الادب الفارسي والعرب: الصوت العنصري من الفردوسي الى صادق هدايت

Shahnameh
يوسف عزيزي
لايمكن ان نلمس ونفهم الروح الفارسية عبر التاريخ الا عن طريق ثقافة الفرس وعلى رأسها الادب، وهو اهم تعبير عاطفي وفكري لهذه الروح عبر العصور.
ويحتل الشعر، حيزا هاما من الادب الفارسي، اذ يعتقد الباحثون الفرس انفسهم – وعلى رأسهم كريم كشاورز – انهم لم يعرفوا الشعر قبل الاسلام ولاتتعدى اشعارهم انذاك، الشعر الشعبي المعروف ب “الفهلويات” وهو شعر ركيك باللغة الفهلوية او الفارسية القديمة. وبعد الفتح الاسلامي ولمدة قرنين عاش الفرس تحت هيمنة الثقافة والادب العربيين وقد وصف البعض منهم هذه الفترة ب”قرنين من الصمت”.
ولم تمت اللغة الفارسية عقب انهيار الامبراطورية الساسانية لإسباب تاريخية، وقد انطلقت هذه اللغة ادبيا اول الامر في ولاية خراسان ومن ثم توسعت في ولايات اخرى لكنها لم تعم كل ايران بسبب وجود لغات لقوميات اخرى. كما انها اصبحت الثانية بعد اللغة العربية في العهدين الاموي والعباسي. اي كانت اللغة العربية، لغة العلم والدين، واللغة الفارسية لغة الادب، واللغة التركية لغة العساكر في ايران خلال القرون الوسطى.
وفي الحقيقة اول ما احيا اللغة الفارسية وانقذها من الاندثار هو ابوالقاسم الفردوسي الطوسي، صاحب ملحمة “الشاهنامة” – رسالة الملوك – وهو ديوان شعر ضخم، الفه بتشجيع من الشاه محمود الغزنوي مقابل دفع مبالغ معينة. وينشد الفردوسي في الشاهنامة، حكايات واساطير الفرس القديمة شعرا، لكن لا يمكن اعتبارها مصدرا لقرأة الاحداث التاريخية القديمة رغم ان بعض الباحثين الفرس يعمل ذلك ويحملها مالاتتحمله تاريخيا. كما لم يعتبر الشاعر الايراني المعاصر احمد شاملو، “الشاهنامة” شعرا، بل يُعدها نظما فحسب. وكان الفردوسي ينتمي للحركة الشعوبية المعادية للعرب في القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي. ويعتبره الفرس، مؤسس اللغة الفارسية الجديدة (قياسا بالقديمة الرائجة قبل الاسلام) ومحييها ومجددها، ويحبونه لدوره في الحيلولة دون رواج اللغة العربية بين الفرس كما حصل في مصر وبلدان اخرى، وكذلك لسبب خطابه الادبي القومي والشوفينية المعادي للعرب.
وقد ترجم الفتح بن على البنداري الاصفهاني (586 – 643 هـ = 1190 – 1245 م) الشاهنامة الى العربية العام 621 هـ للملك المعظم عيسى بن الملك العادل أحمد بن أيوب نائب دمشق.
ونختارهنا هذه الابيات كنموذج من العديد من اشعار الفردوسي العنصرية المعادية للعرب:
من شرب لبن الإبل وأكل الضب – بلغ الأمر بالعرب مبلغا
أن يطمحوا في تاج الملك – فتبا لك أيها الزمان وسحقا
وكذلك:
العربي، عدو لي علي اي حال – متعصب، غاضب وشيطان
فلما غلب العرب على العجم – فقد جال الظلام على الايرانيين
لكن وبعد افول المد الشعوبي في القرن الخامس الهجري، انحسر هذا المد المعادي للعرب في الادب الفارسي، بل ونرى شعراء كبار كناصر خسرو البلخي يتوددون للعرب في شعرهم وادبهم. اذ يتمنى هذا الشاعر البارز في الادب الفارسي في بعض قصائده ان يُعد عربيا. ضف الى ذلك شاعرين كبيرين يُعدان من اساطين الادب الفارسي وهما سعدي الشيرازي (القرن السابع الهجري) وحافظ الشيرازي (القرن الثامن الهجري). اذ تاثرا بالادب الجاهلي والاسلامي ويحتوي ديوانهما باشعار وقصائد عربية. وقد عُرف حافظ الشيرازي ب “متنبي العرب” لتأثره به. بل ويتهم البعض سعدي الشيرازي بانتحال العديد من قصائد ابي الطيب المتنبي واستخدامها في شعره الفارسي.
فخلافا لهذين الشاعرين، لم يحذو الشاعر المتصوف في القرن السابع الهجري، جلال الدين الرومي حذوهما، لكنه ايضا لم يناصب العرب العداء كما كان الفردوسي. اذ يقول في بيت له:
رغم روعة العربية، إنشد بالفارسية – فان للحب عشرات الالسن
وقد استخدم الشاعرين الفارسيين نظامي الكنجوي وجامي، قصص واساطير عربية في اشعارهما مثل قصة “قيس وليلى” و” وامق وعذراء” حيث تحولت عبر التاريخ الى حكايات شعبية بين الجماهير الفارسية.
وقد ظهرت بعض الاصوات في العهد الصفوي (1502 – 1722) تدعوا الى تعالي اللغة الفارسية على العربية وذلك بعد ان تشيعت ايران على يد الشاه اسماعيل الصفوي. غير ان الدعوة لم تتجاوز اطارا محدودا، حيث شهد الادب الفارسي في هذا العهد، فترة انحطاط. وقد استمرت هذه الفترة حتى اوائل القرن التاسع عشر الميلادي، عندما اصطدمت ايران بالغرب عسكريا وسياسيا وثقافيا.
وسنستمر في الحديث عن موقف الفرس تجاه العرب في الادب الفارسي في مقال قادم وسنتطرق الى انبثاق الادب الفارسي الحديث وموقف الادباء والمفكرين الفرس تجاه العرب في تلك الفترة.

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور