يوسف عزيزي
صحيفة العرب اللندنية 18/05/2014
“الأدب الفارسي والعرب: الصوت العنصري من الفردوسي الى صادق هدايت”. تحت هذا العنوان تحدثت في مقالين سابقين عن نشاة العنصرية وبعدها الرئيسي المعادي للعرب في الفكر والأدب الفارسيين في القرن التاسع عشر. وهنا، في هذه المقالة، أصل إلى هدايت، الكاتب الأشهر الذي ساهم في تشكيل خطاب فكري وأدبي وسياسي إيراني معاصر يحتقر العنصر العربي ويزدريه، ويعلي من شأن العنصر الفارسي ويحن إلى تاريخ إيران قبل الاسلام. وقد طبق الشاه رضا البهلوي (1925 – 1941) هذا الخطاب النظري على الأرض بعد نحو 80 عاما من نشأته، حيث تجاوز المد الاستعلائي الفارسي المعادي للعرب في عهده، ليشمل الاتراك الأذريين أيضا باعتبارهم غيرآريين، وذلك رغم دورهم الأساسي والحاسم في قيام ثورة الدستور(1906 – 1909). وقد قضى الشاه رضا البهلوي، الذي وصل إلى السطة إثر انقلاب عسكري ضد الحكم القاجاري، على معظم انجازات تلك الثورة المعادية للاستبداد، وعلى جميع الكيانات السياسية والثقافية للشعوب غيرالفارسية. وقد طرح هو وزمرته المتكونة من المثقفين والسياسيين العنصريين شعار”لغة واحدة، عرق واحد ومذهب واحد”، وهذا ما يتناقض وطبيعة المجتمع الإيراني المتكون من عدة شعوب تختلف في اللغة والثقافة والمذهب، منها العرب والكرد والترك والبلوش والتركمان، فأصبحت الفارسية اللغة الوحيدة السائدة، وتمت محاربة اللغات والثقافات الأخرى. لكن من المفارقات التاريخية أن النخب المعارضة للحكم البهلوي الاستبدادي، كانت تحمل، بدورها، أفكارا شوفينية ومعادية للعرب في إيران.
كاتب الكراهية
صادق هدايت مؤسس الرواية الفارسية الحديثة وصاحب عدة روايات ودراسات لها قيمتها الفنية، لكنها مشفوعة بأفكاره المسمومة المعادية للعرب وحنينه الى الفردوس الايراني المفقود أي يوتوبيا الحضارة الفارسية قبل الاسلام. وقد ترجم المصريون بعض من أثاره ومنها “البومة العمياء” دون أي نقد لآرائه العنصرية. ولقت هذه الرواية صدى واسعا بين المهتمين بالأدب الفارسي في العالم العربي.
يقول صادق هدايت في روايته “بروين بنت ساسان”: ” دخل أربعة من العرب – مدثرين بعباءات مهترئة، موثقينها بحبال حول خصورهم، الوجوه داكنة والمحاسن والشوارب سوداء كثة، مغطين رؤوسهم ورقابهم بقماش أبيض وأصفر، أقدامهم حافية مغبرة يحملون أنواع السيوف – يهتفون كالحيوانات المفترسة والمخيفة” (النسخة الفارسية).
ويضيف في نفس الرواية: ” كان هؤلاء العرب الرحل، آكلة الضب، تابعين لنا -نحن الايرانيين- ومنذ عهود وهم يدفعون لنا الجزية”.
وراء الضب
وفي كتابه الرحلي “أصفهان نصف العالم” يقول صادق هدايت: ” لم يزحف مثل السحلية بل كان يعدو بسرعة على قدميه رافعا رأسه عاليا، لقد خطر على بالي بان العرب ربما هاجموا إيران طمعا بهذا الضب. وكأن هذه الارض كلها وادغال الشوك هي مملكة السحليات. ربما هم لايرون هنا أصفهان، وسيحكي طفل السحلية لأمه بانه رأى غولا صحراويا هرب من يده بخدعة وشطارة” (النسخة الفارسية).
ويذكر أقرباء محمد العامري، وهو من أوائل الأهوازيين الذين درسوا في فرنسا، إنه كان صديقا حميما لصادق هدايت في أربعينيات القرن المنصرم في باريس. وقد خاطبه هدايت مرة قائلا: “أنت صديق وإنسان جيد لكن مع الأسف انت عربي ويا ليتك لم تكن عربيا”.
أفكار مسمومة