الدولة ــ الأمة في إيران

يوسف عزيزي

جريدة “الزمان” الدولية – العدد 4121 – التاريخ 13/2/2012

 

ضمت الامبراطورية الفارسية منذ نشأتها، العديد من الشعوب والقوميات، اذ قدمت القبائل الفارسية منذ نحو ثلاثة آلاف سنة الي هضبة وصفت فيما بعد بهضبة ايران. لكن قبل الفرس، كان السكان الأصليون من مختلف العرقيات يقطنون هذه المنطقة، كالعيلاميين، والكاسيين، والميديين، وغيرهم. ويشهد تاريخ الأسر الحاكمة في الامبراطورية الفارسية ــ باستثناء فترات قصيرة ــ تولي حكام مستبدين ودمويين، اذ باتت تمثل هذه الامبراطورية نموذجا بارزا للاستبداد الأسيوي. فصاحب عرش الطاووس، ملك الملوك »الشاهنشاه« كان يتمتع بصبغة الهية وهو يقوم بتعيين الملوك في الممالك والأقاليم التابعة له والمعروفة ب”ساتراب” في ايران القديمة؛ الملوك الذين حظوا بهامش وسيع من الصلاحيات في اقاليمهم غير انهم كانوا تابعين للحاكم المطلق اي الشاهنشاه. كان هذا النظام قائما منذ عصر الأخمنيين الي العصر الساساني »من القرن الخامس قبل الميلاد الي القرن السادس الميلادي«، غيرانه شهد بعض التغيرات بعد الفتح الاسلامي لايران؛ بيد أن الاقاليم ظلت تتمتع بقدر من اللامركزية. انتهج مؤسسو السلالة الصفوية » اوائل القرن السادس عشر حتي اوائل القرن الثامن عشر« النموذج الاداري والسياسي المعتمد من قبل الملوك الساسانيين في ادارة الولايات والاقاليم. كانت تتكون ايران خلال الامبراطورية الصفوية من أربع “ممالك” هي: مملكة عربستان »اقليم خوزستان حاليا«، ومملكة أردلان »اقليم كردستان حاليا«، ومملكة جورجيا »جمهورية جورجيا الحالية« ومملكة خراسان »الكبري«. وكانت هذه التقسيمات الادارية قائمة حتي اندلاع ثورة الدستور في ايران »1906 ــ 1909«.
قامت الامبراطورية الفارسية »ايران« ــ شأنها شأن العديد من الامبراطوريات في العالم ــ علي أساس الفتوحات والاستيلاء علي اراضي الغير، ولقد شهدت هذه الامبراطورية علي مدي القرون المنصرمة، انضمام و انفصال العديد من الأقاليم والأمم عنها.
دور الشعوب غيرالفارسية
في ثورة الدستور
في عهد السلالة القاجارية »اواخر القرن الثامن عشر حتي 1921«، أطلق عنوان “الممالك الايرانية المحروسة” علي الامبراطورية الفارسية، اذ جاءت هذه التسمية في نص الدستور الذي تمت صياغته بعد قيام ثورة الدستور في العام 1909. وكانت الامبراطورية القاجارية تتشكل من ست “ممالك”: مملكة عربستان، ومملكة أردلان، ومملكة جورجيا، ومملكة أذربيجان، ومملكة غيلان، ومملكة خراسان. وقد انحسرت هذه الامبراطورية بعد انفصال مملكة جورجيا وأجزاء من مملكة خراسان الكبري، اي اقليم هرات في القرن التاسع عشر الميلادي وهذا الاقليم تابع حاليا لجمهورية افغانستان. وكان يتمتع الحكام المحليون في هذه “الممالك” المتحدة بصلاحيات واسعة، وانطبق هذا الأمر علي حكام عربستان وجورجيا أكثر من غيرهم. واللافت للنظر أن جغرافية هذه الممالك الست تؤكد علي تعدد وتنوع الشعوب القاطنة في ايران في تلك الحقبة، حيث العرب في عربستان، والجورجيون في جورجيا، والأكراد في أردلان، والأتراك في أذربيجان، والغيلك في غيلان، والفرس في خراسان. واكدت حركة التمرد التي قادها ميرزا كوتشك خان بعد الحرب العالمية الاولي في غابات اقليم غيلان »شمال ايران« اكدت في برامجها علي المطالب القومية للشعب الغيلاني، كما طالبت هذه الحركة باقامة حكم ذاتي في مملكة غيلان والاعتراف باللغة الغيلكية كلغة رسمية في تلك المنطقة.
معظم الشعوب القاطنة في ايران ساهمت بشكل او آخر في ثورة الدستور، اذ كان لبعد أو قرب المسافة من العاصمة طهران تأثيرا هاما في مستوي انخراط الاقاليم في تلك الثورة، وذلك نظرا لضعف الاتصالات ووسائل الاعلام آنذاك. يذكر المؤرخان الايرانيان البارزان أحمد كسروي وحسين مكي بأن بعض حكام الممالك مثل الشيخ خزعل بن جابر ــ امير عربستان ــ قدموا مساعدات مالية الي الثوار، ويعتبران الامر هو مشاركة غيرمباشرة في ثورة الدستور. كان الشيخ خزعل يؤمن بأن مصالحه ومصالح الشعب العربي الاهوازي تكمن في اقامة نظام لامركزي، وقد اثبتت الأحداث اللاحقة بأن خشيته من رضا شاه »مؤسس السلالة البهلوية« ودعمه لأحمد الشاه القاجاري »آخر ملوك القاجار« كانت في محلها.
وقد لعبت الشعوب غيرالفارسية دورا بارزا وفاعلا في ثورة الدستور من خلال المساهمة الفاعلة في مواجهة الاستبداد القاجاري، اذ يشهد التاريخ علي الدور الذي قام به الأتراك في أذربيجان، والغيلك، والبختياريون، والأرامنة في ثورة الدستور، كما انخرط علماء الدين السنة البلوش، والزرادشتيه، والبهائيون في هذه الثورة، مما يدل علي التعدد القومي والمذهبي للمشاركين في ثورة الدستور.
كانت المادة الخاصة بانشاء مجالس الولايات والأقاليم »انجمنهاي ايالتي وولايتي« في دستور الثورة الدستورية تلبي وبشكل نسبي أهداف القادة العرب، والبختياريين، والغيلانيين، والأذربيجانيين انذاك. ولكن هذه المادة لم تطبق أبدا، لا في عهد الشاه رضا البهلوي »1925 ــ 1941« ولا في عهد نجله محمدرضا البهلوي الذي اسقطته الثورة الاسلامية في فبراير 1979.
يعتبر البعض ثورة الدستور »1906ــ 1909« بأنها ثورة ضد الاستبداد، فيما يذهب آخرون الي اعتبارها ثورة وطنية ــ ديموقراطية. لاتناقض بين هاتين النظرتين بالتأكيد، اذ ان الطابع المناهض للاستبداد في ثورة الدستور وطابعها الديموقراطي لايختلفان بعضهما عن بعض. بيد أن الطابع “الوطني” لثورة الدستور افتقر الي تفسير واضح، بل كانت تدور بالأحري تصورات مختلفة حوله، اذ تبني الشوفينيون الفرس فكرة عن الثورة تعود بالبلاد الي العصر القديم »قبل الاسلام« وسياسة اللغة الواحدة »الفارسية« والقومية الواحدة، وروجوا لها، فيما كانت الشعوب غيرالفارسية تمني نفسها بتطبيق مادة مجالس الولايات والأقاليم. قد يكون عدم تطور الوعي القومي بين الشعوب غيرالفارسية اتذاك، أحد الأسباب الذي أدي الي عدم تأكيد هذه الشعوب علي حقوقهم القومية في القوانين الجديدة، كما أن الشعوب القاطنة في دول الجوار والتي تشاطر نظيراتها الايرانية في اللغة، لم تكن وصلت بعد الي سدة الحكم ولم تحصل علي حقوقها. لم ينل الشعبان الكردي والعربي في العراق، والشعب الأذربيجاني في شمال ايران، والشعب البلوشي في شبه القارة الهندية، والشعب التركماني في شمال ايران حقوقهم بعد. كما أن ظاهرة العولمة بشكل عام ووسائل الاعلام والتكنولوجيا الاتصالات خاصة لم تكن متطورة كما هي الآن.
الشاه رضا البهلوي مؤسس المشروع المعيوب للدولة ــ الأمة في إيران
لقد أفضت الفوضي الناجمة عن ثورة الدستور والخلافات الدائرة بين الأحزاب والمجموعات السياسية وتدخل الدولتين الاستعماريتين روسيا القيصرية وبريطانيا، أفضت في نهاية المطاف الي تحويل مسار الثورة الدستورية التعددية المناهضة للاستبداد، الي انقلاب قام به الضابط في جيش القزاق رضا خان وارساء ملكية استبدادية جديدة متوجا نفسه باسم الشاه رضا البهلوي. ولايخفي عن أحد الدور الذي قام به اردشير جي ــ وهو من الفرس الزرادشت المهاجرين الي الهند وعامل الاستعمار البريطاني ــ من أجل صعود نجم رضا خان الذي قام هو ومنظرون قوميون يشاطرونه الرأي، بتحويل نظام “الممالك الايرانية المحروسة” الي “النظام الشاهنشاهي”، اذ اتخذ من عبارة “شعب واحد، لغة واحدة ودولة واحدة” شعارا له متخطيا التنوع القومي والاثني في ايران. وقام نظام السلالة البهلوية علي أساس المركزية الحديدية للسلطة السياسية والثقافية والادارية في العاصمة طهران.
لقد دشن الشاه رضا البهلوي البنية التحتية للاقتصاد الحديث في ايران؛ وعمد الي انشاء سكك الحديد الممتدة من شمال البلاد الي جنوبها، وكذلك الطرق والجسور، واسس جيشا نظاميا حديثا وذلك بهدف تكوين أسس الدولة ــ الأمة في ايران. قام الشاه رضا بتطبيق التجربة الذي قادها كمال أتاتورك في تركيا، وأخذ يقلد التجربة التركية تقليدا أعمي وسعي الي حصر المجتمع الايراني القائم علي التعددية اللغوية والاثنية في خانة ضيقة تتضمن لغة واحدة وقومية واحدة هي الفارسية. قاد الشاه رضا البهلوي، هذه العملية من خلال حربه ضد التعددية الاثنية والقومية من جهة ومكافحة التعددية السياسية والثقافية في ايران من جهة اخري. ولم يتمكن البهلوي الاول من انجاز هذه الامور لولا مساعدة المفكرين والمنظرين القوميين المتشددين من الفرس. فلايتسع هذا المقال لوصف الاجراءات والجرائم التي ارتكبها رضا شاه ونجله محمد رضا شاه بحق الشعوب غيرالفارسية.
لقد حمل رضا شاه ونجله محمد رضا كباقي أسلافهم، عنوان الشاهنشاه اي ملك الملوك، غير أن سلطتهما لم تكن علي ملوك أو حكام للممالك في الامبراطورية الايرانية، بل شملت فقط حكام محافظات لم يتمتعوا بأي نوع من الصلاحيات، ولم يكن العديد منهم الا مجرد خادم وخاتم في اصبع الشاهنشاه. وسيكون اطلاق عنوان “الديكتاتور” علي الشاه رضا ونجله أدق تعبيرا بالمقارنة مع الملوك المستبدين الذين حكموا ايران قبل وبعد الفتح الاسلامي.
الثورة الإسلامية والقوميات غير الفارسية
تعد حقبة حكم البهلوي »1925 ــ 1979« فترة حالكة في تاريخ الشعوب غيرالفارسية في ايران، اذ لحقت خلال هذه الحقبة التاريخية أضرار بالغة بهذه الشعوب. لقد فشل مشروع الدولة ــ الأمة القائم علي حصر ايران في اطار لغة واحدة وشعب واحد فشلا ذريعا، وذلك بسبب التناقض بين شكل النظام الحاكم وواقع المجتمع الايراني ذات التعددية الاثنية والقومية. ويعد انبثاق حركات الشعوب غير الفارسية في الأربعينيات من القرن العشرين من الاشارات الأولي لفشل هذا المشروع.
كانت الطاقة المتفجرة الناجمة عن الاستياء الوطني والقومي ــ بمعناه التعددي – احدي المصادر الرئيسية لثورة فبراير 1979 المعروفة بالثورة الاسلامية. لقد شاركت الشعوب المختلفة في ايران في ثورة فبراير 1979، شأنها شأن ثورة الدستور، غير أن المشاركة في الثورة الاسلامية كانت اوسع مما كان في ثورة الدستور. وتمكنت القوي السياسية التابعة للشعوب غيرالفارسية وبدعم من قوي اليسار الايراني، التأثير علي الدستور ــ الذي تمت صياغته في عام 1980 ــ لصالحها بعض الشيء، لكن هذا التأثير لم يرتقي الي مستوي يضمن الحقوق التاريخية للشعوب غيرالفارسية.
وأشير هنا الي تجربتي الشخصية بشأن صياغة دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية. لقد حضرت شخصيات بارزة ومجموعات سياسية من الشعوب غيرالفارسية الاجتماع الذي انعقد في يوليو/تموز من عام 1980 في نادي الأساتذة بجامعة طهران، وذلك بهدف اعداد الدستور للجمهورية الاسلامية الايرانية. وقام الدكتور كريم لاهيجي، والدكتور هدايت الله متين دفتري، والدكتور حسام الدين صادق وزيري بتنظيم الاجتماع المذكور، اضافة الي الدكتور حسن حبيبي، وهو صاحب المبادرة بشأن اعداد مسودة الدستور الايراني والتي لم تتضمن مبدأ “ولاية الفقيه”. واصبح حسن حبيبي فيما بعد نائبا للرؤساء السابقين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي. وكان الاجتماع من أجل مراجعة المسودة التي صاغها حسن حبيبي. لقد شارك مندوبان عن تركمان ايران، هما طواق واحدي، وجرجاني، ومندوبان عن الاتراك الأذريين هما الدكتور جواد هيئت والدكتور نُطقي، ومندوب عن الحزب الديموقراطي الكردستاني الايراني جليل غاداني، ومندوب عن حزب كومله صديق كمانغر، ومندوب عن منظمة فدائي الشعب فرع كردستان بهروز سليماني، اضافة الي صاحب هذا القلم وأحد الأصدقاء بالنيابة عن عرب الأهواز. كما حضر الاجتماع عدد من الأحزاب اليسارية، والليبرالية، والقوي الاسلامية الثورية.
كانت مطالب ممثلي الشعوب غيرالفارسية ــ ونسيت أسماء البعض منهم ــ تتمحور حول منح الحكم الذاتي لهذه الشعوب، غير أن مؤسس الجمهورية الاسلامية الايراينة آية الله الخميني وأنصاره من رجال الدين أجروا بعض التعديلات علي مسودة الدستور التي قدمها حسن حبيبي، وأدرجوا مبدأ ولاية الفقيه في الدستور. وهكذا تم اختزال حقوق أكثر من خمسين بالمائة من المواطنين أي الشعوب غيرالفارسية في مادتي الخامسة عشرة والتاسعة عشرة من الدستور، واللتين لم يتم تطبيقهما أبدا، وذلك بعد مرور ثلاثة وثلاثين عاما من قيام الثورة في ايران، رغم ان هاتين المادتين لم تتضمنا الا قدرا ضئيلا من حقوق القوميات غير الفارسية.
تميزت الأجواء السياسية خلال العامين التي تلت الثورة بالانفتاح نسبيا، اذ حاولت الحركات القومية للشعوب غيرالفارسية ايصال صرخة الاضطهاد الذي تعاني منه الي العالم، غير أن النظام الجديد شأنه شأن النظام الملكي المنهار، واجه تلك الحركات بالرصاص، والاعتقالات، والمنفي، والاعدامات. تم ابعاد الزعيم الروحي والسياسي لعرب الأهواز آية الله محمد كاظم الشبير الخاقاني والزعيم الروحي للاتراك الأذريين آية الله كاظم الشريعتمداري، بشكل غير لائق الي منفي في مدينة قم بهدف التخلص منهما. ونفذت السلطات الثورية الجديدة عملية اغتيالات بحق القيادات السياسية للشعب التركماني وهم توماج، ومختوم، وواحدي، وجرجاني وألقت بجثثهم تحت أحد الجسور ليلا، كما لقي أحمد مفتي زاده و رجل الدين عز الدين الحسيني وهما من القيادات السنية الكردية، و رجل الدين السياسي البلوشي المولوي عبدالعزيز مصيرا مشابها، اذ أعدمت السلطات شقيق المولوي عبدالعزيز، وقتلت مفتي زاده في السجن، ودفعت بعزالدين الحسيني الي الخروج من البلاد، حيث توفي في المهجر. لم يكن يطالب هؤلاء القادة بالانفصال عن ايران، بل عبروا في الأجواء السياسية والمذهبية السائدة ابان ثورة فبراير، عن مطالب الشعوب العربية، والتركية الأذرية، والكردية، والبلوشية، والتركمانية المضطهدة في ايران.
لم يتوقف أبدا نضال الشعوب غيرالفارسية خلال العقود الثلاثة المنصرمة، بل ناضل نشطاء هذه الشعوب طوال هذه العقود وخاصة خلال الحركة الاصلاحية التي شهدتها البلاد في العقد ونصف العقد الماضي الي جانب سائر القوي السياسية الايرانية من أجل نيل حقوقهم القومية المهضومة.
أدي قمع الحركة الاصلاحية واحباط الشعوب غيرالفارسية من هذا الحركة بسبب عدم تطبيق المواد الدستورية الخاصة بالقوميات، أدي ببعض أطياف حركة الشعوب غير الفارسية نحو التطرف. كما لم تتمكن الحركة الخضراء ــ وهي استمرار للحركة الاصلاحية ــ التخفيف من وطأة الاحباط الذي اعتري الشعوب غيرالفارسية. وبرغم التجاوب الذي أبدته أطياف من الشعوب غيرالفارسية مع الحركة الخضراء، غير أن عدم شفافية قادة الحركة الخضراء في تبني المطالب التاريخية للشعوب غيرالفارسية أفضي الي انحسار هذه الحركة فعلا في طهران وبعض المدن الفارسية في وسط ايران كاصفهان وشيراز.
يتمحور الشعار الرئيسي لحركة الشعوب غيرالفارسية في الوقت الحاضر حول اقامة نظام تعددي، وفيدرالي، وديموقراطي في ايران. وتتوقع هذه الحركة من الحركة الخضراء وسائر القوي المعارضة التجاوب مع هذا المطلب. وسيدفع عدم استجابة قوي المعارضة الايرانية مع مطالب حركة الشعوب غيرالفارسية، سيدفع هذه الحركة الي اخذ مواقف اكثر راديكالية قياسا بالماضي. وبعبارة أخري ان حراس المبني الاعوج للدولة – الأمة في ايران يمتنعون حتي عن اصلاح هذا المبني، وبالتالي ان هذا الهيكل السقيم الذي تم تأسيسه علي يد المهندسين العنصريين من الفرس منذ العشرينيات من القرن العشرين سيظل مائلا ومعوج. لقد تم تدشين هذا الهيكل علي العظام المتهشمة والحناجر المذبوحة لنشطاء الشعوب غير الفارسية المغلوبة علي أمرها، اذ لايمكن لهذا المشروع السقيم أن يبقي شامخا للأبد. وسيكون الانهيار، مصير مشروع الدولة ــ الامة في ايران، اذا لم يكف قادة القومية المهيمنة عن اطلاق أحكام مسبقة ، واعتبار هذا المشروع السقيم بأنه سليم واذا استمروا في تجاهل الصرخات المنادية بالتكافؤ من قبل الشعوب غيرالفارسية. يعتبر انفصال جنوب السودان أحدث ظاهرة تحمل في طياتها العبر والدروس، وتظهر هشاشة مشاريع الدولة ــ الأمة في منطقتنا.
كاتب وصحفي من عربستان، عضو اتحاد الكتاب الايرانيين، عضو رابطة الكتاب السوريين، عضو فخري في رابطة القلم البريطانية وامين مركز مناهضة العنصرية ومعاداة العرب في ايران.
تنشر النسخة الفارسية لهذه المقالة بالتزامن مع صحيفة الزمان في مجلة “باران” الايرانية الصادرة في السويد.
Iran__Ethnic_ Map2

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور