يوسف عزيزي
ستشهد إيران، انتخابات رئاسية واخرى بلدية يوم 19 ايار/مايو، وقد بدأ بالفعل المرشحون منذ 28 نيسان/ابريل حملاتهم الانتخابية.
وفقا للإحصاءات الرسمية الصادرة في العام 2016، تضم إيران نحو 80 مليون نسمة، منها 39 مليون أمرأة و9 ملايين سني؛ يمنع الدستور الإيراني هؤلاء ال 48 مليون من الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية. كما تشكل القوميات غير الفارسية نحو 60 في المئة من سكان إيران، غيرانها تتعرض لتمييز ممنهج، ولم تتمتع بالحقوق الكاملة للمواطنة، إما بسبب إثنيتها غير الفارسية وأما بسبب دينها ومذهبها المختلف عن الدين والمذهب الرسمي. وعادة يرفض مجلس صيانة الدستور، اهلية هؤلاء للترشح لرئاسة الجمهورية رغم انتماء البعض منهم للمذهب الشيعي، بل ويضيّق دائرة المرشحين لتضم فقط المؤمنين بنظام الجمهورية الاسلامية ومبدأ ولاية الفقية.وما نراه من منافسات في الانتخابات الرئاسية في إيران تتم في هذه الدائرة الضيقة التي مر مرشحوها عبر مصافي (فلترات) مختلفة.
فحتى العام 1997 اي الدورة السابعة للانتخابات الرئاسية التي فاز فيها المرشح الاصلاحي محمد خاتمي على المرشح المحافظ علي اكبر ناطق نوري، كانت الانتخابات شكلية دون اي منافسة مثيرة؛ غيرانه ومنذ ذلك العام ولأسباب سياسية واجتماعية، وللحيلولة دون وقوع انفجار سياسي، اضطر النظام الإيراني ان يفتح المجال للتنافس بين الجناحين المشاركين والمتصارعين على السلطة اي المحافظين والاصلاحيين. ويمنح هذا الصراع الجلي، فرصة ولو قصيرة، للناشطين والقوى السياسية المختلفة بما فيهم المنتسبين للشعوب غير الفارسية كي يطرحوا مطالبهم الاجتماعية والثقافية.
القوميات في صلب الحملات الانتخابية
فمنذ ذلك التاريخ، اصبحت قضية القوميات غير الفارسية في صلب الحملات الانتخابية للمرشحين من الجناحين حيث يحاول المرشحون استمالة هذه القوميات من خلال التقرب اليها بعد ان انكرها الخطاب الرسمي لمدة عقدين من الزمن. وقد طالبت هذه الشعوب بحقوقها القومية بعد سقوط الشاه في العام 1979، غير انها تعرضت لعمليات قمع ممنهجة شملت العرب والكرد والتركمان، والبلوش والترك الأذريين.
لكن لماذا هذا التوجه بعد القمع الدامي الذي تعرضت له الشعوب غيرالفارسية في الاعوام الاولى بعد قيام الثورة؟
للرد على هذا السؤال يجب ان نلقي نظرة على وضعها خلال العقدين الماضيين. في الواقع ادى الاضطهاد القومي والعنصري لهذه الشعوب الى ردود فعل خاصة لكل منها؛ وقد ساعدت ثورة المعلومات في تطوير وعيها القومي واسلوبها النضالي.
فقد اتسم النضال في اقليم بلوشستان الذي تقطنه اغلبية بلوشية سنية وكذلك اقليم كردستان ذات الاغلبية الكردية السنية بالعنف، فيما يشهد اقليم أذربيجان نضالا مدنيا سلميا، ويقع اقليم عربستان بين الاثنين اي ان هناك نضال سلمي يتسم احيانا بعمليات عنف تستهدف انابيب النفط او مؤسسات حكومية اخرى. يضم اقليم أذربيجان الذي تقطنه اغلبية تركية أذرية، محافظات زنجان وأردبيل وأذربيجان الشرقية وأذربيجان الغربية، وتُعد القومية التركية الأذرية ثاني اكبر قومية بعد الفرس ويشكل الاتراك نحو ثلث نسمة إيران.
وقد كان لتصويت الشعب الكردي لصالح احمد توكلي ضد منافسه – الرجل القوي انذاك – هاشمي رفسنجاني في الانتخابات الرئاسية عام 1993 وكذلك تصويت اغلبية الشعب التركي في اقليم أذربيجان لصالح ابن جلدتهم، محسن مهر علي زاده في انتخابات عام 2005 ، انذار للنظام الإيراني ومؤشر علني على تنامي الاحاسيس القومية بين الشعوب غير الفارسية. اذ تخلف المرشحون الفرس من التيارين الاصلاحي والمتشدد وبينهم هاشمي رفسنجاني ومصطفى معين ومهدي كروبي ومحمود احمدي نجاد (الذي فاز في 2005) عن المرشح التركي، مهر علي زاده في تلك الانتخابات.
كما لم يفز حسن روحاني على غرمائه المتشددين في العام 2013، لو لم يتمتع بدعم القوميات غير الفارسية، بعد ان وعدهم بتفعيل المادة 15 من الدستور الإيراني القاضية بتعليم اللغات غير الفارسية في المدارس والجامعات واقامة مجامع للغتين الكردية والتركية في كردستان وأذربيجان، ورفع التمييز القومي والعنصري والمذهبي، ومنح مناصب مفصلية لغير الفرس واهل السنة، وتغيير النظرة الامنية للقوميات غير الفارسية وفقا لبيانه السياسي الصادر انذاك. ولم يفي روحاني بمعظم وعوده تلك، بل اختزلها بتدريس مادة اللغة الكردية في جامعة سنندج، عاصمة اقليم كردستان، ومادة اللغة التركية الأذرية في جامعة تبريز، عاصمة اقليم أذربيجان. وعين علي يونسي وزير الاستخبارات في عهد خاتمي مستشارا له لشؤون القوميات والاقليات الدينية في إيران. وقد كشر يونسي عن انيابه الامنية والقومية مؤكدا على افكار شوفينية فارسية توسعية في المنطقة.
القوميات وانتخابات 2017
حاول مرشحو التيارين المحافظ والاصلاحي كسب اصوات القوميات غير الفارسية بشتى الطرق منها شكلية، كارتداء احمدي نجاد، الزي العربي في اقليم عربستان(الأهواز) والزي الكردي في اقليم كردستان خلال حملته الانتخابية في العام 2009، ومنها بشكل برامج انتخابية كالبيان رقم 3 لحسن روحاني في العام 2013 والذي يحوي على 10 بنود خاصة بالقوميات والاقليات اشرنا اليها آنفا.
لايملك التيار المتشدد اي برنامج سياسي لحل معضلة القوميات في إيران، بل يركز على قضايا عامة ويطرح شعارات لحل مشكلة الفقر والبطالة في البلاد وتوزيع قسم من إيرادات النفط على السكان وهي شعارات شعبوية ليست الا. وهذا يفسح المجال لمرشح التيارين الاصلاحي والمعتدل حسن روحاني للعب على ورقة القوميات. غير ان عدم تنفيذ روحاني لمعظم البرامج الخاصة بالقوميات التي طرحها في حملته عام 2013 ادت الى خيبة أمل بعض الاحزاب والشخصيات السياسية المنتسبة للقوميات غير الفارسية. ضف الى ذلك تصاعد وتيرة الاعدامات من النشطاء الكرد والعرب خلال فترة رئاسته، التي يدعي انها تتم بواسطة السلطة القضائية التي يرأسها غريمه المتشدد صادق لاريجاني المعين من قبل المرشد الاعلى علي خامنئي. وقد شاهدنا اولى ردودفعل القوميات غير الفارسية عندما خاطب حسن روحاني يوم الاحد الماضي، الجماهير الأذرية في مدينة اورمية باقليم أذربيجان، حيث ردد البعض شعارات مناهضة له واصفينه بالمخادع والكذاب.
وقد اصدر 6 احزاب كردية إيرانية تقيم في الخارج، بيانا مشتركا قاطعت فيه المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبلدية في إيران. كما قاطعت مجموعات سياسية اهوازية وبلوشية في الخارج، هذه الانتخابات، فيما تتفق معظم النخب الأذرية على ضرورة المشاركة في الانتخابات لكن بشروط. ويبدو ان مايجري على الارض في الداخل يختلف نوعا ما. فيما يشهد اقليم بلوشستان، عمليات مسلحة، كان اخرها مقتل 10 عسكريين إيرانيين يوم 26 نيسان/ابريل الماضي، تشهد اقاليم كردستان وعربستان وأذربيجان، نشاطا لإكتساح مقاعد المجالس البلدية من قبل القوى القومية في هذه الاقاليم. وتشتد المنافسة والمشاركة في انتخابات البلدية في بعض المدن المختلطة اثنيا. فعلى سبيل المثال ستشهد مدينة الأهواز تنافسا محموما بين الاغلبية العربية والاقلية الفارسية التي تتمتع بدعم السلطة المركزية وكذلك مدينة اورمية التي تضم اغلبية تركية أذرية واقلية كردية. وهذا يعني اننا سنشهد مشاركة واسعة في الانتخابات البلدية تتأرجح بين الستين الى خمسة وسبعين في المئة. وفيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية ورغم مقاطعة الاحزاب المذكورة آنفا فان العامل الذي يحسم المشاركة او المقاطعة في الانتخابات الرئاسية هما الشعبان الفارسي والتركي الأذري. وبما ان الطبقات الوسطى لهذين الشعبين، زايد فئات من الشعوب الاخرى تخشى صعود مرشح متشدد من نوع ابراهيم رئيسي أومحمدباقر قاليباف، ستهرع الى صناديق الاقتراع وستصوت لصالح روحاني بسبب حشرها في الانتخاب بين السيئ (روحاني) والاسوأ(رئيسي أو قاليباف) وعدم وجود خيار مناسب آخر. لكن اذا حاول الحرس الثوري وبيت المرشد الاعلى القيام بالتزوير والتلاعب بالاصوات كما حدث في العام 2009، ستتغير اللعبة لصالح ابراهيم رئيسي الذي يتمتع بدعم مباشر من المؤسسات الدينية في قم و طهران ودعم غير مباشر من المرشد الاعلى علي خامنئي.
وينشطر المجتمع الإيراني حاليا على نفسه في إختيار طريقه لتجاوز نظام ولاية الفقية والانتقال الى نظام ديمقراطي، تعددي ولامركزي. قسم من الإيرانيين يرجحون ان يتم هذا الانتقال عبر صناديق الاقتراع والتصويت لصالح الاصلاحيين والمعتدلين وهزيمة المتشددين ويعتقدون ان هذا الامر سيؤدي الى تعزيز جبهة قوى الاصلاح والتغيير ليس على مستوى الحكومة فحسب، بل على مستوى السلطة ايضا، اي انه يؤدي – حسب رأيهم – الى تغيير موازين القوى في اعلى هرم السلطة ويزعزع المتشددين ويضعف مواقعهم هناك؛ وهي عملية تتطلب وقتا ليس بالقصير. لكن هناك قسم اخر من الإيرانيين الذين ينادون بمقاطعة الانتخابات، فالبعض منهم يؤمن بضرورة القيام بثورة جديدة واستخدام كافة الوسائل بما فيها العمل المسلح والبعض الاخر، اضافة على ماذكرته، يعول ايضا على الدعم الخارجي لحدوث مثل هذا التغيير المنشود. ونشاهد مثل هذا التوجه بين مؤسسات متنافرة فيما بينها، كالاحزاب الكردية والاحزاب الانفصالية للقوميات ومنظمة مجاهدي خلق ومؤيدو إعادة الملكية لإيران، غير ان الانتخابات الرئاسية المتعاقبة في إيران تحبط، او لنقل تؤخر النهج الثاني بسبب المشاركة المرتفعة فيها والتي لم تصل الى اقل من خمسين بالمئة من المؤهلين للتصويت في البلاد.
فعلاوة على تقربه للقوميات وإثارته لهذه القضية الحساسة، هاجم حسن روحاني خلال الايام القليلة الماضية، المتشددين وعلى رأسهم ابراهيم رئيسي متهما اياه بالمشاركة بتنفيذ مذبحة السجون الإيرانية في العام 1988 والتي راح ضحيتها اكثر من 5000 سجين سياسي.
واخذ روحاني يلعب على حبل القوميات ونقد ماضي ابراهيم رئيسي وقضايا حساسة كمشروع الصواريخ الباليستية المدعومة من قبل الحرس الثوري، ويبدو انه ينوي التوغل اكثر فاكثر في هذه الامور وتخطي الخطوط الحمر؛ وهو السياسي الامني السابق الذي يعرف خبايا النظام، مستغلا بذلك الوضع الدولي والاقليمي المعادي لصلب النظام الايراني المتشدد. والسؤال هو: الى اي مدى يمكن ان يتحمل النظام مثل هذه الهجمات التي تضعفه؟ فهل يقوم غرمائه السياسيين في السلطة بحذفه كي يحولوا دون دفع ثمن مايقوم به هذه الايام، كما فعلوا في الانتخابات الرئاسية عام 2009 عندما حذفوا ميرحسين موسوي ومهدي كروبي ووضعوهم تحت الإقامة الجبرية؟ ام ان المتشددين ينوون الاستمرار باللعبة حتى يوم 19 ايار/مايو بكل تبعاتها؟
09/05/2017