يوسف عزيزي
تشهد الساحة الثقافية والسياسية الايرانية ومنذ فترة، سجالا حادا بين الموافقين والمعارضين ل “حق تعليم اللغات غير الفارسية في المدارس” الايرانية. فقد اثارت زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني الى اقليم عربستان وتصريحات مستشاره لشؤون القوميات والاقليات الدينية علي يونسي، غضب الاوساط الثقافية والسياسية المتشددة في ايران. اذ اكد يونسي على ضرورة تفعيل المادة 15 من الدستور الايراني والتي تنص على ضرورة تعليم لغات الشعوب غير الفارسية في ايران وذلك بعد 35 عاما من تمريرها من قبل مجلس خبراء الدستور الايراني في 1979.
وقد عارض رئيس مجمع اللغة والادب الفارسيين، غلامعلي حداد عادل واعضاء اخرين في المجمع، هذا الامر مدعين ان ذلك سيؤدي الى إضعاف اللغة الفارسية كلغة رسمية للبلاد بل ووصف احدهم الامر بانه مؤامرة بريطانية لتقسيم ايران! وتعزيزا لموقفه المعارض لأدنى حقوق انسانية للشعوب غيرالفارسية، استند حداد عادل الى احاديث خاصة للمرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي تعارض ايضا هذا الامر.
كما واكد نائب القائد العام لقوات الحرس الثوري الجنرال مقدم فر ان قواته تتعهد بصيانة اللغة الفارسية في ايران. تلاه مندوبون متشددون في البرلمان الايراني، معلنين عن معارضتهم لتطبيق المادة 15 الدستورية. وكي لانكون غير منصفين يجب ان نشير الى بعض الشخصيات الفارسية المستقلة التي دحضت ادعاءات اعضاء مجمع اللغة والادب الفارسيين ومنهم الدكتور ناصر فكوهي استاذ جامعة طهران ورئيس رابطة علماء الاجتماع في ايران.
ويؤكد السجال الذي يعم الاوساط السياسية والثقافية في ايران هذه الايام، ان قضية القوميات غيرالفارسية فرضت نفسها على الساحة السياسية الايرانية وفي اعلى المستويات، واصبحت القضية الثانية بعد القضايا الاقتصادية التي تهتم بها الاوساط الثقافية والسياسية والاعلامية في ايران وخارجها.
كما ان اجنحة من السلطة الايرانية اخذت تفكر في تعديل الخطاب الرسمي السائد منذ انشاء الدولة الايرانية الحديثة في اوائل القرن العشرين والقائم على نفي تطلعات الشعوب غير الفارسية وقمعها وطمس هويتها القومية.
لكننا لم نعرف مدى جدية الاجنحة التي تصف نفسها بالمعتدلة في تطبيق هذه المادة الدستورية ومدى قوتها في مواجهة الجناح المتشدد من الاسلاميين الراديكاليين والقومين الفرس المتشددين. ويبدو ان هذا الجناح المدعوم من الاصلاحيين والبرجماتيين بدأ يدرك مدى الاخطار الناجمة من اهمال حقوق القوميات غير الفارسية في عالم يتطور ويتغير لصالح الاقليات والقوميات المسحوقة. فهم يشاهدون كيف الشعب الكردي في العراق يقرر مصيره في دولة فدرالية، والاكراد في سورية اخذوا يدرسون اللغة الكردية في مدارسهم. كما اصبح هناك تكافؤ بين الحقوق الثقافية واللغوية لجميع الشعوب القاطنة في افغانستان.
فرغم ان الشخصيات والمنظمات العربية والكردية والأذرية والبلوشية تطمح لتحقيق كافة حقوقها المغصوبة، غير انها تعلم بان عليها وفي الظروف الراهنة ان ترحب بتعليم اللغات غير الفارسية كحق اولي ومهم في إعادة الهوية المسلوبة للشعوب غير الفارسية وكخطوة اساسية لمسار نضالها الطويل.
ولم يكن اهتمام بعض اجنحة السلطة الايرانية بتطبيق المادة 15 من الدستور الايراني ناجم عن لفتة انسانية او خطوة اخلاقية، بل نضال الشعوب غير الفارسية المستمر منذ عقود هو الذي اجبر هذه الاجنحة على التفكير بتفادي الخطر المحتمل الناجم عن اهمال حقوقها اللغوية والثقافية والسياسية. وقدم الشعب العربي في ايران خلال هذه الفترة، افضل ابنائه قربانا من اجل الانعتاق والحصول على حقوقه التاريخية. ولم يكن اعدام الشاعر هاشم شعباني والمعلم هادي راشدي الا حلقة اخيرة من الحلقات الدامية لمسيرة هذا الشعب.
ويصطف حاليا معسكرين في ايران حول موضوع تعليم اللغات غير الفارسية في المدارس. معسكر يضم المتشددين من الاسلاميين والقوميين الفرس الذين لايريدون فقدان امتيازاتهم القومية الناتجة عن هيمنة اللغة الفارسية واحتكارها للمشهد اللغوي والثقافي في ايران، ومعسكر الذين يؤيدون حق التعليم بهذه اللغات ويشمل ما يوصفون بالمعتدلين والاصلاحيين والمستقلين في ايران. ونتيجة الصراع رهينة بمدى قوة اي من المعسكرين حيث على روحاني ان يسمح باستئناف المؤسسات المدنية والثقافية التي تأسست في عهد خاتمي وتم اغلاقها في عهد احمدي نجاد وكذلك سائر المؤسسات المدنية والمستقلة في سائر انحاء ايران لتكون سندا له في مساعيه لتطبيق المادة 15 من الدستور الايراني.