هوية إيرانية أو هوية فارسية؟

يوسف عزيزي
الشرق القطرية الأربعاء 02 يونيو 2004
Alsharqتحدثنا في مقال سابق عن موضوع الهوية الايرانية على الاجندة الحكومية وذلك بمناسبة ندوة سياسية عقدتها وزارة الداخلية الايرانية في طهران الاسبوع الماضي. ويتوقع المراقبون ان تصبح قضية القوميات غير الفارسية، القضية الاهم خلال الاعوام العشرة المقبلة حيث اخذت تطرح نفسها حاليا وبالتدريج على الصعيدين الشعبي والحكومي. ويبدو ان الأمر يتطلب اعادة المعنى للهوية القومية الايرانية وتصحيح ما كان سائدا حتى الان في الخطاب الرسمي.
فقبل ان نتطرق الى مفهوم هذه الهوية ينبغي الاشارة إلى ان حركة القوميات غير الفارسية انبثقت من خلال التطور الحديث في تاريخ ايران المعاصر وشهدت صعودا وهبوطا منذ ثورة الدستور في اوائل القرن المنصرم وحتى اللحظة.
السلالة الصفوية والتشيع
كان الملك او “الشاه” او”الكسرى” قبل الاسلام المكون الاساسي للهوية الايرانية التي كانت تعرف انذاك بالهوية الفارسية رغم وجود شعوب وقوميات اخرى تقطن الامبراطورية الفارسية.
وقد وصف اليونانيون بلاد ايران بـ”البرشيا” وهي ماخوذة عن مفردة “بارس” حيث حرفها العرب ووصفوها ببلاد” فارس” والقاطنين فيها بالفرس. واصبح الدين الاسلامي مكونا اساسيا للهوية الايرانية بعد الاسلام ليحل محل “الشاه” ذي الكاريزما الدينية والتاريخية، حيث اصبحت بلاد فارس جزءا من الامبراطورية الاسلامية وتابعة للخلافة العربية. لكن وبعد انبثاق الامبراطورية العثمانية السنية القوية على اطلال الامبراطورية البيزنطية، اخذ الصفويون – وهم اتراك اذريون – يبحثون عن هوية لايران تبعث لها قوتها وقدرتها المفقودة اثر الفتح العربي – الاسلامي وذلك لمنافسة العدو العثماني؛ وقد وجدوا ضالتهم في التشبه بالحضارة الفارسية السائدة قبل الاسلام. واختارت السلالة الصفوية التي وصلت للسلطة في القرن السابع عشر، اختارت المذهب الشيعي، مذهبا رسميا ليميزها عن العثمانيين، حيث اصبح فيما بعد واثر الاقناع والقوة أحد المكونات الرئيسية للهوية الوطنية الايرانية. ونقول الهوية الوطنية ولانقول الهوية القومية لان ايران لم تكن وعبر تاريخها الطويل بلاداً ذات قومية واحدة، غيران للفرس كانت اليد العليا قبل الاسلام. وخسرت الامبراطورية الفارسية واثر اختيارها المذهب الشيعي، العديد من الاقاليم السنية التابعة لها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر منها افغانستان وبعض دول القوقاز وآسيا الوسطى.
السلالة البهلوية واللغة الفارسية
استمرت السلالات التي اعقبت السلالة الصفوية على نفس النهج لكن دون قوة الصفويين، حتى وصلت السلالة البهلوية الى الحكم على انقاض السلالة القاجارية في نهاية الربع الاول من القرن العشرين حيث قضت على انجازات ثورة الدستور التي كانت في الحقيقة ثورة وطنية – ديمقراطية. وحاول رضا شاه مؤسس السلالة البهلوية وكاسلافه الصفويين ان يعيد مجد ايران القديمة غير أنه لم يتمكن من بسط الامبراطورية الفارسية بسبب وجود عملاقين استعماريين: الامبراطورية القيصرية الروسية والامبراطورية البريطانية. فعليه اكتفى رضا شاه وخلفه محمدرضا شاه بترسيخ الخطاب الفارسي القائم على اللغة والثقافة الفارسيتين ضاربا عرض الحائط باللغات والثقافات الايرانية الاخرى كالتركية الاذرية والكردية والعربية الاهوازية والبلوشية والتركمانية. واللطيف في الامر ان مفردة “ايران” سادت رسميا في عهد رضا شاه اي بعد ان اصدر اوامره بتغيير اسم “برشيا” من الوثائق الرسمية والدولية في عام 1936.
وقد عمد الخطاب الرسمي ان يكرس الهوية الايرانية على اساس اللغة الفارسية دون المساس بالمكون السابق اي المذهب الشيعي وذلك رغم معاداة رضا شاه لرجال الدين الشيعة.
وقد ساد هذا الخطاب بالقوة ورأى تجاوبا من قبل المثقفين الفرس حيث منح الهيمنة للغة الفارسية رسميا بعد ان كانت كل قومية ايرانية تحتفظ بلغتها وثقافتها في ولايتها بل وكانت تتمتع بادارة ذاتية لنفسها. لكن سرعان ما واجه التعبير الفارسي للهوية الايرانية تحديات اساسية تجلت في انتفاضات قامت بها القوميات غير الفارسية خلال الاعوام الثمانين الماضية. وكان ابرزها الاعلان عن اقامة جمهورية مهاباد في كردستان ايران وسلطة الحكم الذاتي في اذربيجان 1925-1924. وقد استمرت الشعوب والقوميات غير الفارسية بعد الثورة الاسلامية في نضالها للمطالبة بحقوقها القومية محاولة بذلك تغيير التعريف الخاص بالهوية القومية الايرانية والناشئ اساسا عن الخطاب الفارسي.
هل هناك أزمة هوية في إيران؟
فرغم خطابها الاممي – الاسلامي لم تغير الثورة الايرانية، الخطاب القومي السابق والقائم على اللغة الفارسية والمذهب الشيعي غير انها وخلافا للنظام الملكي اعطت الاولوية للمذهب الشيعي في تركيبة هذا الخطاب. ويواجه هذا التعريف للهوية القومية الايرانية تحديا من جانبين: الخطاب القومي الفارسي الذي يؤكد على اولوية اللغة والثقافة الفارسيتين في تعريفه للهوية الوطنية الايرانية حيث يعتبر المذهب الشيعي جزءاً من هذه الهوية لكن كعنصر ثانوي وخطاب القوميات غير الفارسية الذي يعارض التعريفين ويؤكد على تعريف ايران وهويتها الوطنية ليس على اساس العرق (الاري) او المذهب (الشيعي) او اللغة (الفارسية) بل على التعددية القومية والاثنية واللغوية والمذهبية. اي انه يطالب بتعريف حديث للمجتمع الايراني قائم على التعددية وحقوق الانسان والمجتمع المدني وذلك كما هو قائم في مجتمعات تماثل ايران في تركيبتها الاثنية والقومية كسويسرا وبلجيكا والهند وافغانستان والعراق.
ويؤكد خطاب القوميات الايرانية غير الفارسية ان ازمة الهوية في ايران تنم عن تعريف القومية الايرانية على اساس عنصري اللغة الفارسية والمذهب الشيعي؛ حيث اذا اكدنا على اللغة الفارسية فقط فاننا نخرج العرب والترك والكرد والبلوش والتركمان اي اكثر من نصف سكان ايران من دائرة القومية الايرانية واذا ركزنا على ما يسمى بالعرق الاري، فاننا نطرد العرب والاتراك وهم اكثر من %40 من سكان ايران واذا اكدنا على المذهب الشيعي فاننا نخرج فعلا اهل السنة اي نحو %10 من سكان البلاد من هذه الدائرة. فعليه ان ازمة الهوية القومية او الوطنية الايرانية المتجذرة في تاريخ ايران المعاصر تشتد يوما بعد يوم اثر انحسار الخطاب الديني الحاكم والعولمة وثورة المعلومات والتحولات الدولية والاقليمية التي تزيد من مستوى الوعي السياسي والثقافي لدى القوميات والشعوب غير الفارسية.
فعلى كل حال تطالب هذه الشعوب والقوميات بتعريف حديث للهوية الوطنية الايرانية يختلف تماما عما كان سائدا حتى الآن في الخطاب الرسمي والذي نشأ عند قيام الدولة القومية في ايران قبل سبعة عقود. ومن المعروف بان انبثاق “الدولة – الامة” في ايران لم يتم بصورة طبيعية كما حدث في الهند مثلا، بل ترافق مع العنف والقمع والقوة لتفريس القوميات غير الفارسية وهي الوسائل التي استخدمها رضا شاه لتدشين ما يسمى بالدولة القومية في ايران.

جديد الموقع

الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


حول استقالة مستشار روحاني,مناظرة تلفزيونية


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور