تحدثت في مقال سابق عن “بُناة الاهواز الحديث” وساتطرق في هذا المقال الى موضوع ذات صلة. فالدافع من كتابة هذه المقالات هو الرد النظري على الحملة الاستيطانية الواسعة لغير العرب في إقليم عربستان والتي حظيت بدعم النظامين الملكي والجمهوري.
العرب أسسوا اول شركة خاصة لحافلات نقل الركاب في الاهواز
في الخمسينيات من القرن المنصرم، قام عبدالحسين العامري، وهو عربي اهوازي، بتدشين اول محطة بنزين غير حكومية في حي”آسيه أباد” بالاهواز العاصمة. وكانت المحطة تعمل بشكل يدوي قبل ان تصبح كهربائية. كما قام عدد من المواطنين العرب بتشكيل اول شركة لحافلات نقل الركاب في مدينة الاهواز ومنهم رمضان الحميدي ونعيم مياحي وجابر الحميدي. اذ كانت الشركة خاصة، تعمل فيها حافلات يمتلكها الشركاء العرب. ولم يكن في الاهواز قبل ذلك حافلات لنقل الركاب بل سيارات اجرة (تاكسي) وعربات تجرها الحصن (دُرشكه). وكان المسيرالاول للحافلات يبدأ من شارع بهلوي (الخميني حاليا) عبورا من الجسر المعلق على كارون مرورا بحي النهضة (لشكرأباد) وانتهاءا بحي كمبلو (الثورة حاليا) والعكس بالعكس. والمسير الثاني يبدأ من حي “آخر اسفالت” ليصل الى حي زيتون العمال. وفي الستينيات، الغت الحكومة، هذه الشركةالعربية الخاصة لتحل مكانها، شركة حكومية تعرف حاليا ب”شركة واحد”.
من كان يملك اراضي “زيتون”و”كورش”؟
فقد تم انشاء حي “زيتون الموظفين”(زيتون كارمندي) في اواخر الستينيات من القرن المنصرم على اراضي زراعية كان يملكهاالحاج حمود العامري (ابوفيصل) وشنان العامري (ابوطارق)، اذ باعا الارضي الزراعية لشركات واشخاص عرب وغير عرب ليتم بناء هذا الحي في شمال مدينة الاهواز العاصمة. وقدتمددت المدينة بعد ذلك الى الشمال اكثر فاكثر بواسطة انشاء حي “كورش” او الزوية سابقا وحي الشعب حاليا وهو حي راقي نسبيا. وكان عبد الرحمان العامري – شقيق آسيه نبهاني وابن عم حمود العامري – المؤسس الاول لهذا الحي. اذ قام في الستينيات من القرن الماضي بتدشين معمل لإنتاج اللبن في قرية الزوية باسم “آجرعامري”، لكنه قام بتخريب المعمل في العام 1971 وشرع في بناء بيوت – فلل – وأجرها لشركة النفط الايرانية وبذلك اسس حي “كورش” او الشعب. وقد قرر عبدالوهاب العامري – زوج آسيه العامري – بتوسيع الحي في اراضيه الزراعية المتصلة بالحي المحاذية لنهر كارون، واصفا اياها بالمنطقة 3 (فاز 3 كورش)،غيران خطته في بيع البيوت لم تنجح بسبب قيام ثورة فبراير 1979 ضد الحكم الملكي في ايران، حيث قامت السلطة الوليدة في الجمهورية الاسلامية بمصادرة المنطقة 3 من الحي بجميع بيوتها وعقاراتها وقسمتها بين العاملين في الشركات الحكومية الايرانية كشركةالتنقيب التابعة لشركة النفط (حفاري) وشركة الطاقة (توانير) وشركة الاتصالات(مخابرات) وشركة صناعات الصلب (صنايع فولاد) وشركات واشخاص اخرين.
وقبل الثورة اي في عهد الشاه السابق، قامت السلطات الايرانية بمصادرة الاراضي الزراعية التابعة لبيت الشيخ نبهان العامري في قرية الدغاغلة. واقامت فيها معسكر للقوات المسلحة الايرانية (بادغان دغاغلة)ومساكن لشركة الطاقة الحكومية (توانير) والتي يقطنها حاليا خبراء روس يعملون في منشآت الطاقة الكهربائية في الاهواز. كما تم انشاء المنطقة الرابعة لحي الشعب (فاز4 كورش)، تم تقسيمها بعد الثورة بين الفرس المهاجرين وخاصة اللور والبختيارية ولم يصل للسكان الاصليين العرب، الا عشرها.
اراضي حي “كارون”و”باهونر” و”سبيدار”
تقع هذه الاراضي في شرق مدينة الاهواز، وكان يملكها الحاج سباهي الصخيراوي، حيث تم في عهد الشاه، بناء سجن كارون ومعمل انتاج الانابيب التابع لشركة النفط (لوله سازي) وحي “سبيدار” على هذه الاراضي. وقد حاول الحاج سعدون الصخيراوي بن سباهي، وكريم العاشور العامري وضابط فارسي في الجيش الشاهنشاهي تسجيل هذه الاراضي باسمائهم في ادارة العقارات والاملاك،مستظهرين بذلك على دعم عبدالاميرالخزعل ابن الشيخ خزعل، المرافق العسكري للشاه السابق. لكن بعد وقوع الثورة في 1979 تمت مصادرة هذه الاراضي التابعة للحاج سباهي الصخيراوي واقيم فيها حي “باهونر” وحي”رسالة” وذلك رغم وجودعبدالوهاب الصخيراوي – حفيد سباهي الصخيراوي – على رأس اللجان الثورية في الاهوازفي تلك الفترة.
حي “آسيه أباد” و”حصيرأباد”
في العام 1960 دشنت آسيه العامري، حي”آسيه أباد” في الاهواز الذي كان اراضي زراعية يملكها والدها. ومفردة “آسيه أباد” مأخوذ من اسمها، وهي حفيدة الشيخ نبهان العامري – جد عشيرة العامرية – حاكم الاهواز في اواخر القرن التاسع عشر. وكانت آسيه، شخصية جريئة في القضايا الاجتماعية والعشائرية. ويتحدث الناس في “الاهواز القديم”، حكايات عديدةعنها في هذا المجال. وقد قامت آسيه بتقسيم اراضيها وبيعها للناس ومعظمهم من العرب،ليبنوا البيوت والعقارات، وقد توسع حي “آسيه أباد” رويدا رويدا حتى جاورحي زيتون العمال (كارگری) شمالا وحي “حصيرأباد” شرقا، وتصل نسمة الحي حاليا الى 50 الف نسمة.
وإما “حصيرأباد”، هو اسم الحي الذي تم تدشينه في اوائل الستينيات من القرن المنصرم، على اراضي حسن العامري وهي تمتد من منطقة اللاسلكي (بيسيم) الواقعة على جبل “المنجور” وحتى منطقة “الميدان” اي سوق الفواكه سابقا. وحسن العامري ايضا من احفادالشيخ نبهان العامري. وفي الواقع تم تدشين حي “حصيرأباد” بعد هطول امطارغزيرة وفيضانات عمت اقليم عربستان في تلك الفترة. اذ قامت الحكومة الايرانية بمصادرة الاراضي التابعة لحسن العامري بحجة إسكان المنكوبين من غير العرب ومعظمهم من اللور، حيث تم نقل هؤلاء الى حي حصيرأباد وذلك بغية تغيير التركيبة السكانية في شرق مدينة الاهواز.
“بستان الشيخ”و”غولستان” و”كيان بارس”
يأخذ حي “بستان الشيخ” او”باغ شيخ” – كما يصفه غير العرب – اسمه من بستان كبير كان يملكه الشيخ خزعل بن جابر حاكم اقليم عربستان (1897 – 1925)، حيث تُزرع فيه الخضروات والفواكهة وتُبعث للشيخ كلما كان يزور الاهواز قاصدا اياها من عاصمته المحمرة. وبالقرب من بستان الشيخ، كانت تقع مدرسة الجاسبية (نسبة الى الشيخ جاسب بن خزعل) التي تحولت في عهد البهلوي الاول الى ثانوية شابور (دبيرستان شابور). ويبدو انها اول ثانوية تأسست في الاهواز. كما تم تأسيس ثانوية اخرى فيما بعد في شمال شرق الاهواز باسم ثانوية منوشهري (دبيرستان منوچهري)حيث كان المبنى يسُتخدم سابقا كاسطبل لخيل الشيخ خزعل وابنائه في الاهواز.
وقد تم تدشين حي “غولستان”في عهد البهلوي الثاني على اراضي زراعية كان يملكها بيت سيد نعمة (السادةالنعمتية) خاصة سيد كريم وسيد يوسف وكان لهؤلاء علاقات وطيدة مع نظام الشاه السابق حيث كان مبنى المقر المركزي لجهاز الامن الملكي (السافاك) في حي الامنية في الاهواز ملكا مستأجرا من سيد يوسف النعمتي.
كما كان يملك التاجر العربي النصراني الاهوازي، عزيز جورج، اراضي زراعية واسعة في منطقة سيد عباس التي اصبحت تعرف في عهد الشاه السابق ب “كيان بارس”. وقد اعطى الشاه رضا البهلوي قسم من اراضي هذه المنطقة الى الزرادشت من مدينة “يزد” الايرانية، ناهيك عن البهائية الذين كانوا يستأجرون ويملكون بعض البساتين في هذه المنطقة من الاهواز. فلم يكن لهؤلاء – الزرادشت اليزديين والبهائية الاصفهانيين – اي وجود في عهد الحكم العربي للشيخ خزعل.
وقد اخذت الصحف الايرانية الصادرة في طهران والمسيرة من قبل النظام الملكي تهتم منذ اوائل الستينيات باراضي الاهواز والمضاربةفي هذا المجال، لم تشهد مثلها اي مدينة اخرى في ايران. حيث كنا نقرأ في صفحات اعلانات الصحف انذاك، اعلانات مثل “تبادل اراضي الاهواز مع نظيراتها في طهران”. وكان ذلك يتم لاستملاك غير العرب اكبر قدر ممكن من الاراضي والعقارات في مدينة الاهواز.
وينقل المعمرون الاهوازيون عن الشيخ عاشور النبهان العامري وعقب سقوط الشيخ خزعل في العام 1925 بانه حذر السكان الاصليين العرب في “اهواز القديم” من مغبة الهجرة الفارسية الى الاهواز قائلا باللهجة المحلية: “حوطوا حوطوا، هسه العجم يجون ويأخذون القاع منكم”، مما ادى بالناس في حارات “الصخيرية و”الشبيشة”و”سوق العرب” وحارات اخرى ان يفعلوا ذلك.
يمكن هنا ان نشير الى 3 عوامل رئيسية ادت الى تفاقم الهجرة الفارسية الى مدينة الاهواز العاصمة للاقليم وهي: اولا تشجيع ا
لانظمة المتعاقبة في الحكم: البهلوي ومن ثم نظام الجمهورية الاسلامية، وثانياالشيوخ الكبار – او بالاحرى معظمهم – الذين باعوا الاراضي على الحكومة والوافدين من غير العرب دون الشعور باي احساس قومي، وثالثا جهل عامة الناس التي لم تدرك خطورة هذا الامر، الا في الاعوام الاخيرة.
وقد افدت في كتابة هذا المقال من معلومات زوجتي سليمة فتوحي وصديقي سعيد سيلاوي الاهوازي – وهما من ابناء اهواز القديم – فشكرالهما.