يوسف عزيزي
تنتهي يوم غد الخميس جولة الرئيس الايراني حسن روحاني في الاهواز. اذ وصلها يوم الثلاثاء الماضي على رأس وفد يضم مسؤولين كبار في حكومته، بما فيهم امين عام المجلس الاعلى للامن القومي علي شمخاني، ومساعد الرئيس في شؤون القوميات والاقليات الدينية علي يونسي، وامين مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، ومحافظ اقليم بندرعباس جاسم جادري. وقد القى روحاني كلمة باللغة العربية للجماهير الاهوازية. اذ سبق وان تحدث الرئيس الاسبق محمد خاتمي لهؤلاء الناس باللغة العربية وكذلك المرشد الاعلى علي خامنئي. كما ارتدى الرئيس السابق احمدي نجاد الزي العربي – الدشداشة و الكوفية والعقال – عند زيارته قبل سنوات لإقليم عربستان. لاشك ان سلوك المسؤولين في الجمهورية الاسلامية يختلف مع سلوك الشاه المتفرعن والمحتقر للعرب في زياراته للاقليم. لكن هذا التباين في الظاهر فقط، وليس في الباطن.
وقد وعد روحاني الشعب الاهوازي بانجازات ومشاريع يتم تدشينها خلال الزيارة. كما اشاد بشخصيات ادبية ودينية اهوازية منها الشاعر المجدد ابونؤاس الاهوازي المعروف بشاعر المجون. وكان لإنشاده بيتا من الشاعر العربي ابوالطيب المتنبي، اعترافا منه باعتزاز الشعب العربي بهذا الشاعر العربي العظيم ونسفا للخطاب السائد منذ تسعة عقود الذي يعتبر الشعراء الفرس وعلى رأسهم، الفردوسي شعراء ايران كلها وليس غيرهم.
وخاطب الرئيس الايراني، العرب الاهوازيين ب” الشعب” الكريم المضياف و”الشعب” الغيور..الخ، فيما عندما يتحدث بالفارسية يصفهم – وفقا للخطاب الفارسي السائد – بالقبائل والعشائر.
وتؤكد إقامته لمدة 3 ايام في اقليم واحد، على اهمية الزيارة وهو امر لم يسبق له مثيل الا نادرا. ولمرافقة المسؤولين الاهوازيين علي شمخاني وجاسم جادري لروحاني ايضا دلالات خاصة.
وتخشى الجمهورية الاسلامية من تطور النضال بين الشعوب غير الفارسية وخاصة في صفوف الشعب العربستاني حيث يشكل هذا الاقليم، الشريان الحيوي للاقتصاد الايراني، واي اضطرابات فيه ستؤدي الى اهتزاز النظام السياسي في ايران.
فقد اصبح الكلام عن تلوث المياه والاراض والجو والاضطهاد القومي في عربستان، امرا مكررا. اذ حول النظام هذا الاقليم الى جهنم لسكانها الاصليين.
ويشهد اقليم عربستان الصناعي، ومنذ اسقاط حكم الشيخ خزعل اخر امير عربي للاقليم، حركتان هامتان: الحركة الوطنية للشعب العربي الاهوازي والحركة العمالية. وستتطور الحركتان اذا اتسع الانفتاح السياسي في ايران، وسيعطي الوضع الاقتصادي المتدهور والاضطهاد القومي، القوة لهاتين الحركتين ويمهدان لتطورات غير معروفة.
وخلافا للاربعينيات من القرن المنصرم، باتت الحركة الوطنية الاهوازية اقوى من الحركة العمالية في عربستان بل ان الثانية اخذت تتأثر من الاولى. وكان لثورة المعلومات والتحولات التي شهدها العالم العربي خلال الاعوام الثلاث الاخيرة تاثيرا باهرا على ارتفاع مستوى الوعي القومي والنضالي بين ابناء الشعب العربي في ايران. كما لاننسى تفاعل هذا الشعب مع الخطاب السياسي الايراني.
ويشهد الاقليم حاليا حراكان: الاول مدني وعلى راسه الاجتماعات الجماهيرية التي شاهدناها خلال الاسابيع الماضية على شواطئ نهر كارون احتجاجا على نقل مياهه الى المناطق الوسطى من ايران. والثاني التفجيرات التي تستهدف بين الحين والاخر انابيب النفط والغاز في الاقليم والتي لم يعلن عنها النظام الا القليل.
ويؤكد صعود 25 امرأة عربية في انتخابات المجالس البلدية التي تمت في حزيران الماضي وصدور بعض الصحف العربية وإقامة الامسيات الشعرية والمسرحيات والموسيقى العربية، خاصة في الاعراس ومجالس العزاء بسبب المنع الرسمي، وكذلك بروز عدد لابأس به من الكتاب والمترجمين والصحفيين الاهوازيين على الساحتين الافتراضية والحقيقية، يؤكد ان المجتمع المدني العربي يتطور في الاقليم. لكن مايقلق النظام الايراني هو التطورات التي تشهدها الساحتين السورية والعراقية والقنوات العربية الموجهة للشعب العربي الاهوازي والتي تبث طورا باسم العروبة وطورا اخر باسم التسنن، وهي في الحقيقة رد فعل على ما يقوم به النظام الايراني في الدول العربية. اذ يقلق انتشار ظاهرة التسنن في الاقليم، المسؤولين في الاقليم وطهران، خاصة وانها تشمل نحو 50 – 60 في المئة من الشباب الاهوازي. ويشتد القلق عندما نسمع ان الجيش السوري الحر يتبنى مسؤولية عمليات تفجير انابيب النفط والغاز في عربستان لوحده او بمساعدة مجموعات اهوازية. ويطمح هؤلاء بان يطوروا مدى العمليات العسكرية من سورية الى بلوشستان في ايران.
في الحقيقة يخشى النظام الايراني اكثر مايخشاه اتساع ظاهرة التسنن بين الشباب العربي الاهوازي في اقليم كان بوابة دخول المذهب الشيعي الى ايران، حتى قبل قيام الامبراطورية الصفوية.
ويعرف العاملين السابقين في مركز الدراسات التابع لمجلس تشخيص مصلحة النظام اي روحاني ويونسي وشمخاني اكثر من خامنئي ولاريجاني والمسؤولين الاخرين ان ترافق القوة الناجمة عن الاضطهاد القومي وظلم الطبيعة والانسان (التلوث) والقوة الناجمة عن التفاوت الشاسع الطبقي والقومي يمكن ان يؤدي الى حدوث اسوأ الحالات. وتواجه الماكنة الدعائية والايديولوجية للجمهورية الاسلامية حاليا وسائل اعلام تابعة لدول عربية او شخصيات ومجموعات اهوازية او داعمة لها، اي انها ليست الوحيدة التي تفعل ماتشاء.
فلم يتمكن حسن روحاني وزملائه المعتدلون والاصلاحيون من تلبية اقل مطالب الشعب العربي الاهوازي – المذكورة في البيان رقم 3 لحملته الانتخابية – الا اذا استطاع الرئيس الايراني من اطلاق سراح قادة الحركة الخضراء وفتح الاجواء السياسية في البلاد ودحر المتشددين في السلطة الايرانية. ومع ذلك السؤال المطروح هو: كيف يمكن لخطاب حكومي يصف الشعب العربي الاهوازي بالقبائل والعشائر ان يقدم حلا ناجعا لمشاكل هذه الشعب العديدة؟