نص كلمتي في ندوة الهيئة الدولية للسلام وحقوق الانسان في جنيف تحت عنوان “ايران: بقايا امبراطوريةواستعمار في الداخل”.وسأنشر فيما بعد فيديو كلمات جميع المتحدثين وروابط مقابلاتي مع الإعلام العربي الذي غطى الندوة
ايران: بقايا امبراطورية واستعمار في الداخل
يوسف عزيزي
الإمْبِرَاطُورِيّة، مفردة لاتينية، لغويا تعني السلطة أو القوة. لكن معناها السياسي وفقا لقاموس آكسفورد:ِ” مجموعة كبيرة من الدول والاقاليم التي تُحكم من قبل طبقة اوليغارشية او دولة مستقلة”. كما يعرفها قاموس كولينز بانها: ” عدد من الشعوب التي تتمايز بسمات مختلفة ويهيمن عليها حاكم او دولة محددة”.
شكل الفرس، الإمبراطورية الاخمينية (٥٥٠ق م – ٢٢٠ ق م) كثامن امبراطورية حسب التسلسل التاريخي وعاشر امبراطورية مساحة في العالم. وبعد سقوط الفرثيين قامت الإمبراطورية الساسانية (٢٢٤م-٦٥١م) .وهي تقع في المرتبة الرابع عشر من حيث المساحة.
فوفقا للمؤرخين الإيرانيين ان الامبراطوريتين كانتا من النوع الكنفدرالي تتألفان من ولايات وممالك مستقل
بعد الفتوحات الإسلامية وسقوط الإمبراطورية الساسانية انتهى وجود الإمبراطوريات الفارسية وذلك حتى ظهور الإمبراطورية الصفوية في العام ١٥٠٢؛ هذا يعني انه خلال ٩ قرون بعد الإسلام، لم يبق شيء اسمه دولة فارس او ايران، ونحن نعرف ان مفردة ايران لم تكن رائجة رسميا حتى العام ١٩٣٤ بعد ان كان يصفها العرب والغرب بالإمبراطورية الفارسية. وفي الادبيات التاريخية المكتوبة بالفارسية لم تُستخدم مفردة إيران كاسم للدولة او الإمبراطورية بل كانت تُعرف باسم العوائل المالكة كالسلالة الساسانية او الصفوية او القاجارية .. الخ.
في القرن الثاني عشر للميلاد دخل مصطلح الممالك المحروسة الى الادبيات السياسية والإدارية الفارسية حتى ان اصبح اسما رسميا للدولة الصفوية في القرن السادس عشر. Protected Domainsاو
Protected Countries.
وقد ضمت الإمبراطورية الصفوية ٤ ممالك: عربستان، وجورجيا، و لورستان، وكردستان. وقد انفصلت جورجيا في ١٨١٣ من الإمبراطورية القاجارية لتتألف بعد ذلك من ٦ ممالك: عربستان، لورستان، كردستان، أذربيجان، جيلان وخراسان وعدة ولايات كاصفهان وكرمان وفارس.. الخ
كما انسلخت من هذه الامبراطورية في القرن التاسع عشر، ولاية هيرات، وخانات القوقاز كداغستان، وأذربيجان، وأرمينيا، وأخيرا البحرين في القرن العشرين، حيث كانت إيران تدعي بملكيتها. فلذا نشاهد انسلاخ ممالك وشعوب من الإمبراطورية الفارسية. فمن ميزات الامبراطوريات عبر التاريخ، هي التحاق شعوب ودول بها و انفصال اخرى عنها.
لقد بقي النظام السياسي للممالك المحروسة رائجا حتى ثورة المشروطة (١٩٠٦-١٩٠٩) حيث تم إدراج هذا الاسم في دستور الملكية الدستورية الجديدة. فهذه الممالك تدل على ان ايران لم تكن قومية واحدة ولامملكة واحدة، بل امبراطورية تضم عدة شعوب وممالك، تُحكم بشكل فدرالي تقليدي؛ وهي لاتزال امبراطورية رغم تغيير اسمها من الممالك المحروسة الى المملكة الشاهنشاهية ومن ثم الجمهورية الإسلامية، وإلقضاء على الحكومات التي كانت سائدة في تلك الممالك حتى أوائل القرن العشرين.
اهم هذه الممالك كانت مملكة عربستان (خوزستان حاليا) او إمارة المحمرة، واخر حاكم عربي لها الشيخ خزعل بن جابر. اذ كانت تتمتع بالاستقلال الداخلي.
لمذا نقول انها امبراطورية وليست دولة-امة؟
قيل في تعريف الدولة – الامة انها دولة، يعي فيها اغلبية الناس لهويتهم المشتركة ويتمتعون بثقافة مماثلة. اذ تتطابق الحدود الثقافية في الدولة – الامة مع الحدود السياسية. وتطمح الدولة – الامة ان تضم شعب اصله العرقي واحد وتقاليده الثقافية واحدة.
لاتوجد هوية مشتركة شاملة في إيران بل توجد حدود ثقافية ولغوية لاتتطابق مع الحدود السياسية للبلاد ولايوجد اشتراك عرقي وثقافي ولغوي. اذ توجد حدود فارسية، وتركية أذرية، وكردية، وعربية، وبلوشية وتركمانية ولورية..الخ.
وقد حاول الشاه رضا البهلوي خلال فترة حكمه (١٩٢٥- ١٩٤١) ان يرسي أسس الدولة – الامة بالبطش والتفريس والتهجير وطمس هويات الشعوب وتحويل الممالك الى محافظات. وقد استمر نجله الشاه المخلوع محمدرضا بهلوي بنفس النهج. ولم تغير الجمهورية الإسلامية التي جاءت نتيجة لثورة هذه الشعوب في فبراير٧٩ تحولا يذكر في تلك المناهج القمعية بل واجهت بشراسة اكثر، هذه الشعوب التي وجدت في الثورة فرصة لإعادة حقوقها التاريخية.
وخلال العقود التسع المنصرمة، شاهدنا أحيانا عصيان هذه الشعوب على الحكم الفارسي المهيمن بشكل انتفاضات مناطقية، بل تم تشكيل جمهورية مهاباد الكردية وسلطة الحكم الذاتي في أذربيجان (١٩٤٥-١٩٤٦)؛ وقد تفجر الوضع في السنوات الأولى التالية للثورة في المناطق غيرالفارسية. وبعد ركود لم يدم كثيرا تشهد الساحة الايرانية خلال العقدين الاخيرين حراك مدني وسياسي ومسلح في بلوشستان وكردستان وعربستان وأذربيجان، وهو خير دليل على دور الشعوب غير الفارسية في الصراع السياسي الجاري والمقبل في إيران. اذ اعلنت منظمة حقوق الانسان الإيرانية انه تم تنفيذ حكم الإعدام ضد ١١٨ إيراني في الفترة ٢٠١٠-٢٠١٨:
٦٥ سجين سياسي كردي (٥٥٪)
٢٩ سجين سياسي بلوشي (٢٥٪)
١٥ سجين سياسي عربي اهوازي (١٣٪)
والباقي أي ٩ من الفرس أي (٧٪)
هذا يعني ان حصة الاعدامات للقومية الفارسية المهيمنة سياسيا واقتصاديا والتي تشكل نحو ٥٠ في المئة من السكان لم يتجاوز ال ٧٪ فيما بلغت حصة نحو ٢٩٪ من السكان (كورد وبلوش وعرب) ٩٣٪ من احكام الإعدام.
كما افادت منظمة العفو الدولي مؤخرا ان نصف سجناء إيران السياسيين هم من القومية الكردية. كذلك يشكل السجناء العرب نحو ثُمن السجناء في إيران. ضف الى ذلك البلوش ثمن، والاذريين ثمن. أي ان سبعة اثمان السجناء السياسيين في إيران حاليا هم من غيرالفرس الذين يناضلون من اجل حقوقهم القومية. فاذا قارنا هذه الظاهرة الراهنة مع الأغلبية اليسارية للمعتقلين في عهد الشاه قبل الثورة، واذا أضفناها الى ظواهر اخرى كالنضال الحالي لهذه الشعوب، سندرك مدى أهمية دور الشعوب غيرالفارسية في حاضر أيران ومستقبلها. وحتى بين مايسمى بالثُمن الفارسي المذكور أنفا نرى عناصر من غير الفرس، المعتقلون بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات العامة، الشعبية والعمالية والطلابية والنسائية. لكن لايسمع العالم جيدا صوت الشعوب غير الفارسية بسبب اللوبي الفارسي القوي في الغرب وهيمنة الفرس – الموالاة والمعارضة على حد سواء – على معظم وسائل الاعلام الداخلية والخارجية. كما لا يظهر حاليا من كفاح الشعوب غير الفارسية الا رأس الجليد. فلاننسي ان هناك علاقة مباشرة بين المركز الفارسي والمحيط غيرالفارسي أي كلما وهن عود الأول كلما تعزز عود الثاني وبالعكس.
الاستعمار الداخلي
يمارس الاستعمار الداخلي من قبل سلطة مركزية حديدية، قائمة على التنمية غير المتكافئة بين المركز والمحيط.
ويحمل هذا الاستعمار، مزايا ممارسات الاستعمار الخارجي، لكنّه يُطبَّق داخليا، ويكون ذلك بدوافع اقتصادية واجتماعية وعرقية عنصرية، وعلى شكل مصادرة أملاك الشعوب أو المواطنين لصالح النظام، والعمل الدؤوب على تغيير الخريطة الديمغرافية للسكان الأصليين لصالح المهاجرين من القومية المهيمنة، أو تهجير السكان الاصليين بسبب انتمائهم العرقي من مناطق سكناهم لصالح مشاريع اقتصادية كبرى. كما يخلق الاستعمار الداخلي مجتمعات متوازية داخل المجتمع الواحد وداخل القومية الواحدة، بحيث يعيش أبناء القومية الحاكمة في مستوطنات ومناطق معزولة عن باقي ابناء الشعب، وبشكل أدقّ، معزولة عن الطبقات الأكثر فقرًا واضطهادًا. والخطير في الاستعمار الداخلي أنه يحمل تبريرات عنصرية لتبرير امتيازاته وهيمنته، تماما مثلما برّر الاستعمار الغربي احتلاله للشرق بمزاعم عنصرية. كما انه يتواطئ احيانا مع الاستعمار الخارجي لتهميش شعب ما.
وهذا ما شاهدناه على سبيل المثال في إمارة عربستان حيث تواطئت طهران ولندن في العام ١٩٢٥ على إسقاط الحكم العربي في المحمرة، مما أدى الى تكوين طبقة غيرعربية هيمنت على اقتصاد الامارة، وحولت مؤسساتها الإدارية والسياسية والثقافية الى مؤسسات فارسية وحالت دون نمو البورجوازية العربية. ولاتزال السلطة الحاكمة تحارب أي محاولة للطبقة الوسطى العربية التي نشأت بتأخير في أواخر الخمسينيات وتطورت بعد الثورة والحرب الإيرانية العراقية في أواخر الثمانينات. هذه الطبقة هي التي تقود الكفاح من اجل الحقوق القومية للشعب العربي الاهوازي، فيما تناضل الطبقة العاملة العربية ضمن النضال العام للطبقة العاملة الإيرانية بسبب وجود اقلية عمالية غيرفارسية نافذة في الإقليم، لكنها وبسبب انتماءها اللغوي والثقافي للشعب العربي ستجد مكانتها بين أبناء شعبها العربي آجلا ام عادلا اثر تطور النضال السياسي.
فلم يسلب المستعمر الداخلي، العربي الاهوازي من سلطته القومية التي كان يمارسها تاريخيا وتغيير خارطة اقليمه لصالح المهاجرين من غير العرب، وتفقيره على ارضه الغنية بالنفط والثروات الطبيعية الأخرى، ومنعه من التعليم بلغته العربية، بل انه يسرق مياه انهره الى المدن المركزية الفارسية كاصفهان ويزد وقم، ويجفف اهواره من اجل تنقيب النفط المنهوب اساسا لتطوير تلك المدن، حيث تظهر الإحصاءات الحكومية ان نحو ٧٠٪ من المنشآت الاقتصادية والصناعة الإيرانية تقع في طهران العاصمة. وقد صنفت الأمم المتحدة قبل سنوات، مدينة الاهواز كاكثر المدن تلوثا في العالم بسبب الإهمال المتعمد للسلطات الإيرانية لحل هذه الظاهرة المدمرة لحياة البشر.
ولتصور مدى مركزية النظام الإيراني اشير الى امر بسيط جدا لكنه مذهل وهو ان كاتب اهوازي من مدينة المحمرة انتظر فترة ٦ اشهر كي تنظر دائرة الرقابة في وزارة الارشاد بطهران في مجموعته التي تحوي قصص جدا قصيرة لاتتجاوز صفحاتها المائة والخمسون صفحة، فيما توجد في مدينته المحمرة دائرة للارشاد والثقافة، بل وفي الاهواز عاصمة الإقليم أيضا إدارة عامة تابعة للوزارة.
عقدة النضال ضد النظام الإيراني
فقد بلغ عدم الثقة بين الشعوب غير الفارسية والشعب الفارسي حدا الى ان الأولى – وخاصة في أذربيجان وكردستان – لم تساير المناطق الفارسية في حادثتين كادتا ان تؤديا باسقاط النظام: انتفاضة الحركة الخضراء المليونية في العام ٢٠٠٩ في طهران واصفهان وشيراز، والأخرى، الانتفاضة الشعبية التي شملت اكثر من ١٠٠ مدينة إيرانية في ديسمبر ٢٠١٧ ويناير ٢٠١٨. ويستغل النظام هذا الشرخ لصالح استمراره حيث لم تصل الجهود المبذولة للتأليف بين الفئتين حتى اللحظة الى نتائج ملموسة رغم ترنح النظام الإيراني تحت ضغوط اقتصادية لم يسبق لها مثيل تاريخيا.
ويبدو ان البديل الممكن لتفتيت بقايا الإمبراطورية وإزالة الاستعمار الداخلي هو تقسيم السلطة والثروة بين القومية الغالبة والمكونات القومية المغلوبة على امرها بإقامة نظام لامركزي فدرالي، كما كان سائدا بشكل تقليدي في ايران لقرون، اي قبل انبثاق القضية القومية في أوائل القرن العشرين.
تترافق حاليا جهود الشعوب غيرالفارسية مع نضالات تقوم بها فئات إيرانية مختلفة ضد النظام الإيراني كالعمال والنساء والطلبة والمثقفين والفئات الاجتماعية الأخرى التي تطحنها الظروف الاقتصادية الصعبة. فهل تمتزج هذه الجهود لإقامة نظام علماني ديمقراطي فدرالي في إيران؟ هذا هو السؤال.
https://m.al-ahrar.net/news29325.html?
https://www.al-manara.net/news22839.html
fbclid=IwAR3IPuc83YWu4C9F41s66U7n0rGfiQbggDFpzOG51RQfyRUUXwFGbJ5gjyA