يوسف عزيزي
شهدت ايران حراك جماهيري شعبي احتجاجي خلال عشرة ايام (28/12/17-7/1/18) هز اركان النظام وتضمن احيانا حالات من العنف. فرغم انحسار وهج هذا الحراك، غير انه لم يخفت نهائيا. فمن اجل معرفة ما جرى في ايران ومايمكن ان يتبعه في المستقبل يجب ان نقرأ الحالة الاقتصادية والسياسية للمجتمع الايراني ومن ثم نتطرق ما يمكن ان تؤول اليه الاوضاع مستقبلا.
خلفيات الأزمة
1- الاقتصاد
1-1 وفقا لمؤسسة بحوث اميركية انخفض الناتج القومي الاجمالي GNP من 700 مليار دولار الى 380 مليار دولار خلال السنوات الماضية. وقد اكدت وكالة تسنيم الايرانية شبه الرسمية نقلا عن الصندوق النقد الدولي ذلك قائلة ” تحدث صندوق النقد الدولي عن انخفاض الناتج القومي الاجمالي خلال الفترة الاولى لحكومة حسن روحاني بنسبة 268 مليار دولار وقد يستمر الإنخفاض هذا في العام الايراني الجاري (21 مارس 2017-21 مارس2018) بنسبة 8 مليارات دولار اخرى قياسا للعام الماضي”.
2-1 يعيش نحو 20 مليون ايراني في مدن الصفيح او مناطق السكن العشوائي، بما فيها المقابر والشوارع والحدائق العامة.
3-1 تتحدث الاحصاءات الايرانية عن نحو 15 مليون عاطل عن العمل في ايران بشكل نسبي ومطلق، بما فيهم عدد لابأس به من اصحاب شهادات الدكتوراه والماجستير والمهندسين واصحاب الشهادات الجامعية الاخرى.
4-1 نحو 40 مليون ايراني يعيشون في حالة فقر نسبي أو مطلق.
5-1 ثلاثة ملايين شخص فقدوا اموالهم بسبب افلاس المؤسسات المالية والبنوك خلال الاعوام الثلاث المنصرمة.
6-1 يشرف المرشد الاعلى علي خامنئي على نحو 50 في المئة من الاقتصاد الايراني وهو خارج عن إطار إشراف الحكومة ويشمل هذا مؤسسة المستضعفين، والعتبة الرضوية (وإيراداتها من النذورات والمؤسسات والشركات التابعة للعتبة الرضوية التابعة اي إدارة ضريح الامام الرضا، الامام الثامن للشيعة المدفون في مدينة مشهد)، وإيرادات سائر العتبات والمزارات والمقامات الدينية، وكذلك مايوصف بمكتب تنفيذ فرمان الامام الخميني (ستاد اجرائي فرمان امام) وهو يشرف على اموال وشركات تابعة للمرشد الاعلى تنشط في المجالات المصرفية والمالية والنفط والاتصالات وتربية المواشي وانتاج الادوية.
وعلى هذا اساس، صرح الرئيس الايراني حسن روحاني قبل ايام ان 200 مليار تومان من 350 مليار تومان من الميزانية الايرانية لعام 1397 اي العام الايراني المقبل ليس بيد الحكومة ( كل دولار 5000 تومان).
اذ يعاني المواطن الايراني من البطالة والركود الاقتصادي والغلاء والتفاوت الطبقي والقومي، وذلك رغم محاولات روحاني للحد من ارتفاع وتيرة الغلاء في البلاد.
نماذج للمقارنة بين ميزانية المؤسسات الدينية والقمعية ونظائرها المدنية
نشير هنا الى نماذج للمقارنة بين حصة المؤسسات الدينية والقمعية ونظائرها المدنية من ميزانية العام الايراني المقبل والتي فجر الاعلان عنها، الوضع السياسي المحتقن في ايران.
بلغ حصة المجلس الاعلى للحوزات الدينية في قم 440 مليار تومان، قياسا ب 327 مليار تومان لجامعة تبريز (عاصمة اقليم أذربيجان) و256 مليار تومان لجامعة مشهد (عاصمة اقليم خراسان). وتُعد حصة المجلس الاعلى للحوزات الدينية هذه اكبر من حصة 4 وزارات و3 مؤسسات حكومية.
ولم تنتج الحوزات الدينية في ايران الا الملالي ورجال الدين الذين لم يؤدوا الخدمة العسكرية ولم يقدموا اي انتاج مفيد للمجتمع الايراني.
بلغ حصة جامعة المصطفى وهي حوزة دينية دولية لتربية الكوادر التابعة لولي الفقيه في الدول العربية والعالم، بلغ 303 مليار تومان قياسا ب 216 مليار تومان حصة جامعة الأهواز (عاصمة اقليم عربستان) و254 مليار تومان حصة جامعة بولي تكنيك العريقة في طهران و168 مليار تومان حصة جامعة كرمان عاصمة اقليم كرمان. وتربي جامعة المصطفى، كوادر ودعاة يشاركون في اعمال ارهابية او يعملون لنشر المذهب الشيعي على اساس مبدأ ولاية الفقيه في العالم العربي وافريقا وسائر انحاء العالم.
كما تم تخصيص 94 مليار تومان من الميزانية لمؤسسة ممثلي ولي الفقيه في قوات الحرس الثوري الايراني، فيما تم تخصيص 57 مليار تومان لمؤسسة الطيران المدني. وتضم مؤسسة ممثلي ولي الفقيه جميع ممثلي المرشد الاعلى الذين يشرفون على اداء قادة الحرس الثوري في الاقاليم والمحافظات الايرانية وهي مؤسسة طفيلية غير دستورية. فيما تعاني مؤسسة الطيران المدني من شحة الميزانية لتحديث طائرتها القديمة التي سقط العديد منها بشكل غير عادي خلال الاعوام الماضية وقُتل خلالها العشرات من المواطنين.
وقد بلغ حصة منظمة الدعاية الاسلامية (سازمان تبليغات اسلامي) في الميزانية 169 مليار تومان اي معادل حصة وزارتي الزراعة والتعليم العالي في ايران.
وتصل ثروة مجتبى خامنئي – نجل المرشد الاعلى علي خامنئي – 2 مليار دولار، فيما لاتقل ثروة اصغر اشقائه عن 500 مليون دولار.
إيرادات النفط والفجوات الاجتماعية في ايران
قد بترت الثورة في العام 1979 رأس الهرم الاجتماعي في ايران والذي كان يضم الشاه وحاشيته من البلاط الشاهنشاهي والرأسماليين الكبار التابعين له. غير انه وبالتدريج نبت في رأس الهرم، فئة جديدة منتفعة من الريع النفطي تضم المرشد الاعلى وابنائه وكذلك القادة الكبار في الحرس الثوري ورجال الدين والمراجع التابعة للنظام والمسؤولين الكبار وابنائهم المعروفين في ايران ب”آغازاده” اي ابناء الاغاوات.
يشكل النفط 80 في المئة من صادرات ايران ويستخرج معظمه من اقليم عربستان، لكن الايرادات الناتجة عن تصديره لاتكفي لتأمين حاجيات اكثر من 80 مليون ايراني، اذ يجب ان تصدر ايران 25 مليون برميل يوميا بدل التصدير الحالي وهو مليونين و500 الف برميل يوميا. فلذا يعادل نصيب الفرد من الدخل القومي حاليا اقل من نظيره في جمهورية بوتسوانا في افريقيا.
ويعاني المجتمع الايراني من فجوات (بل فوالق) طبقية، وقومية، وجنسية، وجيلية. وقد فاق التفاوت الطبقي الشاسع مما كان عليه في عهد الشاه، ضف الى ذلك التفاوت الاجتماعي بين المركز والمحيط؛ وقد تجلى ذلك في الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية الاخيرة. ويعود الامر اساسا الى التنمية غير المتكافئة بين الاقاليم الفارسية في المركز كطهران واصفهان وشيراز من جهة، والاقاليم ومدن المحيط اي اقليم عربستان وكردستان وبلوشستان وأذربيجان وتركمن صحراء بل وحتى المدن الفارسية السنية كميناء بندر عباس الذي ابلت بلاءا حسنا في هذه الانتفاضة. اذا يمكن لي ان اصف الاحتجاجات بانتفاضة المحيط ضد المركز.
2- البُعد السياسي
يمكننا ان نتحدث عن مسلسل او دائرة “الاستبداد، الفوضى، الاستبداد” في تاريخ الامبراطورية الفارسية ومن دائرة ” الاستبداد، الثورة، الاستبداد” في التاريخ الايراني المعاصر.
1-2 الاستبداد: العامل الاهم في هذه الدائرة وهو جوهري في نظام ولاية الفقيه. ويقر دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية (المعدل في 1989) بولاية الفقيه المطلقة. وفي الواقع ان الاستبداد الديني، ناتج عن الاستبداد الملكي في ايران واستمرارا له، اذ تفوق صلاحيات ولي الفقيه، صلاحيات الشاه الاستبدادية. فالاستبداد يعد امرا جوهريا في نظام الجمهورية الاسلامية فيما يمكن ان نعتبر القضايا الاقتصادية امورا عرضية.
2-2 تناقض في الدستور: يعاني الدستور الايراني من تناقض صارخ بين المؤسسات المنتخبة والاخرى غير المنتخبة، رغم ان المنتخبة منه ايضا لم تنتخب ديمقراطيا. اي ان النظام قائم على الاستبداد الديني – رغم الانتخابات الشكلية – و انتهاك حقوق الانسان بشكل واسع.
3-2 حراكين مهمين: نشهد من خلال قراءتنا للمجتمع الايراني خلال العقود العشر الماضية، اي منذ ثورة الدستور في اوائل القرن العشرين حتى الان، حراكين شعبيين بين الحين والاخر. الاول، حراك من اجل العدالة الاجتماعية والاخر، حراك من اجل الحرية. وتقوم بالاول عادة الطبقات المسحوقة وبالاخر الطبقات الوسطى. فعندما يمتزج الحراكين يتمكنا من إسقاط الانظمة وافضل دليل على ذلك ثورة فبراير 1979.
فوفقا لذلك شهدت ايران بعد انتهاء الحرب الايرانية – العراقية، 3 انتفاضات شعبية ، اي انتفاضة كل عشر سنوات.
في العام 92-93 ( في عهد رفسنجاني) شهدت بعض المدن الايرانية احتجاجات على الغلاء وضنك الحياة الاقتصادية، قامت بها الطبقات المسحوقة، ادت الى اضطرابات وفوضى عمياء سقط واعدم خلالها العشرات من المتظاهرين، غير ان الطبقات الوسطى لم تلتحق بها.
في العام 1999 انتفض طلاب الجامعات في طهران وتبريزوبعض المدن الاخرى دون ان تلتحق بهم الطبقات الفقيرة مما ادى الى إخمادها من قبل قوات الحرس الثوري.
في العام 2009 عمت التظاهرات المناوئة للنظام اثر التزوير في نتائج الانتخابات الرئاسية لصالح احمدي نجاد. وقد انطلقت الاحتجاجات تحت شعار “أين صوتي؟” واستمرت نحو ستة اشهر، غير ان النظام تمكن من إخمادها. وقد بلغ عدد المشاركين انذاك في احدى المظاهرات في طهران نحو 3 ملايين غير انها انحسرت بسبب ابتعاد الطبقات الفقيرة منها وعدم مشاركة القوميات غير الفارسية فيها واعتقال قادتها ميرحسين موسوي ومهدي كروبي.
نطاق الانتفاضة الاخيرة
إنطلقت الانتفاضة من مدينة مشهد التي يسكن في مساكنها العشوائية نحو مليون و200 الف شخص، واتسعت بعد ذلك في معظم المدن الصغرى والمتوسطة ولم تشارك فيها المدن الكبرى والعاصمة بشكل واسع. اي ممكنا القول ان الطبقات المسحوقة هي التي تحملت عبء هذه الانتفاضة ولم تلتحق بها معظم فئات الطبقة الوسطى، وهذا ما يميزها عن انتفاضة 2009 .
كما تحفظت بعض القوميات غير الفارسية من المشاركة بكل طاقاتها بسبب بعض الهتافات العنصرية والموالية للملكية البائدة. فاذا تحدثنا بالارقام يمكن ان نشير الى الارقام التالية: فمشاركة الشعوب غير الفارسية كانت كالتالي؛ البلوش 25 في المئة، الأذريين 40 في المئة، العرب 50 في المئة والكرد 50 في المئة.
وقد كان المتوسط العمري للمتظاهرين بين 18-30 سنة.
الهتافات ومعانيها
بدأ المحتجون في مشهد بهتافات “الموت لروحاني” و”الموت للديكتاتور” وسرعان ما تطورت الامور واصبح الموت “للديكتاتور” و”الموت لخامنئي” الهتاف الاول في كل انحاء ايران.
فمن الهتافات الاخرى يمكن ان نشير الى ” الآغا (خامنئي) يعمل كالرب والامة تتسول”، ” استخدمتم الاسلام كالسُلم لتذلوا الامة”، ” يجب إعدام المفسد الاقتصادي”، “اخجلوا يا رجال الدين وعوفوا البلاد”، “الحرامية تُسرق والحكومة تدعم”، ” اطلاق سراح السجين السياسي”، “دعنا من سورية ولبنان، فكر بحالنا”،” لاللاصلاحيين ولاللاصوليين”،”مبارك، بن علي،دورك ياسيدعلي”، “الموت لحزب الله”، “الموت للجمهورية الاسلامية”، “خبز، عمل، حرية”، “استقلال، حرية، جمهورية ايرانية”، “نحن آريون، لانعبد العرب”، ” رضا شاه عليك الراحة والسلام” و” ايران دون الشاه لاحساب لها ولاكتاب”.
والمثير في الامر ان الانتفاضة الشعبية تخطت في شعاراتها، ثنائية الاصلاحي- الاصولي واستهدفت كل الجناحين الحاكمين بل وبعضها استهدف النظام برمته واعني بذلك هتاف “الموت للجمهورية الاسلامية” والتي رددته الجماهير في مدينة قم، العاصمة الروحية للنظام الاسلامي. كما سمعنا هتافات تمتدح رموز الملكية البائدة بما فيها الشاه رضا بهلوي مؤسس السلالة البهلوية. اما الاخطر من هذا كله شعار “نحن آريون لانعبُد العرب” الذي يتضمن نفس عنصري معادي للعرب ويثير اشمئزازالعرب و الاتراك الأذريين اللذين لا يعتبرا انفسهما من العرق الآري وكذلك سائرالشعوب غير الفارسية. وقد اثرت الهتافات الملكية والعنصرية سلبا على مشاركة هذه الشعوب بكل ثقلها في الانتفاضة.
وقد لمسنا اتجاه قومي فارسي في هتافات المحتجين في المدن الفارسية وبعض المدن اللورية (المنتسبة للقومية اللورية) وآخر معادي لرجال الدين والمؤسسات الشيعية تمثل في إحراق العديد من الحسينيات والحوزات الدينية ومكاتب ائمة الجمعة وبعض المساجد، لم يشهد التاريخ الايراني مثيلا له. اذ تجاوزت الشعارات الخطوط الحمر السياسية بل والايديولوجية – المذهبية.
القوى الفاعلة في الانتفاضة الشعبية
عند دراستنا للهتافات والاتجاهات يمكن ان نلاحظ تاثير منظمة مجاهدي خلق والملكيين وقوى القوميات غير الفارسية واليسار – بعض الشيء – على هتافات المحتجين والمتظاهرين.
وقد حالت الاعتقالات الوقائية لنحو تسعين طالب في جامعة طهران والجامعات الاخرى خلال الايام الاولى للانتفاضة، دون التحاق الطلبة كطلائع للطبقة الوسطى لمنع اتساعها بين فئات من هذه الطبقة. وكان تخوف السلطات الايرانية اكثر عندما نعلم ان معظم هؤلاء الطلبة ينتمون الى اليسار العلماني المعارض والمتغلغل في الجامعات الايرانية.
اعلن البرلماني الايراني مرتضى صادقي عن اعتقال نحو 3700 شخص في كل انحاء ايران خلال الانتفاضة الشعبية. كما قُتل نحو 30 شخص منهم خمسة اشخاص تحت التعذيب في السجون. وقد علمت من نشطاء حقوقيين ان السلطات الايرانية اعتقلت اكثر من 1300 شخص في مدن اقليم عربستان، 1000 منهم عرب، اي نحو 25 في المئة من كل المعتقلين في ايران، بالرغم من ان نسمة هذه المدن لاتشكل الا 6 في المئة من كل سكان ايران.
فلم تنضم تبريز عاصمة اقليم أذربيجان وبعض مدن هذا الاقليم الى الهبة الاخيرة، ولو انضمت لتلقي النظام لطمة عنيفة وربما حاسمة، والسبب يعود الى تحفظات الترك الأذريين على الهتافات العنصرية والموالية للملكية. كما لم يشارك العرب والبلوش والكرد بكل طاقاتهم البشرية كما شاركوا في ثورة 1979.
ويقول الأذريون – الذين يشكلون 25 في المئة من سكان ايران – انهم لايريدون تكرار خطأ الثورة السابقة حيث “كنا نعرف مالانريد لكن لم نعرف ماذا نريد”.
ويبدو ان الاتراك الأذريين وسائر الشعوب غير الفارسية لم تُصدر هذه المرة شيكا ابيض لصالح الفرس الذين يقودون الانتفاضة، ولم يؤيدوا كل شعاراتهم بل انهم – اي غير الفرس – يؤكدون على ان يكون النظام المقبل جمهوري ديمقراطي تعددي لامركزي.
مستقبل النضال ضد النظام الاسلامي
تُعد هذه الانتفاضة اكبر تحدي للنظام الايراني ونقطة انعطاف، زال من خلالها الخوف من قلوب الناس. فلارجوع بعد الان من الشعارات المطالبة بإسقاط الديكتاتور خامنئي ونظامه الديني الاستبدادي، لكن لايمكن القول ان النظام آيل للسقوط الفوري. اذ يجب ان نأخذ بالاعتبار ان نحو 10 في المئة من سكان ايران لايزالون موالون للنظام ومستعدون للتضحية في سبيله، وكذلك هناك قوة الحرس الثوري القمعية، وان الوضع يختلف مما كان عليه عشية الثورة المعادية للشاه في 78-1979. لكن لايشك احد ان ايران بعد هذه الانتفاضة لن تكون كقبلها. وقد ابطلت الانتفاضة الشعبية اطروحة “جزيرة الاستقرار” التي كان يتبجح بها النظام وازلامه.
فعلى مستوى السياسة الخارجية، لااتصور ان يغير خامنئي من سياساته التوسعية في الدول العربية وسيستمر العداء بين نظام الجمهورية الاسلامية ودول الخليج ومصروالولايات المتحدة الاميركية واسرائيل. وسيتعمق الخلاف بين اركان السلطة وحواشيها، اي بين الرئيس حسن روحاني وحكومته من جهة، وخامنئي وقادة الحرس الثوري من جهة اخرى حول طريقة مواجهة الاستياء العام في البلاد. اذ صرح روحاني ان الاستياء الجماهيري ليس اقتصادي فقط بل وسياسي بامتياز، فيما رحّل خامنئي الامور الى الخارج متهما الادارة الاميركية والسعودية واسرائيل باثارة المشاكل والاضطرابات في البلاد. كما سيستمر احمدي نجاد وجماعته في عدائهم للاخوين رئيسي السلطتين القضائية والتشريعية.
فمن المستبعد ان يتمكن النظام من القيام بعملية جراحية بنيوية تؤدي الى اصلاح النظام الفاسد سياسيا واقتصاديا، ونحن نعلم ان اي اصلاح في الانظمة الاستبدادية سيؤدي الى تقدم القوى المعارضة ومن ثم الجماهير المنتفضة.
الانتفاضة الشعبية أكدت على معارضة قوية لخامنئي وازلامه في المجتمع الايراني وانها بداية ليس لإنهيار سياسي فحسب بل انهيار ايديولوجي وقد شهدنا هذا اخير في إحراق الحوزات الدينية والحسينيات وبعض المساجد.
ويشهد المجتمع الايراني مخاض عسير، من مميزاته الصراع بين الخطاب الديني المسيطر والخطاب العلماني المعارض. ضف الى ذلك موقف الادارة الاميركية الضاغط سياسيا واقتصاديا على السلطة الايرانية وكذلك موقف الدول الاقليمية المعادي للتدخلات الايرانية في المنطقة. فرغم عدم مسايرة الدول الاوروبية لسياسات الولايات المتحدة وصمتها ازاء انتهاك حقوق الانسان الصارخ خلال الاحتجاجات الاخيرة في ايران، غير ان هذا الامر وموضوع الصواريخ الباليستية سيشقان الموقف الاوروبي اكثر فاكثر لصالح الجبهة المنتقدة لايران في المستقبل.
فلم تبلغ الانتفاضة اهدافها الا اذا تم استنزاف جبهة الموالين للنظام وقوات الحرس الثوري وذلك باستئناف التظاهرات والاحتجاجات وإكمالها بالاضرابات والاعتصامات العمالية وغير العمالية. وفي الواقع ان احتجاجات عوائل السجناء والعمال والمتقاعدين والمعلمين والذين فقدوا اموالهم بسبب افلاس البنوك لم تنقطع حتى بعد انحسار الانتفاضة ، ونحن نشاهد ذلك ولو على مقياس صغير في بعض المدن الايرانية. ومن المحتمل ان تتطور هذه الظواهر الصغيرة لتتحول الى ظاهرة كبيرة مستقبلا.
وكما كتبت سابقا ان ايران ليست دولة، بل وريثة لإمبراطورية تضم عدة شعوب واثنيات، واذا لن تكون هناك دولة ديمقراطية حقيقية وعدالة نسبية في توزيع الثروة بين الطبقات والقوميات، فلن تشهد البلاد الاستقرار الدائم بعد الان. مجلة “المجلة” ١٩يناير٢٠١٨