار عشائرها حيث نعت الشيخ خزعل اخر حاكم عربي لاقليم عربستان باسوأ النعوت وقام بدفاع مستميت عن القبلية في الاقليم مستهلا كلامه بمدح الثورة الاسلامية في ايران. هذا الامر ايضا اثار موجة من الاستنكار على شبكات التواصل الاجتماعي، اتهم فيها المثقفون والنشطاء الاهوازيين، الرجل بالتخلف والرجعية. لكن الامر يبدو ابعد من ذلك. فغرف الفكر في الجمهورية الاسلامية قلقة ازاء نشاط الاهوازيين بالخارج والداخل وهي تخطط بشتى الطرق للحد من توسيع دائرة الوعي القومي العربي في عربستان والحيلولة دون تحوله من حركة كمية الى حركة نوعية تؤدي الى بروز العرب كرقم لاباس به على الساحة السياسية في ايران. واخذت تجند بعض المثقفين ورؤساء القبائل لهذا الغرض بعد ان كانت الجمهورية الاسلامية ترفض التعامل مع هؤلاء في عقدها الاول بعد قيام الثورة، حيث كانت مفردة “الشيخ” تعتبر كشتيمة في ادبياتهم. لكن فقدان السلطة الايرانية لقاعدتها الشعبية وخشيتها من تنامي الوعي القومي العروبي بين جماهير الشعب العربي الاهوازي في الاعوام الاخيرة ادى بالسلطات الايرانية ان تعمل على تحسين علاقاتها وتوثيقها مع شيوخ القبائل والعشائر. كما لاننسى ان البيروقراطية والاضطهاد القومي يدفع بعامة الناس الى احضان الشيوخ ورؤساء العشائر. فعلى سبيل المثال يطول صدور الحكم في المحاكم حول الجرائم الى عدة اعوام فيما تحل المشكلة في العرف العشائري وفي اجتماع (الفصل) لرؤساء القبائل خلال ساعات. كما ان النظام الايراني ينوي العزف على وتر الخلافات القبلية القديمة في عربستان وفي مثل هذه الحالة يريد ان يذكر بما حدث من وقيعة بين الشيخ خزعل وبعض شيوخ قبيلة بني طرف ابان حكمه على اقليم عربستان (1897 – 1925). لكن يبدو من الصعب ان يتجسد حلم النظام هذا بسهولة وذلك بسبب وجود شباب قومي متحمس ونشطاء واعين على الساحة الاهوازية، لكننا يجب ان نعلم ان النظام الايراني لم يستخدم كل اوراقه حتى الان وسيطرحها على الساحة بالتدريج، كلما تطور النضال السياسي والثقافي بين ابناء الشعب العربي الاهوازي من  اجل احقاق حقوقه القومية والتاريخية. وكما قلت في كتابي “القبائل والعشائر العربية في عربستان” قبل اكثر من عشرين عاما ان للعلاقات القبلية في مجمعنا جذور تعود الى قبل الاسلام وهي اقوى حتى من العلاقات الدينية التي وهنت اثر حكم رجال الدين في ايران خلال العقود الاربع الماضية. وقد حاول بعض النشطاء خلال تشييع جنازة الشيخ خالد الخزرجي وحفل تأبينه ان يستغلوا المناسبة ويطرحوا اشعار و”هوسات” شعبية تعبر عن مدى الاضطهاد القومي للشعب العربي الاهوازي وبذلك اخترقوا الخطاب القبلي خير اختراق. ويبدو ان مواجهة النشطاء للموجة القبلية المدعومة من قبل النظام الايراني ليست بالمحاولة لإجتثاث العلاقات القبلية من جذورها بل من خلال اختراقها وتوظيف مجالها الشعبي من اجل اهداف القضية الاهوازية. وفي الختام يمكنني القول بان المجتمع المدني والسياسي الاهوازي في صراع لاهوادة فيه مع المجتمع القبلي وبما ان  الاول يحمل افكارا حديثة تتناغم والمجتمع الحديث ايرانيا وعالميا فانه وخلال صراعه مع الثاني سيتقدم يوما بعد يوم لكن لن تكون له الغلبة الا بتراجع دور القوى الداعمة للخطاب القبلي وانفتاح الوضع السياسي في ايران عامة و في عربستان خاصة والذي يؤدي الى تعزيز دور المؤسسات السياسية والثقافية والمدنية في المجتمع العربي الاهوازي على حساب المؤسسة العشائرية.

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور