يوسف عزيزي
العرب [نُشر في 05/11/2013، العدد: 9370، ص(9)]
أثار انتخاب حسن روحاني رئيسا للجمهورية في إيران، الأمل في النفوس وخاصة بين الشعوب غير الفارسية حول تحقق بعض المطالب الخاصة بهذه الشعوب.
وقد أكد روحاني خلال حملته الانتخابية وفي بيانه رقم 3 على ضرورة رفع الحالة الأمنية المفروضة على مناطق القوميات غير الفارسية والتعليم في المدارس بلغاتها والحد من تدمير البيئة في مناطقها.
الآن وبعد مرور 3 أشهر على مباشرة حكومة روحاني عملها، لم نر شيئا يذكر لصالح القوميات والأقليات الدينية والمذهبية المضطهدة في إيران، لكن في المقابل نشاهد تزايدا غير مسبوق في عمليات الإعدام في بلوشستان وكردستان وعربستان. ناهيك عن الاعتقالات التي لم تنقطع في هذه الأقاليم، بما فيها إقليم أذربيجان ذو الأغلبية التركية الأذرية.
وقد شهدت هذه المناطق خلال الأيام الماضية، أحداثا تبدو منفصلة لكنها في واقع الأمر، متصلة بعضها ببعض. إذ تم تفجير أنابيب للغاز مرتين في إقليم عربستان، هزت واحدة منها مدينة «الخلفية» شرق الإقليم.
أضف إلى ذلك الانفجار الذي وقع قبل أشهر في أنابيب للغاز شمال الإقليم. وتحفل سجون الإقليم أيضا بالمعتقلين السياسيين العرب منهم 3 مجموعات تنتظر تنفيذ أحكام الإعدام.
وبعيدا عن هذه التفجيرات، تقوم الجماهير الأهوازية بنضال مدني من أجل إنقاذ نهر كارون من التجفيف إثر سياسات النظام في بناء السدود العديدة عليه، ونقل مياهه إلى إقليم أصفهان والأقاليم الأخرى وسط البلاد. و«كارون» يُعدّ أكبر نهر في إيران والمصدر الأساسي لمياه الشرب والزراعة في إقليم عربستان.
وشاهدنا ثالث وقفة جماهيرية على ضفاف هذا النهر يوم الجمعة الأول من نوفمبر. وكانت الشعارات تحتج على تهميش الإقليم وشعبه، إحداها تقول»سرقتم نفطنا، لكن المياه خطنا الأحمر».
وفي بلوشستان قام المتمردون البلوش يوم الجمعة 25 اكتوبر باغتيال 14 من قوات حرس الحدود الإيرانية في إحدى المخافر الحدودية القريبة من باكستان، وجرحوا 7 وخطفوا 4 آخرين. وفي اليوم الموالي وفي خطوة انتقامية، قامت السلطة القضائية بإعدام 16 سجينا بلوشيا كانوا يقضون محكوميتهم في السجون. إذ قال المدعي العام لإقليم بلوشستان محمد مرزية صراحة: «لقد تم إعدام هؤلاء صباح السبت 26 أكتوبر ردا على شهادة حراس الحدود والعمل الإرهابي الذي تم في الليلة الماضية في سراوان».
وفي إقليم كردستان قامت السلطات الإيرانية يوم الجمعة 25 أكتوبر بإعدام حبيب الله غلبري بور القيادي في حزب الحياة الحرة لكردستان (بيجاك) وعضو آخر اسمه رضا اسماعيلي.
وفي أيار الماضي أصدرت المحاكم الإيرانية في إقليم أذربيجان حكما بالسجن لمدة 45 عاما على 5 نشطاء أذريين بتهمة تشكيل حزب قومي لهم. إذ يبلغ عدد المعتقلين من القوميات غير الفارسية، المئات وهو يفوق عدد المعتقلين الفرس في إيران.
وفيما يتسم النضال من أجل الحقوق القومية في إقليمي عربستان وأذربيجان بالسلمية والمدنية، فإن الكفاح في بلوشستان وكردستان يتسم بالعنف أكثر من أي شيء آخر.
ويعود ذلك إلى محاولات الحكومة المركزية التي تتخذ المذهب الشيعي مرشدا لسياساتها وسلوكها، وتحاول فرضه على هذين الإقليمين السنيين بأغلبيتهما. كما أنهما يتأثران بالنزاع الطائفي الدائر في منطقة الشرق الأوسط.
فإذا شبهنا الاضطهاد القومي في إيران برزمة تحتوي على أنواع التمييز اللغوي والثقافي والمذهبي والعنصري والاقتصادي والسياسي، فإن الأشد والأبرز في هذه الرزمة بالنسبة لكردستان وبلوشستان هو التمييز المذهبي، وبالنسبة لعربستان وأذربيجان هو التمييز العنصري واللغوي. فمعظم المنظمات السياسية الكردية التي تناضل ضد النظام الإيراني علمانية، فيما تتصف المجموعات البلوشية بالسلفية الجهادية.
وقد تحولت مناطق القوميات غير الفارسية إلى ساحة للمعارك بين الأجنحة المتصارعة في إيران وخاصة بين السلطة القضائية وقوات الحرس الثوري المعروفة بالتشدد من جهة، ومؤسسة رئاسة الجمهورية التي توصف بالمعتدلة من جهة أخرى. وهذا ما نراه في المناطق الأكثر سخونة مثل كردستان.
فمنذ سنتين تلتزم قوات الحرس الثوري وقوات حزب «بيجاك» الكردي بمبادرة وقف إطلاق النار. لكن وبعد وصول روحاني للسلطة وتصميمه لتنفيذ برنامجه الانتخابي القاضي بنزع الحالة الأمنية المفروضة من قبل الحرس الثوري والاستخبارات على المناطق التي تقطنها الشعوب غير الفارسية، أخذ الحرس الثوري يتحرك لإحباط مخطط روحاني، لأن ذلك سيؤدي إلى إضعاف سلطة الحرس شبه المطلقة في هذه المناطق وخاصة في إقليم كردستان، بوابة إيران الرئيسية إلى العراق وسوريا، وطريق مد القوى الموالية لإيران بالسلاح والقوات البشرية.
وقد أعلن حزب الحياة الحرة لكردستان الذي يقاتل من أجل إيران كنفدرالية، بعد إعدام حبيب الله غلبري بور أحد كوادره القيادية، أنه لن يلتزم بمبادرة وقف إطلاق النار التي أعلنها بنفسه أوائل عام 2012.
والنتيجة كانت اغتيال 5 من عناصر الحرس الثوري قبل أيام في مدينة «ماكو» أحد معاقل الحزب الواقعة شمال غرب إيران. ويبدو أن الحرس الثوري هو المستفيد الأول من عدم الاستقرار والفوضى في إقليم كردستان إيران.
فما الذي سيفعله حسن روحاني إزاء الوعي المتنامي والحراك الواسع للشعوب غير الفارسية، وأمام خصومه المتشددين في الحرس الثوري وفي السلطة القضائية الذين يحبطون خططه الانفتاحية ليس في مناطق «المحيط» فقط بل في «المركز» أيضا.
وهذا ما شاهدناه في معارضة القضاء لمساعي روحاني من أجل الإفراج عن زعيمي الحركة الخضراء المعارضة مير حسين الموسوي ومهدي كروبي، واستفزازات العناصر السياسية والعسكرية المتشددة ضد محاولات روحاني لتحسين علاقات إيران مع الولايات المتحدة.
ولمواجهة هؤلاء لابد للرئيس الإيراني أن يدعم القوى المدنية والسياسية من مؤسسات وعلماء دين ونشطاء في المناطق غير الفارسية، وخاصة بين أهل السنة في بلوشستان كي يأخذ المبادرة من القوى السلفية والمتطرفة بين القوميات من جهة، والمتشددين في العسكر والسلطة من جهة أخرى.
.فمن الواضح أن غلبة التشدد على التعقل في إيران لم تؤدّ في نهاية المطاف إلا إلى استمرار الاضطهاد القومي والمذهبي، والدمار والحرب الأهلية.