يوسف عزيزي
جريدة الزمان 23 سبتمبر 2014
منذ اوائل القرن الخامس عشر وحتى مطلع القرن العشرين، تبادلت مدن الحويزة والفلاحية والمحمرة، ادوارهما كعواصم لإقليم عربستان المعروف بمملكة عربستان قبل انهاء الحكم العربي فيه عام 1925. ولم يكن الاهواز في اواخر القرن التاسع عشر إلا قرية يديرها الشيخ نبهان العامري معينا من قبل حكام المحمرة عاصمة الاقليم آنذاك. غير ان مدينة الاهواز حلت مكان المحمرة بعد سقوط الشيخ خزعل، واخذت تتطور بعد التنقيب عن النفط في الاقليم، حيث تُعد حاليا اكبر مدينة في عربستان تضم اكبر عدد من العرب واقلية غير عربية معظمها مهاجرة من مدن ايرانية اخرى.
وكان الشيخ عبدالحميد الشيخ خزعل حاكما للأهواز قبيل سقوطها بيد الشاه رضا البهلوي وضمها الى إيران، حيث كان هناك سوق يوصف ب سوق عبدالحميد في المدينة وخانات ك خان الحويزة ، تُستخدم كفنادق للمسافرين. وقد احتفظ هذا السوق باسمه حتى الساعة. فعلاوة على العرب، كان بعض الكسبة المهاجرين من تستر ودسبول (الشيشترية والدسابلة) يستأجرون المحلات من الشيخ عبدالحميد في سوق عبدالحميد وفي الشارع العمود عليه الذي عُرف فيما بعد باسم شارع بهلوي ومن ثم شارع الخميني بعد سقوط الاسرة البهلوية. وفي الواقع تشير عملية تدشين وتوسيع شارع بهلوي ومن ثم شارع كاوه وتغيير اسميهما الى “خيابان بهلوي” و”خيابان كاوه” الى نهاية حقبة وبداية حقبة جديدة، خرج خلالها اقتصاد هذا السوق وهو البازار أي السوق المركزي والاكبر في الاهواز من يد العرب بشكل شبه مطلق. اذ اتجه العرب الى قطاعات اقتصادية اخرى سنشرحها.
وقد صادر الحكم البهلوي، ممتلكات الحكم العربي بعد سقوط الشيخ خزعل منها ثكنة لقوات الشيخ النظامية ومعظمهم من قبيلتي البغلانية والباوية، اذ تنتمي نورة بنت طلال والدة الشيخ خزعل الى القبيلة الاخيرة. وقد حول حكم البهلوي الاول، هذه الثكنة الى سجن عام للاقليم، عُرف باسم سجن آخر اسفالت (زندان آخر اسفالت) وكذلك حول اكبر بيت لشيخ خزعل في الاهواز الى مقر مركزي لشرطة الاقليم (شهرباني مركزي استان
(خوزستان) ، تحول فيما بعد الى مخفر رقم 3 لشرطة الاهواز كلانتري 3 . كما تحولت مدرسة الجاسبية الى ثانوية شاهبور (دبيرستان شابور وتقارن ذلك مع التعليم باللغة الفارسية ومنع التعليم باللغة العربية في مدارس الاقليم منعا باتا. اذ تم حرمان الشعب العربي الأهوازي من التعليم بلغته الام، ليس في العهد الملكي البهلوي فحسب، بل وفي عهد الجمهورية الاسلامية التي قامت بفضل كفاح الشعوب الايرانية في العام 1979. وقبل قيام الثورة بعشر سنوات، تم نقل السجن العام الى حي كارون في شرق مدينة الاهواز، يوصف حاليا باسم سجن كارون (زندان كارون). كما تم تخريب احد قصور الشيخ خزعل المعروف ب سراي الشيخ الى موقف للسيارات في شارع 24 متر، وسط المدينة في الثمانينات من القرن المنصرم أي في عهد الرئيس الاسبق هاشمي رفسنجاني.
وقد قام العرب منذ العشرينيات وحتى الستينات من القرن المنصرم، بإرساء بناء الاهواز الحديث رغم فقدانهم السلطة السياسية، غير ان انبثاق الحركات القومية العربية المناهضة للسلطة الايرانية في اواخر الخمسينات واوائل الستينات، ادى بنظام الشاه محمد رضا البهلوي بان يزيد من اجراءاته الخاصة بتفريس المدينة إثر شعوره بخطورة الموقف، خاصة وان المد الناصري كان يهدر في المنطقة ويهدد النظام الشاهنشاهي المعروف آنذاك بدرك الخليج. وكان في بلاط الشيخ خزعل، مساعدون ومستشارون، معظمهم من غير العرب. وبعد سقوط الشيخ، تأقلم مساعدو ومستشاروه ك معين التجار و حسن عجم – ابو ناصرعجم رئيس بلدية الاهواز في عهد الشاه محمد رضا البهلوي – و الكُميلي و دولتي مع الوضع الجديد، لكن رجال ك الريس و دشتي لم يقبلا التعاون مع حكم الشاه رضا البهلوي، حيث اضطر الاخير ان يهاجر الى الكويت. كما يجب ان نشير الى التاجر الأهوازي الشماسي وهو اصلا من عرب المحمرة ومالك عقارات في الحي التجاري بالأهواز منها، عدة عقارات في المنطقة التجارية على ضفاف نهر كارون بالقرب من ميدان الشهداء، اذ حلت مباني لمصارف ايرانية ك بنك ملي و بنك صادرات ومبنى دائرة الاتصالات او ما يعرف ب المخابرات بالفارسية، حلت مكان كان يستخدمه الشيخ خزعل للاستعراض، منها استعراض مواكب العزاء الحسينية يوم عاشوراء. اذ تؤكد السيدة كاظمية بنت محمد الوهبية وهي جدة الزعيم السياسي الراحل منصور السيلاوي الأهوازي انه وفي مثل هذا اليوم كان يجلس الشيخ خزعل على المنصة ويستعرض اللطامة والمعزين من القبائل القاطنة في مدينة الاهواز منها الباوية والحميد والسلامات والمياح، ومن ثم يستضيفهم جميعا للغداء. وتعود ملكية كافة الدكاكين والمحلات في هذه المنطقة لورثة الشماسي منهم المهندس شماسي المدير العام السابق لشركة نفط الجنوب في الاهواز. ومن بين هذه العقارات، هناك محل لصنع الاختام (مُهر سازي) حل مكان اول محل للتصوير في الاهواز تأسس في عهد الشيخ خزعل. وكما قال لي سعيد السيلاوي الأهوازي، توجد حاليا في مستودع هذا المحل، مصورة كاميرا قديمة كانت تتحرك على سكة حديد صغيرة لتصوير الاشياء وذلك بسبب عدم وجود عدسات آنذاك. كما توجد هناك حسينية لبيت الشماسي على رأس شارع نادري في حي الناصرية بالأهواز.
وكما نقل لي السيلاوي الأهوازي، اقام ابو كريم اسمر وهو عربي آشوري نصراني اول صيدلية في مدينة الاهواز في الثلاثينات من القرن المنصرم في مكان مقهى لشخص يوصف ب رحيم احساني من بني سالة كان يعرف ب رحيم قهوجي . اذ اقام رحيم، مكان المقهى، صيدلية وعدة دكاكين في الطابق الارضي، وفندق (مسافر خانه) في الطابق الاول، عُرفت باسم مسافر خانة احساني في مفرق سيمتري أي تقاطع شارعي سيمتري و بهلوي )خميني الحالي . واصبحت الصيدلية التي امتلكها ابوكريم اسمر تحمل اسم (داروخانه شوش) أي دوا خانة الشوش نسبة الى مدينة الشوش (السوس الاثرية في اقليم عربستان. وبذلك اخذت الفنادق بشكلها الحديث تحل مكان الخانات القديمة كخان الحويزة. واقام شخص عربي اسمه زية ويُعرف ب ابوعبد ، اول معمل للطحين في مدينة الاهواز يوصف ب مكينة ابوعبد في شارع سيمتري . وبعد تخريبها في عهد الشاه محمد رضا البهلوي تحولت الى مبنى لمخفر رقم 3 (كلانتري 3 ) قبل ان ينتقل هذا المخفر الى بيت الشيخ خزعل في جنوب المدينة. ويوجد هناك حاليا مركز تجاري يعرف ب (بنكاه زماني) . كما دشن تاجر عربي آشوري اسمه تتنجي – او توتونجي بالفارسية – اول معمل لصناعة حجر الموزاييك والبلاط في شارع سيمتري، يحل مكانه حاليا محل او (باساج) حجي حمادي الواقع على رأس شارع الشهيد شمخاني. واقام ماهور خفاجي زاده وهو عربي مندائي اول معمل لإنتاج الثلج في حي آخر اسفالت في مدينة الاهوز والذي كان يعرف ب مكينة الثلج . كما اول ما اسس لورشة خاصة بالمخرطة وتصليح الآلات والمكائن (تراشكاري) هم عائلتي عبادي و الخفاجي من العرب المندائيين في الاهواز. وقد قامت عائلة اسطى عاصي الخفاجي في الستينات من القرن المنصرم بإقامة نفس الورشة في مدينة الخفاجية.