الترجمة بين العربية و الفارسية

 

يوسف عزيزي

2007 العرب القطرية السبت 29 ديسمبر

يعود تاريخ الترجمة بين العربية و الفارسية الى الاف السنين وهذا ينم عن التفاعل الثقافي و الاجتماعي بين الشعبين الجارين منذ القدم. اذ يحدثنا المؤرخون عن وجود مترجمين من العربية الى الفارسية القديمة في بلاط الاكاسرة الساسانيين (224 – 652 م).
وفي خطوة ثقافية هامة و بتشجيع من الخليفة المنصور العباسي قام ابن المقفع بترجمة عدة كتب من اللغة البهلوية (الفارسية القديمة) الى العربية اهمها كتاب كليلة و دمنة.
وقد نقل المؤرخ و المترجم الفتح بن علي الإصفهاني البنداري (1190 – 1245 م) أحد اهم الملاحم الشعرية الفارسية و هي ” شاهنامة” الفردوسي الى العربية. وقد ترجم البنداري”الشاهنامة” اي رسالة الملوك، نثرا الى العربية.

كما يجب ان نشيرالى ترجمة تحفة ادبية بارزة على المستوى العالمي وهي الف ليلة و ليلة الى العربية.  وتعد الف ليلة و ليلة انتاج ادبي مشترك لثلاث شعوب متجاورة – الهنود و الفرس والعرب – حيث لم يكتفي العرب بترجمتها بل قاموا بصياغتها وفقا لسليقتهم و منحوها نكهة عربية فريدة.

و يعزو بعض المؤرخين وقوع ثورة الدستور في ايران ( 1906 – 1908 ) الى تنظيرات العالم الديني ومرجع التقليد الشيعي ميرزا حسين النائيني و خاصة كتابه ” تنبيه الامة و تنزيه الملة في لزوم مشروطية الدولة المنتخبة لتقليل الظلم على افراد الامة” المنتشر في العام 1908.

ووفقا للمؤرخين الايرانيين فقد تأثر النائيني بكتاب ” طبائع الاستبداد” لعبدالرحمن الكواكبي تأثيرا بالغا. وهم يعترفون بدور الترجمة الفارسية لهذا الكتاب في تحفيز تلك الثورة التي غيرت وجه المجتمع الايراني. وقد تلت ذلك ترجمات لكتب منوري عهد النهضة كجمال الدين الافغاني و محمد عبده و عبدالرزاق و طه حسين. وقد انحسرت وتيرة الترجمة بين العربية و الفارسية في عهد الشاه رضا البهلوي (1925 – 1941) بسبب رواج النهج العنصري المعادي للعرب. غير ان الامر تغير في عهد الشاه محمدرضا البهلوي وعاد الايرانيون يترجمون من العربية الى الفارسية. اذ وصل الامر حدا ببعض المترجمين الايرانيين أن  يقوموا بترجمة روايات روسية و فرنسية من العربية الى الفارسية. ومن هؤلاء المترجمين يمكن ان نشير الى اسحق لاله زاري الذي ترجم عدد من روايات الكاتب الروسي فيودور داستايفسكي من العربية الى الفارسية.

و تنقسم الترجمة من العربية الى الفارسية الى قسمين: الاول الكتب والاثار الحديثة – من ادبية و سياسية و فكرية و اجتماعية – و الثاني الكتب التقليدية أو الكلاسيكية. وفي الشق الثاني تتميز ترجمة المصحف الى اللغة الفارسية عن ترجمة الكتب الاخرى.
وقد تمت ترجمة العديد من الكتب السياسية و الادبية و الفكرية خلال العقود الخمس الماضية من العربية الى الفارسية. فيمكننا ان نشير هنا الى ترجمة مرشد الثورة الايرانية اية الله علي الخامنئي لكتاب معالم في الطريق للداعية الاسلامي المصري سيد قطب او ترجمة محمد آيتي للمعلقات السبع.

وبعد قيام الثورة الاسلامية في ايران كان نصيب الاسد لترجمة المصحف الى الفارسية حيث نشرت ترجمات منه تعادل – من حيث الكم – كل الترجمات الفارسية له عبر التاريخ. وتتصدر آثار جبران خليل جبران التي تترجم عادة من الانجليزية و العربية، قائمة الكتب المترجمة الى اللغة الفارسية. كما و شاهدنا خلال العقود الماضية ترجمات لاثار طه حسين و حنا الفاخوري و نجيب محفوظ و غسان كنفاني و نزار قباني و محمود درويش و غادة السمان وادونيس.. الخ.

غير انه و في الوقت الراهن، هناك اقبال خاص على المدارس الفكرية العربية الحديثة و خاصة كتب نصر حامد ابوزيد و محمد عابد الجابري و فاطمة المرنيسي و عبدالله العروي و محمد اركون.
وتشمل الترجمة من الفارسية الى العربية، الادب الكلاسيكي الفارسي و الحديث. وقد تتركز الترجمة من الفارسية الى العربية في مصر اكثر من اي بلد عربي آخر، حيث توجد منذ عقود مؤسسات خاصة بالدراسات الايرانية و فروع لتدريس اللغة الفارسية في بعض الجامعات المصرية.

وقد قام المترجمون المصريون بترجمة امهات الادب الفارسي الحديث بما فيها كتب للروائيين صادق هدايت و صمد بهرنجي و غلام حسين ساعدي و محمود دولت آبادي و الشاعرة فروغ فروخ زاد. كما شاهدنا في لبنان ترجمات لكتب مفكرين و سياسيين كعلي شريعتي و اية الله مطهري و اية الله الخميني و اخيرا محمد خاتمي.
فلايمكن مقارنة الترجمة من اللغة العربية بالترجمة من اللغات الغربية الى الفارسية حيث نجد عددا كبيرا من المترجمين البارعين من هذه اللغات. كما وتبقى الترجمة من العربية الى الفارسية اكثر من الفارسية الى العربية.

فالجامعات التي تحوي على فروع للغة العربية، و المدارس الدينية في ايران التي تدرس فيها الدروس باللغة العربية، لم تقدم مترجمين بارعين لاسباب لا مجال لذكرها هنا. فعملية الترجمة تتم عادة بصورة فردية و حسب الهواية و مزاج المترجم. كما ان الرقابة تلعب دورا سلبيا في هذا المجال. فلهذا لم تترجم حتى الان امهات الرواية العربية الى الفارسية منها معظم روايات نجيب محفوظ  – وعلى رأسها الثلاثية – و روايات الغيطاني و الطاهر بن جلون و محمد شكري.

وقد قامت دائرة الرقابة في وزارة الارشاد الايرانية مؤخرا بتجميع كتاب لفاطمة المرنيسي من الاسواق لنقده الحاد لتعامل المجتمع الديني الذكوري مع المرأة.
و في النهاية تعد الترجمة بين العربية و الفارسية أداة ثقافية هامة لتقريب الشعبين اللذين تفرق بينهما السياسة في الكثير من الاحيان

كليلة ودمنة

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور