يوسف عزيزي
الشرق القطرية17 – 11 – 2004
لم تعترف إيران الشاه بمنظمة التحرير الفلسطينة ولا بقائدها ياسر عرفات وذلك برغم لقائه مع خلعتبري وزير خارجية إيران انذاك في اجتماع القمة للدول الإسلامية في باكستان والذي انعقد قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران ببضعة سنوات. والسبب هو النفوذ الإسرائيلي الهائل في إيران عهد الشاه وتحالفه مع الحكومة العبرية. غير أن شعار” اليوم إيران، غدا فلسطين” اصبح شعارا يردده الإيرانيون في تظاهراتهم الواسعة ضد الشاه حيث كان العديد من الثوريين الإيرانيين قضوا فترات مختلفة للتدريب العسكري والسياسي في المعسكرات الفلسطينية في الدول العربية اواخر الستينيات والسبعينيات.
وكان ياسر عرفات أول ضيف أجنبي يحل على زعيم الثورة الإيرانية الراحل اية الله الخميني وأول زعيم عربي يزور مدينة الاهواز التي تقطنها أغلبية عربية في مارس 1979. اذ تحولت السفارة الإسرائيلية في وسط طهران، إلى سفارة لفلسطين وتم افتتاح مكتب لهم في مدينة الاهواز. وقد اغُلق هذا الأخير بعد عامين من افتتاحه وذلك بسبب حساسيات أبدتها الحكومة الإيرانية.
وعقب اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية حاول عرفات التوسط بين العراق والدول الخليجية الداعمة له من جهة وبين إيران من جهة اخرى، غير ان الوساطة التي قام بها الطيب عبدالرحيم لم تنجح، مما ادى بعرفات ان يقف إلى جانب العراق بعد ان يئس من كل الوساطات.
فلم يدم شهر العسل بين الاختين التوأمين اي الثورة الإيرانية والثورة الفلسطينية، حيث اصبحت هناك قطيعة بين ياسر عرفات وقيادة الثورة الإسلامية كادت ان تؤدي إلى اغلاق السفارة الفلسطينية لو لم تبد بعض الشخصيات الإيرانية والسفير الفلسطيني في طهران صلاح الزواوي، الحنكة في هذا المجال.
وقد انبثقت حركتا المقاومة الإسلامية “حماس” والجهاد الإسلامي في فلسطين، اواخر الثمانينيات بتأثير من الثورة الإسلامية في إيران ونتيجة مباشرة للقطيعة المذكورة آنفا؛ والتي شهدت اتساعا في اوائل التسعينيات اي بعد اتفاق اوسلو والاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.
وقد ساعد انتخاب خاتمي رئيسا للجمهورية في إيران في عام 1997 الى انفراج الاجواء بين ياسر عرفات والقيادة الإيرانية وتمت دعوته لحضور اجتماع القمة الإسلامية في طهران. والتقى عرفات بالرئيس محمد خاتمي ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني دون ان يتمكن من اللقاء بمرشد الثورة اية الله علي خامنئي. وقد طرأ تحسن طفيف في العلاقات بين السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الإيرانية دون ان تصل إلى المستوى المطلوب.
وفي الصراع الدائر منذ ثماني سنوات بين الإصلاحيين والمتشددين في إيران، ابدى الإصلاحيون تفهما وتأييدا لمواقف ياسر عرفات واعلنوا في صحفهم وبمناسبات عديدة – منها اثناء الحصار الإسرائيلي له في رام الله – ابدوا عن دعمهم لابوعمار في سياساته تجاه إسرائيل والسلام في الشرق الاوسط. فيما استمر المحافظون على ادانتهم لمواقف ياسر عرفات ودعمهم لغرمائه في حماس والجهاد الإسلامي. فلم يغفر هؤلاء لابوعمار وقوفه إلى جانب العراق في حربها ضد إيران والتي استمرت ثماني سنوات بل والاكثر من ذلك لم يغفروا له اتفاق السلام الذي عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل اسحق رابين وبمباركة الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى المستوى الشعبي انقلب الوضع الإيراني بالنسبة للقضية الفلسطينة عامة وياسر عرفات خاصة بسبب ما ذكرناه من اسباب وايضا بسبب دفاع السلطة الإيرانية من المنظمات الراديكالية في فلسطين. ولاننسى الدعاية التي تقوم بها القوى القومية والملكية المعارضة ومن ورائها إسرائيل لايجاد الفجوة بين الثورتين الإيرانية والفلسطينية ويبدو انها نجحت بعض الشيء في هذا المجال.
وعلى مستوى الاحزاب الإيرانية، فعلاوة على الفصائل الإصلاحية هناك قوى يسارية وقومية – إسلامية ليبرالية في الداخل والخارج تنتقد دعم السلطة الإيرانية للمنظمات الراديكالية وتبدى تعاطفها مع منظمة التحرير الفلسطينية وشخص ياسرعرفات.
رحيل عرفات والأوساط الاعلامية والسياسية
فقد اتسمت ردود فعل وسائل الاعلام الإيرانية وخاصة الحكومية والمحافظة منها بالبرودة تجاه وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ونقل اخبار مرضه،بل ولم تفوت بعض الصحف المتشددة الفرصة لتشن هجوما شرسا على قائد فارق الحياة لتوه وتلقى المدح والاشادة حتى من قبل غرمائه السياسيين في فلسطين كزعماء حماس وحركة الجهاد الإسلامي.
وغطت تظاهرات يوم القدس في طهران والمحافظات الإيرانية الاخرى على مراسم جنازة عرفات الرسمية في القاهرة والشعبية في رام الله والتي بثتها معظم القنوات التلفزيونية العربية والعالمية باعتبارها حدث تاريخي عظيم، فيما لم تبث القنوات التلفزيونية الحكومية في إيران والتي يهيمن عليها المحافظون، الا بضع دقائق من التشييع الذي اقيم لجنازته في القاهرة.
وقد اصدرت حكومة خاتمي الإصلاحية بيانا يوم الخميس الماضي معربة عن اسفها وحزنها لوفاة ابوعمار اكدت فيه:” لم يخف على اي شخص منصف وحر، الدور البارز لياسر عرفات في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وكفاحه ضد المحتلين الصهاينة طوال نصف قرن مضى. وقد تقاطع اسمه مع اسم فلسطين، حيث لاتنسى جهوده ومثابرته لطرح القضية الفلسطينية ومظلومية هذا الشعب
وضرورة دعمها في الأوساط الدولية والاقليمية”. وارسل خاتمي، وزيرخارجيته كمال خرازي إلى القاهرة للمشاركة في تشييع جثمان ابوعمار هناك. وقد اثنت بعض الصحف الإصلاحية كجريدة شرق على دوره لكنها اكدت على انتهاء عهده وبدء عهد جديد تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دورا بارزاً فيه على الساحة الفلسطينية. كما قدم رفسنجاني في اجتماع يوم القدس بطهران، تعازيه إلى الشعب الفلسطيني بمناسبة رحيل ياسر عرفات.
اما على الجانب الاخر شنت صحيفة «جمهوري إسلامي» المتشددة هجوما على ابوعمار بعد موته قائلة:” فقد تم اقصاء عرفات من قبل تل ابيب وواشنطن والاتحاد الاوروبي واعدوه – احيانا – بالعائق امام عملية التسوية وتسليم الفلسطينيين للمحتلين،بعد ان ثبت لهم بانه لم يعد بعد ذلك بيدقا بيد الكيان الصهيوني؛ وان الدول الغربية بحاجة إلى شخص اخر ليواصل السياسات الاستعمارية”.
ووصفت «جمهوري إسلامي» في قسم من مقالها المعنون ” فلسطين لاتموت بموت عرفات” وصفت ابوعمار بـ”بيدق إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وعنصر مطرود لشريحة واسعة من الشعب الفلسطيني المناضل”. وقالت: “فقد توقع الشعب الفلسطيني ان يتبرأ عرفات في الأيام الأخيرة من عمره من الخدعة التي اوقعه فيها الصهاينة والأمريكان وان يعترف بهذه الخدعة الغربية – الإسرائيلية لكن ومع الاسف لم يفعل ذلك”. ويتوقع الإيرانيون وبرحيل عرفات ان تبدأ مرحلة جديدة تشارك بموجبها المنظمات الفلسطينية المؤيدة لهم في السلطة الفلسطينية، وهذا ما يستبعده المراقبون حيث ان انتخاب محمود عباس رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية هي اشارة تعني عكس ذلك.