هل هناك إسلامان في إيران؟

يوسف عزيزي
السفير اللبنانيةFlag 2005 الخميس 1 سبتمبر
الحديث عن نظرتين للاسلام أو وجود <<إسلامين>> كما يقول الايرانيون ليس أمراً جديداً بل سبق أن أشار اليه الزعيم الراحل آية الله الخميني في بعض خطبه عقب قيام الثورة الاسلامية؛ اذ يشير الى حادث فريد من نوعه وقع قبل قيام الثورة ويرتبط بابنه مصطفى الخميني المتوفى في العام 1978.
ويذكر آية الله الخميني أن بعض علماء الدين الذين وصفهم بالمتجمدين فكرياً ودينياً كانوا يؤكدون على تطهير الاناء الذي كان يستخدمه مصطفى لشرب الماء وذلك بسبب تدريس الخميني للفلسفة في احدى مدارس حوزة قم الدينية.

وقبل أن أتطرق الى ما يطرح حول <<الاسلامَين>> في الآونة الاخيرة، يجب أن أشير الى أن أساس هذه الازدواجية في الخطاب الديني في ايران هو سياسي تعود جذوره الى عهد الشاه أي الى ما قبل قيام الثورة الاسلامية في العام 1979. وفيما كانت مجموعات إسلامية مناضلة تقوم آنذاك بكفاح سياسي أو مسلح لإسقاط النظام الملكي، كانت مجموعة سياسية دينية تعرف باسم <<انجمن مهدوية حجتيه>> أو جمعية المهدوية الحجتيه ترفض أي كفاح سياسي أو مسلح ضد نظام الشاه وتؤكد على مكافحة الدين <<البهائي>> فحسب حيث كانت تعتبره انحرافاً في الدين الاسلامي. وكان رفض<<الحجتيه>> للنضال ضد الشاه يعود الى عدم اعتقادها بإمكان قيام نظام إسلامي في ايران قبل ظهور الإمام الثاني عشر للشيعة أي الإمام المهدي المنتظر. اذ تعتقد هذه الجماعة أن مسؤولية إقامة النظام الاسلامي العادل تقع على عاتق ذلك الإمام الغائب حيث سيظهر يوماً ما و<<سيملأ الدنيا عدلاً وإنصافاً>>. فعليه كان الشاه ونظامه الامني (السافاك) متساهلا مع نشاط <<الحجتيه>> قياساً ببطشه وتنكيله بالقوى والمجموعات الاسلامية المسلحة أو السياسية الموالية لآية الله الخميني الذي كان يقيم منفياً في العراق.
وبعد قيام الثورة كان الخميني ينتقد بين الحين والآخر جمعية الحجتيه بل ويهاجهما أحياناً، ما أدى بزعماء الجمعية أن يعلنوا عن انحلالها الطوعي. غير أن الجمعية العتيدة التي تتمتع بنظرية وفكرة دينية وسياسية وتاريخ ليس بقصير، لم تنته فكرياً بل استمرت في نشاطها، خاصة بين بعض رجال الدين العاملين في أجهزة السلطة وخارجها. وقد تقلص الحديث عن هذه الجمعية خلال عهدي رفسنجاني وخاتمي، قياساً الى الاعوام الاولى للثورة. غير أن فوز محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية الاخيرة في ايران أثار مرة اخرى الكلام عن التحجر والتجمد الديني في ايران.

في الحقيقة ان الجيل الجديد من التيار المحافظ لم يتمكن من الفوز في ثلاثة انتخابات متتالية: انتخابات المجالس البلدية (عام 2002) والانتخابات البرلمانية (عام 2004) والانتخابات الرئاسية (عام 2005)، لو لم يقم بعمل دؤوب في المجالات التنظيمية والسياسية والنظرية حيث تمكن من تنظيم صفوفه بفعل الجهود التي بذلها أحمدي نجاد نفسه في هذا المجال خلال الولاية الثانية للرئيس خاتمي. وقد ميزت الفصائل المحافظة الجديدة وعلى رأسها <<آبادكران>> أو كوادر الاعمار نفسها كمحافظين جدد أو كيمين جديد عن الفصائل اليمينية والمحافظة التقليدية ذات التاريخ النضالي القديم كحزب المؤتلفة الاسلامي والتي فقدت رصيدها في الشارع الايراني.
وفي المجال النظري، لعب الشيخ مصباح اليزدي أحد علماء الدين في مدينة قم دوراً مهماً في إبراز هوية القوى الدينية المتشددة حيث وصف حكومة أحمدي نجاد بأنها الحكومة الاسلامية الوحيدة التي وصلت الى السلطة بعد قيام الثورة الاسلامية في ايران، ما أثار حفيظة مسؤولي ومؤيدي الحكومات السابقة. اذ يتهم هؤلاء آية الله مصباح اليزدي بالافتقاد الى أي سجل نضالي ضد حكم الشاه، بل كان معارضاً للنهج النضالي لآية الله الخميني وان نشاطه السياسي كان يقتصر على الانتماء الى جمعية الحجتيه.

وكان الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي أول من فجر القضية. اذ صرح في كلمة ألقاها في أول اجتماع جماهيري له بعد انتهاء ولايته في مدينة مشهد: <<الذين لم يصالحوا الامام الخميني ولو للحظة، يقومون حالياً بتدمير طموحات الامام والثورة وذلك تحت عنوان نهج الامام الخميني... ان الذين كانوا يصفون الثورة بالانحراف في عهد الامام الخميني يستخدمون حالياً العنف وإلصاق التهم ويقومون باغتيال الشخصية الفكرية للافراد كأدوات لهم>>. وأكد الرئيس السابق: <<ان مشكلتنا اليوم ليست السطحية والقشرية فحسب بل ان هذه السطحية بدأت تأخذ شكلا تنظيميا لتفرض نفسها... يقوم التيار المتحجر والمتجاهر بالتقدس والمخالف للتقدم، يقوم اليوم بتجميل وجهه بالسفسطة والتحاليل الفلسفية؛ ومع الاسف ان ضحايا هذا التيار هم شبابنا المتحمس المستعد للتفاني من أجل النظام الاسلامي... فإنني لا أشك بأن هذا التيار سيقف حتماً في وجه مرشد الثورة اذا استمر في نشاطه>>.

ووصف خاتمي التيار المتشدد <<بمشكلة العالم الاسلامي. وان هذا التيار ظهر في الدول الاسلامية الاخرى بشكل القاعدة وحركة طالبان>>.
وقد لاقت تحذيرات خاتمي تجاوباً واسعاً بين الشخصيات الاصلاحية والمعارضة حيث طالب البعض منهم بإنشاء جبهة عريضة وموحدة لمواجهة التشدد في ايران. غير أن ردود المحافظين لم تكن واسعة، ما عدا تصريحات شكر الله عطار زادة عضو الكتلة الاصولية في البرلمان حيث قال: <<يقصد خاتمي من التنويه بتنظيم الفكر الطالباني والمتحجر والمتجاهر بالتقدس، وصول حكومة أحمدي نجاد الى السلطة. فبالرغم من ابتسامة السيد خاتمي المعهودة فإن تصريحاته هذه تظهر بأنه غاضب جداً من وصول أحمدي نجاد للسلطة وانها تنم عن عصبية مفرطة>>.
وكرر الرئيس الايراني السابق آراءه مرة اخرى في طهران حيث أكد أن الصراع بين الاسلامين المتشدد والمتسامح سيستمر في المستقبل، وهذا يعني أن نتيجة الصراع هذه هي التي تحدد مصير ايران سياسياً واقتصادياً وثقافياً. كما ان التنويه بأن المتشددين وفي حالة استمرار نشاطهم سيقفون في وجه مرشد الثورة قضية هامة لها دلالاتها ومغزاها. فإن دخول المتشددين وأصحاب الافكار الدينية السطحية والقشرية في طور التنظيم وتلقيها المساندة من بعض مراكز القوى في الاجهزة الحكومية والعسكرية كما يدعي الاصلاحيون تعد مسألة هامة أخذت تشغل أذهان المثقفين والاحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني في ايران.

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور