
حاكم الخفاجية في عهد الشيخ خزعل وقضايا جديدة عن اغتيال الشيخ في طهران
أولا: دار حوطة
قبل أيام سألت شاب من سكان الخفاجية، عن بيتنا او بالأحرى الذي كان بيتنا في هذه المدينة حتى أوائل الثمانينيات من القرن المنصرم، فكان رده: “البيت على حطة ايدك وحتى دار حوطة لاتزال عامرة”. وتعني الدار، “الغرفة” بالعامية الأهوازية. فاستغربت، كيف يعرف هذا الشاب اسم جدتي حوطة وهو من الجيل الثالث بعدها وكيف البناء الذي تم تشييده قبل نحو ستين سنة لايزال عامرا في منطقة تجدد فيها البنايات كل ثلاثة او أربعة عقود. الخفاجية (سوسنجرد) شارع سعدي رقم الدار ١٠١. هذا كان عنواننا قبل ان يبيع الوالد البيت في العام ١٩٨٥ ليقطن شارع “لشكر” بالاهواز عاصمة إقليم عربستان. وقد تحول شارع سعدي الى شارع الطالقاني بعد قيام الثورة الإيرانية، وليس لشخصياتنا وشعراءنا العرب أي حصة من هذه التسميات لاقبل الثورة ولابعدها. لاتشاهد اسم السلطان محسن المشعشعي ولا ابن معتوق و لاابونؤاس الاهوازي ولا اي شاعر أهوازي معاصر، حتى على زقاق، لكن تشاهد اسم بورداود، ألد أعداء العرب على شارع في حي الثورة التي تقطنه اغلبية عربية بالأهواز. وبالطبع كانت العناوين تكتب باللغة الرسمية الفارسية المفروضة، كما كان ولايزال في كل انحاء إيران. وكانت الجدة – ام الوالد – تربط طفولتي مع قرية البوعفري، التي كانت تنتمي اليها، على نهر الكرخة غرب الخفاجية بإقليم عربستان.
ثانيا: الشيخ خزعل ينصب تاجرا حاكم للخفاجية!
فلم تصدر تواريخ خاصة عن مدننا كل على حدى الا القليل جدا، وذلك رغم اصدار كتب تاريخية عن الإقليم كلها. وبتصوري ان كل واحدة من هذه المدن تحتاج الى تدوين تاريخ خاص بها ومنها الخفاجية وهي مدينة حديثة نوعا ما لايتجاوز عمرها القرن ونصف القرن قياسا بالحويزة مدينة اجدادي واختها المحمرة. فلا اريد ان اكتب تاريخ هنا بل اكتب هذه السطور لتوضيح بعض الأمور. في الحقيقة اني حصلت مؤخرا على فيديو لمعمر لم يعش فترة الشيخ خزعل لكنه ادرك والده واقرباءه الذين كانوا مخولين من قبل الشيخ في مدينة الخفاجية والأقضية التابعة لها. ويتحدث المعمر وهو سيد عزيزالسيد حميد الموسوي – وانا اعرفه – عن صالح الحاج غضبان الذي كان قد عينه الشيخ خزعل حاكما على الخفاجية، نكاية ببعض شيوخ قبيلة بني طرف الذين لم يذعنوا لسلطته. فقلما كتب المؤرخون عن هذا الشخص، فمن هؤلاء القليل، المؤرخ الأهوازي البارز موسى سيادت.
كان صالح الحاج غضبان تاجرا يعمل في مجال تجارة القمح والجلود والقطن والسلاح من الخفاجية والحويزة لبيعها في المحمرة والبصرة وبالعكس؛ كما كان والده الحاج غضبان أيضا تاجرا في الحويزة. غير انه ولأسباب اقتصادية هاجر العديد من عشيرة اهل الجرف الذي ينتمي اليها صالح، وخاصة الفخذ المنتمي الى قبيلة بني تميم – ومنهم ابوجدي المعروف ب عبدالسيد – الى الخفاجية في عهد الشيخ خزعل بعد ان فقدت الحويزة رونقها. وقد تعرف الشيخ خزعل على صالح الحاج غضبان في المحمرة، عاصمة عربستان آنذاك، وشاهد ذكائه، وخوله صلاحيات حاكم منطقة الخفاجية وشط بني طرف. اذ كان ممثلا للشيخ خزعل في تلك المنطقة لاكثر من عقدين أي في الفترة ١٨٩٧-١٩٢٥. وكان مبنى “حكومة بني طرف” يقع في الشارع المطل على نهر الكرخة بمدينة الخفاجية حيث تحول الى مبنى لحاكم معين من قبل طهران بعد ان الحقاق إقليم عربستان – ذات الحكم الذاتي الواسع – عنوة بالدولة الإيرانية ومن ثم تحول الى مدرسة ابتدائية تم تهديمها مؤخرا.
وقد عين صالح الحاج غضبان، ملة نيم العليوي (ملا نجم العلي) الجرفي مندوبا له في قضاء البسيتين وعين اشخاص اخرين لجباية الضرائب في الخفاجية والبسيتين والحويزة. ولتفاصيل اكثر يمكن الرجوع الى كتاب (موسى سيادت، تاريخ الأهواز – عربستان – منذ عهد الافشار حتى المرحلة الراهنة، ترجمة جابر احمد). غيران مولى الحويزة رفض تعيين حاكم لها من قبل الشيخ صالح. وقد سمعت في السبعينيات من القرن الماضي من احدى معمرات الخفاجية التي كانت تتذكر عهد صالح الحاج غضبان ان شرطته كانت ترتدي كوفية حمراء فوقها عقال وقميص وبنطلون أزرق داكن كسائر شرطة مدن مملكة عربستان. وقد تعرفنا على هذا الزي في فيديو مصور تم تصويره في سوق عبدالحميد بالأهواز من قبل احد البريطانيين وعُرض على شبكات التواصل الاجتماعي في العام ٢٠١٨؛ وعبدالحميد هو ابن الشيخ خزعل الذي كان حاكما لمدينة الأهواز آنئذ.
ويكتب رجل الدين العراقي الشيخ محمد الخالصي في كتابه “السيف البتار”:
“وركبنا السفن الى داخل البسيتين. وكانت الجموع قد تجمعت في تلك الليلة من اتباع الشيخ خزعل الموالي للانجليز، واتباع الشيخ عاصي الشرهان الموالي للمسلمين، ورفيقه الشيخ المهاوي – وهما شيخا بني طرف – وكان الفريقان مستعدين للحرب صبيحة تلك الليلة، فلما سمعوا صوت الاذان ايقنوا بورود والدي الذي كنت قد كتبت اليهم بحركته وقصده الاهواز، فازداد اتباع الشيطان خذلانا، ونشط اصحابنا، فلما طلعت الشمس واصطفّ الفريقان وصرنا قريبا منهما، صرخ صارخ من اتباع الشيخ خزعل بهذه الهوسة: “يتريد الجنة امش لعاصي” يعني؛ “يا من تريد الجنة امض الى عاصي”. وركض، فتبعه اتباع خزعل، والتحق جميعهم بعاصي، ولم يبق الا صالح الغضبان حاكم الخفاجية من قبل خزعل..”. وهذا يؤكد اخلاص صالح الحاج غضبان لرئيس إمارة عربستان خزعل بن جابر.
ثالثا: بني طرف وصالح الحاج غضبان وأول انتخابات في الخفاجية
تؤكد الوثائق التي اخذت تظهر مؤخرا ان سياسة صالح التصالحية مع الموالي (حكام الحويزة) وزعماء عشاير بني طرف والشرفة وبني ساله أدت الى وقوف معظمهم الى جانبه. وقد حصلت على وثيقة مسجلة بتاريخ ١٨ ذي الحجة ١٣٣٧ ( ١٩١٨م) تتحدث عن موصوع تشكيل “لجنة نظار الانتخابات ونتائجها في عشيرة بني طرف”. واليكم نص الوثيقة:” تقرير يوم الاحد ١٨ ذي الحجة سنه ١٣٣٧ الذي هو اخر أيام تشكيل لجنة النظارفي مضيف صالح ابن الحاج غضبان حسب الترتيب التالي: انتخابات بني طرف والحويزة والبسيتين التي لها بصورة مشتركة حق انتخاب شخص واحد نائب، شكلت في الخفاجية التي هي مركز حكومة بني طرف وقد جرى تشكيل لجنة النظارة المركزية في الحادي والعشرين ذي العقدة سنة الف وثلاثمائة وسبع وثلاثين حسب امر حضرة الجزيل الاحترام الاجل الاكرم العالي السيد السردار ارفع الحاكم دامت شوكته، والأشخاص المذكورة أسماؤهم ادناه انتخبوا وقبلوا بعضوية النظارة، وبتاريخ ١١ ذي العقدة انتخب الأشخاص التالين الى عضوية لجنة النظارة: الشيخ جعفر، الشيخ كاظم، مشايخ بني طرف – المولى نصرالله، سيد شنان، مشايخ الحويزة والشيخ وادي من قبيلة بني سالة، والشيخ محيي من قبيلة شرفة تحت اشراف صالح الحاج غضبان نائب الحاكم في بني طرف..”
وبما ان حكم الشيخ خزعل لم يشهد تشكيل أي مؤسسة انتخابية في عهده، فانا أتصور ان هذه الانتخابات في الخفاجية كانت تتم لإنتخاب نائب واحد لمدينة الخفاجية، ولأول مرة، في الدورة الرابعة للبرلمان الإيراني (مجلس شوراي ملي) الذي تأسس بعد ثورة الدستور(المشروطة ١٩٠٦-١٩١١) والقصد من السيد السردار ارفع الحاكم هو الشيخ خزعل الذي امر باجراء تلك الانتخابات.
وقد استخدم الشيخ خزعل أساليب عنيفة منها اعتقال الشيخ عاصي الشرهان في سجن بالمحمرة ومن ثم اغتياله بالسُم في قصر الشيخ خزعل بالناصرية بالأهواز. والقصة كما رواها سيد عزيز الموسوي وآخرون كالتالي: ” تم لقاء بين الشيخ خزعل وعوفي المهاوي [كبير بيت مهاوي من بني طرف] وعاصي الشرهان [كبير بيت شرهان من بني طرف] ولفتة الصويدج وصالح الحاج غضبان في ديوانه بالناصرية بالأهواز. والديوان كان يقع في قصره الذي يقع في تقاطع شارعي نادري و٢٤متر وقد تم تهديمه في عهد رفسنجاني ليصبح محطة للحافلات.
وقد دس غلام الشيخ، السُم في الشاي الذي قدمه لعاصي. اذ انشد الشيخ خزعل قائلا: “اجلبنك يليلي اثنعش نوبة ونص”. وقد انبرى مولى اُحميد الذي كان حاضرا في الاجتماع قائلا: ” من مثلك يهم بالليل ويجلبه – كم حيد السطرته ومانبح كلبه- اتحط الشري بالشاي وتشربه” فقال الشيخ خزعل: يكفي لاتكمل القصيدة. ويبدو ان الشيخ عاصي الشرهان توفي بعد ثلاثة أيام. وكما ذكرنا آنفا لعب عاصي الشرهان دورا أساسيا لصالح دول المحور (العثماني والالمان و..) ضد دول التحالف (بريطانيا وروسيا و..) لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا قتل الشيخ خزعل، الشيخ عاصي فقط، فيما عوفي أيضا كان يعارض سياسات الشيخ خزعل؟ وهل تلاوة الاشعار تمت في نفس الاجتماع او بعده؟ هذه أسئلة واخرى تتطلب التدقيق في مثل هذه القصص التاريخية المنقولة التي تمتزج أحيانا بالخيال الشعبي.
رابعا: هل رافق حاكم الخفاجية، الشيخ خزعل الى منفاه في طهران؟
لقد كان صالح الحاج غضبان الجرفي قريب جدا لشيخ خزعل بشكل انه كان في المحمرة عندما إعتقل العقيد ابوالفضل زاهدي، الشيخ بمكيدة في نيسان ١٩٢٥ في تلك المدينة وقد تم اعتقال صالح ونفيه مع الشيخ خزعل الى طهران. ويذكر سيد عزيز السيد حميد الموسوي – وهو من كبار عشيرة اهل الجرف حاليا – ان الشيخ صالح الحاج غضبان كان شاهدا على اغتيال الشيخ خزعل بواسطة جلاوزة رضا شاه في يوم ١٤ يونيو- حزيران ١٩٣٦بل ويؤكد انه الشاهد الأهوازي الوحيد على تلك الجريمة. ومن اجل الحصول على اسماء القتلة يمكن الرجوع الى كتاب “گذشته چراغ آينده” (تالیف جامی، به کوشش فرید مرادی، انتشارات نگاه، طهران) وهو باللغة الفارسية. لكني لم اشاهد اي كتاب فارسي وعربي اشار الى وجود صالح الحاج غضبان في لحظة اغتيال الشيخ خزعل وانها معلومة جديدة بالنسبة لي. اذ يشير السيد عزيز في ذكرياته الى حضور الشيخ صالح الحاج غضبان وأحد ابناء الشيخ خزعل وشخص آخر من غلمانه في بيت الشيخ خزعل ويبدو، هو البيت الذي كان يسكنه لفترة مديدة في شارع ايران الحالي بالعاصمة طهران قبل ان ينتقل الى قرية امام زاده قاسم المحاذية لقصر نياوران الملكي بشمال طهران، لكنه لم يحدد اسم نجل الشيخ الذي يقول انه كان يتجسس على والده؛ فهل هو من ابناء بنت “نظام مافي” الطهرانية او الاخرين؟
واما عن لحظة اغتيال الشيخ خزعل في يوم ١٤ يونيو- حزيران ١٩٣٦ يقول السيد عزيز السيد حميد باللهجة الأهوازية:” بالليل صالح يسمع حوسة بغرفة شيخ خزعل، عاين من مزق المفتاح، شافهم [ القتلة] يحطون قطن بحلقه، سوّى روحه نايم، دقوا الباب عليه قائلين “شيخ صالح شيخ صالح” رد عليهم “هاها…” قالوا له “بخواب بخواب، شيخ ديشب حالش بد شد و مي خواست ببيندت” (ليلة البارحة تدهورت احوال الشيخ وتمنى ان يشوفك). قال لهم “انا مسخن ماادري”. قالوا له “خب برو خونه ت” (طيب، اذهب الى بيتك). ويبدو هنا ان صالح الحاج غضبان لم يتقن الفارسية حتى عندما كان منفيا مع الشيخ خزعل في طهران.
ويقول ناظم الجرفي – حفيد الشيخ صالح – ان جده كان مسجونا اي تحت الإقامة الجبرية مع الشيخ خزعل في طهران. فالسؤال هنا: هل كان يسكن معه حتى بعد زواج الشيخ خزعل من السيدة نظام مافي بطهران؟ ونعلم انها كانت من عائلة فارسية ارستقراطية وتقطن في بيتها بقرية امامزاده قاسم في شمال طهران.اي نحن بحاجة لنعرف أين كان يسكن الشيخ صالح الغضبان خلال ١١ عاما من نفيه في طهران، هل كان في بيت الشيخ خزعل الواقع في “زقاق خزعل” (ولايزال الزقاق يحمل نفس الاسم) في شارع ايران وهو بالقرب من البرلمان الايراني الحالي، او في منزل الشيخ خزعل بقرية امامزاده قاسم؟ ويبدو انه تم الافراج عن الشيخ صالح بعد ايام من اغتيال الشيخ خزعل وسبب ذلك يعود الى مساعدة احد العسكريين الايرانيين، والذي ساعد الشيخ صالح بإعادة اموال زوجته من قطاع الطرق عند عودتها مع قافلة من زوار كربلاء الى اقليم عربستان حيث كان الزوج والزوجة يقطنان قبل الانتقال الى طهران.
وقد تعرض مقر حكومة صالح الحاج غضبان في الخفاجية لهجوم العشائر المعارضة له في الخفاجية بعد سقوط الشيخ خزعل في العام ١٩٢٥. لكن فيما بعد، حالت العلاقات العائلية التي تكونت بين الجانبين من استمرار الضغائن، منها زواج الشيخ مزعل العاصي الشرهان لشقيقة زوجة صالح الحاج غضبان وكذلك زواج السيدة ملكة بنت سيدحميد الموسوي من السيد يسر الشرهان والتي كانت تحظى باحترام بيت شرهان حسب الناشط الأهوازي السيد جليل الشرهاني.
وقد توفي صالح الحاج غضبان في العام ١٩٤١ في الأهواز.
خامسا: الربح والخسارة
ارهق الشيخ خزعل القبائل بضرائبه المفروضة حيث كانت اضعاف اضعاف ما كان يرسلها الى طهران. ويشير المؤرخ الأهوازي موسي سيادت الى ذلك في كتاباته، كما يؤكد احمد الكسروي في كتابه “تاريخ پانصد ساله خوزستان” ان “الشيخ عوفي احد شيوخ بني طرف اظهر لي قائمة من الضرائب التي كانت تدفعها منطقة بني طرف الى الشيخ خزعل وتبلغ ١١ ضعفا لما كان يدفعها الشيخ الى الحكومة” المركزية. اذ كان بإمكان حاكم مملكة وسياسي حصيف كالشيخ خزعل استخدام أساليب أخرى لتشكيل ائتلاف عربستاني لمواجهة عدو شرس ك رضاخان البهلوي. والأنكى ان الشيخ كان يتحالف مع خوانين اللور والبختيارية لكنه لم يأتلف مع أبناء جلدته وخاصة قبائل كانت نافذة آنذاك واعني بني طرف وآل ناصر في الفلاحية. كما ان بعص القبائل الأهوازية وبانتمائها الى جبهة دول المحور امام الحلفاء في الحرب العالمية الاولى راهنت على الحصان الخاسر واضعفت صفوف الشعب العربي الأهوازي امام المد الشوفيني القادم من الشمال وذلك بالرغم من تضحياتها الهائلة خلال “معركة الجهاد” في تلك الحرب. ويبدو ان الأخطاء كانت من الجانبين والضحية لتلك الأخطاء هو شعبنا. فهل تاخذ النخب والمجموعات السياسية والمؤسسات المدنية، الذي ينبغي ان تكون بديلا حديثا لرؤساء العشائر والشيوخ، الدروس من تلك الفترة التاريخية التي يئن شعبنا حتى الان تحت اوارها؟
وفي النهاية أقول ان رغم كل المثالب والاخطاء التي ارتكبها الشيخ خزعل، يبقى رمزا لسيادة العرب وتُعد فترة حكمه في عربستان جزء هام من تاريخ عربستان بل وتاريخ إيران والمنطقة.