القدس – 9 أكتوبر 2013
قام الرئيس الايراني حسن روحاني قبل ايام بتعيين علي يونسي مساعدا لشؤون القوميات والاقليات الدينية في ايران. كما صرح اول من امس المشرف على وزارة التعليم والتربية الدكتور علي اصغر الفاني بان “تعليم لغات القوميات في المدارس يُعد من اولوياتي”. وقد اهتمت بعض وسائل الاعلام الفارسية في الداخل والخارج بهذه الامور، لانها تتعلق اولا باكثر من نصف سكان ايران وهم الشعوب غير الفارسية، وثانيا بمواعيد قطعها روحاني خلال حملته الانتخابية في الربيع الماضي والتي تجسدت ببرنامج يحتوي على 10 بنود لتأمين بعض من حقوق هذه الشعوب.
وتتشكل ايران اساسا من 6 قوميات او شعوب تتمايز في لغاتها وثقافتها وتقاليدها ومذاهبها وهي: الفرس والأذريين والاكراد والعرب والبلوش والتركمان. ومنذ وصول الشاه رضا بهلوي الى سدة الحكم في عام 1925 استأثر الفرس بالسلطة السياسية والثقافية واللغوية في ايران، وتم حرمان الشعوب الاخرى من ابسط حقوقها التي كانت تتمتع بها قبل ذلك. واستمر الامر على ذلك في عهد نجله، الشاه محمد رضا بهلوي الذي اطاحت به الثورة في شباط (فبراير) 1979.
وفي صيف ذلك العام، شاركت وخبراء من القوميات الاخرى في ندوة لدراسة دستور الجمهورية الاسلامية الوليدة قدمنا خلالها مشروعا حول حقوق القوميات غير الفارسية ينص على منح الحكم الذاتي للمناطق التي تقطنها شعوب غير فارسية مثل عربستان وكردستان وبلوشستان وأذربيجان وتركمن صحراء، غير ان مرشد الجمهورية الاسلامية انذاك اية الله الخميني وبعض القوميين الفرس عارضوا المشروع واكتفوا بمواد تنص على بعض الحقوق الخاصة بالشعوب غير الفارسية.
ورغم مرور 35 عاماً على الثورة الايرانية، لم يتم تطبيق المادتين 15 و 19 من الدستور الايراني اللتان تنصان على التكافؤ وتعليم اللغات غير الفارسية في المدارس الى جانب اللغة الفارسية. في العقد الاخير، بعد اشتداد نضال الشعوب غير الفارسية وما شهدته مناطق كردستان وبلوشستان وعربستان من عنف، تقدم بعض المرشحين للانتخابات الرئاسية ببرامج لتطبيق المادتين المذكورتين. وكان اهم هذه البرامج ما طرحه المرشح الرئاسي انذاك حسن روحاني. وقد اكد بيان روحاني الصادر في 3 حزيران (يونيو) 2013 على ضرورة “تعليم اللغة الام للايرانيين الاكراد والأذريين والعرب و..الخ بصورة رسمية وعلى مستوى المدارس والجامعات وتطبيق المادة 15 من الدستور الايراني”. اذ تنص هذه المادة على انه “يُسمح باستخدام اللغات المحلية والقومية في الصحافة والاعلام وتعليم آدابها في المدارس الى جانب اللغة الفارسية”.
ويُعد تعيين وزير الامن السابق علي يونسي مساعدا لروحاني في شؤون القوميات والاقليات الدينية، مبادرة جديدة بعد قيام الثورة، اذ لم يعين اي رئيس حتى الان شخصا لهذا الغرض. لكن حبذا لو كان من غير الفرس ولم يكن ذا سجل امني، بل كان من المطلوب ان يكون هذا المنصب في مستوى نائب للرئيس وليس مساعدا له.
ويواجه روحاني مشاكل جمة في تنفيذ برنامجه الخاص بالقوميات الذي يتطابق مع اقل طلبات الشعوب الايرانية غير الفارسية. واولى هذه المشكلات ان نفس مجلس وزرائه غير متجانس في هذا المجال، فقد سمعنا من وزير ثقافته علي جنتي انه وصف ايران بـ”ارض الفرس” وتحدث عن ضرورة اتحاد الدول الناطقة بالفارسية كايران وافغانستان وطاجيكستان.
ثانيا، هناك مراكز قوى قومية ودينية فارسية تعارض منح القوميات غير الفارسية ادنى حقوقها الانسانية. اذ شاهدنا في عهد خاتمي (1997 – 2005) على الرغم من جهودنا كشحصيات ومؤسسات مدنية غير فارسية لتطبيق المادة 15 من الدستور الايراني وتجاوب القوى الاصلاحية مع هذا المطلب، معارضةَ ما يسمى بالمجلس الاعلى للثورة الثقافية. وقد تم تعطيل هذه المادة الى يومنا هذا. فهل يستطيع روحاني وحكومته – اذا افترضا حسن نيته – تطبيق وعوده التي قطعها للشعوب غير الفارسية التي حصل على معظم اصواتها الانتخابية بدليل ان نسبة التصويت له في كردستان وبلوشستان وتركمن صحراء وأذربيجان الغربية كانت اكثر من نسبة المصوتين له في المناطق الفارسية كاصفهان وشيراز بل واكثر من مسقط رأسه مدينة سمنان.
التركيبة القومية (ومعظمها فارسية) للحكومة والبرلمان ومجلس صيانة الدستور لاتثير التفاؤل في هذا المضمار لكن ايضا هناك مخاوف تراود اركان السلطة من ان حرمان الشعوب غير الفارسية من كل حقوقها القومية يمكن ان يؤدي الى نمو الراديكالية والعنف بين هذه الشعوب. وتعلم السلطة الايرانية متى اهمية وخطورة مسالة القوميات في ايران التي تعمل كقنبلة داخلية قياسا بالقنبلة النووية في الخارج. ولا تقل اهمية حل مسالة القوميات عن حل القضية النووية مع الدول الغربية. وكما ان القضية النووية تُعد كعب اخيل للسلطة الايرانية في علاقاتها مع الغرب، فان القضية القومية في ايران تلعب نفس الدور في الداخل.
وتحاول السلطة الايرانية شراء الوقت في تطبيق المادة الخاصة بتدريس اللغات غير الفارسية وهذا الموضوع بالطبع يختلف مع التعليم الكامل بهذه اللغات، واقل شأنا منه. وقد مضى اكثر من ثمانية عقود (منذ العهد البهلوي) وثلاثة عقود ونصف (منذ العهد الاسلامي) والشعوب غير الفارسية محرومة من حقها الانساني الخاص بالتعليم بلغاتها في المدارس والجامعات. وادى ذلك الى تفريس نحو مليون ونيف فقط من الشعب العربي الاهوازي.
ومقابل اللوبي الشيعي – الفارسي، هناك رأي عام غير فارسي في داخل ايران يضغط من اجل تطبيق المادتين 15و 19، لكن يمكن للوبي الكوردي المتمثل بـ”الجبهة المتحدة للاكراد” و”جبهة الاصلاحيين الكورد” في طهران وكذلك الشخصيات والمراكز المذهبية والمدنية والاكاديمية الأذرية والعربية والبلوشية ان تضغط على روحاني كي ينفذ مواعيده التي قطعها للشعوب والاقليات المذهبية والدينية وخاصة السنة منهم.