التيارات الإيرانية في المهجر تتجاذب نحو هدفٍ واحد
الزمان ـ 1 – 7 – 2004
طهران – لتطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وما يحدث في أفغانستان والعراق يحتم علينا ولقراءة الوضع السياسي في إيران، التعرف ليس على القوى السياسية الفاعلة في الداخل فحسب بل وعلى القوى والفصائل السياسية الإيرانية في الخارج والتي لها تأثيرها الخاص على الشأن الإيراني. فلا ننسى أن هناك تقليد راسخ لوجود معارضة سياسية إيرانية في الخارج يصل تاريخها إلى أكثر من قرن حيث احتضنت القاهرة واستانبول والهند والعراق منذ أواسط القرن التاسع عشر، شخصيات ومجموعات سياسية ودينية معارضة لحكم السلالة القاجارية، إذ كانت تصدر صحفها ومنشوراتها وفتاويها من هذه الدول وترسلها بشكل أو بآخر إلى داخل الإمبراطورية الفارسية الرازحة آنذاك تحت نير الحكام المستبدين.
وقد استمر التقليد هذا في عهد السلالة البهلوية وحتى زمن الشاه السابق حيث واجه ثورة شعبية عارمة في عام 1979 أدت إلى سقوطه. ولعبت القوى السياسية الإسلامية والماركسية والقومية المناضلة والمعارضة في الخارج دوراً لا بأس به في الإطاحة بنظام الشاه. وكانت في مقدمة هذه القوى، اتحاد الطلبة الإيرانيين في الخارج المعروف بـ (الكنفدراسيون) ذات الاتجاه اليساري والذي كان يعمل في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك مجموعة رجال الدين المؤيدة للراحل آية الله الخميني والتي كانت تتخذ من العراق وخاصة مدينة النجف مركزاً لنشاطها.
وقد عاد العديد من المناضلين بعد قيام الثورة إلى البلاد، لكن سرعان ما أدت الصراعات السياسية وقمع السلطة الثورية لأحزاب المعارضة إلى مغادرة العديد من الإيرانيين إلى الخارج. ويقدر حالياً عدد الإيرانيين الذين غادروا البلاد منذ قيام الثورة بـ 3 ملايين شخص، مليون منهم في الولايات المتحدة الأمريكية وتعتبر هذه، اكبر هجرة للإيرانيين في تاريخهم، عقب الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي. وبالطبع لم تكن حوافز الهجرة كلها سياسية بل هاجر العديد من الإيرانيين لأسباب اقتصادية ومعيشية.
التيارات السياسية الإيرانية في الخارج
يمكن لنا أن نشير إلى 4 تيارات سياسية رئيسية في خارج إيران تنشط أساساً في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية: التيار الملكي والتيار القومي (الفارسي) والتيار اليساري وتيار القوميات غير الفارسية. ضف إلى ذلك بعض المجموعات الإسلامية التي تعارض النظام الإسلامي في إيران بأسماء مختلفة غير أنها لم تشكل تياراً بارزاً.
أولا ــ التيار الملكي : يتزعم رضا بهلوي نجل الشاه السابق الطيف الرئيسي من هذا التيار حيث يوجد طيف آخر يختلف معه. فالحركة الملكية في الخارج لم تصف نفسها بالملكية أي (سلطنت طلب) بالفارسية بل ترجح أن تصف نفسها بالحركة الدستورية في إيران وذلك لعلمها بمدى كراهية الجماهير لـ (السلطنة) والملكية في إيران. ويعلق الملكيين آمالاً كبيرة ً على الولايات المتحدة الأمريكية لتقوم بعمل عسكري ما ضد إيران لتنصب رضا بهلوي ملكاً على البلاد.
وقد انتعشت هذه الحركة في أعقاب الهجوم الأمريكي على أفغانستان ومن ثم العراق، وكانت آخر محاولاتها استغلال المظاهرات الطلابية في حزيران (يونيو) 2003 غير أن كافة جهودها باءت بالفشل بسبب فقدانها للقاعدة شعبية العريضة خاصة بين المثقفين في إيران وذلك بالرغم من وجود أكثر من 10 شبكات فضائية فارسية والعديد من الإذاعات ومواقع الانترنت التي تبث من الولايات المتحدة الأمريكية.
إرساء الديمقراطية:
وتدعي الحركة الملكية بأنها تسعي لإرساء الديمقراطية، غير أن تاريخ حكمها الاستبدادي ينفي هذه الادعاءات. وتؤكد القوى الديمقراطية أن أي نظام وراثي في إيران سيؤدي في النهاية إلى حكم استبدادي لا محالة.
ورغم مجاملاتها الدبلوماسية بشأن الصداقة مع بعض الدول العربية كمصر والأردن، فان خطاب الحركة الملكية قائم على الاستعلاء العنصري والتحالف مع الكيان الإسرائيلي. ويدعي فصيل من الحركة الملكية يدعي حزب (سومكا) في موقعه علي الانترنت بأن العرب الاهوازيين في إيران هم ضيوف ينبغي إجتثاث جذورهم وتهجيرهم إلى العالم العربي تدريجياً.
ثانيا ــ التيار القومي : حيث يتواجد قسم منه في الداخل وقسم آخر في الخارج. فعلى سبيل المثال هناك فصيلين أو أكثر في الداخل والخارج يقولون بأنهم يمثلون الجبهة الوطنية (جبهة ملي) وهي من أركان هذا التيار حيث تدعي بأنها وريثة خطاب الزعيم الوطني الراحل محمد مصدق الذي كان رئيساً للوزراء في أوائل الخمسينات من القرن المنصرم. كما وتنتمي أحزاب صغيرة كحزب الأمة الإيراني ( حزب ملت إيران) وحزب بان ايرانيست إلى هذا التيار القومي (الفارسي) المتشدد. ولا يقل خطاب هذا التيار عداءاً للعرب من التيار الملكي.
ولا تتجاوز الديمقراطية التي ينادي بها التيار القومي إطارها الفارسي.
ثالثا ــ التيار اليساري : الذي يضم أحزاب وفصائل ومجموعات سياسية تمتد من أقصى اليسار إلى أقصى الاعتدال. ومن فصائل هذا التيار يمكن أن نشير إلى منظمة فدائيي الشعب التي انشقت خلال الأعوام الماضية إلى (أكثرية) و(أقلية) ومجموعات صغيرة أخرى، بعضها مثل مجموعة (الأقلية) متشددة تطالب بإسقاط النظام وبعضها معتدل مثل (الأكثرية) تطالب بتغيير ديمقراطي سلمي في النظام الإيراني. كما وهناك حزب (توده) الشيوعي ومجموعات صغيرة منشقة منه. ناهيك عن منظمة (طريق العامل) والحزب الشيوعي العمالي، حيث تقع هذه الفصائل الصغيرة على أقصى محور اليسار الإيراني. فالتيار اليساري لم يتواجد بشكل تنظيمي في الداخل غير أن بعض فصائله المعتدلة لا تزال تتمتع بوجود مؤيدين ومناصرين لها حيث يتوقع أن تكون لها قاعدة شعبية إذا سمحت الظروف لهذه الفصائل بالعمل العلني على الساحة الإيرانية.
رابعا ــ تيار القوميات غير الفارسية : والتي بدأ بتكوين خطابه الخاص ومنافسة الخطابات الإيرانية الأخرى بعد قيام الثورة الإسلامية ولاسيما في الحقبة الأخيرة. فإذا استثنينا بعض المجموعات الصغيرة جدا، فان معظم الفصائل والمجموعات الخاصة بالأتراك الاذريين والأكراد والعرب الاهوازيين والبلوش والتركمان في المنفى تطالب بإحقاق حقوقها القومية في إطار إيران الموحدة حيث تمتد هذه الحقوق من الحكم الذاتي إلى الفدرالية وحق تقرير المصير.
وأما الفصائل الإسلامية المعارضة في الخارج كمنظمة مجاهدي خلق و(الموحدين) وأنصار علي شريعتي لا تشكل تيارا مؤثرا في الداخل بسبب تماثل أسس خطابها مع الخطاب الحاكم. فمنظمة مجاهدي خلق التي كانت تتخذ من العراق مقراً لعملياتها المسلحة ضد الحكومة الإيرانية أصبحت مشلولة بعد احتلال العراق. ولا تشعر الحكومة الإيرانية حالياً بأي خطر من هذه المنظمة.
التحالفات السياسية:في الختام ينبغي أن نشير إلى تحالفات سياسية جديدة تم تشكيلها في العامين الأخيرين أي بعد أحداث أفغانستا
ن والعراق وتحركات الملكيين في الخارج وهذه التحالفات هي: اتحاد الجمهوريين الإيرانيين (اتحاد جمهوري خواهان إيران) واتحاد الجمهوريين الديمقراطيين العلمانيين (اتحاد جمهوري خواهان دموكرات ولائيك). فالتحالف الأول أوسع واكبر من الثاني ويضم شخصيات ومجموعات يسارية ووطنية وقومية ودينية تعيش في المنفي ويدعي بأنه يسعى لإيجاد تغيير سلمي وديمقراطي في الحكم. وقام اتحاد الجمهوريين بدعم الإصلاحيين في جهودهم لإصلاح النظام في إيران غير انه وجه أيضا انتقاداته لأدائهم في الداخل. فيما ينفي اتحاد الجمهوريين الديمقراطيين العلمانيين، كل تيارات النظام جملة ً وتفصيلا ً ويطالب بتغيير شامل.
ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية وبعد يأسها من إنشاء بديل ملكي لإيران تحبذ المغازلة مع اتحاد الجمهوريين حيث تعتبر اتحاد الجمهوريين الديمقراطيين العلمانيين، يسارياً راديكالياً. وتستخدم كل هذه الفصائل والمجموعات، الانترنت كوسيلة لإيصال صوتها إلى الداخل غير أن (فلترة) مواقع هذه المنظمات من قبل المسئولين أحبط ولو مؤقتا أي نشاط واسع لها في الداخل.
وتتسم مواقف اتحاد الجمهوريين تجاه العرب بالاعتدال حيث تنتقد مواقف النظام الإسلامي الموالية لما تصفه بالقوى الراديكالية في العراق وفلسطين. غير أن هذه المواقف وبرغم تلوثها بشيء من الشوفينية تبقى اقل تشددا من مواقف الملكيين والقوميين الفرس.