يوسف عزيزي
هو في الواقع جمع هذه الامور الثلاث التي تبدو متناقضة، بالإضافة الى قريحته الأدبية والمسرحية. سمعت اسمه في الأشهر الأولى بعد قيام ثورة فبراير٧٩ في إيران وبالتأكيد بعد احداث المحمرة الدامية. كان المركز الثقافي العربي الإسلامي الوحيد الباقي بالأهواز بعد اغلاق المراكز الثقافية العربية في المحمرة والأهواز. فلم يتقرب هذا الوافد من ليبيا للشيخ شبير الخاقاني ولا للنشطاء القوميين والعلمانيين بل كان مقررا ان يدخل في صفوف السلطة الدينية.من هو ابووليد الذي كان منفيا في ليبيا لعدة سنوات؟ اسمه عبدالله السَلَمي الذي عمل في العراق ضمن صفوف الجيهة الشعبية لتحرير عربستان ومن ثم هاجر الى ليبيا واسس الحركة الثورية الديمقراطية لتحرير عربستان، وقد اصدر صحيفة ‘كارون’ هناك مع رفاق اهوازيين اخرين وذلك قبل قيام الثورة في إيران.يقال انه جاء من البصرة الى المحمرة بعد الثورة الإيرانية واعتكف في احد مساجدها يصلي ويتضرع ويقرأ الادعية لكسب ثقة المسؤولين الإسلاميين. وهذه تذكرنا بطريقة محمد بن فلاح المشعشعي قبل اشهار دعوته فی القرن الخامس عشر المیلادي. غيران السيد موسى الموسوي – ابورشيق- الذي تربطه به علاقات قرابة، حكى لي قصة أخرى قائلا ان: ابووليد كان قد زار الخميني في منفاه في النجف وكون علاقات مع الثوريين الإسلاميين الذين استلموا السلطة بعد الثورة وهذه التي ساعدته في فتح ثلاثة مكاتب في مدينة الأهواز في صيف ١٩٧٩والتي قال السيد احمد عساكره – صديقنا المشترك – انها كانت في احياء “باسكول” و”شهرك برق” وامام ملعب تختي، والأخير كان عبارة عن خيمة تباع فيها الكتب واغلبها دينية. كما انه جاء الى الأهواز ومعه مبلغ محترم لإدارة مشاريعه في الإقليم.وكان عبدالله السلمي يظهر على الملأ بزي الحرس الثوري ومعه بندقية “جی سی” ترافقه دائما واقام في بيت بحي الخالدية (كيان بارس). فانا لم التقي به ابدا باعتباره مقرب للسلطة آنذاك لكني كنت اسمع عنه.الإنجاز الناجع الذي قام به ابووليد هو إصدار صحيفة “عرب إيران” وهي اول صحيفة عربية تصدر في الأهواز – ربما – في تاريخنا الحديث. ويبدو ان الصحيفة الشهرية كانت تطبع في مطبعة شركة النفط بالأهواز. تلتها باسابيع صحيفة الكفاح المستقلة عن السلطة وأحزاب المعارضة.واكد لي السيد احمد عساكرة – ابوشهاب – المقرب من القيادة الفلسطينية ومن المؤسسين لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الأهواز ان ابووليد دعا ابوسامي، مسوول هذا المكتب بالأهواز، لالقاء كلمة في مكتبه في حي الكهرباء (شهرك برق). ونحن نعرف ان السلطة لم ترتاح لوجود مكتب للفلسطينيين في الأهواز رغم احتياط هؤلاء في اتصالاتهم مع الأهوازيين، واغلقته في النهاية بعد بضعة اشهر.ولم تصدر صحيفة “عرب إيران” الا ثلاثة اعداد، اذ لم يتحملها التيار الشوفيني الفارسي حتى مع عنوان “عرب إيران” ووجود شخص اهوازي ضمن صفوفهم. وقد أدى اغلاق المركز الثقافي العربي (القومي) ومن ثم المركز الثقافي الإسلامي العربي ومنع “عرب إيران” من الصدور، الى ان يتجه عدد من القوميين التقدميين الى إصدار صحيفة “الكفاح” بشكل سري لكسر الاحتكار الصحفي الفارسي في الأهواز وعربستان عامة. وكانت الكفاح سياسية، فكرية، تحليلية وخبرية ذات منهج سلمي، توزع في كل انحاء الإقليم.في الحقيقة لقد حدث انقلاب شوفيني في تلك الفترة، قضت من خلاله جماعة الجنرال مدني واعقابها على المؤسسات الثقافية العربية القليلة في الإقليم، بما فيها تلك التابعة للسلطة الإسلامية الوليدة بل واغلقوا مكتب فلسطين الواقع في شارع فلسطين آنذاك.وقد ولد عبدالله السلمي في البصرة من والدين أهوازيين، الأب ينتمي لآل الفتلة واُم تنتمي لعائلة السادة النعمتية، وقد هاجر والديه الى العراق هربا من بطش التقاليد التي تمنع الزواج الناجم عن الحب. وقد تزوج عبدالله، امرأة من البصرة تنتمي لبيت السلمي وهي خريجة جامعة عراقية.وكما ذكرت سابقا كنا معا في سجن “جارشير” في سبتمبر من العام ١٩٨١، اني في زنزانة لوحدي وهو في أخرى مجاورة لوحده (هكذا يبدو)غير انه لم يعرفني، وقد عرّفني باسمه احد السجناء خلال فترة التنفس، حيث كنت اسمع انينه وقرائته للمصحف والادعية بشكل ممل. فلم اعرف هل كان معتقدا بما يفعل او كان يمثل باعتباره مسرحي كي ينقذ نفسه من بطش النظام الذي كان يعدم العشرات كل ليلة على قرب من زنازيننا. اذ – يبدو – ان السجانين قد هددوه بالاعدام. وقد سمعت انه كان في فترة من حياته شيوعيا يناصر الرئيس العراقي اليساري الأسبق عبدالكريم قاسم.فلم يطلق سراحه رغم كل محاولات زوجته ومراجعاتها المتكررة للجنرال علي شمخاني باعتباره قائدا عاما للجان الثورية في الإقليم (فرمانده كميته هاي انقلاب إسلامي استان). كما انهم اتهموني بما يسمى بالانتماء الى منظمة”خلق عرب” والانتماء للحزب الشيوعي، وقد نفيت الثاني لاني كنت مستقلا، وقبلت الاول لاني كنت ناشطا من اجل حقوق الشعب الأهوازي منها مشاركتي بالوفد الثلاثيني وامور أخرى ثقافية وسياسية سلمية. فبعد اطلاق سراحي هاجرت الى طهران وبقيت هناك حتى ان فصلوني عن عملي كمدرس في الثانويات. وكملوا ذلك بفصل زوجتي أيضا من العمل كمدرسة في ثانويات الأهواز. فكدنا ان نموت جوعا لو لا مساعدات الاقرباء وخاصة والدي وشقيقي المرحوم عزيز.وقد تم نقل عبدالله السلمي الى سجن ايفين وبقي هناك حتى العام ١٩٨٩، حيث كان يرزح الناشط جاسم عساكرة، ويبدو انهما تحدثا معا هناك . وقد شفع له هذه المرة الليبيين وقد غادر طهران الى روما ومنها الى العاصمة الليبية طرابلس.وفي طرابلس نفاه القذافي الى بلدة جبلية اسمها “يفرن” تبعد نحو ١٥٠ كلم عن العاصمة الليبية، ومكث هناك لسنوات حتى ان اعادوه الى طرابلس دون ان يسمحوا له بأي نشاط سياسي لصالح القضية الأهوازية بسبب علاقات القذافي الجيدة مع النظام الإيراني. وقد زاره الناشط الأهوازي احمد عساكرة هناك وقدم له المساعدات فيما بعد كما قال لي، مؤكدا انه عرّف ابووليد على ابوعمار في تونس.انا في الواقع لم كنت انوي التطرق الى تاريخه في العراق وليبيا لكن قال لي بعض الذين يعرفونه ومنهم السيد (ح – س) من الداخل انه لعب دورا سلبيا مدمرا ضد بعض الاهوازيين المناضلين في العراق في عهد حسن البكر واستمر في ذلك حتى عندما كان في ليبيا متهمينه بالتعاون مع الامن العراقي انذاك ويقولون ان احد اسباب سجنه في إيران تعود لاسباب غير سياسية. كما ينفون ان كان شيوعيا حقيقيا بل يؤكدون على انتهازيته. فلهذا انا وصفته بالغامض.
وقد توفي عبدالله السلمي في عمر يناهز ال ٧٣ عاما في طرابلس يوم الخميس ٣٠ يوليو ٢٠٢٠ وانطوت بذلك صفحة لحياة أهوازي توفي في الغربة. (الصورة الاولى من اليمين: ياسر عرفات، احمد عساكرة )وابووليد